……………من وحي الطفولة -1-……………
منشور قديم بتاريخ 31 يوليوز 2014 على صفحة دوار إغير أيت حربيل طاطا ……
. …………………تيمزكيدا la mosquée ………………
من منا لا يحتفظ في مخيلته بذكريات من زمن الطفولة ، ذكريات ترتبط لدى البعض بولوجه مؤسسة التربية الأولى بعد الأسرة ، وهي – تيمزكيدا- فهذه حال العديد من شباب قريتنا و من جيلنا الذي لم يحالفهم الحظ في ولوج المدرسة ، رغم وجودها . بل منهم من لم يلج لا هذه و لا تلك .ونحن و إن كنا من الذين حالفهم الحظ في ولوج المدرسة ، إلا أن تيمزكيدا بصمت حيانتا ، لكوننا نلجها ايام العطل الصيفية ، أو ربما جمعنا بينهما في فترة من الفترات خاصة عندما نعمل في المدرسة بصيغة التناوب ، بحيث يدخل الكبار كما نسميهم في تلك المرحلة – ولي مقورنين- وننتظر نحن الصغار حصتنا بعد العاشرة صباحا ، إن لم تخني ذاكرتي…
على اية حال فحكي اليوم ، سينصب على تيمزكيدا كما كانت تسمى وما زالت، وكيفية تلقي المبادئ الأولى في القراءة ، وحفظ القرآن وتعلم مبادئ الدين ..
وكيف كان اباءنا يحرصون على انضباطنا و التزامنا بالحضور اليومي لحصص تعلم القرآن ، وكذلك وجوب الإلتزام بالحضور في أداء صلاة الجماعة مع الناس ، بل وقراءة الحزب الراتب ، ويا ويلك إذا خالفت التعليمات ….
أذكر في ما أذكر انني ولجت تيمزكيدا و أنا صغير جدا ، دون أمنية و دون خلفية أو هدف فقط لأن الأطفال يذهبون إليها وكان الإمام آنذاك هو سيدي محمد أوالكبير ، لم أعد اتذكره كثيرا ، كلما أذكره هو اننا نقرا في أخربيش أوفلا ، وهو عبارة عن ما نسميه نحن في إغير- إزغي -une sorte de terrasse مستطيل الشكل ، مفتوح في جهة الوادي ، بحيث يمنحك منظرا بانوراميا على الوادي ، ومنطقة تسمى – تاضانبوت- وهي منطقة رملية واسعة يستغلها الأطفال آنذاك مكانا للعب ، و يلعب فيها الكبار الكرة بعد الحصة المساءية ….
لم أبلغ بعد سن ولوج المدرسة ، لذلك ارافق إبن عمي -حماد- إلى تيمزكيدا ، ولصغر سني آنذاك ربما لم ابدأ في تعلم القرآن و لا حتى الحروف .. لم اعد أذكر ، لكن ما يعتبر مهما بالنسبة لي آنذاك ، هو أن شابا من البلدة لا يعرفه الجيل الجديد ، وهو سيدي محمد بن عبد الرحمان حسيني -وكنا نسميه سيدي محمد أوعبد رحمان – كان شابا ذكيا وقتها ، يكلفه سيدي محمد أوالكبير أن يعلمنا بعض مثون إبن عاشر في التوحيد ، و العقائد و اركان الإسلام ، و بإيقاع يشبه الغناء ، وهي الحصة التي كنت اتفاعل معها قلبا وقالبا..
ونردد جماعة :
قواعد الإسلام خمس واجبات
وهي الشهادتان شرط الباقيات.
ثم الصلاة و الزكاة في القطاع ..
والصوم و الحج على من استطاع….
إلخ
وكنا إذا اقتضى الحال نضيف المد في غير مكانه أو نحذفه ليستقيم اللحن كأن نقول مثلا: قوعدوو….
وقد ذكرني الأخ إبراهيم بونحاس يوم أمس أن شجرة لوز كانت سامقة ومرتفعة إلى أن بلغ علوها جدار- أزور الجير-من جهة تلكوط بالضبط حيت يوجد باب مقصورة الصلاة الآن ، وهو باب مستحدث في السنوات الأخيرة كما الصومعة الجديدة …..
وكنا نلح المسجد-تيمزكيدا- من الباب الخلفي الموجود ، بدرب إزدار قبالة منزل إد سي حماد -عائلة مستغين ، في الطريق إلى إكيوام…….
وعندما انتهت مرحلة سيدي محمد أوالكبير ، جاءت مرحلة سيدي الحسين أوماولود وهو فقيه من دوار إشت ، ومعه ، أتذكر حصص التدريس و الحمل- حمالة- لمن لم يحفظ ، كما أتذكر بياض بشرته ، وملابيسه وجلابيبه ، وصوته وهو يلقي خطبة الجمعة فوق المنبر من كراس قديم ومهترئ و بشكل متكرر حتى حفظنا تلك الخطب…
كانت الحصة تبدأ في الصباح الباكر جدا بحيث يأتي الجميع ، بدون فطور إلى المسجد ، أذكر أن والدي يوقظني باكرا جدا جدا ، , افيق مسترخيا بدون دافعية و لا تحفيز ، وعندما أخرج من منزلنا أتقاعس و أتكاسل و أنام في عثبات المنازل ب :-درب إزدار -لعلي أفوز بقسط من النوم ، و أحيانا أنام بركن من اركان المسجد – بالميضي- أو دو المرجل- مكان تسخين الوضوء لكن سيدي الحسين يكتشفني و يوقظني ناهرا : نيركر أياغيول …..
نعرض ألواحنا ، ثم نغسلها ، ونتحلق حول سيدي الحسين ، ليفتي لنا ، كل حسب الجزء الذي وصل إلية ، نحيث يقول الطالب – أمحضار- مثلا :
أسيدي : الرحمان علم القرآن ، ويرد الفقيه : خلق الإنسان علمه البيان .. وهكذا دون أن يراجع المصحف ، كنا نكتب بأقلام قصبية نصنعها نحن لكن المحظوظين منا يحصلون على أقلام من صنع المرحوم دا الحسن أوبلوش الذي نتحلق حوله ونراقب بشعف مهارته و هو يصنع الأقلام بدقة متناهية ، ويبعث بها إلى سيدي الحسين الذي يدعو له ، كما كان بارعا في صنع القفاف -تيزكيوا – و السلال والحبال من سعف النخيل أو مادة الفدام ، كما يصنع المروحات في فصل الصيف بدرب أوكرام عند القيلولة رحمه الله ….
نعود إلى المنزل بعد كتابة الألواح نفطر و نعود للحفظ و العرض ، و اثناء العرض أو قبله يختبرك الفقيه في درايتك ببعض قواعد الكتابة لم أك افهمها و كنت أستغرب كيف بفهم الآخرون دوني : وكنت أسمعهم فقط يقولون : ليف إخفاض أو أنصاب أو أرفاع بصيغة نطق أما زيغية ،علم غريب لم أفهمه إلى حد الآن .
وعندما ننتهي نخرج للعب و الإستراحة وقبل الخروج كان سيدي الحسين يكلف الكبار منا لقطف ثمار الكرموص -تازارت- من كرمة المسجد الموجودة جهة الغرب ويوزعها علينا قبل الخروج ، وكانت هذه المهمة من إختصاص : موشى الحسين ووها أحمد ند مسعود وبعوام إبراهيم أومحمد و أحيانا و في غفلة من سيدي الحسين نتسلل إليها و نأكل منها ما تيسر .
عندما نخرج نجد الناس بمنطقة درب أوكرام أو إمي نبرا و نسلم عليهم واحدا واحدا ونقبل أيديهم احتراما وتقديرا ، فكانوا يدعون معنا قائلين : آكن إعلم ربي أتاروانو بمعنى الله إعلمكوم .
الحصة المسائية تمر أكثر رثابة من حصة الصباح ، يصيبنا الملل ونتتاءب من فرط الثعب و قلة النوم ، فمنا من يتظاهر بالقراء ة ويقول اشياء من تلقاء نفسه ، ومنا من يصطاد ذبابة ، ويغرس في بطنها عودا رقيقا ويطلقها لتطير ، وهي تحاكي الطائرة في السماء .. وما يرهقنا كثيرا في زحمة أخربيش إزدار هو كثرتنا و كثرة الغازات التي نطلقها ، عندما نغفو سهوا ، وكذلك رائحة العرق التي تنبعث من أجسامنا ، وتنطبع كخطوط بيضاء على ملابسنا – إقشبان – يا لها من طفولة جميلة ..
وعندما يحس أحدنا بالرغبة في قضاء الحاجة : يخاطب الفقيه طالبا للرخصة : آد اسيدي كح برا..
قد يوافق الفقيه و قد يرفض ، وتحاول أن تتغلب على حاجتك و أنت تتلوى من الألم ، وسبب رفض الفقيه هو أننا أحيانا نتظاهر فقط رغبة في كسر الرتابة و الملل….
ننتظر بصبر كبير ، ونقاوم إلى حين سماعنا صوت المرحوم : اشعديل يصدح بالأذان وقت العصر لنرمي ألواحنا بشكل عشوائي و نطلق سيقاننا للريح ، وكان المرحوم اشعديل مؤذنا ،مكفوفا ، لذلك يكلف سيدي الحسين الكبار منا لقياس الظل لمعرفة هل بلغ وقت الآذان أم لا ، وما أن ينادي على أحدهم للقياس حتى نحس بالحياة تذب في أوصالنا. وكان المرحوم اشعديل ، يقطن بحانوت بالمسجد ، قرب دو المرجل -مكان تسخين ماء الوضوء حيث يوجد مرجل كبير من النحاس معلق بسلسلة كبيرة إلى السقف ، لست أعرف هل ما زال هناك أم لا ؟
وكان المرحوم اشعديل به ما يشبه خللا عقليا ، ليس حادا لكنه من حين لآخر يشتكي ل سيدي الحسين أوماولود من الشيطان ، حيت يقول بأنه يأتي إليه في غرفته ويحاول إلهاءه عن الآذان .. رحم الله هذا المؤذن الذي كرس كل حياته لهذه المهمة دون غيرها من أمور الدنيا ، ورحم كذلك ّ دا حماد ند سي عبل الذي جاء بعده ، وواضب على مهمته إلى حين وفاته ، ورحم كذلك أورير الحاج براهيم أوبلا من بعده ، الذي مازال الجميع يذكر تهليلته الصباحية ، بعد استعمال مكبر الصوت الحاد الذي يشبه مكبر صوت العطارين في الأسواق و المواسم :
تمغارت أوريتزلان تايديت نكر تكما ..
أركاز أوريتزلان أغيول إفردن أليم …
في حصة ما بعد المغرب ، وهي حصة لا اعرف إسمها لأنه غريب ، بحيث نقول : أنكس تيغوديوين ، نسيت الهدف منها ربما هي للمراجعة وما شابه ذلك ، نصعد إلى أخربيش اوفلا قرب غرفة الفقيه ونشغل النار ونقرأعلى ضوئها و بالكاد نرى ما كتب عليها . ومما احتفظت به ذاكرتي من الطرائف ، هو عندما يغفل سيدي الحيسن ، يتطوع المرحوم بوعوام إبراهيم أومحمد ويتحف مسامعنا ببعض قصائد الرايس أحمد بيزماون ، أو أمنتاك مرفوقة باللحن : تتردتان تردتان تردتان ، ايلا إخ إجران اردينغي .أو : إميك ايكا الذهب إحكم كلول فلمالي إميك ايكا الزين إكاس مولانا تيست … أو :نكي ياوزور الورد اس كولو كيح أكالي ، إريناغت أوفيخ اضونس اييت إملان ….
كان المرحوم بعوام إبراهيم يتوفر على آلة تسجيل و كثير من ألأشرطة ، رحمه الله و رحم أباه دا محمد و جميع من توارى عن أنظارنا من أهل إغير ..
وطيلة ايام الأسبوع ، ننتظر جميعا نحن و الفقيه أن يطل علينا يوم الأربعاء ، نحن ننتظره لأنه آخر يوم في الأسبوع وسنرتاح يومي الخميس و الجمعة ، وهو ينتظره للحصول على : العربا قطع نقود نأتي بها إليه كل يوم أربعاء ، وهناك من يأتي بالبيض أو ما شابه ، وننتظر كذلك و على أحر من الجمر ايام العواشير لنطوف على المنازل و نجمع الصدقة و نحن نردد الأدعية ، وبيضا بيضا ياتكلايت تيسنات ماسا نكلاا لالواح لالواح ن الطاب ، ونسأل الله الرحمة و المطر النافع ، وفي النهاية نتوج الأيام بالزردة ، تحت إشراف سيدي الحسين .وبها تكتمل الفرحة ..
كنا نكتب بمادة الصمغ التي نصنعها من صوف النعاج و الخرفان ، خاصة ما نسميه تافزوت و تيغرار وهي نوع من الصوف لا استطيع و لا أعرف كيف أصفه ، نضعه على قطعة خزف فوق النار و نضع ليه حجرا ثقيلا و عندما يطبخ نحصل على أقراص سوداء نمزجها بالماء في قنينات زجاجية أو بلستيكية بالكاد نجدها ، ونحصل على سائل اسود ، ويشتد سواده مع الخبرة في الصنع …
ومن الطقوس الجميلة كذلك ، هي انتظار تانعريفت ، وهي وجبة كسكس باللحم يأتي بها ، كل من أتم حزبا و بدأ حزبا جديدا ، أو تامغرا القرآن أي عرس القرآن و هي حفلة يقوم بها من يختم القرآن ، ووراء كل صلاة عصر ، يجتمع الطلبا بغرفة تسمى : أحانو نطلبا ،لشرب كأس من الشاي ، و أذكر منهم : سي بريك اباموح ، الحاج عبلا نايت همو ، و محمد أسيحماد ، سيموح ند سي عبل ، وسي موح أوعبايل وغيرهم .. ومن يرافقهم من بعض وجهاء الدوار ، طقوس جميلة كانت ، حافظت على لحمة الدوار ، ومنها ايضا المداومة على
قراءة القرآن صبيحة كل يوم جمعة قرب ضريح سيدي مولاي المهدي ، وكان المرحوم الحاج عبلا او الفضيل ، وهو من رموز إغير يكرم القراء بوجبة طعام أو ما شابه ….
كنا نحن صغارا آنذاك لم نبلغ من القرآن ما يخولنا من امتياز مرافقة الطلبة إلى إخراج السلكة ، و كنا نحسد الكبار منا عندما يخرجون من سلكة ما ويحكون لنا بالتفصيل الممل ما أكلوه من طعام و لحم ، فتنفتح شهيتنا على الفراغ و نظل نحلم ، متى سنرتقي إلى تلك المرتبة ، و قد تحقق لي ذلك يوما ليس لأني بلغت المرتبة ، بل لنقص حاصل ذلك اليوم في القراء ، و كان ذلك عند المرحوم سيدي موح المودن الله يرحمه و يشمله بالعطف و الرضوان ….
وكغيري من إمحضارن ، ما زلت أحتفظ بذكرى سلخي يوما من طرف سيدي الحسين ، عندما لم احفظ ، حيث حملني أربعة من الطلبة -إمحضارن- و أكلت ما تيسر من عصى رمان طرية تركت ، خطوطا زرقاء على ظهري ، فما كان مني إلا أن قذفت سيدي الحسين بالسب قائلا : الله إنعل ماك ، وغادرت المسجد و لم أعد إليه منذ ذلك اليوم ، وقد بلغت من القرآن الحزب : إليه يرد علم الساعة ، ونسيت كل ما حفظته ، سامحني الله . بعد ذلك تفرغت للمدرسة فقط …
شيء جميل لم افهمه حيث لا نحقد على الذين يحملوننا عند الفلقة و التعلاق ، ننسى ذلك ونلعب سويا عند خروجنا كأن شيئا لم يكن ، إنه الإنضباط لقواعد اللعبة عند توزيع العقاب المقدس بالقصط ، وكثيرا ما نصبر أنفسنا قائلين إن نار جهنم لا تحرق المكان الذي مرت منه عصى الفقيه ، وهو ما يقوله الآباء و الأجداد و الأمهات ….
لكن جحيم الفقهاء ربما اشد من جحيم الآخرة ..
كانت تلك بعض من الصور ، نقلتها إليكم بصدق و بإخلاص لأضعكم في الصورة ، ويا لها من ايام جميلة ، و إلى سرد آخر دامت لكم متعة القراءة و السلام عليكم .و جزا الله سيدي محمد أوالكبير و سيدي محمد أوعبدرحمان و سيدي الحسين أوماولود خيرا ، وسامحنا الله على وقاحتنا …
ملحوظة : معذرة إن كانت هناك أخطاء تتلق بالرقن فهي خارجة عن إرادتي لعدم التمكن من اللوحة بشكل كافي ….
…………………..الطالبي …………………
عذراً التعليقات مغلقة