بقلم : محمد امنون
تعد المقابر من المرافق العمومية ذات الأهمية الإنسانية حيث تجسد احترام الإنسان الميت وصيانة كرامته وحقوقه، وتشكل جزءا من الفضاء العمومي المشترك والذي يقتضي الاهتمام والصيانة. إلا أن مقبرة حي الجرف قرب ملعب ” نادي مولودية الجرف لكرة القدم ” بمدينة انزكان خارج هذا السياق بحيث تتعرض إلى إهمال كبير وتهميش بسبب عدم تسويرها من قبل الجهات المعنية رغم الوعود المتعاقبة بذلك … فرغم جمالية ملعب الجرف المعشوشب ومرافقه فإن وضعية المقبرة شوّهت هذا الجمال حيث برزت عظام موتى المسلمين من قبورها وطفت على السطح، الأمر الذي تسبب في استياء السكان وتذمرهم ، ناهيك عن الأعشاب الطفيلية التي اكتسحت كل جنبات المقبرة و«تطاولت» على القبور، وقد اتخذ منها بعض المنحرفين مأوى لجلساتهم الخمرية وحتى لارتكاب الجرائم و اعتراض سبيل المارة ” الكريساج ” خاصة في الفترات الليلية… ومن يتحدّث عن هذه المقبرة فإنه حتما لن يمرّ دون الحديث عن عديد حوادث اعتراض سبيل المواطنين ” الكريساج “، و لعل ابرز تلك الحوادث الحادثة المؤسفة التي وقعت قبل نحو ثلاذث سنوات عندما أقدم احد المتشردين باختطاف طفلة واغتصابها ثم قتلها بين اعشاب ذات المقبرة .
صورة مؤلمة و صادمة من مقبرة حي الجرف القديمة والكل يعلم حقيقة العلم بأن للمقابر في الشريعة الإسلامية هيبة وحرمة، وحرمتها أيما حرمة، لكن ما يراه المشاهد اليوم من انتهاك لحرمة هذه المقبرة حيت تنتشر كل انواع الازبال من بقايا السجائر وقارورات الخمر الفارغة التي لم تجد لها مكانا غير المكان الذي يرقد فيه الأموات ، وما يزيد في انتهاك لحرمتها هي الممرات التي تمر في وسطها ، إضافة إلى غياب سور يحافظ عليها مما يجعلها طبعا عرضة للكلاب الضالة. واقع يدعو إلى الاستنكار والشجب باعتباره لا يليق بحرمة المقابر ، و هو ما دفع العديد من فعاليات المجتمع المدني بالحي في اطار ” حراك ابناء حي الجرف ” الذي انطلق مند اكتر من ثلاثة اشهر إلى الانتفاضة و الاحتجاج و مطالبة المسؤولين من اجل التدخل العاجل والآني لحماية المقبرة من الانتهاكات التي تعرفها جراء مجموعة من العوامل البشرية والطبيعية .
الى ذلك عبرت السيدة ” ا – ع ” عن الاستياء والضيق من وضع المقبرة الذي يرثي حالها، وحالة المسؤولين الذين لا يعيرون اهتماما لها وإخضاعها للتسوير والتنظيم مضيفتا : ” انه في الوقت الذي يتم فيه توزيع المال العام في اطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية يمينا و يسارا كنوع من “الريع الجديد ” من اجل خلق صنف خاص من الفاعلين الجمعوين … كان على المسؤولين على هذا المشروع الملكي الالتزام بالتوجهات والنداءات الملكية السامية واعتماد منطق الاولوية في اختيار وتمويل المشاريع … و لعل الاهتمام بوضعية المقابر تعد من الاولويات … كيف لا وهي تضم رفاة اجدادنا الاولين ، فهل يعقل ان تدوس الأقدام على قبور الشهداء وعلماء الدّين الذين ناضلوا في الحقبة الاستعمارية وما قبلها بسواعدهم وأفكارهم؟ هل يعقل أن تعبث البهائم و المتسكعين بإرث تاريخي هو جزء من ذاكرة هذا الحي ؟ . فوالله ما انصفناهم ادا تمتعنا اليوم بكثير من الحقوق وامتيازات العيش الكريم جراء تضحياتهم وهم احياء فوق الارض ، ثم نهينهم و نهملهم و نخذلهم و هم عظام تحث الارض … الأمر لن يكلف المسؤولين أكثر من سور لحماية هذا التاريخ وهذا المكان الظاهر و الحفاظ على حرمة هؤلاء الموتى و هده القبور…”
وجدير بالذكر فتردي وضع المقابر في المغرب ليس جديدا، إذ نقرأ في تقرير موجه لوزارة الداخلية منذ سنة 2012 ، كما نقلته العديد من وسائل الاعلام حينها أن “75 % من مقابر المملكة في وضع ‘كارثي و15 % في وضع متوسط و10 % في وضع جيد”. كما آلت دراسة قام بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان في 2015 إلى نفس الاستنتاج، حيث تحدثت عن الأوساخ وحالة الإهمال في المقابر، وتحدثت عن “حالات انتهاك وهدم لقبور تاريخية”. ويعتبر صاحب هذه الدراسة جمال برامي، وهو عضو في هذا المجلس، أن المسؤولين الإداريين والسياسيين الذين توجه إليهم لإيجاد حل لهذه المعضلة لا يتمتعون “بأية نظرة شاملة أو جزئية” للموضوع، وأن الحلول التي يقترحونها “مشتتة وغير واضحة”. ويذكر هذا التقرير أن المقابر الأحسن وضعا هي تلك التي تصونها الجمعيات الخاصة، مثل المقابر اليهودية والمسيحية.
وفي ديسمبر 2014، أعلنت وزارة الداخلية أنها ستخصص 700 مليون درهم لإعادة تأهيل 1250 مقبرة في 120 منطقة، برنامج حسب وزارة الداخلية يمتد من 2015 حتى 2018.
عذراً التعليقات مغلقة