مع كل استحقاق إنتخابي ، يعود سؤال المشاركة و المقاطعة ليحتل حيزا هاما في النقاشات الجماعية المرتبطة بالعملية الإنتخابية ، وهو حقيقة موضوع ذي اهمية كبرى في بلد يتلمس طريقه نحو الديمقراطية إن لم نقل أخلف موعده معها في عدة مناسبات كان آخرها الفرصة الثمينة لحظة حراك 20 فبراير التي تم الإلتفاف عليها بمناورات سياسية من طرف المخزن في جانب ومن طرف طوابير الرجعية المحلية من جانب آخر ، وهي الطوابير التي لاشك أن المغاربة أجمعين يعلمون طبيعة ارتباطاتاتها بأجندات ظلامية إفليمية ودولية ..ورغم أهمية هذه المسألة فلن نخوض في تفاصيلها اللحظة و إن كان من الضروري التأكيد على أن هذه الإرتباطات تعد عائقا من عوائق الديمقراطية في المغرب بالنظر إلى تناقض منظومتها القيمية و الفكرية مع منظومة قيم الديمقراطية كما تبلورت في نسق فكر الحداثة و الأنوار …
و إذا كان تاريخ القوى الوطنية الديمقراطية التقدمية في المغرب حافلا بالنضال و العطاء و التضحيات الجسام من أجل تكريس مشروع ديمقراطي حداثي بالمغرب ، فلاشك أن اللحظة الراهنة بكل التراجعات و النكوصات التي رافقتها تضع هذه القوى أمام مسؤوليات جسام لا تقبل التأجيل و الإرجاء ، وهي مطالبة بالجواب عن سؤال المرحلة خارج دوغمائيات الأيديولوجية بل وفق منظور يعتمد جدلية الإستراتيجي و المرحلي دون إخضارع المرحلي لإكراهات الإستراتيجي ، وهنا يتوجب طرح سؤال مفصلي مقتضاه مدى جدوى فعالية سلاح المقاطعة في الدفع نحو خلق واقع جديد وميزان قوى يضع قوى المقاطعة في موقع تفاوضي يحقق شرط انتزاع بعض المكتسبات حتى و إن كانت ظرفية .
أعتقد أن المكونات التي تدعو إلى مقاطعة الإنتخابات – بعض مكونات اليسار – – ترتكز إلى مسألتين أساسيتين : أولهما أن الدولة المغربية دولة مخزنية ولا يمكن الثقة في نيتها و في كل ما تروجه من خطاب عن الديمقراطية وثانيهما أن الدستور الذي يؤطر اللعبة السياسية في المغرب دستور ممنوح لا يمكن اعتماده كأرضية بالنظر إلى الغموض الذي يكتنف بعض فصوله في قضايا متعددة و بالنظر كذلك إلى أنه لا يؤسس لفصل حقيقي للسلط حتى يتسنى للفاعلين السياسيين ممارسة اختصاصاتهم كل من موقعه هذا دون الدخول في تفاصيل أخرى تتعلق بالموقف من طبيعة النظام السياسي وهوية الدولة ….
قد يكون في هذا الكلام جانب كبير من الصدق ، بل الأمر كذلك ، غير أنه يسقط القائلين به في انتظارية حاملة لبدور الموت التنظيمي في ظل الخصاص الكبير في التأطير و التواصل مقابل ما يتوفر عليه الخصم من لوجسيتيك إداري و مؤسساتي و إعلامي ، هذا إذا استحضرنا عدم القدرة على تحويل المقاطعة من عزوف سياسي ناتج عن اليأس من العملية برمتها إلى فعل سياسي واعي وواعد قادر على خلخلة ميزان القوى وهو ما لم يتحقق حتى في عز الحراك الشعبي لحظة العشرين من فبراير ، وهو الدرس الذي استوعبته بعض مكونات فيدرالية اليسار – الطليعة – الذي تم اعتقال الكثير من مناضليه سنوات التسعينيات في معارك المقاطعة …
ومع أننا نحترم خيارات الناس ، إلا أن المقاطعة في اللحظة الراهنة في نظري المتواضع – ويبقى هذا وجهة نظر نسبية – خيار غير صائب إذ يكفي استحضار مسألة واحدة من بين مسائل كثيرة ونصوغها في أسئلة بسيطة كالتالي :
من الذي سن كل القوانين المجحفة التراجعية التي بات يكتوي بها فقراء و أجراء وعموم الشعب المغربي ؟
من الذي دمر ما تبقى من مكتسبات الشغيلة المغربية ؟
من الذي سن القانون التنظيمي الذي يهدف إلى الإلتفاف على الإضراب كآلية للنضال الطبقي ؟
من الذي تسامح مع الفساد ؟ من الذي سن القوانيني التراجعية في التقاعد ليغلق باب التوظيف عن أبناء الشعب ؟
من الذي سن قوانين التوظيف بالعقدة ؟
من الذي وضع مشاريع تدمير المدرسة العمومية ؟
من الذي ألغى صندوق المقاصة و حرر اسعار المحروقات و أحرق جيوب المواطنينين ؟
أليس هو البرلمان المنتخب و الحكومة المنبتقة عنه ؟
و إذا افترضنا أن قوى سياسية أخرى تقدمية ديمقراطية كان لها ما للحكومة الحالية ، فهل ستذهب كل هذه المكتسبات سدى وفي رمشة عين ؟ أكيد : لا
أو لا تستدعي كل هذه التراجعات تكثيف المشاركة لمعاقبة الحكومة المتجبرة المتسلطة لقطع الطريق عن المرتزقة و النصابين بعد بوار حصيلتهم وبعد السقوط المدوي للخطاب الأخلاقي المشروخ الذي ضرب في العمق مفاعلهم الأيديولوجي الذي بات وكرا لتغليف الفساد والخيانة الزوجية بمقولات الزواج العرفي ؟
هذه الأسئلة على بساطتها تؤكد شيئا جوهريا مفاده أن الدعوة إلى المقاطعة يتعبر دعوة إلى تفويت فرصة على أصحابها بل وعلى الشعب المغربي برمته في معركة غير متكافئة تتطلب شحد كل الإمكانيات ، هذا مع العلم أن المشاركة لن يتأثر بها الموقف المبدئي الذي تخشى عليه هذه المكونات ، مع التأكيد على أن طوابير الرجعية تسعى جاهدة إلى خلق شروط العزوف حتى يتسنى لها الظفر بالغنيمة لإستكمال مخططاتها القيمية التراجعية التي باتت موضوع تنسيق مع السلفية والعدل و الإحسان …فهل يتجه المغرب إلى الدعشنة عبر بوابة البرلمان ؟
وتبقى هذه الورقة مجرد وجهة نظر فيها من الصواب ما فيها كما فيها من الخطأ ما فيها ، وتعكس إيماننا القوي بنسبية الكلام في السياسة ، فكل خطاب يدعي امتلاك الحقيقة يعد خطابا زائفا بالضرورة بل يشكل خطرا على المجتمع برمته حاضرا و مستقبلا ..
…………………..الطالبي…………
عذراً التعليقات مغلقة