هل تحارب البوليساريو حربها المقدسة بعد انتقال قياداتها إلى شمال مالي؟
فلم يعد من الصعب تصور أن رئيس البوليساريو وقادة الجبهة يرتبطون بمجموعات القاعدة التي توجد في حالة حرب مفتوحة مع العالم، فها هو ريتشارد مينيتر الصحفي في نيويورك تايمز يصرح بأن “56 من المسؤولين العسكريين من البوليساريو متورطون في التعامل مع هذا الكيان الإرهابي، وأن هؤلاء الناس قد ربطوا باتصالات مؤكدة مع تنظيم القاعدة الإرهابي”. وبعد تأكيد تيري أوبيرلي الصحفي بجريدة لو فيغارو المختص في شؤون المنطقة المغاربية بان هناك عناصر من البوليساريو تحارب إلى جانب القاعدة بشمال مالي. في يناير 2004 تم اعتقال بابا ولد محمد باخيلي بموريتانيا ويعتبر العضو الناشط في جبهة البوليساريو والذي ينظر إليه على انه العقل المدبر لعملية السرقة الأكثر خطورة حيث تمت سرقة كميات ضخمة من المتفجرات تضم 153 قنينة من مادة «البوستر» شديدة الإنفجار، و12 ألف متر من الأسلاك المستخدمة في التفجير عن بعد، هذه العملية تعتبر أول مشاركة بارزة إعلاميا للتيار السلفي المتطرف الذي كانت يتبرعم على مسامع وأنظار الجزائر راعية البوليساريو الابن غير الشرعي.
ما بعد موت تشافيز هل هي مقدمات لموت أطروحة انفصالية عمرت أكثر مما ينبغي؟ وماذا بقي للبوليساريو بعد دمغها بالإرهاب والتلاعب بمساعدات إنسانية وترهيب سياح والمساهمة في خطفهم؟ وذلك بالانضمام إلى الحركة من أجل الوحدة والجهاد في غرب إفريقيا. إننا أمام خطر داهم فالتناقض الفاضح بين ما تعيشه الأهالي المحتجزة بمخيمات تندوف من حرمان وقمع وتسلط وافتقارهم لأبسط أساسيات العيش الكريم وحضور واسع لأنواع من التعسف والظلم والاغتصاب والتعذيب، وما يرفل فيه القادة من نعمة باستغلال المساعدات الغذائية والطبية والمالية التي أصبحت مصدرا لتجارة مربحة، زائد التهريب بشتى أنواعه والاختطاف والاتجار بالمخدرات والسلاح، هذا الاتجاه الذي يضرب مبادئ حقوق الإنسان في الصميم. إلى جانب غياب تفعيل الأسس البسيطة في الديمقراطية حيث أن قيادة الانفصاليين لا تقبل أي صوت يعارض توجهاتها ويمكن اعتبار هذه البيئة مناسبة لتفريخ مجموعات ناقمة ومؤهلة للاستقطاب من قبل جهات تعبر عن عقيدتها المتطرفة وتشجعها على تفريغ تلك الشحنات من الغضب والحنق، وهذا ما يشكل تهديدات حقيقية لاستقرار وأمن المنطقة وجب التعامل معها بعيدا عن منطق المزايدات الضيقة الأفق.
يمكننا أن نطرح السؤال الاستراتيجي القائل: هل تستعمل الجزائر نفوذها داخل عناصر البوليساريو ومن ثم النفاذ إلى المجموعات والقواعد الخلفية للجماعات المسلحة المتمركزة بجبال “إيفوغاس” الواقعة قرب الحدود مع النيجر؟
وهذا يحيلنا إلى العلاقات المعقدة والمترابطة بين نظام الجنرالات في الجزائر وإبنها غير الشرعي “البوليساريو” هذه الأخيرة التي لم تتورع في توسيع شبكة تعاملاتها المشبوهة إلى خارج حدود مخيماتها وبغض الطرف من السلطات الجزائرية ومباركة أعمالها. ففي ديسمبر من العام 2010 اعتقلت وحدة من الجيش الموريتاني مهربي مخدرات صحراويين تابعون لمحمد ولد المهيدي المعروف باسم “ريبو”، الذي يعتبر أهم أباطرة التهريب في المنطقة وكان إطارا في المنطقة العسكرية الثانية التابعة لجبهة البوليساريو، والمقرب من قائد مصالح الأمن داخلها محمد ولد ﺍﻋﻜﻴﻚ. إلى جانب الاختطاف الذي تتعاون فيه عدة جهات وأجندات، ففي أكتوبر من العام 2011 اختطفت مجموعة موالية للانفصاليين اسبانيان وإيطالية من العاملين في مجال المساعدات الإنسانية في مخيم الرابوني الواقع بالقرب من إقامة محمد عبدالعزيز زعيم البوليساريو وهذا ما يؤكد على أن الغاية لم تعد دفاعا عن مشروع شعب وعن “قضية” بين قوسين، بل هي أعمال عصابات ومأجورين الهدف منها إشاعة الإرهاب في المنطقة وإدخالها في أتون حروب بالوكالة واستدعاء تدخلات مجموعات متطرفة تجتاح الحدود وتعبث بالأمن ضد مصالح المملكة المغربية كدولة لها عمقها المتجذر في الجغرافيا والتاريخ. وهناك تقارير المركز الأوربي للدراسات الإستراتيجية والأمنية (ESISC) تِؤكد بما لا يدع مجالا للشك تحول جبهة البوليساريو نحو الإرهاب.
بعد خدمتها مع ميليشيات نظام القذافي لقمع الحراك الشعبي في 17 فبراير 2011 بليبيا، وبعد انهيار هذا النظام تأقلمت البوليساريو مع رؤية أخرى متطابقة مائة في المائة مع أطروحات القاعدة في المغرب الإسلامي والإسهام في أنشطتها هؤلاء الذين يتمتعون بقدرة عالية على التحرّك على طول جغرافية التهريب في الصحراء حيث أن عمليات اختطاف السياح الغربيين تعتبر موردا هاما للعملة حيث أنهم ينقلون بسرعة عبر الحدود في عمليات معقدة قبل أن تتم مقايضتهم بمبالغ تعتبر فدية.فنشاطات البوليساريو بتعاونها مع القاعدة ف عبر الحدود الجزائرية في منطقة الصحراء والاعتماد على شبكات الجماعة السلفية المحلية في الصحراء الكبرى توزعت بين تهريب خليط من المخدرات والأسلحة والمهاجرين غير الشرعيين زيادة على شن هجمات اعتبرتها جهادية ضد مصالح دولية ومحلية. وعملية احتجاز 132 عاملاً أجنبياً من العاملين في حقول “عين أمناس” جنوب الجزائر، دليل حي على أن إطار حرب العصابات والانغماس في حرب إرهابية لجبهة البوليساريو التي لبست لبوس السلفية وتسلحت بمخازن القذافي، والآن تحاول اللعب على ملف حقوق الإنسان الغائب بمخيماتها التي حملت وولدت الإرهاب وتحاول تصديره عبر الحدود فها هو جو غريبوسكي٬ الخبير في المجال الأمني ومكافحة الإرهاب٬ يصرح بأن “مخيمات تندوف أصبحت مجالا خصبا لاستقطاب المقاتلين إلى صفوف تنظيم القاعدة”.
إن انخراط البوليساريو في العمليات الدائرة بين القاعدة في شمال مالي والدول المدافعة عن شرعية وسيادة دولة مالي، أدخلها في نفق مظلم وصعوبة بالغة في إقناع المنتظم الدولي بمقاييس نظرتها للخط الذي تدافع عنه بمعية حاضنها الرئيسي. فلقد أكدت كاترين بورتركاميرون رئيسة المنظمة الأمريكية (مجلس الريادة لحقوق الإنسان) ونانسي هوف رئيسة (تيتش دو تشيلدرن أنترناشيونال)٬ أن “هناك أدلة دامغة على انخراط جبهة البوليساريو في أنشطة إرهابية شمال مالي”٬ وتأكيد وزير الشؤون الخارجية المالي “تيمامكوليبالي” حيث قال أن “مقاتلين من (البوليساريو) يوجدون ضمن الجماعات الإرهابية التي تزرع الرعب في مالي”. وأوضح على أن السلطات المالية أكدت أنها “لن تسمح للبوليساريو بأن تغتصب وحدتها الترابية”. ولقد ربط الوزير بين ما يعيشه شباب مخيمات تندوف من تهميش وقمع وبدون آفاق نحو مستقبل أفضل وبين ارتباطات ذلك الشباب بالمجموعات المسلحة. وهناك إلى جانب هذه الشهادات دراسات وتحقيقات صحفية وتقارير استخباراتية تؤكد كلها على أن البوليساريو تشارك بأعضاء فاعلين داخل مجموعات متشددة في الحرب بمالي.
أمام هذه المعطيات لا يمكن اعتبار قيادة البوليساريو قد فقدت سيطرتها على مكوناتها الداخلية والمتعاونة معها داخل المغرب، مما يؤكد على المجزرة الوحشية التي ارتكبها الموالون للبوليساريو في حق القوات العمومية المغربية خلال أحداث مخيم كديم إيزيك. ولابد من التذكير في هذا الصدد بإشادة مجموعة من المراقبين لمحاكمة المتهمين في القضية والتي جرت في أجواء مفتوحة ومتماشية مع مبادئ حقوق الإنسان وضمانات مبدأ براءة المتهم حتى تتبث إدانته، احترام البند 10 من “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”، الذي ينص على حق كل متهم في محاكمة عادلة، زيادة على تمكين هيئة الدفاع من الوقت الكافي لبسط دفوعاتها كاملة وبشكل عادي جدا. هذه المحاكمة التي طبعتها الحرية الكاملة وحضور دائم لمراقبين دوليين ومغاربة، وممثلي منظمات وطنية وأجنبية معروفة بمساندتها العلنية للبوليساريو، إضافة إلى مسؤولين عن التمثيليات الدبلوماسية بالمغرب مثل أمريكا، بلجيكا، ايطاليا، فرنسا واسبانيا. وهذا يضرب كل التهم التي ساقتها السيدة كيري كينيدي وتحيزها الكامل لأطروحة الانفصاليين وضحالة المعلومات التي استقتها حول وضعية حقوق الإنسان التي تعيشها المحتجزين داخل مخيمات تندوف مدى اطلاع “مؤسسة روبرت كينيدي” على الحالة الحقيقية للجبهة. وها هو ريتشارد مينيتر صاحب كتابي “حرب الظل” و”فقدان بن لادن”٬ والصحفي المتميز بصحيفة نيويورك تايمز يقول “إذا كانت كيري كينيدي تريد حقا الدفاع عن قضية حقوق الإنسان٬ فإنه ينبغي عليها أن تهتم أولا بالانتهاكات التي ترتكب في مخيمات تندوف من هذه الجماعة الانفصالية التي تنهج أساليب وحشية، ومُرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”. وأضاف أنه “من خلال تبنّي كيري كينيدي لقضية الانفصاليين، تكون قد نصّبت نفسها كمُدافعة عن جماعة لها صلات وثيقة بحركات إرهابية تدعو إلى الحرب ضد الولايات المتحدة٬ وكذلك تُدافع عن شبكات لتهريب المخدرات”.
بالرجوع إلى سبب مراقبة الأجهزة الأمنية الجزائرية اللصيقة لقيادات البوليساريو والمجموعات التابعة لها والتي تحارب إلى جانب المجوعات المتشددة في شمال مالي وعبر الصحراء والساحل، هو الخوف من الديمقراطية حيث لازالت آثار الانقلاب السياسي في العام 1992 بادية بعد انتخابات وصفت بالنزيهة وحظر الجبهة الإسلامية للإنقاذ، واستماتة الجزائر في دعم الانفصاليين التي تتحمل المسؤولية في وجودهم وإمدادهم بأسباب العيش، لا يمكن القول عنه دفاع عن حركة تحرر وطني بعد الإثباتات المتتالية والتي خرجت للعلن على أن البوليساريو حركة إرهابية وذراع استراتيجي لتنفيذ مخططات توسعية وخيار يخدم أجندات قوى لا تؤمن بالسيادة والمشروعية في المنطقة. ويتبين أن البوليساريو ومن يدعمها إعلاميا وماديا ولوجيستيا برعت في التّلاعب بكيري كيندي ومن قبلها بالمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية وذلك لأغراض لا علاقة لها بمركز حقوق الإنسان.
المغرب بعيدا عن الديماغوجية والعاطفة المشبوهة لا يتاجر بمبادئه، لكنه يفاخر بمساره الديمقراطي ويعتنق الأهداف النبيلة ويدافع عنها وهذا المسعى وراءه أسباب قوية منها إيمانه بأحقية أبنائه بأرضهم وخيراتهم. ألم يطلق الملك الراحل الحسن الثاني مقولته المتشبعة بالحق في الحياة والرؤية المستقبلية والانتماء للجغرافيا والتاريخ، “إن الوطن غفور رحيم” لتدعمها عدة مبادرات تنبئ بالحس الإنساني والمسعى الحثيث نحو الوحدة، ومن ضمنها مبادرة الملك محمد السادس للحكم الذاتي والجهوية الموسعة والتي تعبر على هوية هذا الوطن ومواطنيه. ونقول أن الطريق طويل لكن نَفَسُ المغاربة أطول وأجدر بأن يكون ملهما لغيره.
محمد بن امحمد العلوي
عذراً التعليقات مغلقة