مناسبة هذه المقالة اللقاء الافتراضي الذي نظمته مؤسسة الشباب القروي بتزنيت حول موضوع: ” المشهد السياسي بإقليم تزنيت وعزوف النخب “، وجمع الى جانب الخبير الدولي في التنمية المستدامة الدكتور بلقاسم الناهي، فاعلتين سياسيتين من حزبين تفرقهما المبادئ والمنطلقات التي تأسسا من اجلها، وتجمعهما المصالح والمكاسب والدسائس والمناورات التي يواجهون بها الحزب الأول، بعد أن عجزوا عن مواجهته بالقانون وعبر قناة الشعب.
فاذا كان الدكتور الناهي فاعلا سياسيا مستقلا وتحدث بموضوعية وتجرد، فان الفاعلتين الحزبيتين اجترتا من الكلام ما عافته الأذن وملته الأسماع لاستغراقه في العموميات والكلام الفضفاض الذي لا يجيب عن سؤال ولا يقنع أحدا.
فالفاعلة الأولى تنتمي الى حزب كان ذات يوم حزبا وطنيا بنى نضاله كله على مواجهة السلطوية وأحزاب السلطة، وانتهى به المطاف في الأخير، بعد أن غادره المناضلون الحقيقيون الى الاستنجاد بالسلطة وأحزابها لانقاده من لعنة الانقراض.
أما الفاعلة الثانية فتنتمي الى حزب خرج من رحم الإدارة وقادة رجل السلطة الأول لعقود، بهدف واحد، هو محاربة الأحزاب الوطنية، وتقزيم دورها في الحياة السياسية، مقابل التمكين للسلطوية تحت غطاء حزبي.
1. القاسم الانتخابي وتهافت أحزاب ولد زروال:
كان الحديث في بداية اللقاء عن القاء عن القاسم الانتخابي بصيغته الحالية التي أقرها مجلس النواب وبالطريقة التي يعرفها الجميع، يوم الجمعة الذي وصف بالأسود، حيث حاولت الفاعلتان الدفاع عنه بطريقة أو بأخرى، بعدما وجدتا نفسيهما في موقف المحرج والضعيف الذي لا يملك من الوسائل ما يدافع به عن قانون أقره وصوت عليه، لأنهم ببساطة مجرد كراكيز ودمى تحركها الجهة التي أقرت التعديل للتحكم في المشهد، وفاقد الشيء لا يعطيه، كما يقولون.
نبدأ بممثلة حزب الاتحاد الاشتراكي، او بالأحرى ما تبقى منه، بعد أن غادره المناضلون الحقيقيون، ولم يبق منه الا أكلة الجيف، ومحترفو الاسترزاق السياسي.
فبعد أن نوهت المتحدثة بالإصلاح الذي تعرفه القوانين الانتخابية والتي يجب ان تسير في خط متواز مع المسار الديمقراطي والإصلاح العميق الذي تشهده البلاد، على حد تعبيرها، اتجهت الى الاستغراب لهذه الضجة التي أحدثها القاسم الانتخابي، في حين هناك قوانين أخرى مهمة وتمس الحياة اليومية للمواطنين، ولم تنل ما ناله القاسم الانتخابي من ضجة، لتمض الى التأكيد على أن البعض يقوم فقط بحساب عدد المقاعد التي يفقدها عندما يتم اعتماد القاسم الانتخابي على أساس عدد المسجلين.
وأمام هذا الخطاب الخشبي الغارق في العناوين الكبرى الرنانة والبراقة للأستاذة الكريمة، والذي لم يقدم جوابا شافيا وكافيا عن السبب الحقيقي وراء اعتماد هذا التعديل الغريب الذي لم يرد في أية مذكرة من مذكرات الأحزاب برمتها، سوى انها تحدثت عن عدد المقاعد التي سيفقدها هذا الحزب أو يربحها ذاك، جراء هذا القاسم الغريب، نقول بأن الحزب الوحيد الذي يمارس العملية الحسابية، منذ أن دشن مرحلة التراجع والانحدار، هو حزب الاتحاد الاشتراكي الذي يدعو، عبر زعيمه المحنك منذ زمان الى الغاء الاقتراع باللائحة و العودة الى نمط الاقتراع الفردي، لينتقل، بعد أن فشل في الأولى الى المطالبة بإلغاء العتبة نهائيا، ونجح نسبيا في تقزيمها بعد ان تم التوافق في انتخابات 2016 على تقليصها لتستقر في 3%، بعد ان كانت في حدود 6%، ومع ذلك ما زال الحزب العتيد يتراجع في عدد المقاعد، الى أن وصل الى درجة يتودد فيها حزب الإدارة وكفيله السياسي ليكمل فريقه البرلماني.
هذا هو حال حزب الاتحاد الاشتراكي الذي كان ذات يوم حزبا للقوات الشعبية، أيام كان الاتحاد قويا ويتوفر على مشروع سياسي له جذوره المجتمعية مدافعا عن المفكرين والمثقفين، رافعا سقف مطالبه مقاوما أحزابا ولدت في رحم الإدارة.
وحتى تنتعش ذاكرة اتحادي اليوم قليلا، أسرد عليهم قصة الزعيم الوطني الكبير عبد الرحمان اليوسفي رحمة الله عليه، مع اللائحة ، ففي نهاية ولاية حكومة التناوب، وفي عز التحضير لانتخابات 2002، عندما اقترح عليه وزير الداخلية آنذاك ادريس جطو إلغاء مقترح الانتخابات باللائحة، بما فيها اللائحة الوطنية للنساء، وتعويضها بنمط الانتخابات في دورتين، مؤكدا له أن تقارير وزارة الداخلية تفيد أن حزبه سيحصل على الصف الأول، فما كان من المرحوم اليوسفي الا أن واجهه بالقول: إما اعتماد النظام باللائحة في الانتخابات القادمة وإما سأعلن عن تقديم استقالتي، ولعلكم تعرفون ما معنى استقالتي اليوم.
وبالفعل فاز الاتحاد الاشتراكي بالمرتبة الأولى، وحدث ما حدث بعدها من انقلاب على المنهجية الديمقراطية بمشاركة نخب الاتحاد الاشتراكي الذين طغت عليهم الانتهازية، ضدا على إرادة كاتبهم الأول الذي حكموا عليه بالعزلة السياسية، وأرسلوه الى المنفى الاختياري، ومنذ ذلك اليوم والاتحاد الاشتراكي في تراجع مستمر الى أن وصل الى ما وصل اليه من ضعف وهوان مستمر، حتى انتهى به المطاف الى الاستنجاد بالأعيان وبأحزاب الإدارة التي كان يحاربها ذات يوم، للحصول على مقاعد محدودة تدفع عنه لعنة الانقراض.
أما ممثلة البؤس السياسي في شخص ما سمي بحزب التجمع الوطني للأحرار، والتي يبدو عليها ممارستها للهواية السياسية لا غير، فتبرر دفاعها عن هذا القاسم الغريب بكون المغرب يحتاج لنخب حقيقية تقوم بالدور المنوط بها، عوض ما هو موجود الآن، وكأن هذه النخب لا يعلم بها الا المقاطعون وغير المبالين والذين رحلوا الى دار البقاء، اما الذين يؤدون واجبهم الوطني بكل إرادة وحرية، دون تدخل من الإدارة لا يعلمون بوجودهم. هذه هي إذا مبررات ولاد زروال السياسيين ومبرراتهم لاعتماد قاسمهم العجيب.
ولكي نرجع كل حزب الى أصله وظروف نشأته، نذكر أتباع الزعيم المظلي بتاريخ حزبهم، والذي جاءت به الإدارة سنة 1978 بعدما لاحظت تنامي شعبية الأحزاب الوطنية لتوكل اليه مهمة محاربتها وتقزيم دورها في الحياة السياسية، فكانت نتيجة تدبيره منذ 1978 الى حدود 1996 وبمساعدة واحتضان مستمر من طرف الإدارة، هو ان أوصل المغرب الى مرحلة السكتة القلبية.
هذا التجمع الذي يجمع كل مساوئ الفعل السياسي، وبعد أن أصابه ما أصابه، من ضعف وهوان، بسبب فساد نخبه وكوارثه التدبيرية، أعادت السلطة احياءه، من جديد، ليقوم بالدور الذي فشل فيه غيره، فنصبت عليه زعيما بطريقة الاسقاط المظلي، هذا الزعيم الورقي الذي أصابه الغرور وأحس بجنون العظمة مفتخرا بثروته التي جمعها من جيوب المستضعفين، بدأ يحشد له الحشود ويعتلي المنصات مقلدا الزعماء الكبار، موزعا الوعود ذات اليمين واليسار، مبشرا بجنة من الخيرات ستعم المغرب بعد انتخابات 2021 من فرص للشغل بالملايين وصناعات السيارات والطائرات، وتعليم جيد وصحة للجميع ووو، وكلها وعود أجملها في ” مسار الثقة “. هذا المسار الذي اجهزت عليه المقاطعة الشعبية لإمبراطوريته المالية وتم دفنه في تحت ركام ” تغازوت باي”.
وهكذا أحس حزب البؤس الجديد أن حلم 2021 يصعب الوصول اليه وتحقيقه، ان لم يكن مستحيلا، بالاستعراضات البهلوانية التي يمارسها أجراؤه وكتاكيته، فما كان منه الا ان غير استراتيجيته، وانخرط في عملية التزوير الكبير للعملية الانتخابية وافراغها من مضمونها الحقيقي القائم على التنافس الشريف والنزيه، الى عملية توزيع للمقاعد البرلمانية بطريقة أقرب الى القرعة منها الى التنافس الانتخابي.
هذه هي حقيقة التجمع الوطني للأحرار في نسخته التحكمية الحالية، أما حديث القائدة المبتدئة في عالم السياسة عن انزال للنواب البرلمانيين للتصويت على القاسم الانتخابي، والتي لم نجدها في بقية القوانين الأخرى التي لها علاقة مباشرة بالمعيش اليومي للمواطنين، في إشارة لنواب العدالة والتنمية، فنذكر السياسية المبتدئة ان نواب العدالة والتنمية هم أكثر النواب حضورا في اللجان البرلمانية والجلسات العامة، ولولاهم لسقطت مجموعة من القوانين، ومنها قانون المالية، في حين ان نواب حزبها ونواب الأحزاب الأخرى التي تدور في فلك القبيلة الحزبية لزعيمها المظلي دائمي الغياب، وتقارير مجلس النواب شاهدة على كل الاحداث. كما نذكر السيدة المحترمة أن حزب العدالة والتنمية هو الحزب الوحيد الذي يخلق النقاش العمومي، ولولاه لما عرف الناس قصة ” القاصم الانتهابي ” ولا التطبيع ولا قانون الكيف.. فالهيئة السياسية الوحيدة التي تغلي بالنقاش الداخلي وتعرف ديناميكية تنظيمية تلقي بظلالها على النقاش العمومي وتحرك المياه الراكدة… وفي نفس الوقت تحاسب قيادتها وتدفعها للتواصل.. وحتى تقديم استقالتها.. وتعقد هياكلها التنظيمية لقاءات الأمانة العامة بانتظام والمجلس الوطني مرتين، بل وتدعو الى مؤتمر استثنائي، بكل حرية وفي إطار من المسؤولية والانضباط للقرارات.
في حين ان بقية العالم لا تجتمع الا على المكاسب ووضع العصا في عجلة الحزب لإيقافه بالمناورات والدسائس عوض مواجهته بالقانون وعبر الشعب مصدر السلط.. ولا يهمها بالمقابل لا ديمقراطية ولا توسيع سلطات رئاسة الحكومة ولا اصلاح سياسي أو حزبي ولا اي شيء من ذلك.
يتبع
عذراً التعليقات مغلقة