محمد إنفي:”إيوا ياك قلتها ليكم”: “بنكيران” ماشي رجل دولة!!!

الوطن الأن16 مايو 2014آخر تحديث :
محمد إنفي:”إيوا ياك قلتها ليكم”: “بنكيران” ماشي رجل دولة!!!

عاد السيد”عبد الإله بنكيران”(وهو، في الواقع، لم ينقطع  عن ذلك إلا لماما) ليشغل الناس (أو على الأقل المهتمين منهم)، وبشكل ملفت، بتصريحاته وانفعالاته ومواقفه من بعض الأحداث التي عاشتها البلاد في المدة الأخيرة (جلسات البرلمان بغرفتيه، فاتح ماي، الأحداث المؤلمة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، علاقته مع الصحافة والصحافيين…). وتعكس الصحافة (الورقية منها والإليكترونية) هذا الانشغال من خلال مقالات تحليلية ونقدية، تتناول سلوك “بنكيران”، ليس بصفته الشخصية أو الحزبية، وإنما بصفته المؤسساتية والدستورية. أو على الأصح، بالأحرى، أن الصحافة تتعرض بالنقد والانتقاد لسلوكه الشخصي والحزبي الذي يتعارض ووضعه المؤسساتي والدستوري.

وتكاد كل التعاليق الصحفية (إلا تلك التي تُقدِّم خدماتها، بالمجان؟، في تلميع الصور) أن تُجمع على أن السيد “عبد الإله بنكيران”، يتصرف، ليس كرئيس حكومة، وإنما كرئيس حزب. وهذا أمر، يسهل إدراكه بمجرد الاستماع إلى الرجل وهو يتحدث. فحتى، وهو يخاطب ممثلي الأمة بالبرلمان بغرفتيه، وفي إطار الدفاع عن السياسة العامة للحكومة، لا يستطيع أن يخرج من جبة “البيجيدي” ليرتدي عباءة الأغلبية الحكومية. وهذا ما تسبب له، أحيانا، في كثير من المتاعب مع حلفائه (أو بعضهم على الأقل).     

وقد ترسخت عندي، مع هذه الحكومة، قناعة بأنه لا يكفي أن تكون لنا مؤسسات وأن يكون عندنا دستور متقدم في مضمونه وفي نفحاته الديمقراطية؛ بل لا بد من وجود رجال ونساء، قادرين على تفعيل الدستور وتشغيل المؤسسات من أجل تحقيق التقدم المادي والمعنوي الذي يرفع من مستوى المواطنين (اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وحقوقيا وغير ذلك)؛ وهذا من شأنه أن  يعلي من قدر البلاد، ليس في عيون مواطنها فقط، بل وعند الآخرين أيضا.

وبقدر إيماني بأهمية المؤسسات (مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الحزبية، الخ)، أومن بمقولة “الشخص المناسب في المكان المناسب”؛ إذ، بدون هذا التناسب، تفقد المؤسسات هيبتها وتصبح فارغة من محتواها. ولا يمكن أن يتحقق هذا التناسب في مؤسسات الدولة (وهذا ما يهمني الآن) إلا عن طريق من لهم صفات رجال الدولة، أي القادة السياسيون الذين يعملون للصالح العام دون أهداف شخصية؛ أو لنقل الذين بمقدورهم، عند تحملهم المسؤولية في مؤسسات الدولة، وبالأخص الحيوية منها، أن يتحلوا بنكران الذات وأن يغلِّبوا الصالح العام على المصالح الحزبية الضيقة.

وفي هذه النقطة، بالذات، شغلني الأستاذ “عبد الإله بنكيران” منذ أن تقلد مهمة رئاسة الحكومة بصفته الحزبية (أي الأمين العام لحزب العدالة والتنمية) طبقا للدستور؛ وقد حاولت، من خلال أكثر من عشر مقالات تحليلية، أن أتابع، من جهة، عمل الحكومة، ومن جهة أخرى، سلوك رئيسها من أجل التعرف عليه أكثر. وهكذا، ركزت بعضا من مجهودي في محاولة تحديد خاصيات الرجل الذي يقود هذه الحكومة، من أجل رسم صورة (“بورتريه” أو “بروفيل”)  له، تعكس (أو يعكسها) واقعه الجديد. وكانت، دائما، وفي مقامات وسياقات مختلفة، تلح علي نفس الصورة تقريبا؛ إذ أجد نفسي، كل مرة، أمام رجل كثير الكلام وقليل العمل؛ مما جعلني، في ختام مقال بعنوان Abdelilah Benkirane est-il un homme de parole ou de paroles ?، واستنادا إلى معطيات من الواقع السياسي والاجتماعي المعاش، أؤكد أن رئيس الحكومة، يعطي الدليل تلو الآخر بأنه ليس “رجل الْكَلْمة” (بالمفهوم المغربي)، بل  فقط رجل كلام.

وتحضرني، هنا، جملة (ختمت بها مقالا بعنوان “بين حكومة اليوسفي وحكومة بنكيران: هل يستوي الذين… والذين…؟”)، هذا نصها:”شتان بين من يعمل وبين من يقول بأنه سيعمل”. وهي تلخص البون الشاسع بين رجل الدولة وبين محترف السياسة؛ هذا البون، عبرت عنه،  في المقال المشار إليه بين القوسين أعلاه، بما يلي: “وقد يطول بنا الحديث ، لو أردنا أن نقيم مقارنة حقيقية بين اليوسفي وبنكيران، لكون الرجلين يوجدان على طرفي نقض. فبقدر ما زهد اليوسفي في امتيازات المنصب، بقدر ما تمسك بها بنكيران حد الانبطاح. وبقدر ما اهتم اليوسفي بالبلاد وبالوطن، بقدر ما اهتم بنكيران بشعبيته وبحزبه، لدرجة أنه لم يستوعب، أبدا، بأنه رئيس الحكومة المغربية وليس فقط رئيس حزب العدالة والتنمية على رأس الحكومة”.

وأود أن أشير، هنا، إلى أن اهتمامي  بالحكومة ورئيسها نابع، ليس فقط من كوني فاعلا سياسيا يتموقع حزبه في المعارضة ويهمه أن يتابع التدبير الحكومي من هذا الموقع، بل وأيضا من موقعي كمواطن، يتطلع إلى التغيير ويأمل، من جهة، أن تتعزز المكتسبات الديمقراطية  من خلال تفعيل الدستور الجديد بطريقة أمثل؛ ومن جهة أخرى، يريد أن يكون للوعود الانتخابية وللبرامج الحكومية معنى؛ بحيث تجعل المواطن يلمس، على أرض الواقع، تحقيق بعض المنجزات  والشروع في الإصلاحات المبشر بها؛ الشيء الذي سيعطي لصوت المواطن قيمة ويضفي على العمل السياسي مصداقية وجاذبية.

ويبدو أننا، مع هذه الحكومة، بعيدون كل البعد عن تحقيق هذا المطمح. فلا الدستور يُفعَّل كما يجب ولا الالتزامات تحترم؛ بل، بدل ذلك، يتم الإجهاز على كثير من المكتسبات، عوض تعزيزها وتطويرها للأفضل. فبعد أن ظلت الحكومة، لمدة لا يستهان بها، تتحدث عن الإصلاح بدل مباشرته (فسميناها”حكومة إنما الإصلاح بالنيات”)، شرعت، باسم الإصلاح، في مسلسل من التراجعات التي مست العديد من المستويات؛ وبالأخص المستويين الحقوقي والاجتماعي.

ومن المفارقات العجيبة، أن الإصلاح اقترن، مع حكومة بنكيران (التي أصبح يطلق عليها، في المواقع الاجتماعية، حكومة بن زيدان، بسبب الزيادات التي مست كل مواد الاستهلاك)، بالزيادة في الأسعار وبالأخص في المحروقات التي لها تأثير على كل القطاعات. وقد تم ربط ذلك بما سمي بإصلاح صندوق المقاصة، وكأن ضرب القدرة الشرائية للمواطنين وإثقال كاهلهم بالزيادات في الأسعار، يعتبر إصلاحا. ولهذا، سمينا ما تقوم به حكومة بنكيران “إصلاحا بطعم الإفساد”؛ إذ، بدل أن تفكر في حماية القدرة الشرائية لذوي الدخل المحدود وتبحث عن سبل مساعدة الفئات الاجتماعية المعوزة والمتضررة أشد الضرر من قراراتها الجائرة، دخلت في مسلسل تراجعي، يضرب المكتسبات ويؤزم الوضعيات، دون الاكتراث بفاتورته الاجتماعية الثقيلة.

وبدل أن ينصت “بنكيران” إلى صوت العقل والحكمة ويأخذ ما تقوله المعارضة المؤسساتية والمعارضة المجتمعية وما تعكسه السلطة الرابعة من مواقف مجتمعية تجاه مشاكل حقيقية؛ بدل أن يأخذ كل هذا مأخذ الجد، راح يتهم الجميع بالتشويش عليه وعلى حكومته؛ بل وصل به الأمر إلى التشكيك في استقلالية أحزاب المعارضة ووصف خطابها بأقذع النعوت. فالسيد رئيس الحكومة غاضب من كل المؤسسات (سواء كانت دستورية أو اجتماعية أو إعلامية) التي لا تساير توجهه ولا تُسبِّح بحمده. وبمعنى آخر، فهو يلقي على المعارضة (مؤسساتية كانت أو مجتمعية أو منبرية)  كل اللوم، بدعوى التشويش.

والسبب الحقيقي وراء هذا الموقف، قد يكون عجزه التام عن مواجهة المشاكل الحقيقية؛ وقد يكون انشغاله بشعبيته لأنه في حملة انتخابية دائمة؛ أو همان معا. لذلك، فهو يعتبر كل نقد تشويشا، وكل تلميح تعريضا وكل انتقاد هجوما، الخ. وكأن لسان حاله يقول: أنا دائما على صواب؛ ولهذا، يجب تعطيل كل المؤسسات التي لها دور المراقبة والمساءلة.  

وإذا كان لما أوردته الصحافة عن نزول رئيس الحكومة إلى الشارع، احتفالا بفاتح ماي، للتظاهر إلى جانب العمال في نقابة حزبه، وإلقاء كلمة بالمناسبة؛ ولما أوردته نفس الصحافة عن تعامله مع الفاجعة التي عرفتها جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس…؛ إذا كان لذلك من دلالة سياسية، فهي أن الرجل، رغم مرور نصف ولايته، لا يزال غير قادر على استيعاب دوره الدستوري… أي أنه رئيس حكومة كل المغاربة.

لقد سبق لي أن كتبت (وكررت ذلك مرارا) بأن “بنكيران” له كل الصفات إلا صفة رجل دولة؛ وهذا الحكم ليس تحاملا ولا تجنيا، بل استنتاج من أقوال وأفعال المعني بالأمر. ووصوله إلى رئاسة الحكومة (أي احتلاله المركز الثاني في هرم الدولة)، لم يكن سوى “زهقة تاريخية”، حسب تعبير الأستاذ “محمد الساسي”. لذلك، وأنا أقرأ ما كتبته الصحافة، سواء عن اتهاماته للمعارضة وللمنابر الإعلامية، أو عن عدم قدرته على تمثل دوره الدستوري بسبب انغماسه بشكل كلي، فكرا وممارسة، في وظيفته الحزبية الضيقة، قفز إلى ذهني إشهار قديم (لم أعد أتذكر لا موضوعه ولا تَكملته)، فأوحى لي بعنوان هذا المقال؛ وقد كدت أصيح، مع قراءة كل موضوع، يتحدث عن “بنكيران” وتذمره من النقد الموجه إليه:”إيوا ياك قلتها ليكم: بنكيران ماشي رجل دولة”.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة