محمد البخاري :”حكومتنا الفاضلة”

الوطن الأن1 مايو 2015آخر تحديث :
محمد البخاري :”حكومتنا الفاضلة”

 ـ فِينْ غادِي بيَّا خُويا فينْ غَادي بيَّا

ـ دْقَّة تَابْعة دْقة شْكُونْ يْحَد البَاس…

و أنا حامل لقلمي لم أجد أفضل من هذا المقطع من أغنية “ناس الغيوان”، لوصف الإنجازات العظيمة “لحكومتنا الفاضلة”

وما أحوجنا إلى ظاهرة غيوانية أخرى تطربنا بِحُرِّ الكلمة وتُشجينا بألحان نضالية  نقية، وقيم نبيلة تُهذب أذواقنا في زمن سياسة السّخافة والسخرية مع حكومة التسلية و الهزل”. “

عندما تجتمع فيك شروط المناضل والفنان والدارس لمظاهر الفرجة بالمغرب، وعندما تجاور مُنَظِّر هذه المظاهر الفرجوية في المسرح المغربي الدكتور(حسن المنيعي) بالمقهى، وبجوارك في الجانب الأخر من تجرع مرارة الإعتقال ثم اعتزل النضال، يسهل عليك أن تقرأ على محيّاهما تلك الإبتسامة الممزوجة بالألم والحسرة وهما يقرآ أخبار حكومتنا التي اتخدت من فن الكوميديا منهجا لتطبيق سياستها الهزلية في حين أوكلت إلى الشعب فن التراجيديا ليعيش حياته البائسة، فكانت بمنهجها هذا وفية لمبدأ الفن عند أرسطو في كتابه ” فن الشعر” لتكتمل بهذا فصول مسرحية ” حكومتنا الفاضلة “

ومن أكثر المشاهد فكاهةً والتي تشد إنتباه الجمهور تلك التي يتقدم فيها البهلوان ( سلافا بولونين ) بلحيته المُخَضَّبة ليلقي خطابه بالقبة أمام متلق متعطش لعرضه الشهري، ومستملحاته السخيفة وحركات أنفه الطويل، ولسانه الكبير، لعل هذا المتلقي الذي يلعب دور الشعب البائس ـ يشبع حاجته من الضحك بعد أن (هجرو) من سياسة التسلية والقتل عفوا (الهزل) فهو يضحك من باب       ( كثرة الهم كضحك )

ثم يتلوا هذا المشهد دخول الجوقة ” الكورس” ـ حسب التعبير اليوناني ـ  ومن أعضائها الراقصون والمطبلون والمغنون يتقدمهم عريسان تزفهما الملائكة وهما يقدمان الغلمان قربانا للآلهة لتبارك زواجهما ولتقضي على جماعة ” الأمر بالمنكر و النهي عن المعروف ” التي تتربص بهما من خلف الستار.

وبعد مشهد العرس، يأتي مشهد المحاكمة حيث تقاضي  ” الحكومة الفاضلة ” جماعة “الطغاة” بالقانون الفاضل للمحكمة وتدينهم بالتسلكوقراطية والسفه فيحكم عليهم قاضي المحكمة بالقهقهة أثناء مشاهدة عرض البهلوان .

فعلا فالمشهد السياسي اليوم، يصلح ليكون مسرحية تعرض على خشبة المسرح تجمع بين كوميدية الحكومة السعيدة بمنجزاتها، و تراجيديا الشعب البائس بخيباته ٬ ورومنسية جماعة “الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف”.

في زمن السخافة والسخرية حتى الفن أصبح يعتمد التسلية والفرجة فكل ما هو مضحك مطلوب و كل ما هو مثير مطلوب لدى شعب متلهف لإشباع نزواته وغرائزه، والتي امتزجت بإنتكاساته وانكساراته وخيباته فأصبح يقبل بكل ما هو رديء ومبتذل ومسل دون أن يهتم لتهذيب ذوقه وتحسين طبعه.

فما كان مني إلا أن أستحضر هذه المقارنة وأنا أنصت لأغاني  الغيوان التي كبر معها أجيال المناضلين يوم كانت الكلمة مثل وقع السيف على الرقاب، تودي بصاحبها إلى غياهب السجون، أما اليوم فقد أصبحت تباع بالجملة في سوق ” الدلالة “.

أختم مقالي هذا بمقطع للغيوان

كُولُولُو لَوْ كَان يْتلَهى ب عيبُه  يْنسانا  

وإلى طَلْ الصّحْ عَلْكذُوبْ يفضح مَاليه

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة