يكتسي مؤلف الحسن باكريم أهميته في تناوله بالبحث والتحليل موضوع الإعلام الأمازيغي المكتوب الذي لم يحظ بعد بما يكفي من الدراسة. وتزداد أهمية الكتاب في كون مؤلفه صحفي خبر الميدان وراكم تجربة مهمة في هذا المجال، سواء في الجرائد الحزبية أو المستقلة أو من خلال تجربته في إصدار جريدته الخاصة “نبض المجتمع” وموقعها الالكتروني. وقد أضاف الكاتب لتجربته الميدانية تكوينا جامعيا في ماستر “التحرير الصحفي والتنوع الإعلامي” بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، كان من نتائجه بحثا جامعيا تحول بعد تعديله لهذا الكتاب الموسوم ب”الأمازيغية في الإعلام المغربي المكتوب، التناول الحزبي والمقاربة الجمعوية”.
إذا كانت تسمية “الإعلام الأمازيغي المكتوب” نفسها تطرح إشكال التعريف بدقة، وهو ما ناقشه الكتاب، إلى جانب الأهداف المنتظرة من هذا المولود الجديد، فان المؤلف حاول من خلال تجربة الجريدة الجمعوية “تاسافوت”، لسان حال جمعية تامينوت، ومقارنتها بصفحة الأمازيغية في جريدة “العلم”، لسان حال حزب الاستقلال، طرح موضوع الإعلام الأمازيغي المكتوب في سياقه التاريخي العام بربطه بمختلف الإشكالات المرتبطة بظهور المطالب الهوياتية الأمازيغية بالمغرب.
واختيار جريدة العلم بالذات وعلاقتها بالأمازيغية له من الأبعاد التاريخية والإيديولوجية والسياسية ما يجعل من هذا البحث جدير بالاهتمام. وقد حاول الكاتب بكثير من الدقة النبش في أركيولوجية ميلاد الإعلام الأمازيغي المكتوب بما في ذلك المنشورات الداخلية للجمعيات التي كانت النواة الأولى لهذا الإعلام مما جعل منه “جمعوي الميلاد” حسب تعبير الكاتب نفسه.
رغم تطور وضعية الأمازيغية بالمغرب منذ صدور أول جريدة في بداية العشرية الأخيرة من القرن الماضي، في سياق عدم الاعتراف إلى اليوم حيث أصبحت الأمازيغية “لغة رسمية” في دستور 2011، إلا أن الإعلام الأمازيغي المكتوب، سواء كان جمعويا أو تجربة فردية، لم يستطع الخروج من طابعه النضالي، ذات الإمكانات المحدودة والمعيقات الكثيرة، وظل يجر وراءه تبعات أسباب ظهوره وإشكالات لغوية مرتبطة بتاريخ اللغة الأمازيغية نفسها المفتقدة لتراكم في المكتوب وتقاليده، فاعتمد على المتعاونين الهواة بدون تكوين في الميدان الصحافي، وتكوين ذاتي في الميدان اللغوي، مما جعل العديد من الجرائد الورقية تتوقف عن الصدور، حتى قبل ظهور مواقع التواصل الاجتماعي التي فرضت نفسها إعلاما بديلا معلنا أفول نجم الإعلام الورقي.
لقد طرح الحسن باكريم هذه الإشكالات بتشعبها مستشرفا آفاق الإعلام الأمازيغي المكتوب، تحت اكراهات الثورة الرقمية، للتحول من جهة للمقاولة الإعلامية المحترفة ومن جهة أخرى ضرورة التفكير في مواكبة الثورة المعلوماتية الحالية. وتبقى مقارنته مع الإعلام الحزبي في تعاطيه مع موضوع الأمازيغية من أهم مستجدات هذا البحث مقارنة مع الدراسات السابقة التي لم تتجاوز جانب التأريخ والتوثيق، حيث بين الباحث كيف إن التجربة الجمعوية في مجال الصحافة الأمازيغية رغم اكراهاتها السالفة الذكر أثرت في بعض الاختيارات الإعلامية الحزبية فوجدت هذه الأخيرة في الفاعلين الجمعويين، على قلة تجربتهم الصحافية، أطرا للإشراف على صفحاتها المخصصة لهذا الموضوع.
تلكم بعض الإشكالات والقضايا المطروحة في كتاب ” الأمازيغية في الإعلام المغربي المكتوب ” والذي يعد إضافة نوعية في مجال دراسة حضور الأمازيغية في الإعلام المغربي ومؤلف مهم يغني المكتبة المغربية.
الحسين بويعقوبي (تقديم للكتاب)
عذراً التعليقات مغلقة