لقد عرفت العديد من المناطق ببلادنا في الأيام الأخيرة تساقطات مطرية مهمة كان الجميع يأملها وينتظرها أملا في موسم فلاحي جيد يدفع في اتجاه انفراج حياة الكثيرين ممن يعيشون من الأرض بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، إلا أن مجيئها كان مرة أخرى عنوانا لتعرية واقع بنياتنا التحتية وفضح استهانة مسؤولينا بالمواطن وحقوقه حيث قطعت مجموعة من الطرق الوطنية و الجهوية و انهارت العديد من القناطر وغرقت مناطق بأكملها في المياه و الأوحال بسبب فيضانات الوديان كما انهارت الكثير من المنازل و المحلات التجارية و جرفت السيارات وأتلفت العديد من الممتلكات مما خلق رعبا كبيرا وصدمة نفسية عميقة في أوساط الساكنة المتضررين لاسيما في منطقة الحوز و الجنوب الشرقي وبعض الأقاليم الصحراوية، رعب وصدمة بلغا أشدهما في جهة اكلميم بعد أن جرفت مياه واد تيمسورت حوالي 17 شخصا لفضوا أنفاسهم الأخيرة في مشهد تراجيدي صادم علقت فيه الجثث بين الصخور و الأشجار على ضفتي النهر، ليضطلع بعض السكان بعملية انتشال الجثامين التي نقلتها عناصر الوقاية المدنية بشاحنة مخصصة لنقل الأزبال في استهتار واضح بحرمة الموتى و بمشاعر ذويهم.
إن هذه الأحداث هي حلقة جديدة أكثر قتامة و سوداوية من مسلسل التهميش و التحقير الذي تهديه الدولة لأبناء الشعب المغربي و لاسيما اللذين ينتمون إلى منطقة”المغرب غير النافع” الذي استنزفت الدولة ثرواته ونهبت أراضيه ولوثت مياهه وأجوائه وسرقت تاريخه و بطولاته ، وأخطأته مقابل ذلك مشاريعها التنموية، فكان قدره وقدر سكانه أن يعيشوا على إيقاع الإقصاء و التفقير و الغرق في أوحال الاغتراب على أرضه في ظل تجريدهم من الحقوق الأساسية في الملكية وفي العيش الكريم وحتى في حق الحياة الذي انتهك في أبشع صورة من طرف دولة اعتادت تسيير البلاد بشعارات جوفاء لا تجد لها امتدادا في الواقع المعاش للمغاربة، فالحكامة تقتضي أن تصان حياة الناس وممتلكاتهم المادية و الرمزية قبل كل شيء، و التقسيم العادل للثروات يقتضي أن تستفيد من الثروات التي تستخرج من البر و الماء، و الديمقراطية و المساواة تقتضي أن يكون المغرب دولة لكل مواطنيه وليس لبعض مواطنيه وتقتضي أن لا يجد مصطلح المغرب غير النافع مكانا له في سياسات المدبرين للشأن العام، والإنصاف والمصالحة وخطاب حقوق الإنسان يقتضي تغيير العقليات وتحسين الأوضاع، وربط المسؤولية بالمحاسبة يقتضي محاسبة هؤلاء اللذين قصروا في واجباتهم و نهبوا المال العام و استهتروا بحياة و ممتلكات المواطنين واغتصبوا حقوقهم على جميع المستويات، فلا قيمة لكل هذه المفاهيم ما دامت مجرد شعارات لا تدب فيها الحياة لأن المغاربة يحتاجون إلى تشخيص أمين لواقعهم وحلول جذرية لمشاكلهم وليس إلى خطابات رنانة تهدف إلى تجميل الصورة.
إن ما وقع في العديد من مناطق المغرب التي تسببت فيها التساقطات المطرية الأخيرة في فيضانات كانت للأسف جد مكلفة للسكان اللذين دفعوا أرواحهم وأرواح عائلاتهم وممتلكاتهم ثمنا لأخطاء لم يقترفوها، في الوقت الذي لا زال مرتكبوها الحقيقيين مرابطين في مكاتبهم المريحة والمكيفة دون حسيب و لا رقيب، إن هذه الفيضانات تؤكد جدية معضلة التغييرات المناخية التي يعيشها كوكبنا التي تؤدي ومن شأنها أن تؤدي إلى مخاطر بيئية كبيرة ، حيث أكدت كل الهيئات الدولية التي تهتم بالموضوع كاللجنة الدولية المعنية بتغيير المناخ ومنظمة الصحة العالمية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة السلام الأخضر وغيرها أن التغييرات المناخية التي يعرفها العالم سيكون لها آثار سلبية خطيرة على البيئة و الإنسان كانتشار الأوبئة وتلوث المياه وتقليص المحاصيل الزراعية و الانتاجات البحرية، و الكوارث الطبيعية كالفيضانات و الزلازل، في الوقت الذي لازالت فيه الدولة المغربية لم تنخرط كما يجب في هذه الدينامية العالمية رغم كونها معنية بشكل مباشر بالإشكالات التي تطرحها ولعل ما وقع اليوم يؤكد كل ذلك.
في هذا السياق نعلن في منضمة تاماينوت ما يلي:
1/ تضامننا المطلق مع شهداء جهة أكلميم ومع كل ضحايا الفيضانات التي عرفتها البلاد.
2/ تنديدنا باسترخاص مسؤولي الدولة لحياة المواطنين و الاستهتار بكرامتهم.
3/ تنديدنا باستمرار سياسة المغرب النافع و المغرب غير النافع.
4/ مطالبتنا بالتدخل الفوري من أجل تعويض الضحايا ومحاسبة كل المقصرين والمتنصلين من مسؤولياتهم، واتخاد كافة التدابير التي من شأنها الحيلولة دون تكرار هذه المأساة.
5/ تأكيدنا على حق كل المواطنين في التنمية و العدالة الاجتماعية و الحياة الكريمة.
6/ دعوتنا الدولة المغربية إلى الانخراط الفعلي في الحركة العالمية للتغييرات المناخية لما لهذه الأخيرة من أهمية في مستقبل كوكب الأرض ككل.
عن مكتب المنظمة
عذراً التعليقات مغلقة