إن ما يهم المخزن، بأدواته المختلفة، وبأجهزته المعروفة، وغير المعروفة، ليس هو خدمة مصالح الرأي العام، ومصالح الكادحين، ومصالح الشعب المغربي، جملة، وتفصيلا؛ بل هو ما يصير بمثابة تلهية للجماهير الشعبية الكادحة، وللرأي العام، وللشعب المغربي، حتى لا يتفرغ إلى تتبع ما يجري في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يعج بالمشاكل، والقضايا التي تئن تحت وطأتها الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.
وإذا كان الواقع يمتلئ بالمشاكل التي لا حدود لها، ومنها المشاكل الاقتصادية الحادة، والمشاكل الاجتماعية المزمنة، والمشاكل الثقافية التي ترهن مستقبل الثقافة في المغرب، والتي تصير من إخراج مخزني، ليس عن طريق مهرجان موازين فقط، بل عن طريق كل المواسم، والمناسبات المخزنية، وغير المخزنية، التي تقيمها جمعيات مدعومة بالأموال، التي لا حدود لها، ومن قبل العديد من الجهات، والمؤسسات الرسمية، لإفساد القيم النبيلة، التي يتحلى بها أبناء، وبنات الشعب المغربي، حتى يطمئن المخزن على دوام سيادته، وحتى يستمر تحكمه في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يصير في خدمة المؤسسة المخزنية، وفي خدمة أجهزتها المختلفة، وفي خدمة الطبقة الحاكمة، وباقي المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي للشعب المغربي.
وإذا كان تزوير الانتخابات البرلمانية السابقة قد أو صل بنكيران إلى رئاسة الحكومة، فإن وصوله برهن على قدرته على:
1) جعل الشعب المغربي ينشغل به على مدى الولاية البرلمانية، التي يتوفر فيها على الأغلبية التي تضمن له رئاسة الحكومة، التي لا تخدم مصالح الشعب المغربي، بقدر ما تخدم مصالح المؤسسة المخزنية، ومصالح حزبيي العدالة، والتنمية، التي لا تسعى لا إلى تحقيق العدالة، ولا إلى تحقيق التنمية، لصالح الشعب المغربي.
2) الإجهاز على جميع مكتسبات الشعب المغربي، التي فرض تحقيقها بنضالاته المريرة، التي لم تتوقف منذ عهد الاحتلال الأجنبي للمغرب، وإلى يومنا هذا، ما دام تحرير الشعب المغربي غير وارد، وما دامت الديمقراطية بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لم تتحقق، وما دام تزوير الانتخابات الجماعية، والبرلمانية، هو الوارد في أذهان المسؤولين على مدى التراب الوطني، وفي كل انتخابات يعرفها المغرب، وما دامت العدالة الاقتصادية، والاجتماعية، بعيدة عن التحقق.
3) الإجهاز على كافة حقوق الشعب المغربي: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ومصادرة حق الإطارات الحقوقية، في طرح مطالبها، والنضال من أجل تحقيق تلك المطالب، ومواجهة أي حركة نضالية بالقمع الشرس، وعلى مستوى التراب الوطني، في أفق تكريس الجمود النضالي / الحقوقي، والمطلبي، حتى يحرم المجتمع من انتزاع المكاسب المادية، والمعنوية الحقوقية، لصالح مجموع الكادحين.
4) رفع أسعار المواد الاستهلاكية المختلفة، لإضعاف القدرة الشرائية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، مع تجميد الأجور، في مقابل رفع تعويضات البرلمانيين، والوزراء، والموظفين السامين، ورجال السلطة، في مستوياتهم المختلفة. وهو ما يدخل في إطار خطة حزب بنكيران غير المعلنة، والمتجسدة في تعميق فقر الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، التي تمت مصادرة معظم حقوقها، في إطار تفعيل مدونة الشغل، وضرب العمل النقابي، وإضعافه، في مقابل الزيادة في مستوى دخل الأغنياء، ومنهم البرلمانيون، والوزراء، ورجال السلطة، بالإضافة إلى تقديم الامتيازات اللا محدودة إلى ناهبي ثروات الشعب المغربي، الذي وعده بنكيران باسترجاع ما نهبوه من ثرواته والذين انتهى الصراع معهم بإشراكهم في الحكومة، وقول رئيس الحكومة (عفا الله عما سلف). ومن قال لبنكيران إن الله يعفو عما سلف.
هل تلقى وحيا من الله؟
وهل أخبره الله أن الشعب المغربي تنازل عن كل حقوقه المنهوبة من خلال نهب ثرواته؟
أليست الزيادات الخيالية في تعويضات البرلمانيين، والوزراء، والموظفين السامين، ورجال السلطة، جريمة يرتكبها بنكيران، لنهب ثروات الشعب المغربي؟
أم أن مجرد زعامة بنكيران لحزب مؤدلج للدين الإسلامي، يعطيه الحق بالكلام باسم الله، من أجل أن يعلن العفو عن ناهبي ثروات الشعب المغرب؟
أليس من الواجب على بنكيران أن يستفتي الشعب المغربي في العفو عن ناهبي ثرواته؟
أليس من واجبه استفتاء الشعب في القرارات التي اتخذها، برفع تعويضات البرلمانيين، والوزراء، والموظفين السامين، ورجال السلطة، باعتبارها قرارا في تكريس نهب ثروات الشعب المغربي؟
حتى إذا وافق له الشعب على ذلك، اعتبر ذلك من إرادة الله؛ لأن بنكيران ليس نبيا، وليس رسولا يتلقى الوحي من عند الله، حتى يتكلم باسمه، وحتى يعلن أمام الشعب قولته التي صارت مشهورة: (عفا الله عما سلف).
وما نعرفه، ويعرفه الشعب، أن كل الذين تم رفع تعويضاتهم من ناهبي ثروات الشعب المغربي، الذي يراكمون العقارات، ويرفعون من مدخرات حساباتهم البنكية في الداخل، وفي الخارج.
5) عدم تشغيل العاطلين، والمعطلين، ومنهم خريجو الجامعات المغربية، والأجنبية، وفي مقدمتهم الأطر العليا المعطلة، التي تستحق تشغيلها، بناء على العقد الموقع في عهد الحكومة السابقة، بدعوى ضرورة اجتياز مباريات التوظيف، التي تعلن عنها القطاعات الحكومية المختلفة، والجماعات المحلية، وكل الإدارات العمومية، والجامعات المغربية، في الوقت الذي يوظف فيه أتباعه في حزب العدالة والتنمية، بدون اجتياز تلك المباريات. وهو ما يعني أن بنكيران يستغل النفوذ، ويمارس المحسوبية، والزبونية، والفساد الإداري، الذي لم يحاربه قط، والذي استشرى في عهده، في العديد من الإدارات، والجماعات الترابية، التي يسيرها الفاسدون من المنتمين إلى حزبه، ومنهم من ضبط متلبسا بالاتجار في المخدرات.
6) التضييق على العمل النقابي، باللجوء إلى اقتطاع أيام الإضراب، لإدراكه أن ذلك لا بد أن ينعكس سلبا على أي نقابة، وعلى العمل النقابي، وفي كل القطاعات الشغلية، حتى لا تلجأ النقابات إلى التصعيد؛ لأن كثرة الاقتطاعات، ستجعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، والعاملات، والأجيرات، وسائر الكادحات، لا يستجيبون، ولا يستجبن إلى تنفيذ قرار الإضراب. وهو ما يجعل النقابات تلجأ إلى أساليب نضالية أخرى، لا ترضي، في غالب الأحيان، العاملات، والعاملين، في مختلف القطاعات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، كالمسيرات، والوقفات الاحتجاجية، وخاصة داخل المؤسسات الإنتاجية، والخدماتية، مما لا يؤثر لا في الإنتاج الاقتصادي، ولا في تقديم الخدمات.
وتضييق بنكيران على العمل النقابي، يدخل في إطار تقديم أنجع الخدمات إلى الطبقة الحاكمة، وإلى كل المستغلين، وسائر المستفيدين من الاستغلال، وقبل ذلك، وبعده، إلى المؤسسة المخزنية، وكل من يدور في فلكها.
7) تحويل الخطاب السياسي المتداول في البرلمان، من قبل رئيس الحكومة، وزعماء (المعارضة البرلمانية) الرسمية، إلى خطاب منحط، ومبتذل، يهدف إلى إفساد الخطاب السياسي المغربي، الفاسد أصلا، كنتيجة حتمية لتكريس الفساد الإداري، والسياسي، في ظل الاستبداد القائم، مما يجعل الحياة السياسية المغربية فاسدة: جملة، وتفصيلا، على يد بنكيران، وبمساهمة زعماء (المعارضة البرلمانية)، الذين يتحملون المسؤولية في عدم مواجهة بنكيران، مواجهة نقدية رائدة، بفضح مخططه الجهنمي، الذي يهدف إلى الإجهاز على ما تبقى للشعب المغربي من مكاسب اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية.
فلماذا هذه الميوعة السياسية، التي صاحبت مجيء بنكيران إلى رئاسة الحكومة؟
لماذا تم افتقاد الأخلاق السياسية في مؤسسة تشريعية، كمجلس النواب المغربي، بين بنكيران وزعماء (المعارضة البرلمانية)، وبينه، وبين رؤساء الفرق البرلمانية؟
ألا نعتبر أن الميوعة السياسية المنبعثة من قاعة البرلمان المغربي، سواء في اجتماعات مجلس النواب، أو في اجتماعات مجلس المستشارين، تستهدف إلهاء الشعب المغربي، عما تقوم به الحكومة في حقه. وهو ما يستهدف مصادرة قوته اليومي، الذي لم يعد، في معظم الأحيان، في المتناول، بسبب ارتفاع الأسعار، وبسبب الزيادات المتوالية في المحروقات، وفي الماء، والكهرباء؛ الأمر الذي لا يترتب عنه إلا إضعاف القدرة الشرائية لعموم الشعب المغربي، ولكل كادحيه؟
أليس لشكر، وشباط، اللذين حملهما التحول السياسي الراهن، إلى زعامة الاتحاد الاشتراكي، وحزب الاستقلال، هما الوجه الآخر لبنكيران؟
ولو افترضنا أن لشكر، أو شباط، كان مكان بنكيران. ألا يقوم كل منهما بنفس الدور؟
ألا يمارس كل منهما نفس الميوعة السياسية، التي وقف وراء تكريس ممارستها بنكيران، بصفته رئيسا للحكومة؟
هل يتصرف بنكيران بمنطقه هو، أو بمنطق المؤسسة المخزنية، التي تتحكم في كل صغيرة، وكبيرة في هذا الوطن؟
ألا يخضع لشكر، وشباط لنفس منطق المؤسسة المخزنية، لو كان كل منهما رئيسا للحكومة؟
أليس ثلاثتهم شعبويين؟
أليست الشعبوية وسيلة من الوسائل التي تعتمدها الطبقة الحاكمة لإلهاء الشعب المغربي عن واقعه، ولممارسة التضليل عليه؟
فلماذا لا تختار معارضة لشكر، أو شباط، تقويم الخطاب السياسي، الذي ينتجه بنكيران، وعدم الانسياق معه وراء إفساد الحياة السياسية؟
لماذا لا يكون خطاب فرق الحكومة موحدا حول الموقف من شريط (الزين اللي فيك)، ومن سهرة الأمريكية لوبيز، التي نقلتها القناة الثانية؟
لماذا نجد أن نفس فرق المعارضة، يختلف موقفها من شريط (الزين اللي فيك)، ومن سهرة لوبيز؟
أليس ذلك الاختلاف بمثابة صراع الديوك التي لا حول لها، ولا قوة، أمام التدبير المخزني لكل شيء على أرض المغرب؟
أليس الأمر لا بيد الحكومة، ولا بيد المعارضة؟
ألا نعتبر أن معاناة الشعب، لا وجود لها، لا في خطاب الحكومة المائع، ولا في خطاب المعارضة المائع كذلك؟
أليس اهتزاز الحكومة، والمعارضة معا، بظهور شريط (الزين اللي فيك)، مسا بسمعة الحكومة، والمعارضة، التي لا تقوم بمناهضة الدعارة الراقية، التي تنتشر في الفنادق المغربية، وفي قصور البترو دولار، والتي تجلب الحكومة من ورائها عملة صعبة بدون حدود؟
أليست مناهضة الدعارة الراقية، من مهام الحكومة؟
أليس فضح الدعارة الراقية، من مهام المعارضة البرلمانية؟
وهل يمكن اعتبار سهرات موازين قرارا حكوميا؟
أليست حكومة بنكيران مجرد حكومة صورية؟
لماذا سحبت فرق المعارضة، وفرق الحكومة، الأسئلة المتعلقة ببث سهرة لوبيز عن طريق القناة الثانية في مجلس النواب؟
أليس ذلك بأمر مخزني؟
أليس الحكومة حكومة مخزنية، والمعارضة معارضة مخزنية؟
ولماذا فجر حزب العدالة، والتنمية، الصراع ضد برلماني حزبه أفتاتي؟
أليس من حقنا أن نتجول في كل تراب الوطن؟
ألا نعتبر ذلك الصراع بأمر مخزني؟
هل يملك رئيس الحكومة الصلاحيات التي خصه بها دستور فاتح يوليوز 2011؟
وإذا كان يملكها، لماذا لا يمارسها؟
لماذا لم يفعل حتى الآن، مقتضيات دستور فاتح يوليوز 2011، وخاصة منها تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان؟
إننا ونحن نطرح هذه الأسئلة، لا نسعى إلى الحصول على الإجابة عليها، وإنما لنبين أن بنكيران، ولشكر، وشباط، وغيرهم، ممن يمارسون صراع الديكة في قبة البرلمان المغربي، إنما هم مجرد أوجه مختلفة، لعملة واحدة، هي العملة المخزنية، التي توظف كل ما هو ممكن، من أجل ضمان تأبيد سيطرته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية على الشعب المغربي، الذي صار يعاني من تحول دمى البرلمان اللا ديمقراطي، واللا شعبي، إلى وسيلة لإلهائه عن الشعور بعمق معاناته، من تردي أوضاعه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بفعل السياسة المخزنية، التي تديرها الحكومة، التي يقودها حزب العدالة، والتنمية، الذي برهن، وبالملموس، أنه لا علاقة له لا بالعدالة، ولا بالتنمية، كما يدل على ذلك ما تمارسه الحكومة بكل مكوناتها، مما يتناقض جملة وتفصيلا مع مصالح كادحي الشعب المغربي، ومما يمكن اعتباره تنظيما للهجوم الحكومي على القوت اليومي للشعب المغربي، ومن أجل تحريك الدمى الممخزنة في المعارضة البرلمانية.
فهل يمكن القول بوجود حكومة لها سلطات دستورية؟
وهل للمعارضة البرلمانية صوت مسموع في أوساط الشعب المغربي؟
محمد الحنفي
عذراً التعليقات مغلقة