ويستمر التباس المواقف من الديمقراطية .. !

الوطن الأن18 فبراير 2014آخر تحديث :
ويستمر التباس المواقف من الديمقراطية .. !

على غير ما أصبح عليه الأداء الحزبي والنقابي والمدني في المجتمعات، التي أصبح فيها تكريس الممارسة الديمقراطية أمرا واقعا، يحترمه ويدافع عنه الجميع، ليست هناك مؤشرات على أن نموذجنا المغربي، يسير في نفس الاتجاه، حيث لا تزال التجربة الوطنية لم تكتمل شخصيتها وهويتها، على غرار ما يجري في العالم اليوم، ومن المسلمات في هذا المناخ، المرتبط بإبراز قوة الالتزام بقيم وضوابط هذه الممارسة الديمقراطية، أن تشغل الأطراف المعنية بها في هذا الاتجاه، وأن تجعل هذا الورش الديمقراطي من أولوياتها التنظيمية والتأطيرية والتنظيرية، عوض أن تظل حبيسة هذه السلوكات النفعية والمتخلفة، المضرة بالمشروع الديمقراطي، الذي يتطلع إليه الجميع، فبالأحرى أن يكون ذلك، رهان كل القوى المتشبعة بالديمقراطية داخل هذه الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني.

 

ما نلاحظه في الأمانة العامة للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، عن حراكنا الحزبي والنقابي، حول هذه الممارسة الديمقراطية، هو الالتباس في الوعي بها، وفي قواعد وشروط ممارستها، في هذا الحراك المجتمعي، الذي يستهدف تطلعات المجتمع المغربي من هذه الديمقراطية، والأخطر، أن يكون هذا الاكتشاف عاما، ولا أحد من الأطراف الفاعلة يعي مخاطر سوء احترام مقتضيات هذه الديمقراطية داخل مؤسساتها وخارجها، وما يفرزه الحراك في شروطه الراهنة، هو الافتقار الموضوعي لدى جميع هذه الأطراف للوعي بما يجب أن يكون عليه التكريس الفعلي لهذه الديمقراطية، التي يؤمنون بها ، حيث لا يزال الإصرار على القيم واستعراض العضلات، والتي

لا يتعدى مفعولها إثارة انتباه الخصوم بالوجود في الساحة فقط، والتأكيد على تلميع الواجهة التنظيمية في نهاية المطاف، مع أن هؤلاء جميعا، مدعوون إلى الحوار، الذي يساعد على إغناء الوعي السائد، حول الديمقراطية، وأنماط تفعيلها وتطبيقها، وإن كان الحوار لا مفر منه من التناقض والاختلاف، فإنه لا يجب أن ينتهي برفض وجهة نظر الآخر المختلفة، وأن تكون الرغبة في صياغته، في هذا الاتجاه المساهم في إغناء التصور أو النظرية أو الاتجاه، الذي يقوم عليه نموذج الديمقراطية في المجتمع كمحصلة نهائية.

 

طبعا، مبدأ الرأي والرأي الآخر، يقضي هذا التنوع الحركي في المقاربات والتصورات، لأنه في نهاية المطاف، يغني الفهم المتاح لهذه الديمقراطية، التي يتطلع إليها الكل في هذه المرحلة، حتى إن لم يبين أو يوضح أو يشير إلى التطور التلقائي الطبيعي، الذي يجب أن يعبر عنه، ولعل الحوار بين فرسان هذا الحراك الحزبي والنقابي في غرفتي البرلمان، وعبر وسائل الإعلام، خير شاهد على تهافت وتآكل الثقافة الموجهة لصراع ديكة هذا الحراك الحزبي والنقابي، الذي عوض أن يكون معبرا عن التحول الكمي والنوعي، في اللغة والتحليل والاجتهاد، إلى الدرجة التي أصبح معها المضمون المحرك لهذا الصراع بين الديكة مجسدا لوضاعة وهزال الأطراف المشاركة فيه اتجاه جميع موضوعات الخلاف والصراع القائم.

 

نعم، نتوفر على حراك حزبي ونقابي كباقي الشعوب، إلا أنه لا يحمل ملامح التوجه، الذي ينبغي أن يكون عليه، حتى يكون مقبولا من المجتمع، ومن الأطراف المعبرة عنه في مختلف المؤسسات، وواجهات التصادم والتقاطع والتناقض، حيث لا أحد من المشاركين قادر على ترجمة الأداء المطلوب منه في دوامة هذا الصراع، فالحكومة وأغلبيتها، تدق طبول الحرب، والمعارضة بأطيافها الحزبية والنقابية تبادلها نفس السلوك، وفي غمرة لغة التهديد والوعيد تمر القرارات، التي

لا تحظى بالموافقة والإجماع الشعبي، مما يثير أكثر من علامة استفهام على هذا الصراع المخدوم، الذي يحاول جعل عموم المواطنين في دار غفلون، مما يقرر وراء الجدران والفضاءات الخلفية والصالونات المكيفة.

 

إذن، الحراك الحزبي والنقابي الراهن، يحيلنا إلى أن الصراع .. صراع ديكة مخدوم وواضح في معالمه وأهدافه .. وبالتالي، أن تصريفه بهذا الأداء المفضوح يعبر عن توجهات الأطراف المشاركة فيه، التي تحاول باستمرار إقناع الرأي العام الوطني بصواب مواقفها، والأجندة التي تشتغل عليها، التي لا تخدم عموم الشعب المغربي المقهور والمغلوب على أمره.

 

يؤكد القيادي في حزب العدالة والتنمية، “حامي الدين” في إطار خرجاته حول بعض القضايا المطروحة، كالموقف من الديمقراطية، من أن هذه الأخيرة، هي التصورات الثقافية والاقتصادية والسياسية، وليست قرارات الربع ساعة الأخير، دون أن يكلف نفسه، إبراز شروط صياغة وإنتاج هذه التصورات المفضية، للتعبير عن الديمقراطية، وحقا في الاستئناس بها لشرعنة هذه الديمقراطية في نهاية المطاف، ناهيك إلى عدم الإشارة إلى مرجعيات هذه التصورات، التي تقوم عليها هذه الديمقراطية المنشودة، في مقابل هذا التعريف .. يطرح عبد الإله بلقزيز، أن الديمقراطية نظام كلي من القيم، ولا يمكن اختزالها في العلاقات السياسية، وبسبب ذلك مؤسساتنا لا تنتج مواطنا ديمقراطيا، وحول هذا التعريف .. يحق لنا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، أن نساءل صاحبه عن هذا النظام  القيمي، الذي تقوم عليه الديمقراطية، هل هو ما تم التعبير عنه من قبل المنظرين في الفكر الفلسفي والسياسي والدستوري، أم الذي اكتسب شرعيته من نماذج التطبيقات الفعلية للاجتهادات في هذه التصورات ..؟ وهل القيم التي تقوم عليها الديمقراطية ثابتة، أو تحمل في مضامينها صيرورة الصراع في المجتمع، الذي يطمح إلى تكريسها ..؟ وهل عملية شحن وتعليب المواطن المغربي تنتج الديمقراطي المعني بهذه الممارسة الديمقراطية ..؟

 

قد يكون “حميش الاتحادي” على حق في القول .. بأن الربيع العربي الديمقراطي قد جعل الاهتمام بالديمقراطية ينتقل من المحكوم إلى الحاكم، ومن أن ضعف الممارسة الديمقراطية في إطار هذا الربيع، يعود إلى افتقارها إلى القيادات القطرية والسياسية، وإلى البرنامج المحدد والمدقق، وإن كان “حميش” المحسوب على الاتحاد الاشتراكي، يعرف أنه داخل هذا الحزب، لم يتم تأهيل القيادات الفكرية والسياسية، وشرعنة الرأي الآخر المخالف لتوجهات القيادة الحزبية، رغم أن مشروع هذا الحزب، يقوم على هذه الديمقراطية كقاعدة مرجعية في ثقافته.

 

ويطرح “حسن طارق” القيادي الاتحادي، تصورا آخر عن الديمقراطية، من خلال تطبيقها في الدولة المدنية والعلمانية، حيث لم تفلح العلمانية في ترسيخ الديمقراطية، رغم مرور تطبيقها إلى أكثر من 100 سنة، بالمقارنة مع الدولة المدنية، التي حاولت ترسيخ مفهوم الديمقراطية كتوجه قيمي، وسلوك علائقي فعلي، وبين الدلالة المدنية والعلمانية للممارسة الديمقراطية، لا نجد في مقاربة “حسن طارق” ما يؤكد على شرعية كلاهما على المستوى النظري أو التطبيقي، داخل حزبه أولا، قبل البحث في تطبيقاته بالنسبة للآخرين في حراكنا الحزبي والنقابي الوطني.

 

إن صدى هذه التصورات عن الديمقراطية لهؤلاء في حراكنا الحزبي والنقابي، لا تقدم إضافات جديدة، عن ما هو سائد حتى الآن، انطلاقا من أن أطراف هذا الحراك، لا زالت وفية لما راكمته في تجاربها المباشرة، التي تصدق أنها صحيحة، وتمتلك المصداقية والشرعية إلى الآن .. !

إننا في النقابة المستقلة للصحافيين المغاربة، المؤمنة بالممارسة الديمقراطية حتى النخاع، لا نرى في هذه الاجتهادات على صدقيتها إلا مجرد وجهات نظر، مكملة لما هو متداول في حراكنا الحزبي والنقابي، الذي لم يرتق في الصراع إلى القطيعة مع هذا النموذج من المساهمات، التي يتصور أصحابها أنها تمتلك كل عناصر الشرعية والمصداقية في صياغتها .. وبالتالي، أن حراكنا الاجتماعي والحزبي والنقابي، لا مفر له من تقديم الاجتهادات، التي يعمل عن طريقها الدفاع عن المرجعية الحزبية والنقابية المرحلية التي توجهه.

                                       الأمانة العامة

                                                     للنقابة المستقلة للصحافيين المغاربة                     

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة