فيصل الزوداني:رهن الصفقات العمومية بين مقتضيات ظهير 1948 ومستجدات القانون الجديد رقم 112.13

الوطن الأن12 مايو 2015آخر تحديث :
فيصل الزوداني:رهن الصفقات العمومية بين مقتضيات ظهير 1948 ومستجدات القانون الجديد رقم 112.13

إذا كان المشرع قد نظم الرهون عامة بمقتضى الفصول من 1117 إلى 1240 من قانون الالتزامات والعقود،  فإنه نظم رهن الصفقات العمومية خاصة ولمدة تزيد على ستة عقود بمقتضى ظهير20 غشت 1948 (1). رهن الصفقة العمومية وإن كان عملا يتيح لصاحب الصفقة مُوردا كان أو مقاولا أو خدماتيا الاستفادة من تمويل مؤسسة ائتمانية بغية تنفيذ التزامه حيال الإدارة صاحبة المشروع، فإنه يأتي كذلك كضمان لوفاء صاحب الصفقة بالتزاماته اتجاه هاته المؤسسة الائتمانية بشكل يمنحها حق استرداد أموالها بالأفضلية من مبلغ الصفقة بعد تنفيذها مع مراعاة بعض الامتيازات.

تعدد أطراف هذا العمل (الإدارة وصاحب الصفقة والمؤسسة الائتمانية) جعل نظام رهن الصفقات العمومية يتأرجح بين كونه نظاما للتمويل الإداري للصفقة إلى جانب التسبيقات ( (avancesوالدفعات ((acomptes التي تمنحها الإدارة لصاحب الصفقة (2) وبين كونه نظام للتمويل البنكي لفائدة صاحب الصفقة من أجل الوفاء بالتزاماته اتجاه الإدارة (3). وبمعزل عن قطبية التمويل هاته (تمويل إداري/ تمويل بنكي) يبقى رهن الصفقة العمومية ممارسة تتيح لصاحب الصفقة بمقتضى عقد رهن ينشأ بين المؤسسة الائتمانية وهذا الأخير الاستفادة من التمويل عبر رصد الصفقة كضمان لوفائه بالالتزامات المترتبة في ذمته اتجاه المؤسسة الائتمانية.

مقاربتنا لنظام رهن الصفقات العمومية ستستقصي إذن زمنين اثنين، الأول على امتداد ستة عقود من تدبير نظام الرهن وفق ظهير20 غشت 1948 والثاني على امتداد هندسة وإخراج القانون الجديد 112.13 المتعلق برهن الصفقات العمومية والذي صادق عليه البرلمان المغربي بداية هذه السنة. ولهذه الغاية سنفرد المحور الأول لتسليط الضوء على نظام رهن الصفقة العمومية وفق مقتضيات ظهير1948 مع ما أفرزه من إشكالات مرتبطة بمدى ضمان حقوق المؤسسات الائتمانية وعدم مواكبته للطفرات التي عرفها كل من محيط الإدارة والمقاولة. فيما يقارب المحور الثاني مستجدات القانون 112.13 على ضوء النقاش الذي أفرزه تداول مشروع القانون بغرفتي البرلمان قبل المصادقة عليه، وكذا بيان الأسباب التي دفعت الحكومة إلى هندسة هكذا مشروع.

  • ظهير 20 غشت 1948: مقاربة ورصد للإشكالات

 رغم التعديلات التي طرأت على بعض من فصول ظهير 28 غشت 1948(4)  فإنه ظل لأزيد من ستة عقود يُقيد نظام رهن الصفقات العمومية بمقتضيات وفصول أضحت في منأى عن مواكبة العديد من التغيرات والطفرات التي عرفها محيط كل من الإدارة والمقاولة. ففي ظل بروز أشكال من المعاملات والتعاقدات سيما الرقمية منها واللجوء إلى التعهد الالكتروني في توجه ثابت نحو نزع الصفة المادية عن تدبير الصفقة العمومية، بات من الضروري تحيين وعصرنة الترسانة القانونية التي تنظم تدبير الصفقات العمومية في شموليتها، حيث تم بدءا تحديث مرسوم تدبير الصفقات العمومية، وأعقبه إصدار مرسوم التسبيقات في مجال الصفقات. كما أنه يتم الاشتغال حاليا على تحيين دفاتر الشروط الإدارية العامة للأشغال والتوريدات في الوقت الذي أقر فيه البرلمان قانون رهن الصفقات لتجاوز الإشكالات التي عرفها ظهير 1948.

 هذا الظهير وأمام الإشكالات التي أفرزها تطبيقه، دفع الكتابة العامة للحماية إلى إصدار منشور تحت رقم796.SGP  بتاريخ   15 أبريل 1953 من أجل تحديد قواعد تطبيق ظهير 1948 وتجاوز بعض الصعوبات المرتبطة بتنفيذ مقتضياته مع إلغاء العمل بدوريات سابقة صادرة في شأن تطبيقه. ذات المنشور تضمن تحديدا لنطاق تطبيق ظهير 1948 مع تعريف لبعض المفردات. كما نص المنشور على بعض المقتضيات التي يجب تضمينها بالصفقة سواء منها المتعلقة بإنشاء الرهن والنظير الفريد عن الصفقة الذي يشكل رسما في حالة الرهن، أو تلك المرتبطة بالتعديلات التي قد تطرأ على الصفقة و كذا شكليات التبليغ عن كل تعديل طارئ، بالإضافة إلى الوثائق التي يتم على أساسها الأداء كشهادة الحقوق المعايَنة والقوائم الإجمالية للأشغال والتوريدات والخدمات المنجزة.

 ورغم أن ظهير 1948 شكل ولعقود طويلة الأساس القانوني لرهن الصفقات العمومية، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة مسايرته للحركية التي عرفتها الطلبية العمومية كما ونوعا، فقد أمسى ظهير 1948 غير مواكب لانتظارات وطموحات المقاولات سيما الصغرى منها والمتوسطة (5). فإن كان رهن الصفقة يأتي كممارسة تلجأ إليها هذه المقاولات متى عرفت ماليتها تذبذبا أو كلما طالت إما مدة تنفيذ العقد أو آجال استخلاص مستحقاتها المالية المترتبة في ذمة الإدارة، فإنه يأتي كذلك لتمويل تنفيذ بعض الصفقات التي تدفع هذه المقاولات إلى تعبئة موارد مالية ضخمة ولمدة ليست بالقصيرة، والذي يكون غالبا على حساب وفائها بالتزاماتها اتجاه مأجوريها.

 غير أن ما يعترض هكذا ممارسة هو عدم كفاية نظام رهن الصفقات وفق ظهير 1948 في ضمان حماية قانونية لشهادة الحقوق المعايَنة التي يسلمها صاحب المشروع إلى صاحب الصفقة أو مؤسسة الائتمان المستفيدة من الرهن والتي يتم فيها الإقرار بديون صاحب الصفقة، سيما في ظل التطور الكبير الذي شهده حجم الاقتناء العمومي والمبالغ المتعلقة بالطلبيات العمومية (6). ومما يُعاب أيضا على هكذا نظام كونه لم يعد يقدم الضمانات الكافية لدعم الحق في الولوج إلى المعلومة من قبل صاحب الصفقة ومؤسسة الائتمان المستفيدة من الرهن. كما أن نظام الرهن هذا باعتباره آلية للتمويل أصبح لا يساير تطلعات المقاولات الصغرى والمتوسطة والتي تشكل أكثر من %90 من النسيج الاقتصادي الوطني.

 أمام هكذا إشكالات، بات من المحتوم الشروع في تحديث نظام رهن الصفقات العمومية سيما أن منظومة تدبير الصفقات تعرف تحديثا طال بدءا مرسوم الصفقات كما سيطال دفاتر الشروط الإدارية العامة المطبقة على صفقات التوريدات والأشغال والدراسات. الحتمية هاته دفعت وزارة الاقتصاد والمالية إلى هندسة مشروع القانون 112.13 والذي كان محط مداولات ومناقشات بكل من غرفتي البرلمان قبل المصادقة عليه، بالنظر إلى أن هذا النظام سيصبح مؤطرا بقانون وليس بظهير. ولمقاربة هذا الجانب نفرد المحور الثاني لتسليط الضوء على أبرز مستجدات هذا القانون مع كل ما شهدته مناقشة المشروع تحت قبة البرلمان من نقاشات خلال جلسات التداول بخصوص مستجداته ومدى استجابتها لكل الانتظارات.

 القانون 13 : قراءة في أبرز المستجدات

قبل أن تصادق الحكومة في مجلسها الأسبوعي بتاريخ 10 أبريل 2014 على مشروع القانون 112.13 ، كانت مُسودة المشروع موضوع نقاش وإبداء للملاحظات على موقع الأمانة العامة للحكومة. هذا الإجراء أعقبه إقرار الحكومة للمشروع مع الأخذ بعين الاعتبار الملاحظات المثارة بخصوص مضامينه. وبعد المصادقة الحكومية، أحيل نص المشروع على مجلس النواب ومن ثم على لجنة المالية والتنمية الاقتصادية مطلع شهر يوليوز2014 حيث شرعت هذه الأخيرة في دراسته على امتداد ثلاث جلسات قبل أن تصادق عليه بعد ادخال تعديل واحد، ليعقبها بعد ذلك تصويت مجلس النواب في جلسة عامة وبالأغلبية على مشروع القانون 112.13 في الثالث من دجنبر 2014.

المشروع المصادق عليه من طرف مجلس النواب أحيل بعد ذلك على مجلس المستشارين ومنه على لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية من أجل تدارسه والتصويت عليه. وخلال جلستها الوحيدة والمنعقدة في الثامن من يناير 2015 وبحضور الوزير المنتدب لدى وزير الاقتصاد والمالية، استمعت اللجنة إلى عرض الوزير ومداخلات المستشارين قبل أن تصوت اللجنة على المشروع بالإجماع، وبذلك تم فسح المجال لمستشاري الغرفة الثانية للتصويت على المشروع في جلسة عامة بتاريخ 21 يناير 2015 حيث صوت المستشارون وبالإجماع على المشروع الحكومي.

مضامين مشروع القانون 112.13 كانت محط تداول خلال الجلسات العامة والتفصيلية والتي عقدتها لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، وأسفرت هذه المناقشات عن تعديل المادة 7 من مشروع القانون 112.13 . وقد هم التعديل أجل تبليغ كل تغيير يطرأ في تعيين المحاسب المكلف أو الشخص المكلف بالأداء إلى كل من صاحب المشروع ومؤسسة الائتمان نظرا لكون المحاسب المكلف أو الشخص المكلف بالأداء هما المؤهلان للقيام بالتسديد باسم الهيأة التي تنتمي إليها الإدارة صاحبة المشروع وذلك لفائدة مؤسسة الائتمان المستفيدة من الرهن، حيث تم التنصيص على أن يتم التبليغ في أجل لا يتعدى عشرة (10) أيام من تاريخ التغيير.

أما على مستوى أشغال لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين، فقد أثارت المادة 6 نقاشا موسعا تركز بالخصوص حول مقتضى وجوب إبداء المحاسب المكلف أو الشخص المكلف بالأداء عند الاقتضاء تحفظاته أو أسباب رفضه للرهن الذي تم تبليغه إليه، حيث اعتبر أحد المستشارين بذات اللجنة أنه لا يحق للمحاسب المكلف أو الشخص المكلف بالأداء الاعتراض أو إبداء أي تحفظ على الرهن المبلغ إليهما، نظرا لكون عقد الرهن ينشأ بين مؤسسة الائتمان ونائل الصفقة فقط (7)  . كما تم الاستفسار في ذات السياق عن الدوافع والتخوفات التي دفعت إلى تضمين هكذا مقتضى.

 وبمنأى عن كل النقاشات والملاحظات ودعوات المعارضة إلى إدخال خمس تعديلات على مشروع القانون والتي أثارتها خلال جلسات لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، فإن القانون الجديد تم إقراره بالأغلبية كما بالإجماع بكل من مجلسي البرلمان، وهذا يدلل على قيمة وراهنية إقرار هكذا نص قانوني ما دام أنه سيستجيب لكل الانتظارات بشكل يستشرف تسهيل ولوج المقاولات الوطنية إلى الطلبية العمومية، سيما وأن المادة 156 من مرسوم الصفقات رقم 2.12.349 تقضي بأنه يتعين على صاحب المشروع تخصيص نسبة %20 من المبلغ المتوقع للصفقات التي يعتزم طرحها برسم كل سنة مالية لفائدة المقاولة الوطنية المتوسطة والصغيرة. وهذا يعني أن هذه المقاولات ستلجأ لا محالة إلى الاستفادة من كل آليات التمويل المتاحة والتي من بينها رهن الصفقة.

القانون الجديد، وللرفع من معدل ولوج هذه المقاولات إلى التمويل عن طريق الرهن، تضمن تبسيطا وتحديثا لمسطرة رهن الصفقة بتنصيصه أولا على تنميط وتوحيد الوثائق المعدة لإنشاء الرهن وذلك عن طريق الإحالة على نص تنظيمي يحدد نماذج الوثائق التي يتطلبها إنشاء الرهن، إضافة إلى توسيع قاعدة الوسائل المستعملة للتبليغ والإخبار لتشمل كل وسيلة تمكن من تحديد تاريخ مؤكد. كما عمل ذات القانون على تكريس مبدأ سريان مفعول الرهن حتى في حالة تغيير المحاسب المكلف أو الشخص المكلف بالأداء، مما يحول دون توقف أداء مستحقات مؤسسات الائتمان المستفيدة من الرهن.

ولضمان حقوق هذه المؤسسات، تم إعادة الاعتبار للقيمة القانونية لشهادة الحقوق المعاينة التي يسلمها صاحب المشروع إما لفائدة مؤسسة الائتمان أو نائل الصفقة، باعتبار هذه الشهادة الوثيقة القانونية التي تثبت وتعترف بالمبالغ الواجب أداؤها لفائدة مؤسسة الائتمان من طرف المحاسب المكلف أو الشخص المكلف بالأداء. ولهذه الغاية تم التنصيص على إعداد وتسليم هذه الشهادة تحت المسؤولية الكاملة والمباشرة لصاحب المشروع، مع تبليغها مباشرة إلى مؤسسة الائتمان وتبليغ نسخة من الشهادة بواسطة رسالة مضمونة الوصول مع إشعار بالتسليم إلى نائل الصفقة.

تكريس وتعزيز حق كل من المقاولات والمؤسسات المستفيدة من الرهن في الاطلاع على كل المعطيات المتعلقة بالصفقة المرهونة شكل جانبا آخر من المستجدات التي أتى بها القانون 112.13، فقد تم التنصيص على أنه يتعين على صاحب المشروع إخبار مؤسسة الائتمان بكل الوقائع والأحداث التي من شأنها تعطيل تنفيذ الصفقة أو في حالة فرض غرامات تأخير أو أي اقتطاع من شأنه أن يقلص دين المؤسسة الائتمانية. إضافة إلى ذلك قرر القانون الجديد إمكانية تسليم صاحب المشروع قائمة موجزة تشهد بصحة المنجزات أو التوريدات طيلة مدة تنفيذ الصفقة مع بيان الحقوق الواجب أداؤها، وذلك بناء على طلب مؤسسة الائتمان أو نائل الصفقة. كما نص هذا القانون على أنه يتعين على المحاسب المكلف أو الشخص المكلف بالأداء تسليم أطراف الرهن عند الاقتضاء قائمة تبين الاعتراضات التي تم تبليغها إليه.

وفي انتظار دخول القانون 112.13 حيز التنفيذ ثلاثة أشهر بعد نشره المرتقب في الجريدة الرسمية، وفي انتظار تذييله بنماذج الوثائق المطلوبة في إطار رهن الصفقة بمقتضى نص تنظيمي، يبقى تنزيل هذا القانون ممارسة وتطبيقا بشكل يسمح بتجاوز كل إشكالات ظهير 1948 الرهان الأكبر أمام مهندسي القانون الجديد وأمام كل الأطراف المتدخلة في تدبير نظام الرهن وفق المقتضيات الجديدة. رهان سيضع المقاولات والمؤسسات الائتمانية أمام إكراهات أخرى مرتبطة بتقلبات الظرفية الاقتصادية وتأثيراتها على حجم الاستثمار العمومي وعلى مدى وفاء الإدارة بالتزاماتها المالية اتجاه نائلي الصفقات العمومية دون تأخير. ينضاف إلى هذه الإكراهات ضعف حكامة المقاولة وارتهان ماليتها وتوازنها بمدى نجاعة القدرات التدبيرية لهذه الأخيرة مما يؤثر سلبا على تنفيذ الصفقة العمومية المرهونة ويعطل تحصيل الدائنين لمستحقاتهم.

 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة