صديقي اخريشفة
كشف مصطفى الخلفي، الناطق الرسمي باسم الحكومة، عن وجود تعليمات ملكية صارمة بفتح تحقيق حول ما يروج من ادعاء صدر عن نشطاء حراك الريف باحتمال تعرضهم للتعذيب ولممارسات مسيئة للكرامة الإنسانية.
وأضاف الخلفي أن التحقيقات جارية على قدم وساق، وأن كل ادعاء صدر عن أي متهم، سيتم عرضه على الخبرة الطبية للبت فيه بكيفية قاطعة.
ويعتبر دخول الملك على الخط للتحري في شأن احتمال تعرض نشطاء حراك الريف للتعذيب، يدل مرة أخرى، وبكيفية تفقأ الأعين، على أنه ليس هنالك ولو ظل وجود لرئيس حكومة ولا لحكومة مسؤولة قادرة على اتخاذ المبادرة وتحمل المسؤولية.
وهذه النازلة تمثل بما لا يقبل مجالا للشك، صفعة كاوية مدوية جديدة يوجهها الملك لهذه الحكومة الضعيفة المتخاذلة، كما أنها تكشف بشكل جازم قاطع على أنه في ظلال الملكية التنفيذية، يبقى الملك، أولا وآخرا، هو صاحب الحل والعقد في الصغيرة والكبيرة والشاردة والواردة.
ويحق لنا رغم ذلك أن نتساءل:
ألم يكن في مقدور رئيس الحكومة أن يبادر تلقائيا إلى صون كرامة المعتقلين، فيكون بذلك هو الضامن لحقوقهم والحافظ لسلامتهم المعنوية والبدنية؟
فعدم تحمله لمسؤوليته، وإعراضه البغيض عن التدخل المباشر والفوري في هذا الشأن الخطير، لا يُفسر إلا بتفسير واحد، وهو أن هذا الرجل “الوديع الطيب”، ليس له أدنى مشكل بخصوص حصول هذه الممارسات المشينة، وأنه بالتالي، يطبق مبدأ: لم آمر بها ولم تسئني” .
أما تدخل وزير الداخلية في البرلمان، في شأن انتفاضة الريف، فلم يكن سوى مهرجان للغط وضجيج يروم طمس الحقائق وخلط الأوراق، بل تعداه في كثير من الأحيان إلى توغل بغيض في متاهات التضليل والبهتان، والأدلة على ذلك كثيرة، ومنها ما أسره المعتقلون إلى محاميهم.
وهكذا، فقد كشف عبد الصادق البشتاوي، وهو أحد المحامين، عن بعض أشكال التعنيف والتعذيب التي مورست على بعض المعتقلين في دهاليز مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بالدار البيضاء، وصلت إلى حد التهديد من طرف شرطيين ملثمين بالحرق والاغتصاب والإجلاس على القنينات، مع ما صاحب ذلك من نتف لشعر اللحية والرأس.
وفي موقع “بديل”، يضيف نفس المحامي: حتى لا يزايد علينا أحد، فأنا كنت حاضرا في التحقيق، وسجلت تصريحات المعتقلين بخصوص تعرضهم للتعذيب داخل مقر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وأثناء إلقاء القبض عليهم”.
ونسبة لنفس المحامي، فإن المعتقلين الذين صرحوا للوكيل العام للملك بتعرضهم للضرب والتعذيب داخل مقر الفرقة المشار إليها: إ بوزيان وص. ولشخم اللذان صرحا بأنهما تعرضا للتهديد بالحرق والضرب، وكذا م. بوهنوش الذي قال بأنه تعرض للضرب ونتف شعر اللحية والرأس والتهديد بالاغتصاب الجماعي بشكل مروع، إذ كان المحققون معه يهددونه بأنهم سيتناوبون على اغتصابه إلى حد تمزيق شرجه كي يبقى مدى حياته عرضة لآفة التغوط الغير إرادي، الشيء الذي جعله يعيش جحيما لا يطاق من الترقب المفجع.
ومن بين هذه الحجج كذلك، الشهادة المثيرة التي أدلى بها القاصر زكريا لكحل لموقع بديل حيث قال: لم أشارك في الحراك لا من قريب ولا من بعيد، وكنت مجرد عابر سبيل حين انقض علي نفر من رجال الشرطة فأمطروني بوابل من الشتائم المقذعة، وصرخ في وجهي أحدهم بأنه سيغتصب أمي وسيجلسني أنا على القنينة، وما أن أصعدوني إلى الشاحنة حتى انهالوا علي ركلا ولطما وضربا بالكاسك، أما رئيسهم فكان لا يمل من تحريض مرؤوسيه بادعائه أننا انفصاليين وبأننا نحرق الراية المغربية.
وفي مركز الشرطة، كنت كلما صعدت درجا إلا وتلقيت لكمة باليد وضربة بالعصا، وكل ذلك كان مرفوقا بسباب شنيع يتخلله لعن للدين والوالدين.
وأذكر أنه كان معنا معتقل ملتح تجرأ وقال لأحد قامعيه: “والله لن أسمح لك يوم القيامة أبدا.” فما كان جواب الشرطي إلا أن قال له صارخا: إذا كان هذا هو الإسلام، فلعنة الله عليه” .
كما كان معي صديق اسمه مراد، كان حاله تقريبا كحالي، أي أن كل ذنبه كان تواجده بالصدفة في المكان والزمان غير المناسبين، فاعتقل وضرب ضربا شنيعا إلى أن تورم وجهه كله باللون البنفسجي.
لقد ظلت يداي مقيدتان لوقت طويل وأنا لا زلت قاصرا، ولم يشفع لي ذلك أن يعفوني من تناول الفطور بأياد مكبلة.
كما أنهم أرغموني في النهاية على التوقيع على محضر نسبوا إلي فيه كل ما أرادوا من تهم ثقيلة دون أن يمكنوني من قراءته.”
والأدهى والامر ان يصل الامر بحسبه الى التزوير بحيث سجل في محضر الاستماع اليه انه يرفض مساعدة محام فيما لم تسأله الشرطة عن ذلك مطلقا”.
أمام كل هذه الحجج الدامغة التي لا يرقى إليها أدنى شك، سيما إذا ما استحضرنا الماضي المقيت الذي يجرجره الجهاز البوليسي المغربي وراء ظهره في مجال التعذيب، فإننا لا نملك إلا أن ندين تصريح مسؤول أمني ضرب صفحا بكل هذه الاتهامات ونفاها نفيا قطعيا دون أن يترك ولو خيطا رفيعا يتسلل منه دبيب للشك، من خلال فتح تحقيق محايد ومسؤول حول وجود هذه الممارسات .
وتابع نفس المصدر الأمني بأن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية أشعرت “فورا” جميع عائلات الموقوفين بقرار وضعهم تحت الحراسة النظرية وقامت بتمكينهم من الاتصال هاتفيا بذويهم، ساردا ما اعتبره ضمانات حماية الحريات الفردية، موضحا بأنه تم عرض 20 شخصا من الموقوفين على الخبرة الطبية بأمر من قاضي التحقيق المكلف بإجراء التحقيق الإعدادي في هذه القضية، كما انتدبت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية طاقما طبيا للإشراف على الوضع الصحي لناصر الزفزافي ومن معه، فلم يثبت أي عنف أو تعذيب خلال فترة الحراسة النظرية.
ان هذا قمة الغرابة والعبث فيما جاء في تصريح هذا المصدر “المحجب”، هو أنه لم يفصح لا عن اسمه ولا عن هويته… فكيف نصدق من احترز حتى من مسؤولية الإدلاء باسمه وهويته؟
وباسم من يتكلم هذا “الضمير المستتر” سيما إذا ما علمنا بأن الإدارة العامة للأمن الوطني لا تبخل علينا ببلاغات رنانة طنانة عن كل صغيرة وكبيرة؟
أليس من حقنا أن نتساءل بكثير من الحيرة والقلق عن السبب الذي منع هذه الإدارة للخروج إلى الساحة لتنويرنا بما نشف به غليل تطلعنا، وذلك عبر إصدار بيان رسمي في الموضوع؟
لماذا اكتفى “الناطق من وراء حجاب” بالكلام عن الفرقة الوطنية وأغفل الحديث عما قامت به الشرطة في الحسيمة؟
أليس هذا الصمت المشبوه اعتراف ضمني ودليل شاهد ومشهود على ما حصل لمعتقلي حراك الريف داخل مخفر شرطة الحسيمة من تعنيف وإهانة وشتم بذيء من قبيل “أولاد الصباليون” و”أولاد العاهرات”، إلى غير ذلك مما نخجل كتابته بالدارجة العامية نظرا لوقعه الصادم على النفوس؟ أما بخصوص الخبرة الطبية، فحدث عن الاستهتار ولا حرج…
إنها أشبه شيء بقصة الذئب المتهم الذي يشهد عليه ذنبه… “شكون لي يشهد عليك اعمي الذيب كعلالتي” .
إذ لا استخفاف بالمواطنين ولا استحمار لهم أكثر من أن تأتي بطبيب من داخل الجهاز وتملي عليه ما تريد، ثم تصرح بعد ذلك بأنه قام بواجبه فلم يعاين أي أثر للتعذيب…
لو روعيت شروط الشفافية والمصداقية، لجيء بلجنة مكونة من أطباء مستقلين ولقامت بواجبها بعيدا عن أي ضغوطات وتدخلات من أي نوع ولكانت بأمر القضاء وليس بأمر الجهاز نفسه المتهم ؟
ولكن هيهات هيهات…يبدو أن الاستهتار في بلدنا العزيز، لا زال أمامه عمر مديد…
فعندما يجزم هذا المصدر الأمني المجهول الهوية بأنه لم يقع أي انتهاك لحقوق معتقلي الحراك، ألا يكذب بكيفية صريحة وصارخة ما قاله الملك حول احتمال وقوع التعذيب في صفوف الموقوفين؟
إن محمد السادس، ما كان له أن يدخل على الخط مباشرة لو لم تساوره شكوك قوية في احتمال وقوع حالات للتعذيب، وإلا… فإنه ملك ينطق عن الهوى…
ولهذا نقول بكثير من الصدق واليقين، إن المتورطين في هذا التعذيب وما صاحبه من ممارسات مخلة بالكرامة الإنسانية، لهم أشخاص متيقنون إلى النخاع من عدم المتابعة والمحاسبة، شأنهم في ذلك شأن من سبقوهم من جلادي سنوات الجمر والرصاص، وهذه هي نتيجة الإفلات من العقاب الذي كرسته هيئة الإنصاف والمصالحة حين فرضت على الضحايا عدم الكشف عن هوية جلاديهم.
ويكشف تقرير هيئة الانصاف والمصالحة التي كانت من مبادئه تجاوز ماضي الانتهاكات وعدم تكرارها ،ان ما وقع مع معتقلي حراك الريف قد يكون مجرد استنساخ لنفس التجربة بنفس الممارسات المهينة والقاسية واللانسانية “بسبب تجاوز استعمال السلطة أو الاستعمال غير المتناسب أو المفرط للقوة من قبل السلطات العمومية بمناسبة مواجهة أحداث اجتماعية، أو نتيجة التعرض للتعذيب وسوء المعاملة .
وقد مكن تحليل المعطيات التي تضمنتها الملفات المعروضة على الهيئة، وكذا الشهادات الشفوية المقدمة خلال جلسات الاستماع العمومية والمغلقة المنظمة بمقرها، من الوقوف على طرق مختلفة مورست بشكل منهجي لتعذيب المعتقلين قصد انتزاع اعترافات منهم أو معاقبتهم. كما مكنت المقارنات المجراة بين الأوصاف المقدمة من قبل الضحايا من التوصل إلى الخلاصات التالية:
• تنوع أساليب التعذيب المتبعة حسب طبيعتها من حيث كونها تستهدف إيقاع إما ألم مادي أو معنوي أو هما معا؛
• من بين الأشكال المتبعة لإيقاع الألم الجسدي يمكن ذكر:
” التعلاق”[ حيث يتم رفع الضحية إلى أعلى وتكون أطرافه الأربع مكبلة في وضعية تحدث آلاما مبرحة] المصحوب بالضرب على الرجلين وأجزاء أخرى من البدن؛
الكي بواسطة السجائر؛
اقتلاع الأظافر؛
الإرغام على شرب مواد ملوثة؛
الإرغام على الجلوس على قنينة؛
وبالإضافة إلى الضرر النفسي والألم الجسدي المترتبين عن ذلك، فقد تسببت هذه الأساليب في بعض الحالات في إصابات خطيرة نتجت عنها مخلفات نفسية وعاهات مستديمة، بل أدت خطورة التعذيب الممارس إلى الوفاة في حالات معينة. ومن بين الأشكال المتبعة لإلحاق الأذى النفسي بالمعتقلين، رجالا ونساء، يمكن ذكر:
التهديد بالقتل؛
التهديد بالاغتصاب؛
السب والقذف واستعمال كافة الوسائل الأخرى التي من شأنها الحط من الكرامة؛
وضع أصفاد باليدين وعصابة على العينين قصد حجب الرؤية والمنع من الحركة؛
العزل عن العالم الخارجي وما ينتج عنه من إحساس بانعدام الأمان؛
الحرمان من النوم؛
المنع المطلق من الحديث مع باقي المعتقلين؛
تعذيب أحد أفراد العائلة أو الأقارب أو التهديد بذلك.
يمكن القول أن ممارسة التعذيب كانت الوسيلة المفضلة المعتمدة في الاستنطاق والتحقيق مع المعتقلين في القضايا ذات الصبغة السياسية، حيث لم يكن الهدف من وراء اللجوء إليه نزع الاعترافات فحسب، بل أيضا المعاقبة والانتقام والإذلال الجسدي والمعنوي للمتهمين. والجدير بالإشارة أن الرغبة في الحصول على الاعتراف بأية وسيلة والمزاجية وانعدام المهنية، تعتبر كلها عوامل ساعدت على توسيع نطاق ممارسة التعذيب ليشمل حتى الأشخاص المتابعين في جرائم الحق العام.
علاوة على مختلف أشكال التعذيب المذكورة، فإن معاناة النساء تكون أكثر حدة، حيث تتعرض خلال المرحلة السابقة للمتابعة القضائية، لأشكال خاصة من التعذيب. ويرجع ذلك إلى كون التعذيب الممارس على المرأة يتولى القيام به رجال دونما اعتبار لكرامة الضحية، حيث يفرض عليها أحيانا أن تبقى عارية أمام جلاديها وما يرافق ذلك من خطر الاغتصاب والتهديد به كهاجس وكفعل في بعض الأحيان. وتتضاعف معاناة النساء عندما يستعمل الحرمان من وسائل النظافة أثناء فترات الحيض كوسيلة للإمعان في تعذيبهن.
الحرمان من الحق في الحياة نتيجة الاستعمال المفرط وغير المتناسب للقوة العمومي”.
وفي الختام إن شعب الحراك أي الشعب المغربي بمختلف فئاته ينتظر ما سيؤول إليه كلام الملك، شعب كل يوم يصبح من خلال احتجاجاته في جميع ربوع المملكة هو كذلك صاحب الحل والعقد،لانه ليس هناك للشعب اكثر من كرامته.
عذراً التعليقات مغلقة