صديقي
كانوا كثرا أولئك الذين تساءلوا وسألوا، البعض منهم مستنكرا، لماذا أتوجه في جل كتاباتي إلى الملك شخصيا في قضايا مختلفة، ومن باب المسؤلية والنزاهة الفكرية، واحتراما للقارئ، وجب علي، لا تبرير موقفي هذا، وإنما تفسيره وتوضيحه وتعليله للجمهور سياسيا وقانونيا ودينيا.
وفي الواقع فإن توجهي إلى الملك شخصيا هو نتاج لتحليلي لنظام الحكم في بلدنا، تحليل يؤدي في النهاية إلى أن نظام الحكم في بلدنا نظام ملكية تنفيذية يسود فيها الملك ويحكم، وإليه ترجع الكلمة الفصل في الشؤون التي تهم المواطنين. ملك لا يخضع لفصل السلط، إذ له قسط وافر من السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويتجلى ذلك بوضوح تام في الدستور.
فالملك يتخذ جميع القرارات الإستراتجية في كل المجالات، قرارات تلزم مستقبلي، ومستقبل أبنائي وأحفادي،
أضف إلي ذالك أن الدستور المغربي يحث على أن المسؤلية ينبغي أن تكون مقرونة بالمحاسبة، كما أن نفس الدستور لم يتضمن في متنه أي نص يشير إلى أن الملك لا يمكن أن يكون موضع مساءلة، والقاعدة القانوية تقول: ” إن ما لا يمنع بنص صريح فهو مباح”، وبناء عليه، فإن من حقي، ومن حق أي مواطن، أن يسائل، ويحاور، ويجادل الملك. فليس في ذلك ما يخالف القانون والدستور.
غير أن البعض يتجاوز القانون ويغض الطرف عنه، مُدَّعيا أنه لا يجوز مساءلة الملك لأنه ظل الله في أرضه، وخليفته، ويستمد من الله حكمه وسلطته، ولذلك وجبت طاعته، ويستندون في ذلك على الآية القرآنية الكريمة التي ورد فيها: ” يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله وأولي الأمر منكم”، سورة النساء الآية 59.
ينسى الذين يقولون مثل هذا الكلام أن طاعة أولي الأمر، والملك ينتمي إلى هذه الفئة، ليست طاعة مطلقة عمياء، فلا طاعة للمخلوق في معصية الخالق، أي أنه إن لم يكن أولو الأمر يحكمون بالعدل والقسط، ولا يخضعون لما أمر به الله، تصبح هذه الطاعة لاغية، وغير ملزمة، لأنها طاعة تندرج في معصية الخالق.
وبخصوص الحديث المتعلق بأن الملك ظل الله في الأرض الذي رواه أبو هريرة، فإنه حديث يقول عنه الفقهاء وأهل العلم، إنه حديث ضعيف ومشكوك في سنده، كما أن الله لا ظل له ولا خليفة له في الأرض فمحمد بن عبد الله (صلعم) لم يكن إلا رسولا قد خلت من قبله الرسل، ولم ينعت في القرءان بأنه ظل الله أو خليفته في الأرض.
فلما مات الرسول (صلعم ) نادى أحد المؤمنين أبا بكر: يا خليفة الله، فنهره أبو بكر قائلا: “لست خليفة الله، وإنما خليفة محمد بن عبد الله”، إن الذين يزعمون أن الملك خليفة الله في أرضه، إنما يريدون للملك قدسية تجعله في منأى عن المساءلة والمحسابة والمجادلة، ويجعلون منه الحاكم بأمره.
وفي نفس السياق، يسألني البعض كذلك لماذا لا تخاطب بنكيران في مقالاتك، أليس هو رئيس الحكومة وله مسؤليات تنفيذية وتشريعية يضمنها له الدستور، وجوابي هو التالي: كيف يمكن لي مخاطبة بنكيران وانتظار أشياء منه، وهو الذي يقول باستمرار، “أنا كنفذ القرارات التي يتخذها سيدنا، فهو الذي يقرر، وأنا مجرد منفذ.”
بقوله هذا يعترف بنكيران بأنه ليس إلا موظفا ساميا، وأنه وقياديو حزبه وصلوا الي الحكومة و لم يصلوا إلى الحكم، ولذلك يصبح من الأجذر بالنسبة للمواطن التوجه إلى صاحب ومالك القرار الفعلي الذي هو ملك البلاد، فبنكيران لا يملك أي سلطة فعلية تؤهله لخدمة المواطن، كما يقول المثل الفرنسي:” Il vaut mieux s’adresser à dieu qu’à ses saints “من الأفضل التوجه إلى الله بدل التوجه إلى أوليائه.”
صديقي
إن ما يربط الملك بالمواطنين والمواطنات هي البيعة، التي هي في الأساس كانت تدل تاريخيا على عقد تجاري و رابط تبادلي بين طرفين يتم بشكل متراض ومتوافق عليه بينهما، وأخذت البيعة معنى دينيا، كما حدث في بيعة الرضوان حيث بايع جمهورة من المؤمنين الرسول (صلعم) تحت الشجرة، ولقد تمت هذه البيعة بالمصافحة، وليست بالسجود، والركوع، والانحناء، فبيعة الرضوان والمصافحة التي تمت بواسطتها حفظت كرامة المتعاقدين وبينت أن لكل جهة حقوقا وعليها واجبات.
غير أن المثير في البيعة في المغرب هو أنها تتجدد مرة في كل سنة، فلماذا هاد التتجدد ؟ لماذا لا تكون مرة واحدة عند الجلوس على العرش؟ فهل الملك ليس واثقا أن البيعة ستظل قائمة دون تجديدها؟؟؟
إن شرعية الملك ليست مستمدة من الله، وإنما من الشعب الذي يبايعه، فالبيعة هي التي توفر للملك الشرعية الشعبية التي يحكم بها، بالإضافة إلى النص الدستوري الذي يصوت عليه الشعب.
صديقي
بين الملك والشعب توجد عقدة أخرى ألا وهي العقد المادية و التي تتجسد في الراتب الذي يحصل عليه والتي تأتى من أموال الشعب ومن خزينته من خلال الضرائب التي تقدم للدولة، فيصبح الملك نتيجة لذلك خادما عند الشعب وخادما له، وهذا ما يقر به الملك في كل خطبه.
صديقي
لكون الملك أميرا للمؤمنين وجب الرجوع إلى ما يوفره الإسلام من حقوق في مخاطبة أمير المؤمنين، فالله تبارك وتعالى أجاز النقاش والسجال و المقارنة على أعلى المستويات، فلقد قال جل جلاله:
“وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ” ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ”.
وقال الله تبارك وتعالى: مخاطبا ابليس “ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك، قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين”. ويصعد إبليس من (الجدل) إلى (التمرد والعناد): “” قال أنظرنى إلى يوم يبعثون، قال إنك من المنظرين،ٌ قال فبما أغويتنى لأقعدن لهم صراطك المستقيم.. ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين”” (الأعراف 14 ــ17), ثم يصعد إبليس من العناد إلى التحدى: « قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين”” (ص 82 , (83
ألم يطلب الله عز و جل من رسوله أن يحاور و يجادل الكفار إذ قال تعالى:ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ” وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ “ۚ .
قال تعالي: “ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي “بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حميم.
الم تجادل خولة ابنت تعلبة رسول الله حيث قال تعالي “قدسمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير”.
ألم يطلب أبو بكر من المسلمين أن يجادلوه:””أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني
ألم يقل عمر ابن الخطاب: فلا خير فيكم إذا لم تقولوا ما ترونه حقا، ولا خير فينا إن لم نسمعها.
صديقي
لقد عاينا مواطنين ومواطنات يخاطبون الملك في قضايا حساسة وشائكة بلغة تحتوي الكثير من الجرأة، ويصارحونه أمام الملأ بالحقائق المرة، وكان الملك يتقبل ما يقولونه بصدر رحب، ولم تتم متابعة أي مواطن لأنه خاطب الملك بجرأة، في حين لم يسبق للجمهور أن شاهد ولو زعيما سياسيا واحدا يتكلم مع الملك بنفس الجرأة والصراحة، وهذه واحدة من مآسي هذا البلد السيئ الحظ بطبقته السياسية.
عذراً التعليقات مغلقة