أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، ضمن تقرير حديث لها، أنه “يجب على الملك محمد السادس الضغط لإجراء تحقيقات فعّالة في مزاعم تعذيب الشرطة المغربية لمتظاهري “حراك” الريف. على عكس ذلك، يظهر أن الملك – في خطاب إلى الأمة يوم 29 يوليوز بمناسبة عيد العرش – عمد إلى تبييض تعامل الشرطة مع اضطرابات الحسيمة، المدينة الأساسية بمنطقة الريف، قائلا إن قوات الأمن أظهرت “ضبط النفس والتزاما بالقانون”.
وذكرت المنظمة في ذات التقرير الذي توصل به “بديل”، أن “تعليقات الملك تجاهلت تقارير لأطباء شرعيين فحصوا مجموعة من المحتجزين الذين أوقفوا بسبب مظاهرات الريف، ووجدوا إصابات قالوا إنها متطابقة مع شهادات المحتجزين على عنف الشرطة. الأطباء الذين فحصوا المحتجزين بناء على طلب من “المجلس الوطني لحقوق الإنسان”، أشاروا أيضا إلى أن عددا مهما من المحتجزين قالوا إن الشرطة أجبرتهم على توقيع محاضر الاستماع إليهم دون قراءتها. يقضي حاليا العديد منهم أحكاما بالسجن، فيما ما زال بعضهم في مرحلة الحبس على ذمة المحاكمة”.
وفي هذا الصدد، قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “إن إشادة الملك اللامشروطة بقوات الأمن، رغم الادعاءات ضدها، ستؤدي فقط إلى تكريس الاعتقاد بأن من يسيء إلى المحتجزين لن يواجه أي عواقب”.
وذكر التقرير أ”نالسلطات تسامحت مع العديد من مظاهرات الحراك، غير أنها حظرت مظاهرة كبرى كانت مقررة ليوم 20 يوليو/تموز في الحسيمة، واستخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق من حاولوا تحدي الحظر. كانت المظاهرات سلمية، مع بعض الاستثناءات التي لم يزد أغلبها عن إلقاء الحجارة. وقعت وفاة واحدة: عماد العتابي من الحسيمة، الذي تعرض لإصابة قاتلة في 20 يوليو/تموز في ظروف وعدت السلطات بالتحقيق فيها. قالت “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”، وهي منظمة مستقلة، إن الشرطة أطلقت عبوة غاز أصابت العتابي في رأسه، مما نتج عن قتله.
وفي أواخر مايو، بعد 7 أشهر من المظاهرات، يضيف التقرير “بدأت السلطات في قمع واعتقال المتظاهرين. طبقا لمصادر مطلعة، هناك حاليا 216 متظاهرا وراء القضبان، بينهم 47 في سجن عكاشة بالدار البيضاء، على ذمة المحاكمة، و169 آخرين في سجن الحسيمة الإقليمي، وقد أدين بعضهم وينتظر بعضهم الآخر المحاكمة أو استئناف الأحكام”.
أشار التقرير إلى ان ” وسائل إعلام مغربية نشرت في 3 يوليوز نسخة مسربة من التقارير الطبية التي أشارت إلى انتهاكات خطيرة من الشرطة بحق المتظاهرين المحتجزين. قال المجلس الوطني، الذي كلّف أطباء شرعيين بارزين بتحضير هذه التقارير، إنها ليست نهائية، ومن ثم فهي غير رسمية. لكن في اليوم التالي، أعلن وزير العدل محمد أوجار أنه أمر بإرسال نسخ إلى وكلاء الملك (الادعاء) في محاكم الحسيمة والدار البيضاء، التي تُحاكم هؤلاء المدعى عليهم، و”ضم هذه التقارير إلى ملفات القضية… [واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة”.
وفي 14 يونيو، أدانت محكمة ابتدائية في الحسيمة جميع المدعى عليهم الـ 32 في محاكمة جماعية لمظاهرات الريف، بينهم 11 رجلا ممن فحصهم الأطباء الشرعيون. ضمت الاتهامات إهانة رجال القوة العمومية والاعتداء عليهم بدنيا، التمرد المسلح، وتدمير ممتلكات عامة (الفصول 263، 267، 300 إلى 303، و595 من القانون الجنائي المغربي). حكمت المحكمة بالسجن 18 شهرا على 25 متهما وعلّقت تنفيذ أحكام الآخرين. اطلعت هيومن رايتس ووتش على الأحكام. أيّدت محكمة استئناف الإدانات في 18 يوليو/تموز – بعد توفر تقارير الأطباء – لكنها خفضت مدة الحبس، ولا تتوفر بعد أحكامها المكتوبة.
وقالت “هيومن رايتس ووتش”، إنها غطت “أيضا ادعاءات العنف أثناء اعتقال قائد الحراك ناصر الزفزافي، وهو محتجز على ذمة المحاكمة في الدار البيضاء؛ القوة المفرطة المستخدمة في فض اعتصام سلمي في الرباط دعما للحراك؛ وحبس صحفي بارز بعدما انتقد حظر مظاهرة 20 يوليو/تموز”.
“وفي 29 يوليوز، عشية عيد العرش، أمر الملك محمد السادس بالعفو عن 1178 سجينا بينهم 42 عضوا بالحراك، لكن لم تكن بينهم المجموعة التي حكمت عليها محكمة الحسيمة أو من فحصهم الأطباء الشرعيون”، تقول المنظمة، وتضيف “أنه بموجب المسطرة الجنائية المغربية، لا يُسمح بقبول أقوال تعدها الشرطة كأدلة إذا كانت قد انتُزعت بالإكراه أو العنف. لكن في الواقع، عادة ما تقبل المحاكم “اعترافات” مشكوك في صحتها، وتبني أحكامها عليها، دون فتح تحقيقات في مزاعم التعذيب أو سوء المعاملة. قالت هيومن رايتس ووتش إن هذا النهج الخاص بتجاهل مزاعم التعذيب وانتهاكات الشرطة يعززه دعم الملك لقوات الأمن التي تعاملت مع مظاهرات الريف رغم نقص التحقيقات في هذه الادعاءات”.
وفي ذات السياق قالت ويتسن: “إن الملك محمد السادس قال في عيد العرش إن ´من حق المغاربة، بل من واجبهم، أن يفتخروا بأمنهم´. ألن يكون المغاربة أكثر افتخارا إذا فُتحت تحقيقات جادة في ادعاءات انتهاكات الشرطة، وإذا رفضت المحاكم الإدانة بناء على اعترافات مشبوهة؟”.
وذكرت المنظمة أيضا أن رفض المحكمة الأمر بفحوصات شرعية للمدعى عليهم الذين زعموا التعرّض للتعذيب يبدو غير منسجم مع التزامات المغرب بموجب “اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” (اتفاقية مناهضة التعذيب). حيث أظهر التقرير الطبي الذي أُعد بصفة منفصلة للمحاكمة من قبل المجلس الوطني – حرره طبيبان شرعيان بارزان – أن هذه الفحوصات من شأنها تقديم أدلة قوية عن مصداقية ادعاءات المدعى عليهم.
وأكدت “رايتس ووتش”، على أن “الأقوال التي نسبتها الشرطة إلى المدعى عليهم الـ 32 تشمل اعترافات بأنهم رشقوا قوات الشرطة في 26 مايو/أيار بالحجارة ولبنات البناء، لمنعها من اعتقال زعيم الحراك ناصر الزفزافي، أثناء حديثه إلى المتظاهرين من فوق سطح منزل والديه في الحسيمة. في فيديو لهذه الكلمة، طلب الزفزافي مرات عديدة من المتظاهرين بـ”السلمية”. طبقا لمحاضر استماع الشرطة لـ 18 من المدعى عليهم على الأقل، كانت عبارة “السلمية” في واقع الأمر كلمة سر اتفق عليها الزفزافي مسبقا مع مؤيديه، تشير إلى الأمر بالهجوم على الشرطة بعنف. جميع المدعى عليهم الذين استجوبهم القاضي حول هذا الزعم أنكروا بقوة وجود أية كلمة سر، وشددوا على أن ليس لـ “السلمية” أي معنى سوى السلمية”.
ويضيف التقرير أيضا أن ” جميع المعتقلين الـ 32 تراجعوا عن أقوالهم للشرطة أمام وكيل الملك أو أمام القاضي، وأنكروا رميهم الحجارة أو اللجوء إلى أي من أشكال العنف ضد قوات الأمن. 25 منهم على الأقل قالوا إنه لم يُسمح لهم بقراءة محاضر الاستماع إليهم من طرف الشرطة قبل أن يُضغط عليهم لتوقيعها تحت التهديد، بما في ذلك التهديد بالعنف الجنسي في بعض الحالات. قال العديد منهم إنهم هُددوا بـ “النقل إلى الدار البيضاء”، ما يعني مواجهة اتهامات أخطر، منها الإرهاب والإضرار بالأمن الداخلي للدولة، وهي جريمة يُعاقب عليها بالإعدام. فيما رفض قلة من المدعى عليهم توقيع أقوالهم، فقد وقعت الغالبية العظمى على محاضر الاستماع. طلب فريق الدفاع من المحكمة إعلان بطلان المحاضر لكونها وُقِّعت تحت الإكراه. رفضت المحكمة الطلب، قائلة أن تهديد المشتبهين بالنقل إلى مدينة أخرى ليس تهديدا ذا مصداقية، بما أن النقل هذا ليس من صلاحيات الشرطة. كما ذكرت المحكمة أن كون بعض المحتجزين رفضوا توقيع المحاضر أقوالهم رغم زعمهم بالإكراه، يبرر رفض جميع مزاعم الإكراه”.
“فحكمت المحكمة الابتدائية على 25 من المدعى عليهم الـ 32 بالسجن 18 شهرا بناء على اتهامات بـ “العصيان المسلح” ومهاجمة قوات الشرطة. حُكم على السبعة الآخرين بالحبس بين شهرين و6 أشهر مع وقف التنفيذ، وغرامة”، يردف التقرير الذي يوورد ايضا، “أصدرت المحكمة الابتدائية حُكمها قبل إتمام صياغة تقارير الأطباء التي كلفهم بها المجلس الوطني، وهي التقارير التي أشارت إلى تعرض بعض المدعى عليهم للعنف. لكن هذه التقارير توفرت لمحكمة استئناف الحسيمة وقت نظرها في القضية. أمر وزير العدل محمد أوجار في 4 يوليو/تموز بتقديم هذه التقارير الطبية إلى المحاكم، ووافق قاضي الاستئناف على قبولها ضمن الأدلة، على حد قول المحامي عبد المجيد أزرياح لـ هيومن رايتس ووتش”.
لكن في 18 يوليوز، تستدرك المنظمة “أيدت محكمة الاستئناف الإدانات، وإن خففت الأحكام على الـ 25 الذين حُكم عليهم بالسجن 18 شهرا إلى 7 أشهر. نظرا لعدم توفر الحُكم المُحرر بعد، فليس من الممكن معرفة حيثيات إدانة محكمة الاستئناف للمدعى عليهم، أو كيف نظرت في أمر التقارير الطبية الصادرة عن المجلس الوطني والتي تُظهر ممارسة الشرطة أذى بدني وتعزز صحة المزاعم بأن الاعترافات كانت بالإكراه”.
واوردت المنظنة في تقريرها معطيات صادمة وخطيرة، تتعلق بتعذب معتقللي حراك الريف حيث جاء في الوثيقة (التقرير، ” قال 25 من أصل 34 معتقلا للطبيبين إن رجال الشرطة الذين اعتقلوهم ضربوهم، بقسوة في بعض الحالات، وصفعوهم ولكموهم على وجوههم، وركلوهم، وضربوهم بالهراوات وخوذات الشرطة وأجهزة الاتصال اللاسلكي، ودباسة، سواء على الرأس أو على أجزاء أخرى من الجسم. قال سجينان على الأقل إن رجال الشرطة وضعوا ممساحا (“جفاف”) قذرا على أفواههم. قال أحدهم إن ضابط شرطة نزع شعرا من لحيته وهدده بحرق لحيته وهو يشعل ولاعة سجائر بالقرب من وجهه. قال الطبيب الذي فحصه إن التهابات على ذقنه تؤكد روايته”.
واضاف المصدر ذاتها “قال العديد من السجناء إن بعض ضباط الشرطة غطوا عدسات كاميرات المراقبة في مقر شرطة الحسيمة قبل ضربهم أو زملائهم المعتقلين. قال أحد السجناء إن الضباط أخذوه إلى الحمام، ونزعوا قميصه وقيدوا به قدميه، وضربوه على باطن قدميه. كلهم تقريبا قالوا إن الضباط وجهوا إليهم وإلى أقاربهم إهانات مبتذلة. قال سجين آخر للقاضي أثناء محاكمته إن ضابط شرطة أشهر سكينا في وجهه”.
وتقول المنظمة أنه “وفقا لتقارير المجلس الوطني، وكذلك حكم المحكمة، حدد ما لا يقل عن 16 معتقلا ضابط شرطة في الحسيمة معيّن باسمه الأول، كمسؤول عن الضرب العنيف، والإهانات، والتهديدات المتكررة، بما في ذلك التهديد بالاغتصاب، والاعتداء الجنسي على المعتقلين وعلى أقاربهم الإناث. أوصى أحد الأطباء “بالتحقيق العاجل والدقيق في أعمال ضابط الشرطة” الذي حددوا اسمه، بسبب تراكم الاتهامات الموجهة إليه. لا يُعرف ما إذا كانت السلطات القضائية قد فتحت تحقيقا في هذه الادعاءات”.
ومن بين الاستنتاجات التي توصل إليها أحد الأطباء في التقارير، بحسب المنظمة الحقوقية الدولية، “كون الشهادات التي وردت من المعتقلين بشأن استخدام التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة أثناء اعتقالهم واحتجازهم في مقر شرطة الحسيمة هي، ككل، ذات مصداقية بحكم انسجامها، وتماسكها، ووجود أعراض جسدية ونفسية، وأحيانا آثار جسدية جد متطابقة مع الاعتداء المزعوم… تقدم الروايات نمطا من الأحداث المبلغ عنها، والتي، إن تأكدت، تنطوي على مجموعة من الأفعال التي تشكل أعمال تعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة وانتهاكات للضمانات الدستورية والتشريعية التي ينبغي أن يتمتع بها أي شخص اعتقل أو احتجز”.
وشددت المنظمة على أن “الطبيبين المعنيين دعيا السلطات القضائية إلى التحقيق في هذه الادعاءات، وأوصيا بالرعاية الطبية والنفسية لكثير من المحتجزين الذين فحصوهما”.
التقرير كاملا:
https://www.hrw.org/ar/news/2017/09/05/308453
عذراً التعليقات مغلقة