قبل أيام، اندلعت مواجهات عنيفة ومخجلة بين مهاجرين أفارقة وشباب مغاربة من منطقة درب الكبير بمحيط محطة أولاد زيان بمدينة الدار البيضاء، صاحبتها مظاهر ومشاهد من الفوضى والتصرفات الغير المقبولة.
وجدير بالذكر أن مواجهات كثيرة بين شباب مغاربة وأفارقة سبق أن اندلعت لأسباب عديدة، كانت آخرها مواجهات بالرباط وطنجة، حيث خرجت الأمور عن السيطرة بعد تصاعد الاشتباكات بين سكان محليين وعشرات من المهاجرين الأفارقة .
ولن أعود هنا إلى السبب في المواجهات ومن هو البادئ، ومن استفز الآخر، … ومن هو الملاك، ومن هو الشيطان، .. فهذا ليس بيت القصيد.
لكنني واثق بأن الأسباب كثيرة وموضوعية. لكنني أتساءل اليوم حول التوجس في شخص المهاجرين الأجانب، مثلهم مثل كل شخص يعيش في تربة ليست تربة بلاده، والذين كلما أصبحوا “ظاهرين” و “مرئيين” و”جليين” بالشوارع و في المجال العمومي في بلدان الاستقبال .. وأضحوا أقل تكتما مما سبق، إلا وبدأت مظاهر التقزز والتخويف من الأجانب تظهر أنفها بخجل، ولكن بإصرار، لتمتحن إنسانيتنا كمجتمع منفتح ومتسامح.
ولن أجتر كلاما أرهقته أبواق الدعاية العنصرية في الدول الغربية القريبة منا، والتي تقول ب تجاوز عتبة التسامح (dépassement du seuil de tolérance)، وهي عتبة وهمية تتلاعب بمؤشراتها العقول السياسية الصغيرة لتكريس الشعبوية والاستخفاف بذكاء الجماهير.
وحذار من أن تتخذ هذه الدرائع مطية للاستغلال والمساس بكرامة بني البشر.
وحقيقة الأمر أن المغرب دولة هجرة ودولة استقبال وعبور. وقد انخرط في خانة الدول المعنية بعولمة التنقلات البشرية.ويستقبل اليوم عشرات الآلاف من المهاجرين من مختلف الأقطار والثقافات والجنسيات. وهي بدون شك طاقات قادرة على خلق الثروة وإغناء المجتمع المتعدد والمتنوع. فلا مجال هنا للتهويل.
إن مجتمعنا، مثله مثل مختلف المجتمعات المعاصرة، يواجه العديد من التحديات ذات البعد القيمي والأخلاقي، والتي تسائلنا حول التحولات التي تمس المبادئ التي نشأنا وتربينا عليها.
ومن هذه التحديات التي يجب التصدي لها وعدم التساهل أو التسامح معها هي إثارة النعرات ذات النزعة العنصرية، أو يفهم منها ذلك، والتي بدأت تتغلغل وتتجذر بشكل متزايد في أوساط الشباب والمراهقين وعموم المواطنين، وتنتشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي وتستأجر أبواق بعض الصحف الالكترونية التي تأجج مبدأ التفاخر والاستعلاء على الغير.
فثقافتنا الأصيلة وقيمنا ما فتئت تؤكد على الكرامة الإنسانية، حيث قال تعالى في سورة الإسراء ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ”. وبالتالي، فترسيخ مفهوم الكرامة و العزة وجعلها حقا أصيلا لكل إنسان حملته قساوة العيش ومشاق البر والبحر إلى بيتنا المشترك، بغض النظر عن لونه أو جنسه أو دينه أو لغته أو عرقه، هي من مقومات ديننا الحنيف. وكان ذلك أمرا مسلما به حتى قبل إبرام الاتفاقيات الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري وتقوى وتعزز بقيام ميثاق الأمم المتحدة على مبدأي كرامة جميع البشر واعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي ينص على أن البشر يولدون أحراراً سواسية في الكرامة والحقوق .
والدرس الذي علينا أن نستوعبه من هذه الأحداث المتفرقة والمتكررة هو أننا نحتاج حقا إلى تنشئة جيل واعٍ بخطورة هذا الداء المجتمعي عبر برامج نوعية في المدارس والجامعات ومحاربة الصور النمطية والخطابات السلبية حول الهجرة وتفكيكها؛ ونشر الثقافة الحقوقية في المجتمع عبر وسائط التنشئة الاجتماعية وجمعيات المجتمع المدني.
وعلى الدولة المغربية أن تشدد على أهمية وجود نظام رسمي يجرم التمييز العنصري بكافة أنواعه وأشكاله، وأن تعتمد سياسة للهجرة واللجوء تحرص على حفظ كرامة المهاجرين.
ولأن دولة المغرب، دولة هجرة قديمة يوجد اليوم أزيد من 4 مليون من مواطنيها في المهجر، (أي ما يفوق 10 % من المغاربة)، فلا يحق لها البتة بمؤسساتها وبنخبها وبشعبها الكريم أن تسقط في فخ العنصرية والتعصب. لأن أبناءها في المهجر، مثلهم مثل المهاجرين الأفارقة ببلادنا، قد يصبحون اليوم أو غدا عرضة لمظاهر العنصرية والإقصاء الاقتصادي والاجتماعي أو ضحية الاسلاموفوبيا، وقد يعانون من تبعات خطاب عنصري بدأ خجولا وأضحى عدوانيا وجريئا أكثر فأكثر في العقود الأخيرة..
والحال أن دوام الحال من المحال، وقد يتغير حال من استصغرناهم اليوم، ليصبحوا غدا أفضل حالا منا. وقد تنكسر أمواج حلمنا الإفريقي على صخور الكراهية والعنصرية. فنحن بحاجة إلى محاورة الذات قبل الانفتاح على الآخر، حتى نعي أن التكبر والعجرفة والتباهي واستصغار الآخر ضعف وانحراف أخلاقي لا يثمر سوى الكراهية والظلم.
إن العنصرية والتعصب.. خطر يهدد القيم والأخلاق، ويتغذى من الهشاشة. لذلك، فبناء دولة قوية تسود فيها العدالة والمساواة وحقوق الإنسان وتكافئ الفرص هو الحصانة المجتمعية الحقيقية ضد كل انحراف من هذا القبيل.
عبد اللطيف أعمو
عذراً التعليقات مغلقة