يعتبر المرحوم الصحفي المتمرس قيد حياته إدريس أوشاكور من القامات الشامخة في العمل الصحفي والدفاع عن حقوق الإنسان في أدرار. وجه إعلامي بارز في تافراوت مسقط رأسه، قلم من ذهب مسكون بقضايا الهوية والتنمية المحلية، كتب بلا هوادة عن اليومي، عن المعيش البسيط، عن الزمن الرتيب. خط بقلمه الحر في الشأن المحلي، السياسي والإقتصادي بأبعاده الإجتماعية والسياحية والبيئية. إحتضن هم الإنسان والطبيعة معاً فأثار نقعاً ووسط جمعاً، فرس أصيل صهل بكل ما يملك من قوة ضد الحيف والظلم وسوء التسيير، وبقي أرشيف مقالاته شاهدا على صولات قلمه في السخط على الواقع والأمل في تغيير منشود عبر عنه في مناسبات مفصلية وفي مجالات متعددة. المقال هو بشكل ما نوع من النبش في ذاكرة الرجل برهان الإحياء والحفاظ على الإستمرارية وتخليد إسم جدير بالإحتفاء كرمز من رموز المنطقة. آمن بنبل المهمة، وسكنت تفاصيل المكان سطور مقالاته. هل حقاً كان صوتا مُزعجاً ؟ لمن كان يكتب وبأي رهان ؟ هي أسئلة معلقة تقتضي جواباً عن دراسة معمقة، بيد أنه كتب وخلف أثراً بالغ الوضوح في جريدته الغراء. كثير منا نحن الشباب لا يعرفونه للأسف و يهمنا نحن في هذا المقال تسليط الضوء على بعض مقالات إدريس عن السياحة وهموهما.
مؤهلات في طور الاندثار :
قريباً من هذا العنوان، كتب إدريس أوشاكور عن نكبة النخيل، إفتتح مقاله بوصف جمال الطبيعة ومؤهلات المكان، كتب عن تناغم النخل وكثل الكرانيت، عن إنسجام اللونين الأخضر و الوردي على طول الوادي إلى حدود قرية أداي الأسطورية، خلب تعاقب المناظر الطبيعية المتعاقبة لبه. إحتفى أخيراً بالواحة الرائعة على حافة المركز الحضري واعتبرها الصورة الأكثر جدارة بالتعبير عن بستان النخيل في تافراوت فيما يشبه منه طقسا نوستلجيا انقلب على إثره إلى مرارة الواقع. لقد كان ذلك قبل عقد من الزمن، في الأفق المنظور لن يتبقى شيء من هذا التراث سوى الذكريات المجيدة التي خلدتها البطاقات البريدية. يئن الآن تحت وطأة الإهمال وجشع الإنسان وقسوة المناخ وتراجع النشاط الزراعي بفعل الهجرة نحو المدن، إختفت خدمات حراس المكان وترك العنان لأعمال الإغارة على النخيل وبيعه، يفضل المالكون ممن تبقى قطعه لإحتياجات التدفئة بدلا من تركه تحت رحمة من يتحينون الفرص لنهبه، قبل أن يجتاح الإسمنت المسلح كل المساحة ويحولها كتلا من الخرسانة، وفي إنتظار هذا المشروع المربح كان لابد من إفراغ الأرض من كل مظاهر النشاط الزراعي، أفعال تدل على وجود إرادة تتصرف في إتجاه تنفيذ المذبحة في حق هذا التراث بتحفيز من العوامل الطبيعية غير المواتية، فتوالي سنوات الجفاف بالمنطقة وإستفحال مرض البيوض أجهزا على مئات من أشجار النخيل في هذه المجزرة وأنجزا نصف المهمة. لم يكتفي سي إدريس هنا بوصف الواقع ونقده بل قدم حلولا فاعتبر إنقاذ وإحياء هذا التراث الحيوي الذي طالما شكل جزءاً من جمال وسمعة تافراوت السياحية أمرا مستعجلا يتعذر إنجازه في الوقت نفسه دون مخطط للإنقاذ في إطار مشروع فلاحي مندمج وفق مقاربة تشاركية بين الوزارة الوصية والسلطات المحلية والنسيج المدني، ومن الحكمة المضي قدما في إطلاق برنامج ضخم لإعادة تشجير الأراضي التي تم إفراغها من النخيل ووضع برنامج لمكافحة الأمراض واستغلال قرب محطة الصرف الصحي للمدينة من بساتين النخيل في إحتياجات السقي، فالبلدية مطالبة بمعالجة المياه وإنشاء نظام للري وربط الجمعيات والتعاونيات في القرى المجاورة خلال هذه العملية بنهج الشراكة، وهي عملية ضرورية لزيادة الوعي بالأهمية البيئية لحقول النخيل والحفاظ على نظامها الإيكولوجي. ناهيك بطبيعة الحال، أنه لا ينبغي لنا أن نتسامح مع قطع النخيل دون تفعيل الإجراءات الجنائية ضد الجناة، ومن خلال إعادة تأهيل مهنة زراعة النخيل، سيعيد المزارعون إكتشاف الموارد والأنشطة التكميلية.
السياحة المحلية قطاع فوضوي :
يعتبر قطاع السياحة في مدينة تافراوت أهم مورد للوظائف والثروة و الدخل لأكثر من 70 % من السكان مما يفرض على السلطات المحلية ضرورة الإهتمام بهذا القطاع ودعم الإجراءات التي من شأنها النهوض به. من هذا المنطلق كتب إدريس أوشاكور عن هموم السياحة ومؤهلاتها بتافراوت من واقع لسان حال المهنيين والساكنة ومن أفق تفكيره وإنخراطه في الشأن المحلي كفاعل مدني، فاستغل مناسبة حدوث تنقيلات إدارية للمسؤولين المحليين للتعبير عن أمله في التغيير والتنديد بالنهب غير القانوني للمواقع السياحية الفريدة من نوعها في العالم، الثروة الحقيقية للمنطقة من قبل محترفي صناعة مواد البناء أمام أعين السلطات التي صمت آذانها عن شكاوى المهنيين من المواقف البرية للسيارات والبيوت المتنقلة التي أنشأت فوق الممتلكات الخاصة، دون أن تستجيب لمطالب المهنيين لتنظيف القطاع من الممارسات العشوائية، وفضلت ترك الفوضى ومضايقات السياح من المرشدين المزيفين والمضاربين في الأسعار الذين يدعون دائما صلتهم بالسلطات المحلية. هي فوضى تهدد بمصير قاتم وركود لم يسبق له مثيل يساءل السلطة عن أدوارها وعلاقاتها الملتبسة مع مثيري الفوضى ومع الهيئات المنتخبة بهذه المدينة السياحية.
مشاكل قطاع السياحة المحلية :
واكب إدريس أوشاكور في مقالاته مبادرات جمعية باعة المنتجات الحرفية في شكاويها المتعددة للسلطات المحلية والإقليمية والقضائية حول استفحال ظاهرة مضايقة السياح وأعمال الإحتكار التي يتعرض لها مهنيو البزار خلال نشاطهم اليومي عبر الحصار المضروب على متاجرهم من طرف المرشدين المتطفلين والمضاربين في الأسعار، أولائك الذين يطاردون السياح بمجرد أن تطأ أقدامهم المدينة لأجل أخذهم لمحلات بعينها مقابل الحصول على عمولات والتشهير بالمتاجر الأخرى وسرقة زبنائها، فيحرم أصحابها من أي دخل كفيل بدفع الضرائب وواجبات الإيجار والكهرباء والماء وتحمل أعباء الحياة. ممارسات فوضوية اعتبرتها الجمعية في شكواها ذات عواقب وخيمة على معدل تردد السياح الذين يظهرون تراجعا مستمرا نحو مدن أكثر أمناً، يتم فيها قمع هذه الممارسات بموجب القانون، فطالبت السلطات الوصية بتفعيل المادة 19 من القانون 30. 96 في شأن وضعية المرافقين والمرشدين السياحيين، وإتخاذ إجراءات صارمة لضمان راحة السياح وحمايتهم من جميع أنواع الإساءة والإبتزاز والمضايقة، تفعيلا لتوصيات دراسة التشخيص الذي قامت بها شركة إستشارية فرنسية في إطار شراكة جهوية تهدف إلى وضع وتنفيذ إستراتيجية تنمية بلد الإستقبال السياحي لمنطقة تافراوت. وهي الدراسة التي جعلت قضايا الصرف الصحي والتحرش والمرشدين المزيفين في قائمة الأولويات التي لا تتحمل أي تأخير كونها تعيق إقلاع القطاع السياحي وتحول دون تحسين جودة الإستقبال، ولوصم هذه الأعمال المسيئة أخذ المحتجون معهم دليل ” دو روتار ” الذي تصدى في الصفحة 532 المكرسة لتافراوت لهذه الآفة وهم عازمون على اللجوء إلى جميع أشكال الإحتجاج حتى إستعادة هيبة القطاع. كتب إدريس بحرقة وأمل عن هموم متعددة لازالت لها راهنيتها الضاغطة، بيد أن قلمه الفرنسي حال بينه وبين جمهور أوسع وأفرغ نقده اللاذع من أي مضمون إجتماعي كفيل بعدم إثارة سخط السلطة في منطقة نائية يجد القراء فيها صعوبة مع العربية نفسها فما بالك بالفرنسية. فهل كتب إدريس بهاجس الإنفتاح على العالم كصلة وصل بين عالم مغلق وعالم أكثر إنفتاحاً على أكثر المناطق إنعزالا ؟ يبقى السؤال مشروعاً ويبقى الجواب معلقا على مدى تلذذنا بلغة موليير.
بقلم : محمد الديواني
عذراً التعليقات مغلقة