عبد الله بيردحا : حديث ميت

الوطن الأن19 مارس 2017آخر تحديث :
عبد الله بيردحا : حديث ميت

فجأة ترائى لي جسدي ممددا ، والناس من حولي لا أعرف ماهي العلامات التي ترسمها نظراتهم ،
فبعض الناس يرون في الموت شؤما أو شرا حق بعائلة من مات بكونهم سيعانون بسسبه خصوصا اذا مات والدهم .
هم يرون ذلك حين يرون الوضع الذي ترك الميتعليه عائلته ، ربما هنا يقيسون الوجود بالإعالة وتوفير شيء من الاستقرار ولو هشا والاستمرار ولو أعرجا.
الناس ينظرون إلى جسدي، وكانهم ينادونه أن يسترجع أنفاسه، ويستفيق ليكمل ضدا على ارادة الطبيعة مهامه .
كنت وأنا أنظر إليهم . أود أن أصرخ فيهم : “لماذا تنظرون إلى جسدي هكذا ؟ لما لم يجمعكم سوى الفراق ؟ متى استهواكم النظر الي ؟ومتى كنتم تشفقون على جسدي ؟ لقد كان بينكم تعصره الحياة البئيسة وتغادره أنفاسه في فلوات البراري البعيدة ؟
لماذا لم تجمعكم به الحياة ؟
أنا الآن ميت ، ولم أكن في حياتي إلا رجلا يتجرع المآسي صامتا كالشجرة تحط فوقها العصافير الصغيرة ، تبني أعشاشها ، ويتسلقها القردة ويمرحون ، يحث الناس ثمارها ويذهبون ويسكنها النمل ، وحينما تجف يأتيها الحطابون ، ويجثتونها من الجذور وتصنع منها ما يصنع من الخشب المسندة حسب موقعها ونوعها
نسيتم أهم شيء وأنتم تتحلقون حولي وكل منكم يغوص في اعماقه ويرى في جثتي نفسه ويسقط عليها كل افكاره السوداء ومنكم من هو فرح لانه فقط ليس أنا !!!
تتحركون كالاشياء التي لا عقل يقودها وتنظرون إلي وكأنني سبب مآسيكم ، اعلم جيدا مكنونات صدوركم ولكنكم لم تسالوني في حياتي عن معاني الحياة المتعددة التي كنت اصورها لكم ، لم تكن ابتسامتي تدلكم علي ، ولا كلماتي التي كنت أبيت الليل افكر فيها لأنسج لكم حكايات عن الحيوات الدائمة وعن الحيوات المتعدة الاشكال والانواع والازمنة ، وعن سفر تكوينها وعن العرق الذي سال والدماء التي سفكت وعن المواجهات في المعاقل والصراخ ، صراخ ينشد للموت وينشد للولادة ، نشيد الألم ، نشيد انبعاث مجتمع الانسان .
جسدي الممدد أماكم كم تحرك في الدروب وكم رقص في الساحات باحثا عن أيادي يتكثل معها يصنع معها قوة تكنس كل الكوارث لكن ….؟
ها هو جسدي أمامكم ، لم يعد لديه ما يقوله ، انتهى الكلام ، كما ترون لم يعد هناك صوت يخرج من الفم ، ولا نظر في العينين ، ولم تعد حركة في اليدين، ولا نبض في القلب، ولا تفكير في العقل، ولا رجلان تقودانه الى التجربة ,
انتهت كل وظائفه ولم تبق له الا وظيفة وحيدة ستحددها الطبيعة حين ستوارونه تحت التراب
فسلام علي يوم ولدت وسلام علي يوم دفنت بينكم حيا .

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة