تحظر السلطات في جمهورية شمال قبرص رسميا الدعارة، لكن الواقع يبدو مختلفا عما هو عليه في نصوص القانون، فأكثر من أربعين بيتا للدعارة تنتشر في الشطر التركي من الجزيرة على مرأى من السلطات، وأغلب العاملات فيها هن ضحايا للاستغلال الجنسي.
ويشكل أصحاب الملاهي الليلية ودور البغاء مجموعة ضغط نافذة في هذه الجمهورية. ففي “جمهورية شمال قبرص التركية” التي لا يعترف بها المجتمع الدولي وتحظى فقط بدعم تركيا، تنتشر عشرات من الكاباريهات تحت مراقبة السلطات، وفيها تعمل مئات الشابات الأجنبيات بصفة “كونسوماتريس” (مضيفة باللغة التركية).
ومع أن هؤلاء الشابات يخضعن دوريا لفحوص مرض الإيدز، إلا أن السلطات لا تقر بأنهن يعملن في الدعارة وأن كثيرات مهن وقعن ضحية الاتجار بالبشر.
من مولدافيا والمغرب وأوكرانيا :
تشير الأرقام الرسمية إلى منح 1168 تأشيرة عمل لمضيفات بين أبريل 2014 و يناير 2015، أكثر من نصفهن من مولدافيا، والباقيات من المغرب وأوكرانيا ودول أخرى.
أمام أحد المستشفيات، تقف سيارة ليموزين بيضاء اللون، ومنها تنزل شابات يعملن في الملاهي الليلية، للخضوع دوريا لفحوص الإيدز. وفي أروقة هذا المستشفى جرت أمور تشي بما لا تتحدث عنه السلطات.
ففي يونيو الماضي قفزت شابة من الطابق الرابع محاولة الهرب بعدما أدركت أنها لم تستقدم إلى شمال قبرص للعمل كنادلة كما ظنت، بل لتعمل مومسا.
وتقول شابة مغربية “أنا هنا منذ شهر، جواز سفري محجوز لدى رجال الشرطة”، قبل أن يطلب منها السكوت. ويقول عناصر من الشرطة إن الهدف من حجز جوازات السفر هو “حماية” الشابات أثناء إقامتهن في البلد. وترفع النائبة “دوغوس ديريا” الصوت إزاء ما يجري وتقول “الشابات يتعرضن للاستعباد الجنسي في هذه الملاهي، كل الناس يعرفون ذلك، لكن لا أحد يفعل أي شيء”.
استعباد جنسي!:
وتضيف “في معظم الحالات لا تتقاضى الشابات رواتب، بل يعطين مبالغ مالية حين يغادرن لا تتجاوز نصف الأجر المتفق عليه مسبقا، لإجبارهن على العودة إن أردن تحصيل حقوقهن”.
وبحسب النائبة، فإن الشابات يتحملن على نفقاتهن الخاصة تكاليف الملابس والدواء. وتأسف لكون “الاتجار بالبشر سهل هنا”. في يناير من العام 2014، ناصرت ديريا تعديلات قانونية أقرها برلمان شمال قبرص تجرم الاستغلال الجنسي وتفرض عقوبة السجن سبع سنوات على من يجبرون الفتيات على البغاء.
لكن منظمات حقوقية تؤكد أن الملاحقات القانونية تستهدف المومسات ومشغليهن، وتنتهي غالبا باتفاق أمام المحكمة يقضي بتخلي الشابة عن حقها في ملاحقة من أجبرها على البغاء مقابل إسقاط التهم عنها.
وتشير المنظمات إلى الواقع الصعب الذي تعيشه هؤلاء الفتيات، ففي ظل عدم وجود مراكز لرعاية ضحايا الاستغلال الجنسي، يبقين دون عمل ودون مال طول مدة المحاكمة، وغالبا ما تنتهي بهن الأمور مجددا في ملهى ليلي.
نفوذ أصحاب دور الدعارة!:
ويشكل أصحاب الملاهي الليلية ودور البغاء مجموعة ضغط نافذة إذ أن أعمالهم تشكل مصدرا مهما للدخل في هذا البلد المعزول منذ تشكله إثر اجتياح الجيش التركي لشمال قبرص في العام 1974.
وبحسب وزارة الداخلية شمال قبرص، فإن عائدات الضرائب المتأتية من الملاهي الليلية تصل إلى 2,4 مليون يورو. أما في الشطر الجنوبي من الجزيرة، فإن الصورة تبدو أفضل، فقد ألغت سلطات الجمهورية القبرصية في العام 2008 تأشيرات العمل التي تعطى للمومسات صفة “فنانات”، وتعمل منذ ذلك الحين على تدريب الشرطة لمواجهة الاتجار السري بالفتيات.
لكن كل ذلك لم ينجح في القضاء على هذه الظاهرة تماما، الأمر الذي جعل من قبرص الدولة الأوروبية الوحيدة التي تتهمها واشنطن بأنها لا تبذل ما يكفي من الجهود للقضاء على الاتجار بالبشر.
ويرى بعض المراقبين أن توحيد شطري الجزيرة من شأنه أن يحسن الأوضاع في الشمال، لأن الضغط الدولي حاليا قليل التأثير على بلد غير معترف به دوليا. أما في حال التوحيد، فإن الالتزامات الدولية ستكون مفروضة على شمال الجزيرة كما على جنوبها.
عذراً التعليقات مغلقة