الكهرباء لا بد أن ننوه بالعمل المهم الذي قام به الرئيس السابق للهيئة الوطنية لضبط الكهرباء السيد “عبد اللطيف برضاش” وكذا العمل الجاد الذي يضطلع به مسؤولو وعاملو المؤسسة. ولا يفوتنا أن نهنئ، بالمناسبة، الرئيس الجديد للهيئة السيد “زهير شرفي” على الثقة المولوية، ونتمنى له التوفيق والنجاح في منصبه الجديد.
لا شك أن المغرب يشهد، تحت قيادة الملك حفظه الله، إصلاحا جذريا في قطاع الطاقة يعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز الاستقلال الطاقي والاستدامة. وفي إطار هذه الجهود، تم الإعلان عن تحويل الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء إلى هيئة تنظيمية شاملة؛ وذلك في اجتماع المجلس الوزاري الذي ترأسه جلالة الملك يوم 4 دجنبر 2024، حيث أصدر توجيهاته السامية قصد الانكباب على إجراء إصلاح عميق لهذه الهيئة، وتحويلها إلى هيئة وطنية لضبط قطاع الطاقة، عبر مراجعة القانون المتعلق بها، وتوسيع اختصاصاتها لتشمل كل مكونات قطاع الطاقة، لتشمل فضلا عن الكهرباء، الغاز الطبيعي والطاقات الجديدة، على غرار الهيدروجين ومشتقاته، وكذا مجالات الإنتاج والتخزين والنقل والتوزيع، وذلك بما يساير مستوى النضج الذي بلغه قطاع الطاقة ببلادنا، وطبقا للممارسات الدولية الفضلى في هذا المجال.
وهذا يُعَد مؤشرا ملموسا على النضج الوطني والمؤسساتي في التعامل مع التحديات الخاصة بقطاع الطاقة. ما يعزز مكانة بلادنا كأحدِ أبرز اللاعبين في التحول الطاقي على المستوى العالمي.
ومن الواضح أن المغرب انخرط، تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك، بإصرار، في تنفيذ استراتيجية طموحة واستباقية هدفها رفع التحديات المناخية التي تواجهها بلادنا، وكذا تعزيز أمننا الطاقي. وفي هذا الإطار، تم اعماد العديد من المبادرات الرامية الى الارتقاء بقطاع الطاقات المتجددة ودعم الصناعات النظيفة وكذا إحداث مشاريع مبتكرة، كما هو الشأن بالنسبة لتحلية مياه البحر عبر استعمال الطاقات المتجددة، إضافة الى التقدم الملحوظ للمملكة في وضع عرض طموح في ميدان الهيدروجين الأخضر، مما يجسد إدراك المغرب بأهمية المسألة الطاقية في نموذجه التنموي الاقتصادي، ومن شأنه المساهمة في إنجاح الانتقال الطاقي للبلاد وتيسير اندماجها الإقليمي في محيطها الإفريقي وانفتاحها الدولي. خصوصا وأن سوق الطاقة اليوم يمر باضطرابات كبيرة، ويرتقب أن يستمر ذلك في السنوات المقبلة، وذلك في إطار الانتقال الطاقي الجاري.
وهذا معناه أن الحكومة والهيئة يلزمهما عمل كبير وجهد متواصل لتحويل الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء إلى هيئة وطنية لضبط قطاع الطاقة، سواء فيما يتعلق بمراجعة القانون المتعلق بها، وتوسيع اختصاصاتها لتشمل، فضلا عن الكهرباء، كل مكونات قطاع الطاقة كالغاز الطبيعي والطاقات الجديدة، على غرار الهيدروجين ومشتقاته، وكذا مجالات الإنتاج والتخزين والنقل والتوزيع. ومن شأنه تشجع المستثمرين الدوليين على تسريع استثماراتهم في المغرب، وبالتالي تعزيز دور المملكة كرابط إقليمي رائد في مجال الطاقة.
لا يخفى على أحد أن الطاقة هي العمود الفقري للاقتصاد، لأنها رافعة قوية للتنافسية الصناعية وقطاع استراتيجي للسيادة والنفوذ.
الإصلاح العميق للهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، الذي يُدَعمه جلالة الملك، ليس مجرد إصلاح هيكلي، بل هو إصلاح “أساسي” من أجل الاستجابة لتحديات قطاع طاقة أضحى مندمجا ومركبا بشكل متزايد.
فالمغرب، من خلال تحويل نموذجه لضبط الطاقة، يؤكد طموحه 6 للاستفادة من إمكاناته الهائلة في مجال الطاقات المتجددة، وفرض نفسه كرائد لا محيد عنه في التحول الطاقي على الصعيد العالمي. وأملنا أن يمكن هذا الضبط الشامل من تحسين التفاعلات بين مختلف القطاعات، وضمان شفافية الأسواق، وجذب المزيد من الاستثمارات، وحماية مصالح الفاعلين المحليين.
في الوقت الذي ستعمل الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، من الآن فصاعدا، على تزويد القطاعات الاستراتيجية، على غرار الهيدروجين الأخضر، فقد أصبح من الضروري ضمان التنسيق الفعال بين جميع الحلقات ضمن السلسلة الطاقية. ومن الواضح أن هذه الدينامية تندرج، أيضا، في إطار رؤية استراتيجية التي يقودها جلالة الملك والتي تطمح إلى جعل المغرب مركزا إقليميا رائدا، سواء بالنسبة لإنتاج أو تصدير الإلكترونات والجزيئات الخضراء. وقطاع الهيدروجين الأخضر يعكس بشكل واضح هذه الدينامية، وبفضل الرؤية المستنيرة لجلالة الملك يلتزم المغرب بإنتاج الهيدروجين ومشتقاته، مثل الأمونيا والميثانول الأخضر، باستخدام الكهرباء المولَّدة بنسبة 100 بالمائة من مصادر الطاقة المتجددة.
كما أن الموارد الطاقية الطبيعية التي تختزنها بلادنا والتي تقدر بعدة آلاف “تيراواط” في الساعة سنويا، أصبحت تفرض نفسها كفاعل رئيسي في الانتقال الطاقي العالمي؛ لتصبح المملكة في وضع مثالي لتطوير بنيات تحتية كبرى، قادرة على إنتاج مئات “الجيغاوات” من الكهرباء النظيفة باستخدام منشآت الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح.
إذا كان من الضروري أن يكون للمغرب هيئة تنظيمية ليس فقط على دراية جيدة بهذه الرهانات، بل أيضا قادرة على مواكبة التطورات في القطاع وإعداد الإطار التنظيمي اللازم لتحقيق طموحات المملكة في مجال الطاقة، سواء من الناحية الكمية أو النوعية، فإن من متطلبات هذا التحول أو هذا الإصلاح توليد المزيد من الابتكارات لإنتاج طاقات تنافسية منخفضة الكربون، والقواعد للتصديق على المنشأ المتجدد للطاقات، والمزيد من التقنيات لإدارة شبكات الطاقة الذكية، فضلا عن الرهانات المالية المناخية مع إدخال أرصدة الكربون في خطط أعمال مشاريع الطاقة الجديدة.
لا بد من تسريع العملية التشريعية بتحيين القوانين المتعلقة بالقطاع وهي: القانون رقم 09- 13 المتعلق بالطاقات المتجددة المُتَمَّم والمُغَيَّر بالقانون رقم 19-40، والقانون رقم 15-48 المتعلق بضبط قطاع الكهرباء وإحداث الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء، والقانون رقم 21-82 المتعلق بالإنتاج الذاتي للطاقة الكهربائية.
خصوصا وأن هذه القوانين تتطلب نصوصاً تنظيمية أخرى لتطبيقها، ويتطلب إصدارها وقت ليس بِهَيِّن.
*إحداث شركات جهوية متعددة الخدمات (SRM)*
شهد نشاط التوزيع إعادة هيكلة جديدة تمثلت في إحداث شركات جهوية متعددة الخدمات أُسنِدت لها إدارة خدمات توزيع الماء والكهرباء وكذلك الصرف الصحي والإنارة العمومية بموجب القانون رقم 21-3 المتعلق بإحداث الشركات الجهوية متعددة الخدمات سنة 2023، تم إحداثها في 4 جهات تجريبية. ويتعلق الأمر بجهة الدار البيضاء – سطات، والجهة الشرقية، وجهة مراكش آسفي، وجهة سوس – ماسة. وتعميمها لاحقاً لتشمل الثماني جهات المتبقية في المملكة.
رغم أن أهداف هذا الإصلاح تتمثل في: مواكبة نمو الطلب على خدمات الماء والكهرباء والصرف الصحي، وتحسين جودة البنية التحتية والخدمة المقدمة للمستعملين، وتحسين الاستثمار والموارد المخصصة للمرافق العامة، ضمان التغطية العادلة والتوزيع المتوازن لهذه الخدمات في جميع أنحاء البلاد، لا سيما في المناطق القروية. فإن انطلاق هذه الشركات الجهوية عرف تعثرا في الجهات المعنية.
*القدرة المنشأة والإنتاج الكهربائي*
منذ سنة 2010، يتضح جليا تطور الإنتاج الوطني للكهرباء. ويُعزى هذا النمو إلى حد كبير إلى الزيادة في الإنتاج من الطاقات المتجددة مثل الطاقة الشمسية والطاقة الربحية خلال الفترة الممتدة ما بين 2023-2010.
وقد ساهم إنشاء مشاريع الطاقة الريحية الجديدة على زيادة حصة الطاقات المتجددة في مزيج الطاقة، حيث بلغت %40,4 من إجمالي الطاقة المنشأة قيد التشغيل. لكن الملاحظ أن حصة الطاقات المتجددة لا زالت ضئيلة؛ وأن حصة إنتاج الطاقة من مصادر الطاقات المتجددة ما زالت في حدود %21,7 من إجمالي إنتاج الكهرباء نهاية عام 2023؛ إذ تمثل الطاقة عبر الضخ %4,1 فقط من إجمالي القدرة المنشأة! والطاقة الشمسية %7,3، والطاقة الريحية %11,4 وأن الفحم لا زال يمثل %36! وعلى الرغم من أن إنتاج محطات الفحم قد انخفض بنسبة 6.6% مقارنة بالعام السابق، إلا أنها لا تزال تهيمن على بنية الإنتاج، حيث تساهم بنسبة 64% من كمية الكهرباء المنتجة.
*تطوير الهيدروجين الأخضر*
يبرز الهيدروجين الأخضر، الذي ينتج عن طريق التحليل الكهربائي للمياه من مصادر الطاقات المتجددة، كعنصر أساسي في التحول العالمي للطاقة نحو بدائل أكثر استدامة.
وقد أحرز المغرب تقدماً كبيراً في تطوير الهيدروجين الأخضر في عام 2019، حيث تم إنشاء اللجنة الوطنية للهيدروجين الأخضر، المسؤولة عن توجيه الدراسات والإشراف على تنفيذ خارطة الطريق الوطنية للهيدروجين الأخضر، والتي تم نشرها سنة 2021. كما تم إنشاء تجمع الهيدروجين الأخضر الذي يجمع بين المصنعين والباحثين والهيئات العامة بهدف تعزيز البحوث التطبيقية والابتكار والصناعة في قطاع الهيدروجين الأخضر. وبلادنا بمواردها الوفيرة من الطاقة الشمسية والربحية المتجددة، وموقعها الجغرافي الاستراتيجي لابد أن تؤكد وجودها في سوق الهيدروجين الأخضر العالمي.
والهيئة الوطنية لضبط الكهرباء تشارك في رصد هذا الناقل الطاقي، لطبيعة مهمتها المتمثلة في دعم الانتقال الطاقي الوطني وتعزيز الطاقات وكافة أساسية لإنتاج الهيدروجين الأخضر، ومراقبة التطورات التكنولوجية المرتبطة به، نظرا للتأثير المحتمل لهذه التكنولوجيا على المنظومة الكهربائية؛ لذلك يُنتظَر منها عمل مهم في هذا المجال لضمان الانتقال السلس وضمان التطوير الكافي لشبكة الكهرباء وضمان قدرة الشبكة على استيعاب الأحمال الإضافية التي تُوَلِّدها المحلّلات الكهربائية، بالإضافة إلى الحقن المتذبذب من مصادر الطاقات المتجددة؛ لدوره الحاسم في تخزين الطاقة على المدى الطويل مما يساعد على وجه الخصوص في حل الطبيعة المتذبذبة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والحد من ازدحام الشبكة وتعزيز مرونة المنظومة الكهربائية الوطنية.
عذراً التعليقات مغلقة