تزامناً مع الدورة الثالثة للمعرض الوطني للمراعي بتيزنيت، أعادت بعض الأصوات إلى الواجهة نقاشاً ما فتئ ينفي بالقطع أية جدوى للتظاهرة بل و يحمِّل منظميها، بغير قليل من تحامل ، وزر و مسؤولية ظاهرة الرعي الجائر الذي عانت وتعاني منه المنطقة.
أستحضر العناصر أدناه لعل بعض الغشاوة تزول ويدرك دوي النيات الحسنة خلفيات وبواطن هذا الإشكال:
-أصل الحكاية:
العديد من المتتبعين يتذكرون التوثرات التي عرفها إقليم تيزنيت في منتصف سنة 2011 من جراء المعاناة من ظاهرة الرعي الجائر، بل إن هذا الملف بموازاة مع ملف المحطة الحرارية كان لهما حظ مقدر من انشعال الرأي العام والشارع التزنيتي مباشرة عقب غليان 20 فبراير..المشكل تعاطى معه المسؤولون الترابيون والمنتخبون بإثارته والترافع بشأنه محليا ومركزياً حيث يمكن اعتبار أن الشرارة الأولى لطرحه كان مصدرها من تيزنيت..بل وكان للملفين حضور و ظِلُُّ على الإنتخابات التشريعية التي أجريت في نهاية نفس السنة(25 نوفمبر). ترشح السيد أخنوش بتيزنيت وتفاعل برنامجه الإنتخابي (ما سماه حينئدٍ بالبرنامج التعاقدي) مع هذا الإشكال ( الرعي الجائر) فسطّر التزاماً صريحاً في هذا البرنامج يروم التعاطي معه بمقاربة تشريعية وتنموية!
-التتبع والمآل:
في مستهل الولاية الحكومية 2012-2016، ومن موقعه كوزير للفلاحة انتدب عزيز أخنوش خبرة استشارية لإعداد تصور مندمج(تنموي /تشريعي ضبطي) للظاهرة أسست على استشارة أولية مع سلطات الأقاليم المتضررة ومنها تيزنيت التي انتجت بالمناسبة تقريراً نوعياً حول الظاهرة، واستأنسأت الخبرة بتجاريب دولية في المجال ليتوج الأمر بيوم دراسي موسع بأكادير منتصف 2013 عرضت فيه أرضية أولية ووُسعت فيه الإستشارات مع
المتضررين والكسابة الممارسين للترحال الرعوي على حدّ سواء!
على إثر هذاالمسار التشاوري، أعدت وزارة الفلاحة وقدمت عرضا مندمجا على مستويين وبمقاربتين: مقاربة تشريعية ضبطية من خلال مشروع قانون يتوخى تنظيم الترحال الرعوي و يؤسس لترسانة قانونية حديثة قوامها مزاوجة الآلية الزجرية مع مجهود تأطيري لضبظ المجال الرعوي بواسطة مخططات للتهيئة الرعوية..بالإضافة لمقاربة تنموية من خلال “برنامج تنمية المراعي و تنظيم الترحال” وجهت له وزارة الفلاحة جزءاً مهما من منحة دولة قطر في إطار الدعم الخليجي للمغرب الموجه لقطاعات اقتصادية واجتماعية متعددة.
نوقش مشروع القانون وتم تجويده بالبرلمان ليتم التصويت عليه في نهاية الولاية السابقة بالإجماع بعد اقتناع كل الفرقاء أنه مشروع من شأنه تأطير مجال كان يشكو من فراغ مهول من حيث المقتضيات التشريعية. و ليتم استكمال الورش خلال الأشهر الأخيرة باستصدار كل المراسيم والقرارات التنظيمية الموكول لها تنزيله.
بينما استفادت الأقاليم المعنية بهذه الظاهرة، سواء المصدر أو المستقبلة أو التي تشكل ممر عبور كتيزنيت من رصد اعتمادات جد مهمة في إطار البرنامج المشار إليه .
-ماذا استفادت تيزنيت؟:
أول ما يسطر في هذا السجل، هو أن تيزنيت لقيت معاناتها تجاوباً و تفاعلا ً ملموساً و لقيت ثلك الشرارة التى انبتقت منها مواكبة بلورتها و ترجمتها إلى قانون وبرنامج تنموي. تيزنيت وأقاليم مماثلة متاح أمامها الآن أن تواجه المعاناة بترسانة قانونية وتنظيمية تمكن من ضبط المجال الرعوي بتخصيص فضاءات مهيئة و تأسيس قواعد زجرية واضحة تنتظر المخالفين و المعتدين على حقوق الأغيار.
ثم بالتبعية، أتيح لتيزنيت أن تستفيد من كل محاور البرنامج التنموي الموازي، قد يكفينا في صدده ذكر قرابة 80 كلمتراً من الطرق المهيأة في إطار البرنامج استفادت منها ساكنة عدة دواويرفي جماعات الإقليم بالإضافة لتوزيع عدة آليات مقتناة في إطار البرنامج( سيارات إسعاف، نقل مدرسي ، شاحنات صهريجية..).
-محل المعرض من الإعراب؟:
بحسن نية أو بسوئها ، يحاول الكثيرون إخراج تظاهرة المعرض الوطني للمراعي من سياقه دون عناء استحضار الغاية من إحداثه من حيث المبدأ ، وكذا دواعي اختيار تيزنيت لاحتضان دورته الأولى ثم قرار توطينة نهائياً بهذه المدينة!..
واقع الأمر أن الدينامية التشريعية والتنموية التي واكبت تناول هذا الموضوع، دفعت بالقائمين على هذا المجال إلى تقدير جدوى تسطير موعد سنوي يخصص أولاً لتقييم المجهودات التنظيمية والتنموية و استحضار الإكراهات والآفاق المرتبطة بالظاهرة وبالقطاع خاصة أن الرعي والترحال يؤمن جزءاً ههما من سلسلة اللحوم الحمراء ذات الأهمية الإقتصادية المعتبرة. كما أن البعد الثقافي والثراتي للرعي والترحال الرعوي يظل حاضراً بحمولة تستدعي المستوى الرمزي لبعض المهارات والمعارف والمؤسسات ، كمؤسسة أگدال وغيرها !
فتم تصور فضاء للعرض بمقومات احترافية يتيح لكل العارضين الذين تتقاطع مجالاتهم مع الرعي والترحال وسلسلة اللحوم الحمراء ومع الفلاحة والمنتجات المحلية بصفة عامة عرض منتوجاتهم أ و خدماتهم أو معارفهم ومهاراتهم..موازاة مع عروض و موائد مستديرة وتكوينات ذات ارتباط بالقطاع ، كماهو الشأن بالنسبة لكل المعارض الموضوعاتية في المغرب والعالم!
أما الجانب الفني والرياضي فهو، أولا وأخيراً ، دريعة لاستغلال التظاهرة لتنشيط المدينة و تحقيق الفرجة للمتعطشين إليها وإتاحة الفرصة أمام طاقات ابداعية محلية للإستفادة من ملاقاة الجمهور( يسجل للمنظمين هذه السنة كما الماضية إشراك نحو 20 فرقة من الفنون الشعبية المحلية في تنشيط المدينة)..إضافة إلى الرواج الإقتصادي الذي تحققه مثل هذه التظاهرات!
أما بالنسبة لاختيار تيزنيت، فبكل بساطة هناك رمزية الإعتراف للإقليم بدوره في إطلاق ثلك الشرارة التي عبدت الطريق للورش القانوني والتنموي الذي توج ثلك الدينامية ، ثم هناك رغبة غير مخفية في أن تستفيد تيزنيت من كل فرصة تنشيطية قد تحقق إشعاعاً و إطاراً تسويقياً للمجال بغض النظر عن درائعه .
هذه بعض عناصر الجواب أقدّر أنها قد توضح أسباب نزول هذه التظاهرة ، كما أقدّر و أتفهم عدم كفايتها لتصحيح وجهة نظر زمرة المتحاملين التلقائين السيستيماتيكيين الذين لا أحد بمقدوره انتزاع سبحتهم (وِرْدهم ) من أيديهم المرتجفة!
عذراً التعليقات مغلقة