محمد الحنفي:المرأة..الواقع الحقوقي / الآفاق.

الوطن الأن19 أبريل 2015آخر تحديث :
محمد الحنفي:المرأة..الواقع الحقوقي / الآفاق.

إلـــى:

 ــ المرأة في عيدها الأممي الذي يبقى محتفى به حتى تحقيق كافة الحقوق الإنسانية للمرأة.

  • ــ جميع الحاضرين في أول ندوة تقيمها جمعية التنوير للثقافة والفكر، بعد الانتهاء مباشرة من عملية إنجاز ملفها القانوني.

 ــ كل من وجهنا إليهم الدعوة، ولم يحضروا إما لغياب الاهتمام، أو استخفافا بالجمعية.

 ــ الأعضاء المؤسسين لجمعية التنوير للثقافة والفكر.

 ــ أعضاء المكتب الذين أخذوا على عاتقهم السير بالجمعية، في اتجاه تحقيق أهدافها النبيلة.

 ــ من أجل ثقافة تنويرية متحررة.

 ــ من أجل ترسيخ قيم نبيلة في واقعنا.

 

محمد الحنفي

 

واقع المرأة المغربية:

 

إن واقع المرأة المغربية، هو امتداد للجوانب السلبية، لواقع المرأة في النظام الرأسمالي العالمي، كما أنه امتداد للواقع المتردي للمرأة في الأنظمة الرأسمالية التابعة، وخاصة في بلدان المسلمين، حيث تعاني المرأة من أقصى درجات الدونية، بلبوس ما يسميه مؤدلجو الدين الإسلامي،  بعد أن صارت لهم الكلمة الأولى، والأخيرة، في بلدان المسلمين، التي يعتبرها مؤدلجو الدين الإسلامي، المنتجون للدواعش، قدرا. والقدر، كما نعلم، هو ما لا يد للإنسان فيه.

 

وانطلاقا من هذا المفهوم، يصير الاستبداد قدرا، ويصير الفساد قدرا، ويصير التخلف، الذي يصيب المسلمين قدرا، ويصير نهب ثروات الشعوب قدرا، وتصير وضعية التخلف التي تعاني منها المرأة في بلدان المسلمين قدرا، ولكنهم، في نفس الوقت، لا يعتبرون أي شكل من أشكال التقدم الفكري، أو العلمي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو الثقافي قدرا.

 

وانطلاقا من هذا الارتباط بين المرأة المغربية، وبين الجوانب السلبية لواقع المرأة في البلدان الرأسمالية، وبينها وبين المرأة في الأنظمة الرأسمالية التابعة، وخاصة في بلدان المسلمين، فإن شروط تحكم الواقع المغربي في واقع المرأة المغربية، تتمثل في:

 

أولا: اعتبار المغرب بلدا متخلفا اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا:

 

1) فالتخلف الاقتصادي ناجم عن التبعية الاقتصادية للغرب، وشيوع الاقتصاد الريعي، وتعايش الاقتصاد التقليدي مع الاقتصاد العصري، وعدم القيام بالإصلاح الزراعي، للحيلولة دن التدهور المتسارع الذي يصيب الاقتصاد الزراعي، الذي أدى، ولا زال يؤدي، إلى هجرة سكان البادية في اتجاه المدن، وتجميع الأراضي الزراعية بين أيدي ما صار يعرف بالإقطاع الجديد، واستمرار الصناعة التقليدية المكلفة، وغير المدعومة، إلى جانب الصناعة العصرية المختلفة، وغير ذلك، مما يؤدي، في نهاية المطاف، إلى المزيد من إغناء الأغنياء، وإفقار الفقراء.

 

2) التخلف الاجتماعي، المتمثل في تدهور المستوى التعليمي، والصحي، والسكني، وانعدام فرص الشغل، أو ضعفها، أمام تزايد عدد العاطلين كل سنة، واستمرار انتشار الأمية، وخاصة في صفوف النساء، وفي البادية، وعدم مد الطرق الضرورية إلى البادية، وبها، وخاصة في الجبال، التي تعاني من مختلف أشكال الحصار، أثناء التساقطات المطرية، والثلجية، وعدم تعميم المؤسسات الخدماتية في كل القرى، كما في كل المدن، وفي جميع المجالات، وخاصة في المجالين: التعليمي، والصحي، واعتبار ذلك جزءا لا يتجزأ من تملك الحس الوطني.

 

3) التخلف الثقافي، الذي فرضه التمسك بالثقافات التقليدية، المتعايشة مع الثقافات الحديثة، المترتبة عن التبعية للغرب، مما يجعل الإنسان المغربي، كأي إنسان في بلد تابع، يتيه بين ما يسمونه بالأصالة، وما يمكن وصفه بالمعاصرة، في جميع مجالات الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حيث نجد المغالاة في تضارب القيم الثقافية، التي تعطينا كائنا مشوها.

 

4) التخلف السياسي، المترتب عن التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي. فالدولة القائمة، هي دولة مخزنية، ودستور فاتح يوليوز 2011، يدخل في إطار الدساتير الممنوحة، لافتقاره إلى الديمقراطية، وإلى الشعبية، والسلطات ممركزة في يد رئيس الدولة. والحكومة، رغم أن السلطات التي تتمتع بها، ليست حرة في اتخاذ القرارات اللازمة، والانتخابات لا تكون إلا مزورة، نظرا للشروط غير الحرة، وغير النزيهة، التي تحكمها، والأحزاب السياسية مسؤولة بشكل كبير، عن إفساد الحياة السياسية، وأجهزة الدولة الإدارية فاسدة، وفسادها يضرب أطنابه في الجماعات المحلية.

 

ثانيا: المغرب بلد رأسمالي تابع، أي أن كل ما يجري في المغرب على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، رهين بإرادة المؤسسات المالية الدولية، وبتعليمات النظام الرأسمالي العالمي، وبمدى التزام المغرب بتوجيهات المؤسسات المالية الدولية، وبتعليمات النظام الرأسمالي العالمي، ونظرا للديون الكثيرة التي تثقل كاهل المغاربة جميعا، والتي يذهب جزء مهم من الدخل الوطني في خدمة الدين الخارجي، والداخلي على السواء، مما يجعل المغرب عاجزا عن تلمس خطوات التقدم، التي يحلم بها جميع المغاربة، كما يجعله عاجزا عن الانعتاق من التبعية، فكأن هذه التبعية للنظام الرأسمالي العالمي قدر.

 

ثالثا: المجتمع المغربي محكوم بقيم العادات، والتقاليد، والأعراف، التي ترقى إلى مستوى القانون، أو إلى مستوى الشريعة، في حالة غيابهما. وهو ما يعني: أننا نعيش فوارق كبيرة، بين ما عليه حداثة العصر، وما عليه المغرب. والأخطر من هذا، أن الشريعة الإسلامية بلغت ما بلغت من التحريف الأيديولوجي، عندما تعتبر أن ما يجري على مستوى العادات، والتقاليد، والأعراف، جزءا لا يتجزأ من الشريعة الإسلامية، التي تعتمد العادات، والتقاليد، والأعراف في بلورة فتاواها، مع العلم أن:

 

1) العادات: ما تعود الناس على فعله خلال عصر من العصور، أو توارثوه، كذلك، عن الإسلام، مما لا علاقة له لا بالقانون، ولا بالشريعة. وهذه العادات، قد تكون متناسبة مع أحكام القانون، ومع أحكام الشريعة.

 

والتعود على فعل معين، يطال كل مجالات الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، كما يطال السياسات الاجتماعية المختلفة، والأعياد الدينية، والوطنية، وكافة واجهات الحياة.

 

2) التقاليد الموروثة عن الأسلاف، الذين نحاكيهم فيما كانوا يفعلون، أو نقلدهم في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

 

ومعلوم أن ما نقوم به على المستوى الديني، وعلى مستوى الحرف، والمهن، والصناعات التقليدية، وفي مختلف المناسبات الاجتماعية، لا يمكن اعتباره إلا من باب التقاليد، التي تحول دون إخضاع الماضي، الذي نقدسه، للمناقشة.

 

ومعلوم، كذلك، أن اعتمادنا على التقاليد، التي قد تتناسب مع القوانين المعمول بها، وقد لا تتناسب معها، وقد تتناسب مع الشريعة الإسلامية التي نستحضرها في حياتنا اليومية، وخاصة في علاقة الرجل بالمرأة، وقد لا تتناسب معها، محكوم باستعظامنا للماضي، وتقديسنا لكل ما هو آت منه، ودون إخضاع ما نقلده للعقل، والتفكير النقدي.

 

3) الأعراف التي تعارف الناس عليها، في العلاقات الاجتماعية والإنسانية القائمة فيما بينهم، مما تقتضيه الحياة اليومية، مما ليس له أية علاقة لا بالقوانين، ولا بالشريعة الإسلامية، ولا بالعادات، ولا بالتقاليد. وقد تكون الأعراف قابلة للتكرار، أو غير ذلك، وقد تعتمد بمثابة قانون، أو بمثابة فتوى، في الشريعة الإسلامية، إذا لم يكن هناك نص قانوني، أو شرعي، أو لم تكن لها علاقة لا بالعادات، ولا بالتقاليد.

 

ودور العادات، والتقاليد، ولأعراف في الحد من التقدم، والتطور في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بسبب كبحها لإرادة التقدم، والتطور، وتوجيهها للمسلكية الفردية، والجماعية، التي تعتبر في إجراء عملية الكبح، أو تكسير كل القيود، من أجل الانطلاق نحو التقدم، والتطور، المفتوحين على المستقبل.

 

رابعا: اعتبار المغرب بلدا غارقا في الديون الخارجية، والداخلية، على حد سواء، مما رهن الدخل القومي، بخدمة الدين الخارجي، والداخلي، ويجعل المواطن البسيط محروما من النمو المتواصل، الذي يكون في خدمة الوطن، وفي خدمة الإنسان، في هذا الوطن، حتى يتخلص من الكثير من الأمراض الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ليتحول المغرب إلى بلد متقدم، ومتطور، يتخطى كل الأزمات المترتبة عن التخلف الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

 

وهذه الشروط التي تحكم الواقع المغربي، تجعل المرأة، كما الرجل، رهينة بها، مما يجعل معاناتهما تزداد حدة، واستغلالها المزدوج يزداد تعمقا، وحقوقها غير متحققة، ومكانتها تزداد وضاعة، ودونيتها تزداد انتشارا في النسيج الاجتماعي، إلى درجة اعتبارها عورة، عليها أن تستر جسدها من الرأس إلى أخمص القدمين، حتى لا تؤذي الرجل، خاصة، وأن مؤدلجي الدين الإسلامي، يعتبرونها هي السبب في البطالة التي يعاني منها الشباب على المستوى الوطني، وهي المسؤولة عن انتشار كافة أشكال الفساد الاجتماعي، وخاصة، فيما يتعلق بانتشار الدعارة في الواقع المغربي، مبرئين بذلك النظام القائم، والطبقات التي تمارس الاستغلال على المجتمع ككل، وتتسبب باستغلالها الهمجي، في إفساد الحياة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، كما يتجلى ذلك في الممارسات اليومية للحكام، وللطبقات الممارسة للاستغلال.

 

ورهن المرأة بشروط الواقع المغربي، يجعلها تعاني على مستوى الأسرة، وعلى مستوى المجتمع ككل، وعلى المستوى الحقوقي.

 

فعلى مستوى الأسرة، نجد أن المرأة تشكل أساس التئام أفراد الأسرة، واجتماعها، وضمان دوام ذلك الاجتماع، انطلاقا من اعتبارها محورا في البيت، ومن قدرتها على التحمل، دون أن تنتفي عنها تبعيتها للرجل الزوج، أو الأب، أو الإبن، أو القريب المحرم، بسبب الرؤيا الدونية للمرأة في المجتمع، والتي لا تنتفي بالتضحية المستمرة، التي تقدمها لأسرتها، إلى جانب التضحية لصالح عائلتها، من جهتها هي، أو من جهة الزوج، دون أن تطرح حرمانها من حقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ودون أن تطرح للنقاش حقوقها التي لها علاقة بخصوصيتها، ودون أن تمارس حق الانتماء الجمعوي، أو النقابي، أو الحزبي، على جدول أعمال الأسرة؛ لأنه ليس من حقها أن تنتمي إلا للجهة التي ينتمي إليها زوجها، وإلا، فإن أي اختلاف عن الزوج، قد ينعكس سلبا على وضعية الأسرة، التي قد تتعرض إلى التفكك.

 

ومع أن المرأة في العديد من الأسر، أصبحت عاملة، أو أجيرة، أو موظفة متعلمة، إن لم تكن حاصلة على أعلى الشهادات، فإن ذلك لم يقف وراء إسقاط الدونية عنها، في إطار الأسرة، بل إن النظرة الدونية تبقى ملازمة لها كامرأة، مهما كانت.

 

وعلى مستوى المجتمع، فإن المرأة تحظى بنظرة دونية عامة، فهي المتهمة، باستمرار، حتى تثبت براءتها، وهي الضعيفة، باستمرار، حتى تثبت قوتها، وهي البليدة حتى تثبت ذكاءها، وهي الكائن اللا إنساني حتى تثبت إنسانيتها، وهي العورة التي يجب سترها، حتى لا يرى منها أي شيء، وهي التي تقف وراء اختلال التوازن الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي في المجتمع المغربي، وهي (لمرا حاشاك) كما يتداول العامة في الخطاب اليومي، بحكم العادات، والتقاليد، والأعراف. ولا يشفع للمرأة كونها متعلمة، أو حاصلة على أعلى الشهادات، ولا كونها تناضل بواسطة الجمعيات، أو النقابات، أو الأحزاب السياسية، أو كونها تتحمل مسؤولية أسر بكاملها، على مدى التراب الوطني، حتى تتخلص من دونيتها؛ لأن المرأة، والدونية، متلازمتان في الذهنية المغربية، على مدى قرون، وفي الواقع اليومي الممارس. وهو ما يعني ضرورة العمل على تغيير القيم السائدة في المجتمع المغربي، والتي تعمل بكل الوسائل الممكنة، وعلى مدى التراب الوطني، من أجل إعادة الاعتبار للإنسان المغربي أولا، ومن أجل إعادة الاعتبار للمرأة ثانيا.

 

وإذا كان لا بد من إعادة الاعتبار للمرأة / الإنسان، فإن على المناضلات، والمناضلين في جميع المجالات، وفي كل القطاعات الاجتماعية، أن يعملن، وان يعملوا على إسقاط كل القيم المتخلفة، وفي مقدمتها قيمة الفساد، والاستبداد، اللذين يجعلان المجتمع المغربي أكثر تخلفا، وأكثر استيرادا لمظاهر التخلف المختلفة، التي ترجعنا إلى القرون الوسطى، والتي تجعلنا لا نرى في المرأة إلا اعتبارها عورة، مهما كانت التضحيات التي تقدمها للمجتمع المغربي، وللبشرية بصفة عامة.

 

وعلى المستوى الحقوقي، ورغم إقرار دستور فاتح يوليوز 2011، بالإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وبحقوق المرأة، فإن المرأة لا زالت غير معنية بتلك الحقوق، التي أصبحت دستورية، والتي تحول دون أجرأتها، ما سماه الدستور بالثوابت الوطنية، واعتبار دين الدولة المغربية هو دين الإسلام، الذي يعتبر من الثوابت الخاصة جدا، بحكم أدلجة الدولة المغربية للدين الإسلامي، مما يجعل المجتمع المغربي محروما من كل الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ويجعل المرأة المغربية أكثر حرمانا من الحقوق الإنسانية العامة، والخاصة، كما تدل على ذلك كل الوقائع التي تجري في المجتمع، وكل الملفات المعروضة على المحاكم، وكل الوقائع التي تشتغل عليها الجمعيات الحقوقية، على مستوى التراب الوطني.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة