زراعة البطيخ الاحمر بتزونين .. في انتظار أزمة مياه وهجرة حتمية

الوطن الأن11 مارس 2018آخر تحديث :
زراعة البطيخ الاحمر بتزونين .. في انتظار أزمة مياه وهجرة حتمية

تحقيق: لحسن العباسي – عبد الخالق بوزيد – هاجر أوداد – عائشة بوزيد – أميمة عيبي – هدى أجديك _رجاء بوزيد

تقع تزونين في الجنوب الشرقي للمغرب، وهي قرية ريفية ومركز الجماعة القروية التي تحمل نفس الاسم في إقليم طاطا بجهة سوس ماسة، تبعد عن مركز طاطا بحوالي 97 كيلومترا إذا اتجهنا غربا. وتتميز بثرواتها الغنية، أما سكانها فقد اهتموا عبر التاريخ بممارسة أنشطة اقتصادية متنوعة، منها الاستغلال المنجمي، إضافة إلى بعض الحرف مثل الحدادة والنجارة والخياطة والصياغة ثم الاستغلال الزراعي، وقد تحدث الرحالة أبو عبيد البكري عن الاهمية الزراعية لسهول تمدولت بتزونين قائلا ” أرضها أكرم أرض، تعطي الحبة فيها مئة ”

أصبحت تزونين منذ ثلاث سنوات قبلة للمستثمرين في زراعة البطيخ الاحمر، هذا المنتج الذي يحتاج إلى كميات كثيرة من المياه، من بداية الاستغلال إلى جني المحاصيل. فما هو إذن واقع زراعة البطيخ الاحمر في تزونين؟ ما تأثيراتها المحتملة على المياه الجوفية و على التنمية المستدامة لسكانها؟

انتاج البطيخ الاحمر في تزونين .. توسع كبير، ومستثمرون محليون وغرباء

تعرف زراعة البطيخ الاحمر بتزونين انتشارا واسعا منذ ثلاثة مواسم فلاحية، حيث تحيط بهذه القرية الضيعات من كل الجهات، و تكاد تمتزج هذه الفاكهة الحمراء بدماء سكان تزونين و نواحيها، واتضح لنا أثناء إنجاز هذا التحقيق الارتفاع التدريجي لعدد الضيعات و توسع مساحتها سنة بعد أخرى، فمن ضيعتين في الموسم الفلاحي 2015/2016 بمساحة قدرها 17 هكتارا، انتقل عددها خالل الموسم الحالي 2017/2018 إلى 17 ضيعة و مساحتها إلى 220.5 هكتارا، و تتراوح مساحة الضيعات عموما بين 2.5 هكتار
و 40 هكتارا، و يبلغ معدل انتاج الهكتار الواحد حسب تصريح للفلاح لحسن بوزيد حوالي 40 طنا، أما المدة الفاصلة بين غرس البذور و جني المحصول و تسويقه فتصل إلى ثلاثة أشهر حسب الفلاح مبارك الشجعي، خلالها يستعمل المزارعون أسمدة متنوعة، منها الطبيعية كروث البهائم، إضافة إلى الاسمدة الكيماوية، كما وضح أن لهكتار الواحد يشغل خالل نفس المدة 60 عاملا لزرع البذور، و 16 لرش الاسمدة على المزروعات، ثم 20 أثناء جني المحصول، و قد اتضح لنا اثناء زيارتنا لبعض الضيعات أن اليد العاملة أغلبها من النساء.

تحتاج زراعة البطيخ الاحمر إلى كميات ضخمة من المياه كما هو معروف، وتأكد لنا هذا أثناء انجاز هذا التحقيق، فقد ارتفع عدد الابار التي تم حفرها منذ أول موسم لزراعة هذه الفاكهة في تزونين، حيث يبلغ عدد الابار حاليا 28 مخصصة لري 220.5 هكتارا، ويستمر ضخ المياه من معظم هذه الابار ليل نهار دون توقف، باستعمال الطاقة الشمسية من جهة والوقود من جهة ثانية.

ورغم التوسع الكبير لهذه الزراعة في تزونين، فإن أغلب المستثمرين غرباء قادمون من إقليمي تارودانت وشيشاوة، يستغلون الاراضي بواسطة الكراء أو شراكة مع المالكين الاصليين ,


.
متفائلون: تنمية مستدامة .. متشائمون: أزمة مياه قادمة وهجرة حتمية

تتضارب الاراء بشأن النتائج المحتملة لزراعة البطيخ الاحمر بتزونين، بين متفائل يؤكد على دورها التنموي، ومتشائم ينظر إليها نظرة سلبية. يقول مدير المصالح بجماعة تزونين السيد إدريس بن الشيخ عن زراعة هذه الفاكهة الصيفية،”إنها لا تشكل خطرا على الفرشة المائية للقرية، لانها لا تزال زراعة محدودة و خجولة، و لان عدد الضيعات معدود على رؤوس الاصابع”، و أضاف المستشار الجماعي بلعيد العباسي، “إن الفرشة المائية لازالت في مستواها و لم تتأثر رغم مضي 3 سنوات على الاستغلال “، ومن جهته صرح الفاعل الجمعوي بلعيد بلاغو بأن زراعة فاكهة البطيخ الاحمر بهذه القرية لها فوائد من الناحية الاجتماعية، تتجلى في فرص العمل التي تساهم في تقليص معدل الفقر والبطالة خصوصا في صفوف المطلقات و الارامل والنساء، وتركز آراء المتفائلين على أن ضيعات البطيخ الاحمر أعادت للمنطقة اعتبارها كمجال زراعي، و أنها روجت لاسمها كمنطقة ذات جاذبية اقتصادية

ويسود التشاؤم من زراعة البطيخ الاحمر بتزونين، فالمستشار الجماعي بلعيد العباسي يرى أن استنزاف مياه المنطقة يمكن أن يحصل إذا استمرت هذه الزراعة و زاد عدد الضيعات، أما بالنسبة للفاعل الجمعوي بلعيد بلاغو فيرى أن ثلاث سنوات من دخول هذا النوع الزراعي إلى تزونين أدى إلى تراجع المياه الجوفية، فقد كانت تكفي 10 أمتار سابقا للحصول على المياه الجوفية بينما الان أصبح لزاما حفر آبار بعمق يتراوح ما بين 25 و 30 مترا لتحقيق الاكتفاء الذاتي فقط، أما العمق الازم للاستثمار الفلاحي فيقارب 100 متر، و أضاف أن تزونين ينتظرها نفس مصير زاكورة و فم زكيد، و أكد لنا المهندس الفلاحي محمد النقاش المتخصص في هندسة التنمية في اتصال هاتفي أن البطيخ الاحمر من المنتجات التي تحتاج دورتها الزراعية لكميات كبيرة من المياه، مضيفا أنه لا يعقل أن يستغل في منطقة صحراوية معروفة بقلة مياهها، أما الطالب الجامعي عبد العالي بوزيد فأضاف أن استعمال الاسمدة الكيماوية و المبيدات يفقد التربة خصوبتها و يلوث الفرشة المائية.


في انتظار الحلول وتحكمت عوامل عديدة في توافد المستثمرين على تزونين لزراعة البطيخ الاحمر، منها الطبيعية لانها غنية بالمياه الجوفية والتي تتواجد على عمق 7 أمتار إلى 30 مترا، إضافة إلى سهولها الشاسعة، وتربتها الطينية الرملية ، دون أن ننسى سعي المستثمرين الزراعيين إلى تحقيق الربح السريع، خاصة مع الاقبال الكبير على استهلاك هذه الفاكهة في فصل الصيف داخل المغرب وخارجه، ثم غياب التعقيدات العقارية.

ولتفادي أزمة المياه في تزونين يبدو أن المنع ليس هو الحل المناسب، بل تتجه الدعوات إلى تقنين هذا النشاط الزراعي بتدخل الجهات المسؤولة، مع الاهتمام بالمزروعات التي تتأقلم مع مناخ المنطقة، يدعو المهندس الفلاحي محمد النقاش إلى الاستثمار في زراعات أخرى كالنخيل الذي يتأقلم مع مناخ المناطق الصحراوية، ويضيف أن المستثمر الزراعي يجب أن يتحلى بروح المواطنة، فهل سينصت الراغبون في الارباح لهذا النداء؟ أم أن المستقبل يندر بأزمة مياه وهجرة حتمية للسكان ,

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة