عدالة الأحداث بين التشريع الجنائي المغربي والمواثيق الدولية”موضوع رسالة الطالب الأستاذ هشام العابد لنيل شهادة الدكتوراه بكلية الحقوق بأكَادير.

رشيد حموش3 مايو 2023آخر تحديث :
عدالة الأحداث بين التشريع الجنائي المغربي والمواثيق الدولية”موضوع رسالة الطالب الأستاذ هشام العابد لنيل شهادة الدكتوراه بكلية الحقوق بأكَادير.

عبداللطيف الكامل
شكلت جرائم الأحداث على اختلاف أصنافها،ظاهرة تتزايد يوما عن يوم،لأسباب نفسية واجتماعية وتربوية..مما تشكل خطرا على مستقبل هذه الشريحة من جهة وعلى مصير المجتمع المغربي سواء كفاعلين أو ضحايا في حالة ما امتدت هذه الظاهرة واتسعت لتشمل فئة عريضة من الأحداث خاصة بعد ظهور بعض الإنفلاتات كارتكاب بعض الجرائم كالسرقة والقتل والشغب في الملاعب الرياضية وغيرها.

ولعل رسالة الطالب الأستاذ هشام العابد الجامعية لنيل شهادة الدكتوراه التي تقدم بها في موضوع”عدالة الأحداث بين التشريع الجنائي المغربي والمواثيق الدولية”صباح يوم السبت29 أبريل2023،برحاب كلية الحقوق بأكَادير،تميط اللثام عن هذه القضية الشائكة وتتناول إحدى الإشكالات المثيرة للإنتباه في وقتنا الراهن بخصوص ما يهدد هذه الفئة العريضة من المجتمع .

كما حاولت إثارة الإشكالات القانونية والملتبسة أحيانا،في السياسة الجنائية المغربية المتبعة في محاكمة ظاهرة جنوح الأحداث،والمساهمة في إصدار توصيات البحث من أجل معالجة هذه الظاهرة والحد منها والخوض في مساءلة السياسة الجنائية المتبعة في المحاكم المغربية في تعاملها مع ظاهرة جنوح الأحداث ومدى مواكبتها لتطور المجتمع ونشوء تحولات اجتماعية وسيكولوجية فيه تحتاج إلى تجديد الفكر السياسي الجنائي المغربي وتبني مقاربات أخرى مغايرة غير تلك المعتمدة على المقاربة الزجرية.

وكانت مسوغات وخلفيات اختيار هذا الموضوع،كما ذكرها الباحث في تقريره،تكمن أساسا في راهنية الموضوع وجديته وحساسيته بعد تسجيل عدة حوادث ونوازل كان محورها الحدث سواء كفاعل أو ضحية،فضلا عن الحاجة اليوم إلى حماية الحدث من الجريمة ووقايته منها لأن أساس التعامل مع الأحداث أصبح حمايتهم وإصلاحهم وليس عقابهم في ظل ما يعرف اليوم بالجريمة المنظمة داخل مجتمع الصغار.

وعلل الباحث جدية البحث في هذه التيمة الشائكة اليوم بكون السياسة الجنائية الحديثة انتهت في تعاملها مع ظاهرة جنوح الأحداث بنهج اتجاه جديد ومغايرا للمقاربات الأولى في سياق ما نصت عليه قواعد دولية وأقرتها معظم الدول وضمنتها تشريعاتها الوطنية.

وأكد الباحث في تقريره المقدم أمام اللجنة العلمية التي عهد إليها مناقشة الأطروحة،أن “جرائم الأحداث باتت عقما مبكرا يصيب الأمة في مستقبلها ومشكلة لاينحصر مدلولها في مجرد خروج النشء عن أنماط اجتماعية وقانونية سائدة بل مغزاها هو فشل المجتمع في رعاية أبنائه”.

ولهذه الأسباب”بادرالمجتمع الدولي إلى وضع القواعد والمعايير،وعقد الإتفاقيات الكفيلة بحماية الأحداث فبرزت إلى حيزالوجود العديد من القواعد والمعايير والإتفاقيات التي انتهجت نهجا إصلاحيا حديثا في التعامل مع الأحداث”.

وأضاف الطالب الباحث أنه”بالرغم من اختلاف السياسة التشريعية للدول بشأن تقنين الأحكام الخاصة بالأحداث إلا أن هدف السياسة الجنائية في كل دولة يتمثل في وقاية المجتمع من خطر الجريمة ومحاولة القضاء عليها من خلال توقيع الجزاء على كل من يخالف القواعد الآمرة للقانون مع وجوب التفرقة بين المجرم البالغ والحدث بحيث لايخضع الحدث لذات الإجراءات والجزاءات المعتادة التي يخضع لها البالغون،ووجوب إحاطته بمجموعة من الضمانات الكفيلة بحمايته ومعاملته معاملة خاصة تضمن معه تحقيق مصلحته الفضلى”.

وشدد هشام العابد على ضرورة أن يتم”تنفيذ التدابيرالإصلاحية والتهذيبية والعقوبات المخففة على هذه الفئة في أماكن مخصصة بعيدا عن المجرمين البالغين والحرص على عدم الإختلاط بهم كدور الرعاية أو مراكز الطفولة مما يفرض على الدولة الإشراف عليها وتهيئتها وتوفير كل سبل الراحة فيها وتدريب العاملين بها على كيفية التعامل مع الأحداث”.

وانتهى الباحث إلى أن”الإهتمام بشريحة الأحداث وكيفية معاملتهم جنائيا وطريقة محاكمتهم تعد من أهم الضمانات الأساسية للمحافظة على المجتمع بأسره باعتبار الأطفال هم نواه المجتمع البشري ورمز مستقبله وأداة صنعه ولهذا من الواجب حمايتهم ومعاملتهم بأسلوب متطور وراق،بحيث لاتتم معاملة الحدث المنحرف بوصفه جانيا بل مجنيا عليه لأنه غالبا ما يتجه إلى طريق الإنحراف والإجرام نتيجة الظروف الإجتماعية والبيئية المحيطة به وليس لشر متأصل في نفسه”.

وقال:”ليس من العدل في شيء أن يعامل الأحداث كالبالغين،ومن هنا فإن تفريد معاملة إجرائية للاحداث تليق بهم وتتماشى مع طبيعتهم وتنأى عن الشكليات وإزالة الرهبة التي تشكل السمة البالغة في قضايا المجرمين البالغين وإحاطة هذه الفئة بمجموعة من الضمانات في جميع مراحل الدعوى العمومية”.

هذا وكان الباحث الطالب الذي يمتهن مهنة المحاماة وينتمي لهيئة المحامين بأكَادير وكلميم والعيون،قد انطلق في بحثه الجامعي من منظورمعالجة إشكالية تنتصب أمام البحث العلمي وهي كالتالي: “ما هي حدود الملاءمة بين التشريع الجنائي الوطني والمواثيق الدولية في حماية المصلحة الفضلى للحدث؟”.

وانطلاقا من هذه الإشكالية المحورية التي نتجت عنها مجموعة من التساؤلات الفرعية عالج الباحث الموضوع عبربابين كبيرين وفصلين فرعيين،بحيث تناول في الفصل الأول من الباب الأول “عدالة الأحداث في الإتجاهات التشريعية المعاصرة”من خلال تناول السياق العام لتطورعدالة الأحداث مرورا بمظاهرجنوح الأحداث ونطاقها الموضوعي ثم التطرق لمركزية المصلحة الفضلى في البناء النظري لعدالة الأحداث.

بينما عالج في الفصل الثاني منه الموضوع لكن من منظور معيار مرجعي استنادا إلى المراجع الدولية لعدالة الأحداث ومظاهرإعمال معيارية عدالة الأحداث في التشريع المغربي.

وخص الباب الثاني من الأطروحة لمناقشة الخصوصية المسطرية لمحاكم الأحداث في المادة الزجرية حيث تحدث عن أهم ضمانات المحاكمة العادلة سواء على مستوى الإجراءات المسطرية الخاصة بمحاكمة الأحداث الجانحين في المادة الزجرية أوتلك المتعلقة بالقواعد الإجرائية المتبعة أمام قضاء الأحداث ومظاهرتبسيطها في إطار الدعوى العمومية وطرق إقامتها والجهات المختصة بها بهدف تبسيط إجراءات محاكمة الأحداث الجانحين والمؤسسات المتدخلة والضمانات المخولة لهم.

وانتهى الباحث إلى خلاصة نهائية مفادها أن”المشرع المغربي يعتبرظاهرة جنوح الأحداث من أهم المشكلات الإجتماعية الأكثر تعقيدا وذلك لإرتباطها بفئة الصغار،ولما تخلفه من آثار سلبية سواء على الحدث نفسه أوعلى أسرته ومجتمعه ولذلك اهتم المشرع بهذه الشريحة أيما اهتمام ووضع لها أحكاما قانونية خاصة وإجراءات قانونية مبسطة تختلف بطبيعتها اختلافا كليا عن القواعد القانونية والإجراءات المتبعة عند محاكمة المجرمين البالغين”.

ومن الملاحظات الوجيهة التي استخلصها الباحث هي كون المشرع المغربي أقام تشريعاته الخاصة بمساءلة الأحداث على أساس”إصلاحي وتربوي يهدف إلى إصلاح الحدث وتقويمه وإعادة إدماجه في المجتمع ليكون عنصرا فعالا ونافعا”.

لكنه لم يفرد للأحداث قانونا خاصا بهم وإنما وضع مجموعة من الأحكام الشكلية الخاصة بالأحداث وأورد الأحكام الموضوعية الخاصة بهم في مجموعة القانون الجنائي بالفصول (138-140)والفصل(162)وذلك بالرغم من كونه قد سبق الكثيرمن التشريعات الجنائية العربية المقارنة في الإهتمام بوضع “قواعد إجرائية وموضوعية تخص الأحداث الجانحين ومحاكمتهم بدءا من صدورقانون المسطرة الجنائية في 10/2/1959م.

هذا وتجدرالإشارة إلى أن الطالب نال رسالته جامعية بميزة مشرف جدا والتي تقدم بها أمام لجنة علمية مكونة من الدكتورة بشرى اجدايني(رئيسة اللجنة)والدكتورعبد الرحيم زضاكي (مشرف) والدكتور زكرياء خليل(عضوا)والدكتور إسماعيل أوقادي(عضوا)والدكتور سمير أيت أرجدال(رئيس المحكمة الإبتدائية المدنية بالدارالبيضاء).

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة