نرى ان الوضع الحالي الذي يفرضه انتشار فيروس كورونا المستجد على الوضع الاقتصادي ليس فقط على بلادنا و انما على مستوى العالم بآسره، يتطابق و شروط القوة القاهرة التي تحل المتعاقدين من شروط التعاقد لاستحالة تنفيذها.
وقد وضع المشرع المغربي الاطار العام لمفهوم القوة القاهرة ضمن ظهير الالتزامات و العقود حيث جاء في الفصل 269 منه ان ” القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.
ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.
وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين”.
هذا التعريف يكاد يتطابق مع تعريف الفقيه الروماني Ulpien الذي اعتبر ان القوة القاهرة هي كل ما لم يكن في وسع الادراك الادمي ان يتوقعه، و اذا امكن توقعه فانه لا يمكن مقاومته.
و من خلال ما سبق يستشف ان جائحة كورونا تنطبق عليها كل الشروط التي اشترطها المشرع في الفعل حتى يمكن معه اعتباره قوة قاهرة، ذلك انه اشترط في الحادث حتى يتسنى اعتباره قوة قاهرة و بالتالي الاعفاء من المسؤولية ان يكون غير متوقع و لا يخطر في الحسبان حصول مثله عند وقوع الفعل الضار، بمعنى ان يكون هذا الحادث نادر الوقوع (الفيضانات، الزلازل، الاوبئة…)، واشترط كذلك استحالة دفع الضرر الناتج عن القوة القاهرة حيث انه لا يمكن للمدين دفع وقوعه و لا تلافيه، كما انه لا يمكنه التغلب على نتائج الحادث عقب وقوعه فلا يستطيع المدين التخلص من تلك النتائج ويتعين ان تكون هذه الاستحالة مطلقة، اما بالنسبة للشرط الاخير فانه يتجلى في عدم وجود خطا من جانب المدين .
و تأسيسا على ذلك و في ظل التذابير الاحترازية التي اتخذتها الدولة لمواجهة هذا الوضع الاستثنائي المتعلق بظهور فيروس كورونا المستجد من اغلاق مجموعة من المحلات التجارية (المقاهي، قاعة الحفلات، الحمامات، الفنادق…)، نعتقد بانه يمكن للمكتري اللجوء الى القضاء قصد المطالبة بإعفائه من اداء الوجيبة الكرائية باعتبار ان الاصل يتجلى في كون المكتري ملزم بالأداء مقابل الانتفاع، بالإضافة الى ان السبب الذي حال دون انتفاعه من العين المكتراة راجع الى انتشار جائحة كورونا المستجد و التي تعتبر كارثة تنطلي عليها جميع شروط القوة القاهرة المنصوص عليها في الفصل 269 من ظهير الالتزامات و العقود.
و في هذا الاطار تجدر الاشارة الى ان اعفاء المكتري من اداء السومة الكرائية طيلة مدة بقاء هذه الجائحة يبقى خاضع للسلطة التقديرية للمحكمة، ذلك انه يمكن ان يكون هناك اعفاء كلي من اداء السومة الكرائية بالنسبة لمكتري المحل التجاري او الحرفي او المهني، باعتبار ان المكتري في هذه الحالة لم ينتفع بالعين المكتراة بسبب هذه الجائحة التي تعتبر كارثة تنطبق عليها شروط القوة القاهرة كما سبق الاشارة لذلك.
اما بخصوص المحلات السكنية ممكن ان يكون يكون فيها الاعفاء جزئيا خاصة الحالة التي يعتمد فيها دخل المكتري على ممارسة نشاط تجاري او حرفي تم توقيفه من طرف السلطات و منع من ممارسته بسبب انتشار هذه الجائحة.
و تجدر الاشارة في هذا الصدد الى انه و لئن كان المشرع المغربي قد خول للمكتري متى توفرت شروط القوة القاهرة اللجوء الى القضاء قصد المطالبة بالاعفاء الكلي او الجزئي من المسؤولية، فانه يشترط عليه ان لا يكون في حالة مطل قبل تحقق القوة القاهرة، بمعنى ان المكتري الذي لم يقم بأداء الواجبات الكرائية المتخذة في ذمته بعد مطالبته بها من طرف المكري بإحدى الطرق المنصوص عليها قانونا و اصبح في حالة مطل قبل تحقق شروط القوة القاهرة لا يمكن له الاستفادة من هذا الإعفاء و هذا ما يستشف بإعمال مفهوم المخالفة لمقتضيات الفصل 355 من ظهير الالتزامات و العقود التي جاء فيها “…وقبل ان يصير في حالة مطل”.
وعطفا على ما تم بسطه اعلاه يمكن القول بان أن فيروس كورونا يعتبر سبباً أجنبياً عن عقد الكراء، لأنه أمر خارج عن إرادة المتعاقدين وحدث فجأة عنهم دون أن يتوقعه أي منهم، فوباء كورونا يشبه في أثره الحروب والكوارث الطبيعية التي تمنع من تنفيذ العقد بالصورة المتفق عليها وقد يصل احيانا تأثيرها إلى استحالة تنفيذ العقد.
عذراً التعليقات مغلقة