الورم الذي ينخر جسد تافراوت

وطن وطن13 يونيو 2020آخر تحديث :
الورم الذي ينخر جسد تافراوت

” الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لا مبالاتهم بالشؤون العامة ، هو أن يحكمهم الأشرار ” افلاطون

      كشفت حالة الطوارئ الصحية و ما فرضته من اجراءات وقائية وطنيا للحد من انتشار وباء كوفيد 19 عن ظواهر مختلفة لم تكن لتبرز على السطح بوضوح لولا هذا الوباء ، و ظهركذلك دور الدولة المحوري في هذه الازمة ممثلة في اعلى سلطة في البلاد ووزارات الداخلية و الصحة و الاقتصاد و المالية ، و انبعثت قيم التازر و التضامن بين المغاربة في شتى الاشكال .

     في تافراوت قامت السلطة المحلية بما يجب القيام به  و تحملت جزءا كبيرا من عبء الازمة  تشكر عليه   ، كما ظهرت مبادرات احسانية مختلفة للتخفيف من اثار الحجر الصحي ـ من طرف محسنين من ابناء المنطقة رجال اعمال و مقاولون تجار … و منتخبون . و من جهات اخرى رسمية .

    لكن الموضوع الذي عاد الى واجهة النقاش محليا في خضم هذه الازمة ، هو سيطرة الحزبي على المجتمع المحلي ، و تقزيم الادوار الحقيقية للاحزاب و الجمعيات ، و هي ظاهرة ظلت طي الكتمان تنخر جسد المنطقة في صمت ، الى ان ظهرت تجلياتها للعلن خلال فترة الحجر الصحي ، في شكل صراعات و ملاسنات و تهديدات تارة ، و في اشكال اخرى مرتبطة بالعمل الاحساني تارة اخرى .

    و من ابرز تمظهرات هذه الظاهرة ، توزيع الادوار بين بعض الفاعلين الحزبيين و اتباعهم المتغلغلين في اوساط الشباب و النساء و قادة الجمعيات  المفرخة شبابية  و رياضية و مهرجانية و اجتماعية و خيرية و التي تستعمل  جميعها  في الوقت المناسب و عند الضرورة ، مستغلين فراغا مهولا تعرفه الساحة لإفساح المجال لسلطة المال و النفوذ . و لا تكاد تجد جمعية لا يمسك بخيوط تحركاتها عن بعد حزبيون تجمعهم شبكة من المصالح و العلاقات المعقدة.

     لا يجادل اثنان في كون الانتماء الحزبي  و تأسيس الجمعيات  و المنظمات الموازية حق دستوري مكفول للجميع ، شريطة ان تقوم بادوارها الحقيقية في التاطير و التكوين و التوعية ، لا ان تصبح وسيلة للسيطرة على العقول و التحكم في رقاب المواطنين البسطاء و تصنيفهم على اساس الموالاة الحزبية للاستفادة من بعض المنافع ، فهذه  اساءة اليهم ، و مساس بحرياتهم الشخصية ، خاصة اذا كان من يتنبنى هذا المنطق في مركز قرار و بيده مصائر الناس .

    و في نفس هذا الموضوع عبر الفاعل الجمعوي محمد المعزوزي عن رفضه لسيطرة الاحزاب على الجمعيات بتافراوت و املن ، عقب الانفجار الداخلي الذي عرفه مؤخرا احد اعتد الاتحادات الجمعوية بالمغرب اتحاد املن لنفس السبب ،  و قال في برنامج حواري تفاعلي على الفايسبوك بان “المتحزبين في تافراوت يحاولون الاستيلاء على الجمعيات و استعمالها كخزانات انتخابية  و هذا ما يكبح جماح العمل الجمعوي ، و يعيق من حركته” ، و رفض المعزوزي هيمنة اي حزب عن اتحاد الجمعيات باملن قائلا ” في المنطقة لم نعد نميز بين العمل الجمعوي و العمل السياسي السياسوي “، و قال بان المشتغل بالسياسة داخل الأحزاب من الأفضل له ان يبتعد عن الجمعيات ، حفاظا على مصداقيته  و نظافته . “

       “ظاهرة القفف” التي عرفتها المنطقة كغيرها من المناطق خلال فترة الحجر الصحي ، لم تكن بمنأ في بعض الاحيان عن الهاجس الانتخابي و الحزبي الضيق ، و زاحم فيها  الفاعل الحزبي و المؤسسات التابعة له ، بعض الجمعيات المستقلة و رجال العمل الاحساني الاوفياء لمثل هذه المبادرات حتى قبل كوفيد ، بعيدا عن اية حسابات اخرى ، غير الرغبة في فعل الخير ، و مساعدة الفقراء من ابناء بلدة الاجداد .

    جزء مهم من هذه “المساعدات الانسانية” مصدرها واحد ، لكنها وزعت على جمعيات موالية لتتولى هذه الجمعيات توزيعها مرة اخرى على الاسر و الافراد حسب  شروط الاستحقاق التي تعتمدها ، و ظهر نوع من التدافع و التناطح و التهديد بقلب الطاولة بين أعضاء المجالس المنتخبة بسبب القفة  ، و الهدف الأسمى ان يظفر كل منهم بالغنيمة ، واضعا في حسبانه و بين عينيه صندوق الاقتراع ، و لائحة الناخبين المحتملين .

    لا زال المنتخب المحلي للاسف ، يتعامل مع المواطنين كاصوات انتخابية ، و كمتسولين ينتظرون منة او صدقة ، تكفيهم لتجديد الثقة في شخصه ، و لا ينتظرون تنفيذ سياسات و مشاريع و برامج متعاقد عليها موجهة لعموم المواطنين على حد سواء .

    اللافت للانتباه كذلك ، ان الحزب الواحد  الذي اخترق كل شيء في منطقة تافراوت يجمع بداخله فسيفساء من الأشخاص ، مختلفين بينهم حد التناقض و لا تجمعهم فكرة واحدة ، فبالأحرى مشروع مجتمعي ، القاسم المشترك لدى غالبيتهم بطاقة الانخراط الحزبية و التقرب لشخص رئيسه ، و اقتناص الفرص للترقي الاجتماعي و تحصين المكتسبات الشخصية  .

     لكن الشباب داخله في وضعية لا يحسد عليها ، و ربما لا يستشعر ما قد ينتظره غذا . فرغم كل مظاهر تبادل الود و الورد و التعبير عن حسن النوايا ،   فدوره لحد الساعة لا يتجازو القيام بأعمال السخرة و بعض الادوار الدعائية المؤدى عنها ، كتعبئة الحشود ، و إعداد الفضاء لاستقبال شخص الزعيم  و الظهور بجانبه حين يخطب للتصفيق ، و التدخل كحارس الامن الخاص كلما تطلب الأمر ذلك ، و شرعنة و دعم كل ما تقوم به الفئة الحاكمة المتحكمة في زمام الامور،  و من جهة اخرى البقاء على اهبة استعداد دائمة للهجوم على الخصوم كلما يأتي الامر من قائد الجيش الاليكتروني .

     صحيح ان الشباب في هذه الوضعية ضحية ، و متورط في شن حروب مجانية بالوكالة ليست في صالحه ابدا ، لكنه  ايضا متواطئ  عن وعي او غير وعي في مؤامرة اعادة انتاج نفس الوجوه و تكرار نفس الأخطاء ، مما يعني  تعميق ازمة الثقة بين المواطن و العمل السياسي الحزبي  عامة و  قتل اي امل في التغيير و التجديد في الغذ القريب .

      عامل اخر ليس في صالح الشباب المرتمي بين احضان الحزب  المسيطر، و اعني خصوصا تلك الفئة التي لديها طموحات سياسية اكبر ، و يتلخص في كون كل ما يبنيه الحزب حاليا ( خصوصا على الصعيد المحلي ) لا يتأسس على فكرة او مشروع مجتمعي او على الحزب كمؤسسة دائمة ، إنما على شخص الرئيس : ثروته و مركزه الاجتماعي و الوزاري و قربه من الدوائر  العليا ، ثم انتماءه للبلدة ، بل إن إشهار انتماء السيد رئيس الحزب الى البلدة أصبح وسيلة الإقناع الوحيدة لاستقطاب الاتباع ، أضف الى ذلك ان الحزب في وضعه الحالي لا يمثل فضاء ملائما للتعبير الحر والنقاش و الاختلاف ، حتى تحول الى مقبرة للافكار عوض ان يكون مصنعا و منتجا لها ، و اصبح في نفس الوقت كقاعة انتظار كبرى لشباب يائس يتأبط  كل منهم ملفا مطلبيا شخصيا لا تتجاوز اقصى مطالبه توفير فرصة شغل او نجاح في امتحان توظيف و ترقية او توسط لقضاء بعض الاغراض الشخصية.

      و داخل هذه البنية المحكمة الاغلاق فان انتقاد الرئيس ، او التعبير علانية عن الاختلاف معه او مع المقربين منه في فكرة او رأي ، امر غير محمود و غير وارد تماما  ، او له عواقب وخيمة،  كان رئيس الشبيبة السابق المقال بطريقة  مهينة اخر من أدى ثمن “سلاطة لسانه ” ، و اصبح عبرة لجميع زملائه  ، و هذا ما يتنافى مع فكرة الحزب كمؤسسة للتأطير و التكوين على السلوك الديمقراطي .

      لكن هل سيبقى نفس الشخص على راس الحزب مدى الحياة ؟

لا نشكك في استقامته و كفاءته ،و حبه لبلدته ، و لا نحاكم نواياه ، لكنه محاط للأسف بجيش أكترهم من الانتهازيين ، و المنافقين و من المؤكد ان دوره سينتهي  عاجلا ام اجلا ، خاصة بعدما بدأ التسويق لأشخاص آخرين محتملين لاتمام المهمة ، فماذا سيكون مصير الشباب بعدها ؟: هل سيتوزعون بين احزاب اخرى؟، و يبحثوا عن وسائل اخرى لاستمالة الناخبين؟ هل سيعودون لتقمص جبة الحقوقي المناضل ضد الريع و الفساد و استغلال النفوذ  ؟ و يفضحون ما يعتمل حاليا في بيتهم الداخلي ؟ هل يؤجلون الاعتراف باخطاء اليوم الى الغذ ليعلنوا ” بئس ما فعلنا و ما فعل بنا ”  ؟ لكن ، من يثق بعدها بشعاراتهم تحت اية يافطة كانت ؟ الا يقرأ الشباب اليوم درس التاريخ ؟ الم يستفيدوا من ظاهرة “حزب المخزن “السابق و ماذا كان مصيره ؟

    ” لقد ضيعنا الشباب في اجندة سياسية ” هكذا عبر خبير التنمية الدكتور الناهي بلقاسم بحسرة ، لما سئل عن واقع الشباب في تافراوت ، في برنامج تفاعلي على الفايسبوك ، و المسؤول في ذلك يضيف الدكتور هو الفاعل السياسي ، و قال بنبرة المتأسف : ” لم تمنح للشباب في ادرار مساحة في التعبير عن رأيه. ان كل ما قدم له الى حدود اليوم لا يتجاوز مقابلات رياضية نهارا و غناء و رقص و مهرجانات ليلا ، يجب الانصات للشباب لمشاكله و حاجياته النفسية ،  فالشاب اليوم ، يبحث فقط عن ما ينصت اليه . لقد تركنا الشباب يتصارعون فيما بينهم يمينا و شمالا ، و تركوا الأهم و هو تنمية المنطقة ، و الانصات الى بعضهم البعض ، لقد اصبح شباب ادرار ضحية البطاقة الحزبية ، و يتعامل بمنطق الاهلية في الحزب ، و انني مع فلان و علان،  و انني لا اتحرك و لا ابادر الا بطلب من الحزب ، ” و قال الدكتور الناهي  مقترحا ” نحن في حاجة الى هيئات شبابية حقيقية تنصت لمشاكل الشباب الحقيقية ، و من اهم مشاكل الشباب التي يتخبط فيها اليوم : لا يدري من هو و كيف هو والى اين يسير؟ هذا مشكل عويص يجب ان نجلس كلنا كاهل المنطقة لمناقشه بعيدا عن اليافطات السياسية . ” و لا يكف الدكتور ابن بلدة اكرض اوضاض عن الترديد : ” الرجال زائلون ، الاحزاب زائلة ، و يبقى الوطن ” .

     فالى متى سينخر ورم الحزبية الضيقة جسد ادرار ؟  و هو ورم اكثر خطورة من فيروس كورونا ؟  و الى متى سيستفيق شباب البلدة ، حرا مستقلا ، لقيادة ثورة تطال الفكر و الوعي و العقليات ، و تفتح الباب امام كفاءات المنطقة لوضع خبراتها رهن اشارة هذه الارض ؟؟؟

 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة