ثلاثَة مُؤشِّرات تُؤَكِّد أنّ الرَّد الرُّوسي السُّوري قد يَكون مُختَلِفًا جِدًّا هذهِ المَرّة على أيِّ عُدوانٍ أمريكيّ.. تَحميل ترامب للرئيس بوتين شَخصيًّا مَسؤوليّة هُجوم الغُوطة الكيميائي “إعلان حرب” ويُوحِي بِضَرباتٍ رُبّما تَستَهدِف العاصِمة السُّوريّة وقواعِد روسيّة في سورية.. والقَصْفْ الإسرائيلي لن يَمُر دُونَ رَد
تعيش المِنطقة العربيّة أجواء “حَربٍ ساخِنة” بالنَّظر إلى تصاعُد حِدّة التَّهديدات الأمريكيّة بِضَرباتٍ عَسكريّة انتقاميّة ضِد سورية، وضِد داعِميها الرُّوس في آن، ووصَل الأمر بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتَحميل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شَخصيًّا مَسؤوليّة الهُجوم الكيميائي المُفتَرض على الغُوطة الشرقيّة، ممّا يُرجِّح احتمال تَعرُّض القَواعِد والقُوّات الروسيّة في سورية لهُجومٍ أمريكيّ.
باتَ واضِحًا أنّ الرئيس ترامب لن يَكتَفي بالعُدوان الإسرائيلي الذي اسْتَهدف فجر اليوم الإثنين قاعِدة التيفور العَسكريّة السُّوريّة قُرب مَدينة حِمص، وأدّى إلى استشهاد 14 ضابِطًا وجُنديًّا سُوريًّا، وتَوعّد باتّخاذ قَرارٍ بِشأن الرَّد الأمريكي في غُضونِ 24 ساعة، وربّما تَنضَم فرنسا إلى هذا الهُجوم وِفقًا للتَّصريحات الرسميّة الأمريكيّة الفَرنسيّة.
لا أحد يستطيع أن يتكهّن أين سَيكون العُدوان الأمريكي الجَديد، ولكن يُمكِن الاستنتاج من خِلال اللَّهجة التصعيديّة للرئيس ترامب، أنّه لن يَقتَصِر على قاعِدة عسكريّة أو مطار جوّي سوري، بعد الغارة الإسرائيليّة، وربّما يَستهدِف مُنشآتٍ عسكريّة سوريّة روسيّة مُشتَركة في العاصِمة السُّوريّة دِمشق، الأمر الذي قَد يَستدعي رَدًّا روسيًّا قَويًّا.
***
ما يَجعلنا نُرجِّح هذا الرَّد الرُّوسي السُّوري المُشتَرك على أيِّ عُدوانٍ أمريكيّ فرنسيّ المُتوقّع عِدّة أُمور:
ـ الأوّل: نَجاح الدِّفاعات الجَويّة السوريّة في إسقاط خَمسة صواريخ، من أصل ثمانية، أطلقتها أربع طائِرات إسرائيليّة على قاعِدة “التيفور” العَسكريّة، ممّا يعني أن الجيش العربي السوري حَصَلَ على صَواريخٍ اعتراضيّة نوعيّة مُتطوِّرة من حَليفه الرُّوسي.
ـ الثّاني: تأكيد الجِنرال يوري شيفيتكين نائِب رئيس لجنة شُؤون الدِّفاع في البَرلمان الروسي، أنّه يَحِق لسورية تَوجيه ضربات ضِد القواعِد التي انطلقت مِنها الصَّواريخ الإسرائيليّة لضَرب مطار تيفور العسكري، وكذلك تَوجيه ضربات ضِد القَواعِد العَسكريّة داخِل الأراضي السوريّة، في إشارةٍ واضِحة إلى القواعِد الأمريكيّة العَسكريّة في مِنطقة التنف الحُدوديّة مع الأردن والعِراق، وكذلك في عَين العَرب، والقامِشلي، والرقّة، ومِنبج شمال غرب وشمال شرق سورية.
ـ الثّالث: إطلاق الطائِرات الإسرائيليّة الأربَع من القاذِفات “إف 15” الأمريكيّة الصُّنع صواريخَها ضِد قاعَدِة “التيفور” الجويّة السوريّة من الأجواء اللبنانيّة، أي أنّها، أو قِيادتها، تُدرِك جيّدًا أنّ احتمالات إسقاطها كبيرة جِدًّا في حالِ دُخولِها الأجواء السوريّة، ممّا يَعني احتمال امتلاك الجيش السوري صواريخ “إس 300” أو “إس 400” الروسيّة، وحَصَلَ على ضُوءٍ أخضرٍ روسيّ باستخدامها للتَّصدِّي لأيِّ طائِراتٍ حربيّة إسرائيليّة تَختَرِق الأجواء السوريّة.
الرئيس ترامب يَشعُر بالإهانة لهَزيمة مَشروعِه في سورية، ومِنطقة الشَّرق الأوسط عُمومًا لمَصلحة الخَصم الروسي، ويُريد أن يَرُد على هذهِ الإهانة بِضَربةٍ عسكريّةٍ يعتقد أنّها يُمكِن أن تُعيد الهَيبة لقُوّاته وحُلفائِه معًا، وهو من تَعهّد في حَملتِه الانتخابيّة الرئاسيّة أن يجعل من أمريكا دَولةً قويّة مُهابَة الجانِب، ولكن أي خُطوة مُتَهوِّرة من جانِبِه، خاصَّةً إذا أدّت إلى مَقتِل قُوّات روسيّة، قد تُشعِل مُواجَهةً مَفتوحة النِّهايات مع موسكو.
فعِندما يُلقي الرئيس ترامب بمَسؤوليّة الهُجوم الكيميائي في الغُوطة على الرئيس بوتين شَخصيًّا، ويُهدِّد بِتَدفيعِه ثَمنًا باهِظًا، فإنّ هذا “إعلان حرب” لن يَقِف الطَّرف الآخر مَكتوف الأيدي في مُواجَهَتِه، أو هكذا نَعتقِد بِناءً على مَعرِفَتنا لكِبرياء الرئيس الروسي، وحِرْصِه الحِفاظ على هَيْبَة بِلادِه، وقُدرَتِه على اتّخاذ القَرارات الصَّعبَة.
***
الرئيس ترامب يَتخبَّط، ويَلعَب بالنَّار في الوَقتِ نَفسِه، ويَجُر العالم إلى حَربٍ كونيّة مُصغَّرة، ربّما تَتوسّع إلى حَربٍ عالميّةٍ كُبرى لا يُريدها أحد غَيرُه.
لا نَستبعِد أن يكون الرئيس الأمريكي كان يُريد من العُدوان الإسرائيلي فَجر اليوم على سورية، الذي عَلِم بِه مُسبَقًا، وشارَكَ في التَّخطيط له، طُعمًا لاصْطِياد رد سوري أو روسي، يَكون مُبرِّرًا لتَدَخُّلٍ عَسكريٍّ أمريكيٍّ، تَحت ذَريعة حِماية الحَليف الإسرائيلي، ولكن حالة ضَبْطْ النَّفس في مُواجَهة هذا العُدوان أفْسَدَت عَليه خططه، ودَفَعَهُ الإحباط لتَصعيد لَهجَتِه التهديديّة.
نحن نعيش 48 ساعة في ذروة الصَّعوبة، والخُطورَة مَفتوحة على جَميع الاحتمالات، وكُلُّنا ثِقة أنّ أمريكا وحُلفاءها قَد يَدْفَعون ثَمَنًا باهِظًا أيضًا، خاصَّةً إسرائيل البادِئة بالعُدوان على سورية.
إنّها أجواء الحَرب.. ولكنّها لن تَكون حَربًا في طَريق من اتِّجاهٍ واحِد، ولا نَستبعِد مُفاجآتٍ عَديدة ووَشيكة.. والأيّام بَيْنَنَا.
عذراً التعليقات مغلقة