تعد ظاهرة الهجرة الداخلية والنسائية من المواضع الخصبة والتي تحضي باهتمام كل التخصصات الأكاديمية ، كما أن انخراط النساء في تيار الهجرة بشكل أصبح يفوق نسبة الذكور ، لذا تم الغمار في تعميق الدراسات والأبحاث الأكاديمية للوقوف علي أسبابها ومسبباتها والعوامل و المتحكمة فيها و تتبع لتطورها وخصائصها والوقوف علي ظروفهن السوسيواقتصادية وتسليط الضواء علي الظواهر الناتجة عن هجرتهن .
تتجلى أهمية دراسة الهجرة الداخلية النسائية عامة والنادلات المقاهي ، من خلال مؤشراتها السوسيومجالية والديمواقتصادية في مساهمتهن في الاختيارات والتوجهات العامة واستراتيجيات العمل من اجل التنمية وتهيئة التراب الوطني .
تشهد مدينة أكادير في الآونة الأخيرة ، مجموعة من المقاهي تكتسحها نادلات مهاجرات من جميع بقع المعمور ، تتنافس هذه الفئة مع الرجال في هذه المهنة التي كانت من ذي قبل حكرا على الذكور، وأصبح اليوم أمرا مألوفا تشغيل الجنس الطيف، لاعتبارات عدة منها ماهو فيزيولوجية أي “المظهر ” و سوسيو اقتصادي .
والسؤال المطروح هو: ما دواعي هجرة النساء واشتغالهن أمام صفوف الرجال كنادلات المقاهي؟ وماهي المشاكل والإنعكاساتهن داخل مدينة اكادير ومناطقها الأصلية ؟
تعرف ظاهرة الهجرة عامة والنسائية خاصة عدة دواعي وأسباب في هجرتها ومغامرتها البالغة الأهمية في حياة كل فرد له الإلمام لتحسين ظروفه المعشية وتختلف الظروف من شخص الي آخر ، اقتصادية واجتماعية ( الفقر والتهميش ،البحث عن الكسب والتحرر،العيش الكريم إعالة العائلة …)،وان خروج المرأة للعمل يعتبر بمثابة تحول اجتماعي شهده المجتمع المغربي ، كان في الماضي اقرب الي الخيال نظرا لرفض التام لفكرة خروج وهجرة المرأة الي العمل .
بفضل التطورات التي شهدها الحقل السياحي والخدمات بمدينة أكادير ، من كثرة الاستثمارات في هذه القطاعات ونخص بالذكر المقاهي ، بجميع أصنافها التي استقبلت أكبر عدد من المهاجرات النسائية وامتهانهن مهنة نادلة ، و كون كثير من أرباب المقاهي، يفضلون تشغيل الفتيات كنادلات عوض تشغيل الذكور،لاعتبارات عدة منها أنهن تميزنا بخبرة في فن التواصل وجلب الزبائن أكثر من زملائها الذكور و هي مهنة تلاقي بين الزبائن مباشرة مما يعتبره الباطرونات مصدر إضافي للربح والرواج فقط ،لاستغلال أجسادهن وجمالهن وابتساماتهن وحسن تواصلهن لجلب الزبائن وإغرائهم، رغم انهن يتخبطن بمشاكل عدة من تحرشات ومضايقات الزبائن داخل العمال كما أن جل تدخلات الباطرونات في مثل هذه المواقف تكون غالبا في صالح الزبائن وذلك بعبارة عدة و صرحت نادلة ،أن رب العمل يقول لها في مثل هذه السلوكات “صبري رأى الفلوس الكليان هي بش كنخلص لك ” أو” ديري الخاطر لكليان ” .عادة ما تضطر إلى التنقل بين مقاهي المدينة ،ولكن تعترضها نفس المواقف،زد علي دلك تحرشاتها ومضايقاتها المألوفة في الشارع العام كل يوم، هناك من تعرضت الي محاولة الاغتصاب وهناك من انزوت الي طريق الدعارة بلا شك من اجل المال و الربح السريع، حياتهن تعم بالمخاطر والعراقيل.
وتعرف هذه الفئة اختلافا في ساعة العمل من الأحياء الشعبية والسياحية الراقية إذ تبلغ ساعات العمل حسب ما أشارت إليه النادلات المستجوبات من الساعة 6 صباحا الي 5 مساءا وبعضهن يشتغل الي منتصف لليل ، وهناك من يعمل يوما كاملا من الساعة 7 صباحا الي متصف الليل تم اليوم التالي يكون يوم راحة بالنسبة لها وتتنوبها نادلة أخرى و بأجر زهيد 50 درهم ليوم عمل خاصة بالأحياء الشعبية ، وهناك ايضا حالة التناوب في اليوم الواحد “بحيث تشتغل من الساعة 7صباحا الي 12 زوالا تم تعود في 5 مساءا الي 22 أو 23 ليلا براتب شهري يبدءا من 600 درهم الي2000 درهم شهريا حسب موقع و رواج المقهى وتتخلل هذا الراتب المحتقر بعض الإ كرامات التي تكون أجرا إضافيا وأمالا للنادلات المهاجرات لتغطيت مصاريفهن.
ورغم ما تعرفه هذه النادلات من حركية قوية في الرواج للمحالات المقاهي خاصة والحركة الاقتصادية عامة ، فهن يتعرضن من الحرمان من جميع الحقوق الاجتماعية ، كالضمان الاجتماعي والتغطية الصحية وتعويضات عن العطل السنوية وحوادث الشغل ولكسب حق من هذه الحقوق تكون النادلة تحت تصرف الباطرونات أو تربطهما علاقة خارج عن نطاق العمل (عاطفية أو جنسية ) هذا من جهة ومن جهة أخر هناك بعض المقاهي الراقية في الكورنيش ووسط المدينة التي تشغلها نادلات مؤهلات و تخولها بعض الحقوق نسبيا “الضمان الاجتماعي والعطلة السنوية” عكس النادلات المهاجرات (الأميات) التي نجدها في مقاهي الأحياء الشعبية وفي مقاهي المحطات الطرقية .
يرى بعض الباحثين في قضية الهجرة أنها حركة طبيعية لتعديل التوازن الديمغرافي والاقتصادي والاجتماعي والوصول الي النسبي بين الموارد والحاجيات بين الاستهلاك والإنتاج سواء علي المستوى المنطقة الطاردة والجاذبة , تعيش النادلات المهاجرات داخل هذه المدينة في ظروف صعبة ، المجتمع ينظر الي هذه الفئة النسائية نظرة احتقارية ودونية ولم ينظر الي دورها كمهاجرة عاملة ومساهمة في تنمية المجال وبلادها الأصلي، وعدم تمتعها بأدنى حقوق لصون كرامتها وتضحيتها من اجل لقمة العيش ، تعيش داخل دور الكراء في غرف بشكل جماعي وانفرادي وهناك من استطاعت أن ترقي بنفسها الي مرتبة أحسن، انطلاقا من هده المهنة التي كانت من قبل محرمة علي النساء داخل المجتمع ألسوسي ، كحالة خديجة ومباركة التي امتلكت كل واحدة شقة وسيارة زد علي دلك حسناء،فاطمة،أسماء ، نادلات مهاجرات دفعتا طلب الحصول علي شقة في احدي في إحدى الشركات العقارية بالمدينة . تعددت أصول نادلات المقاهي المهاجرات ،أسفي، بني ملال، ازيلال، خنيفرة ،دكالة ،الدار البيضاء ومراكش … وغيرها من المناطق المغربية ،
أثرت النادلات المهاجرات علي المجتمع المستقبل السوسي سلبا بحيث ظهرت ظواهر وسلوكيات اجتماعية جديدة لإتراعي خصوصيات المجتمع المحلي مما أثر اشمئزاز الساكنة المحلية بانتشار (الدعارة، لباس الضيق الغير المحتشم ،جرأتهن، وعدم مبالاتهن ….) وتم نعتهن بأبشع الألقاب .
استطاعت بدورها أن تساهم في التنمية المحلية اقتصاديا بخلق رواجا تجاريا ملحوظا وانتشار الكبير للدكاكين والمحلات التجارية الكبيرة ،بالإضافة الي دورهن في تنشط الحركة التجارية ، وكذا دور حركة النقل وانتشارها بشكل كبير وتوسع العمراني باقتناء شقق ومنازل للملكية والرهن والكراء مما جعل بعضهن يعيش في استقرار واندماج مع المحيط الجديد.
إن علاقة بعض المهاجرات بأصولهن جد قوية وعميقة (الزيارات والعطل) لحنينهن لأهلهم، تحمل المهاجرات معها شحنة ثقافية وعادات جديدة الي بلادها الأصلي ويتضح في لهجتها الممزوجة بالامازيغية السوسية وكدا عادات الأكل واللباس العصري الضيق و الأناقة والجمال الدي تتميز به النادلات ،وهذه الصورة الجديدة لهن تحمل مجموعة من التساؤلات لدى دويها وأقاربها وسكان الدوار،”شكون هذه ؟ تبدلات علنا بنت فلان ,من جاها هد الخير ، فاش خدامة ؟مازال ماتزوجتي ، مزال مدبرتي علي راجل ؟فاش خدامة ؟؟،مزال مبغتي ترجعي لبلادك حنا محتاجين لك ؟عودي صفتي لينا”؟كيف تتصورون هذه التساؤلات التي تقهر هذه المهاجرة لان لا احد يعلم بعدم رضهن بهده الحياة عامة وفي بعض الأحيان تظهر مشادات وخصومات قد تؤدي الي القطيعة بالأهل والأقارب وغالبا بشكل نهائي ، حسب تصريح بعض النادلات تقول “لو عرف مالين الدار بلي أنا سرباي لقتلوني” .
رغم هذه المعانات النفسية والاجتماعية فقد لعبة هذه المناضلة الصبورة دورا اقتصاديا مهمة في إخراج أهلها من عتبة الفقر والتهميش ،و تحسين ظروفهم والمعاشية ،وتتم هده الإعالة بتحويلات المالية تتقاسمها المهاجرة مع دويها ،وهنا تتقوى أواصل القرابة والتضامن بين أفراد الأسرة منهم من استطاعت بناء عقار لها وإنشاء محل تجاري…)
شهد المشهد الهجري لنادلات المقاهي نوعا من الخصوصيات والتعقيدات المترابطة , وان مدينة أكادير والضواحي لها استقطبت أيادي عاملة نسائية هامة خاصة نادلات المقاهي التي ساهمت بشكل كبير في تنمية المدينة المستقبلة وتنمية المراكز المصدرة الأصلية، في جميع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية رغم المضايقات والمعانات التي تعيشها النادلات المهاجرات ، ودورهن في الإ ثقان والنزاهة ، والصبر والتضحية في العمل من أجل لقمة العيش رغم اعتبارهن يد عاملة وفيرة ورخيصة ، ساهمت خدماتهن بالرفع بالمنتوج السياحي والخدماتي الي الصدارة جهويا ووطنيا، وجني المستثمرون الأجانب والمغاربة أموال طائلة علي يد هذه الكادحات المقهورة.
ومن هذا المنبر يجب النهوض بهده الطبقة العاملة وتشخيص حالتهن وتمتعيهن والدفاع عن حقوقهن المهضومة التي خولها لها قانون الشغل والمواثيق الدولية واعتبارها فاعلة تنموية يجب الأخذ بيدها.
عذراً التعليقات مغلقة