إلى ……السيد معالي وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة
سلام تام بوجود مولانا الإمام
وبعد، مما لا شك فيه أن اللغة جزءا لا يتجزأ من هوية الوطن بكل مكوناته، ومرجعا تاريخيا لكل شعب من الشعوب، ومحددا أساسيا لحضارته ورقيه، ورمزا من رموز سيادته، وصورة لوجود الأمة بدينها وقيمها وعاداتها وأفكارها وتراثها المعرفي، باعتبارها مكونا وجوديا يستمد منه الأفراد أصولهم وهويتهم.
وإن كانت اللغة مجرد وسيلة وأداة للتواصل وربط العلاقات، والتعارف، وتبادل الثقافات، فإنه من الصعب فصلها عن دورها الأساسي كضابط للهوية، يشكل حجر الأساس في المجتمع.
ويعتبر المغرب من بين أكثر الدول التي حافظت على هويتها وتاريخها، من خلال احترام مرجعيته اللغوية الأمازيغية والعربية، ذلك أن اللغة العربية من أكثر اللغات تحدثا ونطقاً ضمن مجموعة اللغات السامية، وأوسعها انتشاراً في العالم.
فإذا كانت اللغة ميثاقا مقدسا يشدنا إلى تراثنا وتاريخنا، ويربطنا بواقعنا المؤسس أصلا على التنافس وفرض الذات، ويمهد لنا الطريق إلى مستقبل أفضل، وتؤدي غرضها المنشود فإنه لابد من رعايتها، وفرضها كمظهر من مظاهر السيادة.
من هذا المنطلق، إذا سلمنا بكون اللغة العربية هي جزء من سيادة الدولة، فإن اختيار اللغة الأجنبية الأولى المعتمدة من طرف الدولة هي أيضا مظهر من مظاهر تلك السيادة، ومدى قدرة الدولة على اختيار حلفائها الاستراتيجيين بمنطق “رابح رابح”، واستنادا إلى قواعد المعاملة بالمثل.
ومما لا يخفى عليكم أن المعاملة بالمثل هي قاعدة من قواعد العرف الدولي تقضي بتعهد دولة ما بمعاملة ممثلي دولة أخرى ورعاياها وتجارتهـا بشكل مماثل أو معادل للمعاملة التي تتعهد هذه الأخيرة بتقديمها لها.
ففي هذا الإطار وعلى سبيل المقارنة فإن الاجتهاد القضائي لمجلس الدولة الفرنسي ومحكمة النقض الفرنسية ذهبا إلى القول بأن اللغة الفرنسية هي لغة الوثائق وجوبا استنادا إلى مقتضيات الأمر الملكي المؤرخ في 10/08/1539 والموقع عليه من طرف الملك فرنسوا الأول والذي نص على أن جميع المستندات القانونية والموثقة يجب أن تحرر باللغة الفرنسية وهذا الموقف تدعم بالتعديل الدستوري المؤرخ في 25-06-1992 الذي أصبح، بمقتضاه، ينص الفصل الثاني من الدستور على ما يلي: “الفرنسية هي لغة الجمهورية ” إضافة إلى أن القانون المتعلق باستعمال اللغة الفرنسية بتاريخ 4/08/1994 الذي نص على أن الفرنسية هي لغة المرافق العامة. (Services Publics) جاء في فصله الأول” اللغة الفرنسية هي لغة التعليم، العمل، المبادلات والمرافق العامة” ويقول المجلس الدستوري الفرنسي في قراره عدد 93-373 بتاريخ 9/04/1996 بأن اللغة الفرنسية يشمل نطاقها “الأشخاص المعنوية للقانون العام وأشخاص القانون الخاص وذلك أثناء ممارسة مهمة تتعلق بمرفق عمومي وكذلك بالنسبة للمرتفقين في علاقاتهم مع الإدارات والمرافق العمومية.”
من هذا المنطلق يظهر أن الدولة الفرنسية تعطي الأولوية للغتها الدستورية سواء في المعاملات بين الأفراد أو غيرهم، باعتبار اللغة مظهر من مظاهر السيادة، خاصة أن الدول الأوروبية في علاقتها بالأجانب المقيمين بأراضيها تستند إلى سياسة الاستيعاب، أو إعمال قواعد مصالحها الفضلى في تطبيق القانون في حالة وجود تنازع بين القوانين، خارج ما جرى به العمل من قواعد الإسناد وضوابطه.
هذا وغير بعيد عن موضوع اللغة ومظاهر سيادة الدولة، فإن كل المؤشرات التي تطفو على سطح العلاقات المغربية الفرنسية تؤكد أن الأزمة بين البلدين دخلت منعطفا خطيرا، ومرشحة لمزيد من التعقيد والتأزيم.
ذلك أنه بالنسبة للمملكة المغربية أصبح وضوح الموقف بشأن مغربية الصحراء بمثابة عقيدة المرحلة، وهو ما يبدو أن الدولة الفرنسية لا تريد أن تنخرط فيه، مفضلة تبني موقف ضبابي لا يتسم بالوضوح الكافي.
هذا، وقد شدّد الخطاب الملكي بمناسبة تخليد الذكرى 69 لثورة الملك والشعب على أن الوضوح بشأن مغربية الصحراء هو” النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات. “
استنادا إلى ذلك ونظرا للممارسات غير المقبولة من الدولة الفرنسية، سواء من خلال مقررات بعثاتها بالمغرب التي تمس بالوحدة الترابية، مرورا إلى مواضيع عدة من قبيل التأشيرات، واستقبال بعض الانفصاليين بالبرلمان الفرنسي.
ونظرا للتراجع الذي تعرفه اللغة الفرنسية على مستوى تطوير الكفاءات والبحث العلمي، خاصة مع الثورة العلمية والصناعية التي تعرفها المملكة تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، التي تقتضي الانفتاح على المنهج الأنجلوسكسوني ، فإنه قد حان الوقت وأصبح أكثر إلحاحا لتبني اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية أولى، خاصة أنكم تتبنون نفس الطرح، من خلال إعلانكم يوم الثلاثاء 6 شتنبر 2022، أنكم تولون أهمية كبيرة لتدريس اللغة الإنجليزية، مؤكدين أن 2000 مؤسسة، يدرس بها قرابة 9 آلاف أستاذ، تدرس اللغة الإنجليزية، واضفتم أنكم في طور التشاور بخصوص توسيع تدريس اللغة الإنجليزية في السلك الإعدادي
ولعل هذا المطلب ولارتباطه الوثيق بسيادة الدولة أكثر من أي شيء، فإن الضرورة تقتضي اعتماد هذه اللغة بشكل عاجل وفقا للمناهج والأرضيات المعتمدة من الدول العربية التي سبقتنا بهذا الشأن، والتي تعتلي مناصب رفيعة على مستوى المنظومة التعليمية.
إمضاء
ذ. ناصر ابن الفاسي
مدير مؤسس لمدرسة خصوصية بمدينة تمارة
النائب الأول لرئيس رابطة التعليم الخاص بالصخيرات تمارة
عذراً التعليقات مغلقة