تفاصيل مثيرة حول اللحظات التي قبض فيها على أقوى وزير داخلية في تاريخ المغرب

الوطن الأن4 سبتمبر 2016آخر تحديث :
Former Moroccan interior minister Driss Basri is pictured in a cafe, in Paris, 29 December 2004. Basri was minister of the interior for nearly a quarter of a century but was fired on 9 November by the new Moroccan Monarch Mohammed VI. Basri was regarded as the weapon Hassan II unleashed against civil society and political activism and was accused by former opposition parties of hindering the country's steps on the road to the rule of law and accountability. He lives now in France without any legal documents. AFP PHOTO ABDELHAK SENNA
Former Moroccan interior minister Driss Basri is pictured in a cafe, in Paris, 29 December 2004. Basri was minister of the interior for nearly a quarter of a century but was fired on 9 November by the new Moroccan Monarch Mohammed VI. Basri was regarded as the weapon Hassan II unleashed against civil society and political activism and was accused by former opposition parties of hindering the country's steps on the road to the rule of law and accountability. He lives now in France without any legal documents. AFP PHOTO ABDELHAK SENNA

بعد مرور حوالي  17 سنة على وفاة الحسن الثاني تظهر معطيات مثيرة حول اللحظات التي تلت وفاة  الرجل الذي حكم المغرب بقبضة من حديد .

ومن التفاصيل المثيرة التي تعرض لأول مرة تلك التي تتعلق بقصة القبض على وزير الداخلية في عهد الحسن الثاني ادريس البصري .

هذه الحكاية التي تمت الإشارة إليها في سطر أو سطرين، في مرجع أو مرجعين، لم يسبق لها أن رويت بتفاصيلها، وهي من المصادفات الماكرة لم يجمع إلا بين البصري و الجنرالات بن سليمان و القاديري وعروب، وما قال رجل الشاوية القوي حينها أنه اجتماع أمني، سيكون بكل بساطة اعتقالا و استنطاقا للسي إدريس في إحدى الغرف الضيقة للقصر.

كان الأمير مولاي هشام بن عبد الله متواجدا بباريس حين تم إخباره هاتفيا بوفاة عمه، وقد استقل أول طائرة إلى الرباط ولم يتمكن حتى من تغيير ملابسه، لذلك كان الوحيد خلال مراسيم توقيع البيعة من لا يلبس اللباس القومي.

في ردهات القصر حيث الساعة مضبوطة على ترسيم الخلافة، كان الأمير يتجول وهو يقدم تارة التعازي ويتلقاها أخرى في وفاة عمه.

وفي إحدى الممرات سيفاجئ مولاي هشام -حسب مقربين منه- بصراخ ومشادات كلامية مصدرهما غرفة صغيرة كان يقف ببابها الجنرال حسني بن سليمان وعبد الحق القادري. لم يقف مولاي هشام إلا بما هو بديهي، حيث سيهرع إلى الغرفة، ويفتح بابها ليكتشف المفاجأة.

كان إدريس البصري مربوطا إلى كرسي، و الجنرال عروب بمعية أحد ضباط الدرك الملكي يستنطقونه. كان الأمر بمثابة علامة من علامات الساعة، أفهذا الرجل الذي كان يقول كن فيكون قبل ساعات فقط، هو الآن مستنطق دليل! ؟

كان الأمر حقيقة، وقد كان كل سؤال يوجه للبصري -حسب ذات المصدر- يقابل من طرف “الصدر الأعظم” بالصراخ احتجاجا، بل وصل الأمر إلى تبادل الشتائم في هرج ومرج مخيفين.

انفعل الأمير -حسب المصدر المقرب- وقال للجنرالات إنه من العار القيام بمثل هذا العمل في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم للمغرب، وبعدها طلب منهم الإفراج الفوري عن وزير الداخلية. إلا أن الطلب قوبل بالرفض حيث رد الجنرال عروب بثقة في صواب ما يقوم به: “سمو الأمير، هذا إجراء احترازي ووقائي تحسبا لأي عمل يمكن أن يقدم عليه هذا الشخص”.

كان رد الأمير -حسب ذات المصدر- حادا: “آسي عروب، أعتقد أنك ضابط ناضج جدا، ومثل هذا العمل يسيء للحسن الثاني و المغرب في هذه اللحظة الحرجة التي ما يزال فيها جثمان عمي لم يوار التراب”.

كان الجنرالان بنسليمان و القادري صامتين، وبعد هذه الملاسنة حاولا الانسحاب من الغرفة دون التسليم بإطلاق سراح غريمهم البصري. وقد ظل الجنرال عروب في وضع لا يحسد عليه، أي التمزق بين تنفيذ أوامر الأمير مولاي هشام الواضحة، أو الاستجابة للأوامر المرموزة لبن سليمان كصاحب أعلى رتبة عسكرية ضمن المجموعة التي كانت تصنع الحدث الجلل.

هاجم الأمير مولاي هشام الجنرال بن سليمان الصامت بلسانه و المتكلم بعينيه المتحديتين، و أمره بحزم بإخلاء سبيل البصري، وهو ما كان لتشكل هذه الحادثة أغرب ما وقع في تلك الليلة الحزينة ضمن غرائب أخرى سيبدأ فيها تحديد معالم مغرب آخر، مغرب ملك جديد لا يعرف حينها أي أحد إلى اي وجهة سيتجه.

يبقى إذن السؤال الكبير: لماذا اعتقل إدريس البصري؟ حسب مصادر متطابقة، فإن الأمر لم يخرج عن سببين، الأول عام وخطير وهو إقدام وزير الداخلية على إغلاق حدود المملكة، وقد كان هذا القرار الانفرادي بالنسبة لأركان النظام بمثابة زلزال أمني، بل إن القضية -حسب مصادر مطلعة- وصلت إلى الملك الجديد الذي لم يستسغ الأمر، لأن إغلاق الحدود لا يعني إلا كون البلاد تعيش حالة استثناء و أن أمر الخلافة غير محسوم، وعلى أقل تقدير يوحي الإجراء بأن انتقال العرش تكتنفه صعوبات.

السبب الثاني هو إقدام البصري -حسب مصادر متطابقة- على تطويق جنرالات الجيش بحراسة مشددة من طرف عناصر المخابرات المدنية، وهو ما فهم منه هؤلاء أنه تشكيك في ولائهم للملك الجديد، فكان ما كان من الاعتقال، وبعدها سيتوجه الجميع إلى قبة النصر بالقصر ليوقعوا على البيعة ومعها يوقعون على بداية مرحلة جديدة حيث لا أحد يعرف مصيره إلا الله و الملك.

يصعب جدا أن يكون قرار اعتقال البصري قد اتخذ بدون علم صاحب الأمر، و إذا كان الأمر كذلك، فيمكن أن نعتبر تدخل مولاي هشام في هذه القضية هو بداية جر أول خيط من جورب النايلون في علاقة الملك الجديد بابن عمه.

وليت المسألة وقفت عند هذا الحد، ففي بداية هذه الليلة الاستثنائية، عقد اجتماع هو بمثابة اجتماع العائلة، عبر فيه الأمير مولاي هشام عن رأي مخالف لما تم الاتفاق عليه من إشراك الضباط السامين للجيش في توقيع عقد البيعة معتبرا أن في الأمر مخاطرة تماما كإدخال ذئب إلى حظيرة الأغنام، و أن هذا سيعطي للجيش مكانة أكبر مما يستحق ضمن المؤسسات الدستورية للبلاد، وكان رأي صاحب الأمر هو رفض ما ذهب إليه ابن عمه.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة