بينت وثائق المجلس الإداري للأكاديمية الجهوية لتربية والتكون لجهة سوس ماسة التي وزعت على أعضاء المجلس عددا من المفارقات والتناقضات والأغلاط الفادحة التي لم ينتبه إليها الفريق والدائرة الضيقة التي سهرت على إعدادها، مما أسقطها في تناقضات مع المعطيات والمؤشرات الوطنية، وهو ما يعكس أن التحضير لدورة المجلس اكتست طابع الاستعجال والتهافت على الكم بدل التشارك والكيف والنوع، مما يساءل الحصيلة وكيف تم الإعداد لبرنامج العمل الذي كان محط انتقادات مسؤولي المشاريع في الوزارة خلال الندوة التفاوضية من دون أن يتم العمل بالتوجيهات الوزارية.
التربوي بأرقام هشة!
وسجلت وثائق الأكاديمية ارتفاع نسبة الأقسام المگتظة بجهة سوس ماسة، ففي الإعدادي انتقلت من 14,78% سنة 2019 إلى 22,02% سنة 2020 (مقابل 7.10 % وطنيا)، وفي الثانوي التأهيلي ارتفعت هي الأخرى من 13,64% سنة 2019 إلى 18,47% سنة 2020 (مقابل 4.80 % وطنيا) . وهي أرقام مقلقة صادمة غنية عن گل تعليق أو تفسير وناطقة بنسبها.
فعلى الرغم من أن وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي ما فتئ يلح على الاهتمام بالجانب التربوي، غير أن غياب خطة واضحة يكون لها الأثر في واقع الفصول الدراسية على 635278 تلميذ(ة) في جهة سوس ماسة، بحسب إحصاءات الأكاديمية التي نشرتها.
وفي التربية غير النظامية، تم استرجاع 5554 طفلا بالأسلاك التعليمية الثلاث بجهة سوس ماسة، مقابل 30000 وطنيا. وهو ما لا يمثل سوى 1.66%. وهذا رقم ضعيف مقارنة مع آلاف الأطفال الذين يغادرون الفصول الدراسة بجهة سوس ماسة بسبب غياب تنسيق داخلي ومخطط عملي إجرائي وتصور مضبوط ورؤية موجهة بمؤشرات واضحة ومضبوطة.
وإذا كانت المواكبة التربوية قد استفاد منها وطنيا 5000 طفل، فيما في سوس ماسة لم يستفد منها سوى 158 طفلا، أي 7.9 % فقط رغم الملايين التي ضختها الوزارة في ميزانية أكاديمية سوس ماسة للنهوض بالورش التربوي.
أما في مجال التقويم، فإن حصص الدعم المدرسي هزيلة امام الموشر الوطني. كما تحاشت الوثائق ذكر عدد المؤسسات التي استفادت من تقويم المستلزمات ونسبتها، مقارنة مع المؤشرات الوطنية.
أما فضاءات التوجيه فهي محدودة جدا ولا تمثل سوى 48 من أصل 600 فضاء للتوجيه متوفر في المؤسسات التعليمية على الصعيد الوطني. وهو رقم محدود جدا إذا ما قورن بعدد المؤسسات التعليمية وحجم جهة سوس ماسة وعدد تلاميذها. فأي توجيه نشيط وناجح سيكون في واقع المؤسسات التعليمية لفائدة التلاميذ في التأهيلي والإعدادي على الأقل؟؟!
كما أن التوجيه نحو الشعب العلمية والتقنية لا يتعدى 57 % في سوس ماسة، فيما المعدل الوطني هو 62.50 %. وهو رقم مؤلم إذ لم تستطع أكاديمية سوس ماسة خلال سنة 2020 بلوغ نسبة سنة 2019 حيث بلغ المعدل الوطني 60.40 % بحسب إحصائيات رسمية للوزارة، وهو ما يكشف مرة أخرىأن التدبير بالجهة تطغى عليه الكثير والعتمات، گما أن التوجيه لفائدة تلاميذ الجهة فهو مجال يستوجب الافتحاص والتدقيق والمسائلة.
وما تزال الشراكات ضعيفة جدا مقارنة مع نوعيتها وكميتها، فعلى الصعيد الوطني، تم إبرام 5590 اتفاقية شراكة، فيما في سوس ماسة لم يتم عقد سوى 43 اتفاقية شراكة، منها 3 مع منتخبين ومصالح (رقم هزيل)، أي ما يمثل 1.3% من الشراكات وطنيا بسبب غياب رؤية وتتبع حتى لتلك الموقعة. كما حدث في اتفاقات الشراكة الموقعة في التعليم الأولي بحضور الكاتب العام للوزارة والوالي والعمال وبقيت حبيسة رفوف المكاتب إلى اليوم.
كما تم السكوت على المسالك الدولية والمسارات المهنية ونسبة تغطية الجماعات بالتعليم الثانوي والاعدادي (مقارنة باكاديميات مجاورة ) ، لأن نسبها ومؤشرات ضعيفة ولغياب رؤية جهوية لتتبع العمليات التي تلح الوزارة على الاهتمام بها، وتتطلب مخططا بمؤشرات واضحة ودقيقة توفر لها الظروف على مستوى البنيات التحتية والموارد البشرية والتأطير التربوي. وهو المفتقد، والمفضي إلى ما يحصل اليوم من نتائج.
تفاوتات عميقة واعترافات خطيرة
ومن بين المعطيات الكثيرة التي اعترف بها مدير الأكاديمية، في وثائق المجلس الإداري التي وزعت على أعضاء مجلسها، كتلك التي نشرت الصفحة 10 و 11 و 12 من وثيقة المخطط الجهوي لسنة 2030 على أن “شبكة الوحدات التعليمية عرفت تغيرات مهمة، مما أنتج تفاوتات كبيرة على مستوى أعداد التلاميذ، حيث أن 762 وحدة لا يتجاوز تلاميذها 20 طفلا و 182 وحدة لا تجاوز تلاميذها 10.
والصادم أيضا هو أن 252 وحدة غير مزودة بالكهرباء في سوس ماسة (فكيف ستصلها الرقمنة وتربط بالأنترنيت؟) و189 وحدة ابتدائية لا تتوفر على أي شكل من أشكال التطهير الصحي، أضف إلى ذلك أن 149 ابتدائية غير مزودة بالماء (فكيف ستحترم ويطبق بها البرتوكول الصحي للتصدي لفيروس كوفيد-19″؟! ).
وتبقى مؤشرات المردودية الداخلية هي الأخرى مقلقلة رغم الملايير التي توضع رهن إشارة الأكاديمية (ما يفوق 64 مليار سنويا)، فإن نسبة التكرار تبلغ 19.20 % في الإعدادي و11./%في التأهيلي و 8.40 % في الابتدائي، كما تمت الإسارة إلبه في الصفحة 14 من المخطط الجهوي لسنة 2030.
أما مشروع رياضة ودراسة فما زال متأخرا ومعطلا ولم ينجز فيه أي شي على أرض الواقع، رغم أن سوس ماسة كانت سباقة سنة 2016 في إنشاء المراكز الرياضية. ولم يتم إحداث ولو ثانوية واحدة للرياضيين بالجهة بعد أن فتحت 9 خلال الموسم الدراسي 2020/2021 بعدد من الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، لتشكل سوس ماسة مرة أخرى الاستثناء ولو واحدة لم تفتح.
ومما يلاحظ في المخطط الجهوي لأكاديمية سوس ماسة أن التعليم التقليدي ما يزال مهيمنا 59 %، أما العمومي مدعما بالخصوصي فلا يصل سوى لـ41 %.
واعترف مدير الأكاديمية في الصفحة 9 من وثقة المخطط الجهوي 2030 أن “هذه النتيجة الكمية على الرغم من أهميتها تبقى قاصرة عن تحقيق الإنصاف المنشود، إن لم يرافقها الاشتغال على جودة الخدمة المقدمة”، رغم أنها مشروع ملكي إذا ما قورن الرقم بباقي الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، فسنجد تأخرا كبيرا في سوس ماسة.
أما عدد الأطفال الذين هم في وضعية إعاقة وطنيا الذين يتابعون دراستهم في أقسام عادية فيبلغ 92.000 طفل حسب الإحصائيات التي قدمها الوزير أمزازي في عرضه أمام لجنة التعليم بالبرلمان، فيما في سوس ماسة 1300 تلميذ، أي ما يمثل 7.07 % وطنيا؟!
أداء مالي محرج!
بينت وثائق المجلس الاداري، أن نسبة الالتزام في ميزانية التسيير ستبلغ 91% مع نهاية دجنبر 2020، وأن نسبة الالتزام في (C.E) مع نهاية دجنبر 2020 ستصل إلى 84.5 % ، ونسبة الالتزام (C.P) خلال نفس الفترة ستصل إلى 92 %.وبالتالي قراءة بسيطة تؤكد أن حوالي 10 % ستضيع في ميزانية التسيير (الاستغلال)، وحوالي 15 % في ميزانية الاستثمار. وهي أرقام ناطقة تعبر عن الملايير التي ستضيع رغم أن ميزانية الأكاديمية خضعت للتعديل بسبب جائحة “كورونا” والوزارة طلبت من الأكاديمية إعادة برمجة ما سيتم الالتزام به والوفاء به إلى غاية السنة المالية، وهو ما يفنده واقع حال تدبير الشأن المالي.
ويرجع السبب في ذلك إلى أن عددا من الصفقات، خاصة في ميزانية الاستثمار لم يتم برمجتها في المرحلة الأولى لإطلاق الصفقات خلال نصف السنة المالية، وعدد منها تركت لشهري نونبر ودجنبر 2020، مما تسبب في أن عددا منها أصبح غير مثمر، وهو ما أصيب على إثره عدد من رؤساء المشاريع بالصدمة بسبب سوء البرمجة وغياب التتبع والتخطيط، مما تسبب في تأخير تنفيذ المشاريع لسنة ونصف وحتى سنتين، وهو السبب الذي يعطل فتح المؤسسات التعليمية الملتزم بفتحها في الدخول المدرسي بإدراجها في الحركة الانتقالية ولو أن الأشغال بها متأخرة، كما حدث في ثانوية المتنبي وثانوية أبو موسى الأشعري وثانوية العربي البناي (بعضها من مشاريع ميزانية 2018) لم تفتح أبواباها إلا أسابيع قبل المجلس الإداري والأشغال مستمرة ببعضها إلى اليوم.
ويتزايد تعميق الجراح، بكون الأداء المالي، أي أداء مستحقات الموردين ما يزال محدودا، وأدى لتنبيهات مسؤولي الوزارة كما حدث أمام الملأ في الندوة التفاوضية لجهة سوس ماسة في نونبر 2020. ورغم ذلك ما يزال الأداء ضعيفا، بحسب إحصاءات الأكاديمية في وثائقها، حيث أن 91.07% من ميزانية التسيير من الباقي أداؤه، وسيرتفع إلى 92.29 % مع نهاية 2020. نفس الوضع بالنسبة للأداء في ميزانية الاستثمار إلتى ستصل إلى قرابة النصف (47.89% ) رغم توفر السيولة في رصيد الأكاديمية بالخزينة.
أسئلة محرجة
لقد تحاشى برنامج عمل 2021 توصيف البرنامج الاستثماري للإحداثات الجديدة بناء على بطاقة لكل مشروع من التوطين إلى الوعاء العقاري (هل تمت تصفيته أم لا؟ ليضاف إلى أوعية عقارية غير مصفاة في سوس ماسة تسببت في نزاعات قضائية عطلت الكثير من المشاريع) والدراسات. لم يتم تسليمها لأعضاء المجلس الإداري ولا إخبارهم بها رغم أنهم هم من سيصادقون على برمجتها وتوطينها، وهو ما يضع السؤال ملحا: ما دور أعضاء المجلس الإداري في كل هذا كما أكد أحدهم؟؟!
وهل المصادقة على العموميات، وحتى في ميزانية الاستثمار لم يتم تقديم توزيع البرنامج المادي لأعضاء المجلس؟!أين هو برنامج تقليص الفوارق المجالية (FDR)؟أين هي الاتفاقيات المبرمجة والشراكات الكبيرة والنوعية وكم تم استقطابه كما تم في كثير من الأكاديميات (آخرها المجلس الإداري لأكاديمية كلميم واد نون بحضور وزير التربية الوطنية الوزير المنتدب المكلف بالتعليم العالي والمديرة العامة لمكتب التكوين المهني..)؟!
وإلى حدود الأسبوع الجاري، تعقد اجتماعات لتحديد الحاجيات برسم سنة 2021.فكيف يمكن أن تحدد الحاجيات وبرنامج العمل صودق عليه. وهذا يفسر أنه لم يتم ضبط الحاجات وتدقيقها، بسبب غياب منطق الإشراك في بناء مشروع برنامج عمل سنة 2021، فما بالك ببرمجة حاجيات مشاريع إلى غاية 2030، كما فعلت أكاديميات أخرى مع مديرياتها أسابيع قبل الندوات التفاوضية والمجلس الإداري، إذا ما قورنت عروضها ووثائقها ومؤشراتها وبرامجها الدقيقة بتلك التي أعدت على عجل في سوس ماسة وغاب عنها منطق الإشراك والتشارك، حتى أن من قرأ الوثائق يأسف للاستعجال الذي أنجزت به بسبب كثرة الأخطاء اللغوية والصرفية والنحوية (الرفع هو المعتمد أما النصب والجر فلا وجود له) والأسلوبية في فقراته وعناوينه وتكرار عدد منها، وعدم وضوح عدد عمليات وإجراءات المشاريع (إنتاج /1000 دليل بمعنى 2 كل يوم نموذجا، وهو رقم مستحيل تكرر في عدد من المشاريع)، وحتى في صياغة المؤشرات التي ينبغي أن تكون واضحة وقابلة للقياس، وينبغي مراجعتها قبل فوات الأوان.
مقصلة المساءلة تنتظر
غيض من فيض مثير تعيشه أكاديمية سوس ماسة ليس في واجهتها، وإنما في عمق التدبير المالي والإداري بسبب مركزة التسيير والافراط فيه، والقفز على اختصاصات المجلس الإداري وأخطاء قانونية قاتلة، وعلى رأسها تلك التي كلفت المال العام مليار سنتيم لبناء عمارة داخل مقر الأكاديمية (نموذجا) وصفقات “المطعمة” التي تشكل الاستثناء في سوس ماسة دون باقي اكاديميات المملكة وعقود التغذية وسندات الطلب المفرطة وغيرها أمام مؤسسات الحكامة، ومنها المجلس الأعلى للحسابات ومحكمة جراءم الاموال والمفتشية العامة للمالية ( IGF) لترتيب المسؤوليات، في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة، وسط صمت قاتم لمن يهمهم الأمر!! ؟.
من إعداد:الطالب علي
عذراً التعليقات مغلقة