شكلت قرارات حكومة عبد الإله بنكيران منذ توليه رئاسة الحكومة، أرضية لتفجر العديد من الأزمات الإجتماعية والسياسية، خاصة تلك المتعلقة بالشق الاقتصادي والتي انعكست سلبا على فئات عريضة من الأجراء والمعطلين وطلبة التكوين والمواطنين البسطاء، ذلك ما يفسر تصاعد وثيرة الاحتجاج اليومية والإضرابات إضافة إلى تصدعات سياسية داخل وخارج مكونات الحكومة.
بدأت قرارات حكومة عبد الإله بنكيران، المُشعِلة لفتيل الاحتجاجات على مستوى صناديق التقاعد ورفع أسعار المواد الاستهلاكية وتوطين مشاريع عدوة للبيئة والعديد من القرارات التي تمس بالمواطنين والأجراء في مختلف المجالات، ثم إلى الأجيال الصاعدة ومن يُعوَّل عليهم في بناء الدولة، والبداية مع طلبة الطب، عبر إدراج قانون “الخدمة الإجبارية” وكان ردهم بالنزول للاحتجاج في أكثر من مرة حيث تحولت نضالاتهم إلى احتجاجات شبه يومية وحاولت الدولة في أكثر من مناسبة منع هذه الاحتجاجات و”قمعها” لكن إصرار الطلبة في ظل التضامن الشعبي زاد لملفهم المطلبي مزيدا من الشرعية، حينئذ لجأت الحكومة إلى الحوار مرات ومرات وخلصت إلى حل “وسط ” بين الطلبة والحكومة.
وما انفكت احتجاجات الطلبة تخمد، حتى خرج “الأساتذة المتدربون” للاحتجاج على المرسومين 2.15.588 و 2.15.589 القاضيين بفصل التكوين عن التوظيف وتقليص المنحة من 2450 درهم إلى 1200 درهم، حيث كان رد الحكومة التجاهل ثم التجاهل، قبل أن تلجأ إلى العنف، حتى أصبحت دماء “اساتذة الغد ” تنزف تحت أحذية عناصر القوات العمومية. لم يكن تعامل الحكومة مع ملف الأساتذة كالطلبة، إذ عللت وزارة الداخلية ذلك بكون ملف الأساتذة “مسيس” من طرف منظمة معروفة تقف وراءهم، هذا المبرر كان حافزا لوزارة حصاد لتتبنى صراحة إسالة دماء الأساتذة، وأكثر من ذلك أعلنت الوزارة عن اصرارها على منع مزيد من تظاهراتهم، ودون أمل في فتح أي حوار أو حل لأزمتهم حسب تصريح وزير الداخلية محمد حصاد عقب حديثه عن الموضوع في مجلس المستشارين خلال هذا الأسيوع.
الأساتذة يتسببون في صراع خفي بين الدولة و”الإخوان “
كانت أحداث “الخميس الأسود” قفزة نوعية في تظاهرات الأساتذة المتدربين، قبل أن تزكيها حقنة التعاطف الشعبي، بعدما أقدمت القوات العمومية على تعنيف الأساتذة المتدربين في مدينتي إنزكان والدار البيضاء، غير أن مسؤولية هذا التدخل العنيف جعل عبد الإله بنكيران ينكر علمه بالواقعة، بينما صرح وزير الداخلية محمد حصاد أن التدخل في حق الأساتذة جرى بتنسيق مع رئيس الحكومة.
وعلق مراقبون مغاربة على الجدال القائم بين وزير “الدولة” محمد حصاد وعبد الإله بنكيران عن “حزب العدالة التنمية”، أن الدولة تُريد إلصاق قرارات خطيرة بحكومة عبد الإله بنكيران، بينما الأخير يرى أن هناك جهودا لتوريط التجربة السياسية المصنفة في اطار “التنظيم الدولي للإخوان المسلمين” في المغرب،حسب ما صرح به ينكيران لقناة الجزيرة بقوله إنهم جاؤوا من تجربة “الإخوان”.
وقد عبر بنكيران عن الصراع القائم بين “الدولة ” و” الإخوان”، بنفيه أنه يعلم بقرار التدخل، غير أنه استدرك وقال “إنني اتحمل كل المسؤولية” في اشارة إلى أنه يدفع ضريبة وصوله إلى الحكومة، بحسب ما يرى الناشط يونس الضاوي في حديثه لـ”بديل.أنفو”.
ولوحظ منذ تعنيف الأساتذة المتدربين، عدد كبير من تصريحات قيادات حزب العدالة والتنمية، تدين وأخرى تتضامن مع الأساتذة وكأنها غير معنية أو كأنها في مركز معارضة.
الناشط والباحث الحقوقي، احمد بنعدي، يرى في تصريح لـ”بديل.أنفو” أن قول بنكيران بكونه غير مسؤول عن التظاهرة هو رسالة لقواعده ولمن صوت على حزبه، بأن هناك أيادي أخرى تعمل خلفه.
وأضاف، وزارة الداخلية هي وزارة سيادية وهي تطبق قرارات الدولة، والمسؤول الوحيد عنها هو الملك، أما بنكيران غيدفع ضريبة ارتمائه في حضن “المخزن” وبذلك ينفد بكامل الوعي آخر أشواط “تفكيك القطاع العمومي ورفع وثيرة القمع “.
المزيد من الإجراءت والقرارات المرة على يد الحكومة
اعترف بنكيران بكون القرارات والإجراءات التي تتخذها الحكومة ليست سهلة ومؤلمة لفئات عريضة من الشعب، إذ قال في إحدى خطاباته بمجلس المستشارين إن “الإصلاح” الذي يقوده، عبارة عن دواء مر وعلى المغاربة أن يتحملوا ذلك وعليهم ايضا أن يتحلوا بالصبر.
وبالإضافةإلى إقرار الحكومة للمرسومين المذكورين القاضيين بفصل التوظيف عن التكوين وتقليص المنح، نجد أيضا مخطط الحكومة في إطار “الخوصصة وتفويت القطاع العمومي للخاص”، إذ يهدف هذان المرسومان إلى جعل المراكز الجهوية للتربية والتكوين مجرد معاهد لتأهيل “مهنيي التربية”، لولوج “سوق شغل جديدة ” وهي ” السوق” التي وصفتها منظمة أطاك المغرب في بيان لها للرأي العام بـ”سوق التربية التي يتم تسليعها”.
وترى المنظمة غير الحكومية أن المخرجين من مراكز التكوين لن يصبحوا موظفين في وزارة التربية الوطنية أو يؤدا المهام التربوية كخدمة عمومية، بل مجرد حاملين لشهادات تأهيل مهني، يتنافسون مع بعضهم للحصول على منصب شغل بأي شروط، مما سينعكس سلبا على حقوقهم، وكذلك على مكاسب الشغيلة التعليمية ككل، وأضاف بيان أطاك أن اجراء الحكومة “سيفتح المجال للرأسمال وللاستثمار حتى في تكوين المدرسين، وذلك بإنشاء مراكز خاصة لتكوين الاساتذة أو لخوصصة تلك القائمة الان.
وهو ما اعتبرته المنظمة، بأن الدولة تتخلص من تكاليف تكوين المدرسين ومن توظيفهم، ورمي ذلك على عاتق المعنيين، وقد تم تطبيق نفس الشيء سابقا فيما تعلق بالممرضين.
قطاع التعليم.. معاناة جسم لم يجد الدواء !
ما فتأت كل الإصلاحات التي تعلنها الحكومة الحالية أو المتعاقبة، إلا وتنذر بانهيار الجسم التعليمي، فجل الوصفات التي قُدِّمت لقطاع التعليم فشلت فشلا ذريعا، رغم أن بعض “الإصلاحات “، أقترض المغرب من أجلها أموالا طائلة من بنوك ومؤسسات مالية دولية، كالبرنامج الاستعجالي الذي امتد أربعة سنوات و أنفقت عليه الوزارة ملايير السنتيمات.
ومن جهة أخرى، أكدت الدولة ذلك جليا في قانون المالية برسم السنوات الأخيرة حيث اعلنت تقليص ميزانية التعليم تدريجا مما سيجعل مشاكل هذا الجسم تتفاقم ولحل المشاكل الناتجة عن هكذا سياسة يلجأ المسؤولون المحليون إلى تقنية ضم الأقسام خاصة بالسلك الابتدائي بهدف “تفييض” الاساتذة.
منظمة آطاك المغرب في تقرير لها حول قطاع التعليم ترى أن الدولة لا تراعي مصالح التلاميذ حيث يتم حشرهم في أقسام تصل أحيانا إلى أكثر من 48 تلميذا في القسم الواحد أو جعلهم يدرسون في أقسام ذات مستويات متعددة، أما بالثانوي الاعدادي والتأهيلي فيتم إلغاء التفويج في العديد من المواد فضلا عن تقليص الحصص المخصصة لبعض المواد كالرياضيات والفرنسية والعربية وتم إجبار الأساتذة على تدريس مواد ليست في تخصصهم وآخرون ارغموا على التنقل بين المؤسسات بدعوى استكمال جداول حصصهم، وكذا تفييض الأساتذة الذين يضطرون لتغيير مؤسساتهم الاصلية دون مراعاة لاستقرارهم وأسرهم ودون تعويضهم عن الاضرار اللاحقة بهم .
تبرر الدولة هذه الإجراءات بمصلحة التلاميذ، فيما تعتبرها منظمات وهيئات حقوقية بـ”اجراءات تقشفية” ومحاولة إخفاء حقيقة اضحت جلية، كما يعتبر الكثيرون أن المشكل هو النقص الحاد في المدرسين الناتج عن تقليص الانفاق على التعليم في سياسة واعية ومعلنة لدولة تسعى إلى التخلص من مبدأ عمومية الخدمة التعليمية بجعلها سلعة تباع وتشترى وفق منطق السوق.
و يقدر الخصاص بالسلك الابتدائي فقط بحوالي 9000 مدرس كل سنة إلى غاية 2030 حسب معهد الاحصاء التابع “لليونيسكو”. ومع ذلك صادق مجلس الحكومة المنعقد يوم 23 يوليوز على المرسوم589-15-2 القاضي بفصل التكوين عن التوظيف بالنسبة لطلبة المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين على الرغم من كون عددهم لا يتجاوز 10000 لكافة الأسلاك.
لكن في اعتقاد الناشط أحمد بنعدي، فإن الدولة لا تراعي إشكالية الخصاص من عدمه، بل تراعي علاقتها والتزامتها مع المؤسسات المالية الدولية التي تملي برامجها على المغرب، وأضاف أنه إذا كانت سياسة “المغربة” قد اظهرت الدولة كداعم للقطاع الخاص، فإنه تبين مع نتائجها وفرض برامج التقويم الهيكلي بانها أداة لتسخير القطاع العام لخدمة القطاع الخاص.
وزاد بنعدي، بالقول إن الصناديق الدولية أضحت تملي سياساتها بدون أن توفر أية سيولة، باعتبار أن مديونية المغرب تجاوزت الأرقام المسموحة، وأصبحت فقط تعطي الأوامر بعدما كانت تسمى صناديق مانحة، حيث اصبحت تفرض على المغرب سياساتها بدون مقابل.
بديل
عذراً التعليقات مغلقة