إنه الرجل الذي لا يخاف أحدا. هكذا صمّم رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، صورته أمام المغاربة؛ فهم، في رأيه، يحبّونه ويقفون بجانبه دعما له. توقف قليلا! إن هذه الصورة لم تصمد طويلا. إن بنكيران، اليوم، خائف على حياته. وقد بلغت به الهواجس أن بات يرى نفسه مستهدفا. وليس هو فحسب؛ بل وحتى وزراءه.
يحيطان به؛ واحد عن يمينه، والثاني عن يساره. يفحصان وجوه المقتربين منه، ويمدان أيديهما كل مرة خشية أن يزعج أحد صاحبهما. ليس بينهما وبينه سوى خطوة إلى الوراء، وفي بعض المرات يتقدم أحدهما أمامه.
بدلتهما توحي بأن عملهما رسمي، وبنيتهما الجسمانية تكشف كم أن مهمتهما حاسمة. إنهما الرجلان الجديدان في صور رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، وعملهما الوحيد هو أن يحرساه. تتذكرون شابا مفتول العضلات كان يرافق بنكيران قبيل تعيينه رئيسا للحكومة وبعدها بقليل. إنه حارس شخصيّ عيّنه حزب العدالة والتنمية لحماية زعيمهم؛ لكن بنكيران سرعان ما تخلّى عنه. وكانت الفكرة، كما حاول رئيس الحكومة أن يكرّسها، أن من يؤيده الشعب لا يحتاج إلى حماية؛ مثلما فعلها محمد مرسي، ذات مرة، في خطاب في ميدان التحرير وهو مطوّق بالحراس الشخصيين، حينما رفع يديه وصرخ بأن لا سترة لديه تقيه من شر. وبالطبع، كما تغيّرت الأحوال في مصر، تبدلت هنا بالمغرب، ووصل رئيس الحكومة إلى اقتناعه الخاص بأن التأييد الشعبي ليس مبررا، ربما، للاستغناء عن مستوى معين من الحماية؛ لكن ما فعله بنكيران هو أن انتقل من مستوى «الصفر» من الحماية إلى ما يمكن تسميته بمستوى الدرجة الحمراء من الحماية، أي التمسك بكل الإجراءات الأمنية الضرورية لما يكون حجم التهديد مرتفعا.
في جنازة والي الرباط، حسن العمراني، ظهر أن الموضوع جديّ للغاية، وذينك الرجلين لم يكونا سوى حارسين شخصيين عينتهما الإدارة العامة للأمن الوطني لحماية رئيس الحكومة من أيّ تهديد. قبلها، كان بنكيران في حفل تأبين الزعيم اليساري علي يعته، بالدار البيضاء، وبالرغم من اختلاف طبيعة الجمهور؛ غير أن الحارسين كانا معه. ويظهر أن بنكيران بات معتادا على وجودهما من حوله. إن مشهدا تعثر فيه على رئيس الحكومة وحيدا يتجوّل وسط الشوارع أو بين جماهير طائشة وسط المدن قد ولى، وربما إلى غير رجعة. وكما يوضح محمد أكضيض، وهو عميد شرطة متقاعد وخبير في الشؤون الأمنية، فإن «هذه الإجراءات الجديدة فُرضت بسبب اتساع رقعة الغاضبين على بنكيران وحكومته وسياساتها». في بعض المرات، كانت سيارة رئيس الحكومة تطوق من لدن جحافل من العاطلين بوسط العاصمة الرباط، فيما كان بيته يحاصر باستمرار وفي بعض المرات يرشق بالحجارة أو القناني. وكانت مشاهد الشبان الغاضبين وهي تصرخ في وجه بنكيران أو تعترض سيارته معتادة. ومثل هذه المعطيات تغيّر طبيعة التدابير الأمنية عادة؛ وكما يشرح أكضيض، فإن «الاستهداف المتكرر لمقر إقامة رئيس الحكومة من قبل المتظاهرين والمحتجين من الخريجين العاطلين عن العمل، الذين دأبوا على السعي إلى محاصرته في أيّ مكان يصادفونه فيه، لاسيما في مقر حزبه بحي الليمون بالرباط، زاد مخاوف بنكيران من اعتداءات المحتجين المطالبين بإحقاق العدالة الاجتماعية، وكوّنت نوعا من التوجس في نفسية رجل ربما لا يحقق طموحات شعب بأكمله أو فئات واسعة منه. وقد كان توجسه من نوايا الغاضبين عليه باديا من خلال شكواه من العاطلين المتربصين بالقرب من منزله، لأنه ربما كان يخشى أن يختلط بهم أحد يضمر شرا».
كانت لهذه الشكوك والهواجس أيضا نتائجها المباشرة: تعيين أربعة حراس شخصيين لمرافقة رئيس الحكومة. «طبيعة الحراسة الأمنية لبنكيران سابقة من نوعها في المغرب، حيث إننا لأول مرة نتتبع مشهدا فيه أربعة رجال أصحاء وقويي البنية يرافقونه في أيّ مكان؛ أولهم يرافقه في سيارته الرسمية، فيما يتبعه اثنان آخران عبر سيارة ثانية، فيما يبقى رئيس المجموعة بعيدا وهو يراقب الوضع من زاوية أوسع، ويحتفظ باتصال دائم برؤسائه الأمنيين». من بين آثار هذه الإجراءات الاحترازية أن جميع تحركات رئيس الحكومة ومهامه، كما يقول أكضيض، «باتت مراقبة من لدن عناصر الأمن المكلفين بحراسته، وهم ينتمون إلى فرقة خاصة تكلفها الإدارة العامة للأمن الوطني بحراسة الشخصيات السامية والضيوف الكبار الذين يزورون المغرب»؛ لكن ما تعكسه صور رئيس الحكومة وهو محاط بحراسه الشخصيين أن الرجل استنفد وسائله الروتينية في التعامل مع الآخرين، ولم يعد يقبل بأن يقطع طريقه عاطل محتج أو متضرر حانق. وهو على وعي بأن الغضب نحوه يزداد يوما بعد يوم، مثل حجرة طين تتدحرج من أعلى الجبل. وليس هو وحده هدفا لحملة الغضب هذه، بل وزراؤه أيضا مستهدفون؛ فعلى سبيل المثال، وزير الصحة، الحسين الوردي، تعرض بدوره لحادث غير مسبوق، بعدما طالته ألسن متسللين إلى مقر مجلس النواب، ولم يقف دونهم ودون الفتك بالوزير سوى بعض البرلمانيين وبعض حراس أمن البرلمان. ويظهر أن كل من يرتبط ببنكيران زاد همه في هذا المضمار. وهنا، نجد البرلماني أبو زيد المقرئ الإدريسي؛ فهو قيادي في حزب العدالة والتنمية وجد نفسه مطلوبا للقتل وبمقابل مالي مغرٍ، بسبب مواقفه -ومواقف حزبه- من القضية اللغوية في البلاد.
تحت الحصار
ليست هذه هي المرة الأولى التي تطفو فيها على السطح إشكالية سلامة رئيس الحكومة، فقد سبق أن طرحت سلامته في أشغال مجلس حكومي في صيف 2012، إذ تحوّلت إلى نقطة ساخنة، حينما رأى بنكيران في نشر وترويج معلومات بشأن إيقافه عملية توزيع 700 رخصة نقل بمثابة تحريض صريح يستهدفه، وتهجم عليه. وقتئذ، أقر مصطفى الخلفي، وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، في الندوة الصحافية التي أعقبت الاجتماع الحكومي، بوجود حالة من الاستياء العام تسيطر على أعضاء الحكومة، جراء نشر بعض المقالات الصحافية التي اعتبرها «مُستهدِفة» للحكومة ولأعضائها، مؤكدا أن ما نشر «يستهدف رئيس الحكومة شخصيا، وقد يتسبب مستقبلا في تهديد السلامة الجسدية لرئيس الحكومة».
رئيس الحكومة عبّر عن خوفه من تعرضه للاغتيال مرارا، وأعلن عن ذلك في مؤتمر صحافي سابق. والجميع يتذكر منع وزارة الداخلية لنشاط لحزب العدالة والتنمية في طنجة كان سيحضره رئيس الحكومة، وقيل إن منعه كان بسبب مخاوف من فقدان السيطرة على الجمهور ووجود تهديد لسلامة رئيس الحكومة هنالك. مصدر قريب من رئيس الحكومة أكد لمجلة «الآن» أن «المغرب، ومع تنامي الإجرام والعصابات الدولية والمشاكل الاجتماعية، عرف نوعا من التسيب بحيث صار الغضب الذي يحس به المهمشون ينفجر في شكل إجرامي قد يلحق أي أحد من المسؤولين، وما تعرض له بنكيران حين تمت محاصرته من قبل المعطلين بكلام ناب وتطويق لسيارته ونعته بأقبح النعوت دون أن يستطيع مرافقوه حمايته كان يمكن أن يتطور إلى كارثة لو فكر أحد المعطلين في ضربه». ويقدم المصدر ذاته مثالا آخر عن حادث مشابه لما تجمهر السلفيون أمام مقر حزب العدالة والتنمية، وهاجموا بنكيران بشعارات قاسية قد تدفع آخرين مثلهم نحو التفكير في عمل انتقامي. «إن حياة بنكيران أصبحت، اليوم، موضع كثير من التهديدات»، يخلص مصدرنا.
ويظهر أن المخاوف جدية من تحول الاحتجاجات اليائسة للمعطلين إلى أعمال تمس سلامة رئيس الحكومة؛ فقد دأب المعطلون، منذ شتنبر الفائت، على تطويق سيارة رئيس الحكومة، حتى ولو كان صاحبها في خرجة خاصة أو عائلية في العاصمة، فهم يعتبرون رئيس الحكومة مسؤولا عن محنتهم ومصيرهم. ورغم أن المعطلين رفعوا أكثر من شكوى ضد الحكومة لدى المحكمة الإدارية، إلا أن ذلك لم يشف غليلهم. ومن ثم، كانت عمليات حصار بنكيران وسبه وقذفه أعمالا تشكل خطورة معتبرة. وقد سبق أن أقدم العشرات من المعطلين، وفي مناسبتين متتاليتين، على محاصرة رئيس الحكومة بعيد مغادرته لـ«المشور»، حيث مقر رئاسة الحكومة. «بات بنكيران في كف عفريت بعدما راحت هيبته وسط حناجر المعطلين»، يقول سعيد ناصر، المحلل السياسي في حديثه مع «الآن». ويستطرد ناصر: «من حق بنكيران، بصفته المسؤول الثاني في المملكة بعد الملك محمد السادس، أن يتخذ عدة تدابير تضمن سلامته الجسدية، كالاستعانة برجال أمن يحرسونه». هذا أمر منطقي من الوجهة المبدئية، وإن لم تعلن أية جهة أو فرد عن نوايا أو تخطيط لتهديد سلامة رئيس الحكومة، حسب ناصر الذي يرى أنه من الضروري أن تتخذ تدابير حمائية للنفس، وإن كان يشير إلى أنه «من المستبعد أن نتوقع إمكانية حدوث مس بحياة رئيس الحكومة، وحتى ما يرتبط بالمعطلين فإن أثره محدود، ولا يمكن جعله سببا لرفع قضية سلامة رئيس الحكومة إلى مستوى مرتفع».
اليوم، أصبح رئيس الحكومة يتمتع بحراسة خاصة من لدن أربعة حراس شخصيين يرافقونه في كل مكان. مصطفى بابا، وهو قيادي شاب في حزب العدالة والتنمية، يبرر وجود الإجراءات الأمنية من حول رئيس الحكومة بـ«وجود حرب نفسية ضروس، ووجود أكثر من طرف واحد يريد إسقاط الحكومة». أما أكضيض، فيرى أن «كل ما يلحق بنكيران هو تهديدات اجتماعية وليست إرهابية؛ فالمغاربة آمنون بطبعهم»، ويستدرك بالقول «إن رئيس الحكومة هو من طلب توسيع طقم الحراس؛ وهي عادة فيها استثناء. وحتى حينما هدد تنظيم القاعدة بعض الوزراء، فإن السلطات لم توفر لهم عددا كبيرا من الحراس كما هو عليه حال بنكيران الآن». وبحسب خلاصات أكضيض، فإن «بنكيران، اليوم، مهدد تحت وطأة المطالب الاجتماعية، ومن المحتمل أن تولد شيئا من العنف الجسدي. ولاحظوا معي أن جسم بنكيران لا يساعده بتاتا للوقوف ساعات طويلة، وسط أعداد غفيرة من الجمهور وقد يختنق بسرعة وسطهم. وقد تكون تلك هي نهايته».
كل الوزراء تحت التهديد
وصفها الجميع بالسابقة من نوعها في تاريخ المؤسسة التشريعية، عندما تعرض وزير الصحة، الحسين الوردي، بداخل لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، لهجوم عنيف مصحوب بسيل من السب والاتهام، على أيدي ثلاثة صيادلة ينتمون إلى المجلسين الجهويين لصيادلة الشمال والجنوب، اللذين قررت الحكومة حلهما. بعدها تدخل أمن مجلس النواب لاعتقال الصيادلة إلى حين حضور الشرطة. هذا السيناريو المخيف، الذي وقع بمجلس النواب، بات يقض مضجع العديد من الوزراء، ولم يعد بنكيران لوحده مطلوبا لدى الغاضبين المتزايدين. هذا السلوك، كما يقول سعيد فكاك مدير ديوان وزير الصحة وعضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، «استدعى تعزيز الحراسة الأمنية حول مقر وزارة الصحة وعلى بيت الوزير وأبنائه الذين تعرضوا، غير ما مرة، لتهديدات من جهات معادية للإصلاح». وبالنسبة إلى فكاك، فإن كل ما حصل وما قد يحصل هو إهانة لحكومة الملك وللدولة ككل؛ ففي ما مضى لم تكن هنالك إستراتيجية أمنية تطوق عمل الوزراء. وكان وزير الصحة، مثلا، يخرج كأي مواطن عادي ليؤدي صلاة الجمعة مع الناس في مسجد السنة، ويوم السبت يخرج رفقة أسرته ويرتاد المقاهي والمطاعم؛ بيد أن كل شيء تغيّر اليوم وأصبحت تحركاته محسوبة بشكل دقيق».
وفرت الدولة لوزير الصحة، كما يقول فكاك، حراسة أمنية مشددة بعد يوم واحد من الحادث مخافة أن يتكرر المشهد؛ فالوزير «يتوفر، حاليا، على حارسين شخصيين يرافقانه أينما حل وارتحل ضمانا لسلامته الجسدية». حادث الهجوم على وزير الصحة أخذ أبعادا سياسية وقانونية، فبينما تابعت النيابة العامة المتهمين الثلاثة في حالة سراح بناء على شكاية وزير الصحة، أعلن حزب الأصالة والمعاصرة عن طرد أحد هؤلاء الصيادلة من صفوفه، كما عبّرت هيأة الصيادلة عن استنكارها الشديد للهجوم على الوردي.
عزيز رباح، وزير التجهير والنقل واللوجستيك، لم يسلم بدوره من السب والشتم؛ وهو ما حصل بحر هذا الأسبوع، عندما هاجم حوالي عشرين شابا مهرجانا خطابيا بمدينة سيدي سليمان. هؤلاء الشباب حاولوا نسف هذا المهرجان، وانتفضوا كذلك في وجه عبد الله بووانو، رئيس الفريق النيابي للعدالة والتنمية، وفي وجه خالد البوقرعي، الكاتب الوطني لشبيبة الحزب. مصدر قريب من وزير النقل والتجهيز واللوجستيك أكد أن السلطات الأمنية أخلت بمسؤوليتها في حماية الوزير والشخصيات السياسية المرافقة له. ونقل المصدر عن رباح قوله بأن «ما أقلقني هو أنهم تركوهم حتى انتهوا من سبنا وشتمنا ثم أتوا ليخرجوهم، وأنا أعلم بأنهم كانوا بيننا ولم يتحركوا أبدا». مصطفى بابا، عضو ديوان عبد العزيز رباح، قال «إن تحريضات بعض السياسيين تؤثر سلبا على عمل الوزراء وتضعهم في مواقف خطيرة تعرض حياتهم للخطر»، ويضيف قائلا: «في ظل الخطاب السياسي التكفيري السائد، يمكن لأيّ وزير أن يعيش ما عاشه رئيس الحكومة أو وزيره في الصحة، وربما ما لم تتخذ السلطات إجراءاتها لحماية الوزراء، فإننا سنضطر على الأقل في حزب العدالة والتنمية لتكليف حراس شخصيين على نفقتنا لفائدة الوزراء».
الشعبية الصدئة!
«قبل أن يجلس بنكيران على كرسي رئاسة الحكومة، وعد بالكثير من الإجراءات في حال حصوله على هذا المنصب»، يقول مصدر من المعارضة. وكما يوضح، فإن «بنكيران وعد بنمو مرتفع وبإنتاج للثروة وتوزيع عادل لها، ووعد بحد أدنى للأجور لا يقل عن ثلاثة آلاف درهم، ووعد بتقليص حجم البطالة. ولكن بعد مرور سنتين من زمن هذه الحكومة سقطت كل هذه الوعود في الهاوية. وهكذا، تأكدت حقيقة أن صناديق الاقتراع ليست الحكم الفيصل في قياس ثقة الشعب في الحكومة من عدمه». مشكلة قرارات بنكيران أنها تفسر وكأنها تستهدف فئة من دون أخرى، وفي الغالب تؤول وكأنها تستهدف الفقراء وتنأى بنفسها عن إزعاج الأغنياء. عبد العزيز أفتاتي، النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، رأى في قانون مالية 2014، مثلا، مشروعا يتعارض مع شعارات تحقيق العدالة الاجتماعية التي رفعها حزب العدالة والتنمية خلال حملته الانتخابية. «إن رئيس الحكومة يمارس التقشف على حساب الطبقة الفقيرة، وقانون مالية 2014 يستهدف الفقراء من خلال نهج سياسة التقشف وتقليص فرص الشغل، مقابل حماية الأغنياء الذين أعفاهم بنكيران من تمويل الاقتصاد الوطني»، كما قال أفتاتي.
قرارات رئيس الحكومة دفعت أعضاء حزبه، قبل خصومه ومعارضيه، إلى انتقاده؛ لأنها قرارات انتقائية تكون «شجاعة» وحاسمة مع الفئات الشعبية من فقراء و«المساكين» كما يصفهم بنكيران، بينما تصبح متخاذلة عندما يتعلق الأمر بفئات ميسورة. عندما وقف بنكيران أمام البرلمان رافضا الخضوع لضغط الخريجين العاطلين من حملة الشهادات العليا، خاصة الفئة التي وقّعت معها الحكومة السابقة التزاما بتوظيفهم بدون مباراة، هناك من وصف قراره بـ«الشجاع»؛ لأن رئيس الحكومة رفض الخضوع لضغط المعطلين. وأن يضع رئيس الحكومة نفسه في مواجهة تكتل معطلين يائيسين، فإن المخاطر تزداد بشكل مهول. وقد رصدت تقارير تحول بعض المعطلين نحو العنف في احتجاجهم؛ وهو ما قد يمتد ليصيب رئيس الحكومة أو أيّ من وزرائه ممن يعتقد هؤلاء المعطلين بأنهم مسؤولون عن بؤسهم الشخصي. وفي الحقيقة، فإن بنكيران لم يفعل الكثير ليحافظ على شعبيته، وتظهر بعض استطلاعات الرأي أن ثقة المواطنين في مخططاته ووعوده شرعت في التآكل. وقد بيّن استطلاع للرأي أنجزته مؤسسة «ليغاتوم إنستيتوشن» البريطانية كيف يرى المغاربة بلدهم، بعد عامين من تولي بنكيران لزمام الحكم؛ فقد عبّر 70 في المائة من المغاربة عن اعتقادهم بأن الفساد ما زال منتشرا في المؤسسات الحكومية والمالية.
وكما تلخص القصة عادة، فإن عهد رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران، تغيّر بشكل جوهري مع كل عام يمضي؛ وها هو اليوم، بعدما صفق لنفسه كثيرا بوصفه رجلا شعبيا، يتوارى خلف أجسام حراسه الشخصيين خوفا من أن يفعلها شخص يائس. كانت تلك هي علامة الارتداد الرئيسية في عهد بنكيران؛ أي حينما ترتد وعوده كسياسي على وجهه مثلما تفعل أي نار حارقة تصيب جدرانا صماء.
تأهب.
تشديد الحراسة بمقرات الوزارات
لا تنذر السلطات، عادة، المواطنين بتغيير درجات التأهب الأمني في البلاد؛ لكن يمكن للمرء أن يلاحظ بعض المؤشرات على وجود يقظة زائدة عند مصالح الشرطة مثلا. قبل شهر، شرعت عدد من مقرات الوزارات بالعاصمة الرباط في تشديد الحراسة وتعيين رجال أمن إضافيين لحراسة البوابات الرئيسية والخلفية. كما أصبحت إجراءات الولوج إلى مقرات بعض الوزارات أكثر حذرا، وباتت عمليات التفتيش روتينية أكثر. في وزارة الصحة مثلا، ومنذ حادث الاعتداء على وزير الصحة في البرلمان، قررت مصالح الوزارة، بالتنسيق مع مصالح الإدارة العامة للأمن الوطني، الزيادة في عدد رجال الأمن المكلفين بمراقبة المحيط الخارجي للوزارة، مع تعيين دورية متنقلة هدفها التدخل السريع كل ما وقع حادث معين بالوزارة. وفي وزارة الاقتصاد والمالية، أصبحت إجراءات الولوج تتطلب بعض الوقت بسبب تعليمات أعطيت لرجال الأمن الخاصين بالبوابة الرئيسية للوزارة للتعامل الحذر مع الوافدين ومثلها في ذلك مثل وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية، إذ قررت الإدارة العامة للأمن الوطني زيادة الإجراءات الاحترازية في محيطها الخارجي. وقد طلب من الوزراء التعامل بحذر كل مرة كانوا فيها في مهام خارج مكاتبهم، كما طلب من المسؤولين على دواوينهم تنسيق جهودهم مع مصالح الأمن بشأن تحركات الوزراء قصد تفادي وقوع حادث.
إعداد: عبد اللطيف الصلوحي، لـمجلة “الآن” العدد 91
عذراً التعليقات مغلقة