النقاش حول الديمقراطية في العالم الإسلامي نقاش معطوب ، وسبقى معطوبا ، ليس لعيب في موضوع الديمقراطية ، بل لعيب فينا نحن ، عيب يتمثل اساسا في عدم فصل الديمقراطية عن ذواتنا و نزواتنا النرجسية المرضية التي تجعل من تعاطينا مع الديمقراطية تعاطيا عبثيا ، وبدل أن نتجرد من جهلنا وكل ما ترسب إلى وعينا ولا وعينا عبر قرون خلت ، بثنا نجعل من جهلنا ذاك مرجعا و حكما في نظرتنا إلى الأشياء ..
بمقتضى هذا الجهل ، أضحت الديمقراطية آلية للوصول إلى السلطة وبعدها تبدأ الردة الأيديولجية بدعوى الخصوصية و الهوية الإسلامية وكل ما يسوغ التدليس و التلبيس ..
هذا التصور التجزيئي و الإختزالي للدميقراطية ، نابع اساسا من عجز العقل الإسلامي أمام معجزات الحداثة الفكرية و التكنولولجية ، عجز ترتب عنه نكوص سيكولوجي أفضى إلى تعامل براغماتي انتهازي مرضي مع الحداثة ، نستهلك منجزها التكنولوجي في كل مجالات الحياة ، دون أن نقبل بقيمها و روحها ، نأكل قشورها و نلفض ما فيها من معنى ، نلفض جوهرها الذي إذا كانت لنا الجرأة على استيعابه و العمل به لكان سبيلا لنا إلى الإرتقاء و لشققنا طريقنا بين ألأمم إلى المستقبل بدل الحنين إلى ماضي كله صراع و دماء وغزو و احتلال و سلب لحقوق الشعوب باسم الله و الله من ذلك براء ..
..وجوهر الحداثة هذا هو الفكر النقدي الذي لا مكان لليقينيات و المطلقات فيه والذي بدوره تجل للثورة الكوبرنيكية التي حررت العقل الغربي من دوغما المقدس ، ليظهر الفرد المواطن الحر وارتسمت الحدود بين السماء و الأرض ، فأصبح ما لله لله وما لقيصر لقيصر ، ولم يعد بإمكان طرف ممارسة الوصاية على الآخر ، وانتقل الحكم من الشمولية المسندة سماويا إلى تعاقد أرضي توافقي إنساني ، فظهر المواطن الحر الذي له حق التعبير عن الرأي بكل حرية دون خوف ولو كان الرأي في مجال المقدس ، ويعني هذا اختصارا سقوط الوغما وتاسيس الحقيقة على النسبية الزمانية ،
الثورة الكوبرنيكية ثورة فكرية مست ثوابت العقل وحررته من الدوغما ، والتعبير السياسي عنها هو الديمقراطية ، و إذا كانت الحقيقة نسبية بموجب تلك الثورة في الفكر فإن الممارسة الديمقراطية هي تعبير عن هذه النسبية في السياسة واضحى حق الجميع مكفولا بالقوانين و الدساتير سواء تعلق الأمر بالأغلبية أو بالأقلية ، فاتسعت هوامش الحرية وفضاءاتها و انتهى الغستبداد إلى غير رجعة …
بمقتضى ما سلف ، هل يحق لأي كان أن يفصل الديمقراطية هلى أهوائه و رغباته وفصاماته و أمراضه ؟
أعتقد ان الديمقراطية أكبر من نزواتنا و أكبر من نرجسياتنا وبهلوانياتنا ، لذلك قلت في مقدمة المقال أن الحديث عن الديمقراطية يتطلب التجرد من كل المسبقات الفكرية التي تعوق التناول الموضوعي لهذه التيمة ، وهنا لابد من طرح السؤوال على كل من يتبجح بالأغلبية خاصة لدى حركات الإسلام السياسي ، هل ستسمح هذه الحركات لمواطنيها بممارسة حرية المعتقد و حرية الضمير كمبدأ من مبادئ الديمقراطية ؟
إذا كان الجواب نعم فأهلا وسهلا ، لكن هيهات ، ولنا هنا في المغرب مثال ، فمن سعى إلى سحب التنصيص على مدنية الدولة في دستور 2011 من كرس الطابع الديني للدولة ولماذا ؟اليس للإلتفاف على الديمقراطية وشرعنة الإستبداد باسم الدين ؟ من بدأ يخاطب الناس ويقول بأنه خدام مع الله و أن حكومته مباركة من الله و أن الله فاعل في السياسة ، وهل هذا خطاب ينتمي إلى الديمقراطية بالمعنى الذي اشرت إليه سابقا ؟
يا سادة من فضلكم كفوا عن التدليس و التلبيس ، وارفعوا الحجر عن عقولكم واعملوا بوصية الفيلسوف كانط في حديثه عن الأنوارحتى يتسنى لكم الحديث عن الديمقراطية وممارستها بكل تجرد وحتى يتسنى لكم اكتشاف هذا الجهل المركب فيكم ، وما دون ذلك فكذب و بهثان ومكر و خداع و نفاق مهما كانت المساحيق التي تدبجون بها خطاباتكم فلن يستقيم لكم الحديث عن الديمقراطية ولن تكون لكم مشروعية الحديث باسمها ، ولن تجني الأوطان من سعيكم غير الدوران في حلقة مفرغة ما دام في وجدانكم شيء يعادي الديمقراطية .، فالأوطان يبنبها النقد و العقل و الحرية ويهدمها الدجل و التدليس و التلبيس ….
فلتعش الديمقراطية شكلا ومضومونا ، وليسقط الدجل حيثما وجد …
أحمد الطالبي
عذراً التعليقات مغلقة