يعتبر الإسلام دينا و ملة و منهج حياة, و هو الطريق الأمثل و الأقرب لبلوغ السعادة التي أضحت غاية الأحياء و هدف الباحثين و جوهر الراغبين و حلة الصالحين و زينة السعداء و المنعمين. لذلك شاءت قدرة الله العليم الحكيم, أن ينزل كتابا فيه آيات محكمات و توجيهات و بينات, ليهدي البشرية جمعاء إلى طريق الصواب و إلى سبيل تجنب الصعاب و شقاوة الحياة و دروب العذاب و هو دليل الضال عن جادة الصواب و منهج النجاح في الدنيا و الآخرة.
لكن شاءت الأقدار أن يعم الإختلاف بين الأمم و الأمصار, و جرت السنة الكونية أن تختلف القراءات و التصورات, فتبدل حال بعد حال و تغيرت مقومات الحياة و تطورت, فظهر الإختلاف و طغى الفهم التقليدي للإسلام حتى أصبحنا نُعَيّر به بعد أن كنا أعزة به بين الأمم و الحضارات و فجأة و دون سابق إنذار خرج أناس يدافعون عن أطروحاتهم, و توجهاتهم, يجعلون محور نقاشاتهم هو الإسلام التقليدي.
كنا ننتظر أن يخرج علماؤنا من جحورهم ليبينوا للناس و ليوضحوا, إلا أنهم تواروا عن الأنظار و تركوا الخلاف محتدما بين أفراد البلد الواحد, و زهدوا في تعليم الناس و إرشادهم حتى ظن أهل الباطل أنهم على حق و توجس الصادقون خيفة على أنفسهم و أهليهم من الفتن و الضلالات.
لذلك كان لزاما أن نبين بعض النقاط الأساس التي يرتكز عليها الإسلام حتى لا يتوهم أهل الضلالة أنهم على حق, و أن سواهم على باطل لأن الإسلام دين يستمد الشرعية من الله العليم لذلك نعتبره دينا كاملا لا إشكال فيه, و هو دين يعطينا توجيهات حتى لا نزيغ عن جادة الصواب.
و من توجيهاته لنا أن نعمل صالحا, و نتعامل بالقيم الراقيةفيما بيننا, و العمل الصالح لا يعني العبادات بالضرورة لأنها تدخل في إطار علاقة تجمعنا به تعالى, و عليه فإن الضال الحقيقي هو الذي يحشر أنفه في علاقة بين عبدٍ و ربه, فيجعل من نفسه متكلما باسم الله و كأنه على عهد و ميثاق بينه و بين الله تعالى, ليفرض رأيه على الناس و يجعل من نفسه مسيطرا عليهم بتفويض مزوّر محسوب من الله.
نجدهم يشهدون الشهادتين, يؤدون السنن البسيطة من تقصير الثياب و حلق الشوارب و تطويل اللحى, و تجدهم يتساهلون في أعظم ما أمر به الله تعالى أن يحفظ ألا و هي الدماء, فخلقوا صورة مخيفة عن الإسلام و جعلوا من السيف و إراقة الدماء شعارا لهم, و المصبية أن كل هذا يحدث باسم الإسلام, فهل هذا هو الإسلام؟.
تجدهم يأخذهم الحنين إلى الجهاد و ما علموا أن الجهاد الأكبر هو إعمار الأرض و نشر المحبة و قبول الإختلاف و التعايش مع مختلف الأديان و الأعراق و محاورة المختلفين و المخالفين و إقناعهم بالحجة و البرهان عوض إجترار أحاديث قيلت قبل قرون لوضع معين في زمن معين لغاية معينة, فهل هذا هو الإسلام؟.
تجدهم يتشبثون بالإسلام كما كان في عهد سابق, ضاربين بعرض الحائط تغير الزمان و تبدل الأحوال و تطور الحياة و مستلزماتها, و هم يتوهمون بخلافة دامية تقطع أوصال مخالفيهم لإخافة من تسول له نفسه الطعن في حكم أو حد من حدود الإسلام, فهل هذا هو الإسلام؟.
تجدهم يحلمون بدولة تعيدنا القهقرى لقرون, و يأخذهم الشوق لركوب الجمال و الخيل المسومة و إستكمال حروب راح ضحيتها الآلاف إن لم نقل الملايين من الأبرياء كي تسمى فتوحات فيما بعد و تكذب التاريخ و ما حواه, فهل هذا هو الإسلام؟.
تجدهم يسلطون ألسنتهم على كل من قال كلمة حق, و يتوعّدون كل ناقذ لتصرفاتهم و تعاملاتهم, و يتحفظون من النقاش الجاد,فلا هم يجادلون و لا هم تركوا غيرهم للجدال و تبيان الحق, و إنما يخبرونك بأمر و يجعلونك تصدق قسرا, فهل هذا هو الإسلام؟
تجدهم يعتقدون أن الإسلام صالح للتطبيق في كل مكان و زمان, و لا يدركون أنما هو توجهات سامية لتطبيقها وفق ما يتناسب مع كل حضارة و بلد, و هم يجعلون لباس المشرقيات المنقبات مثلا هو لباس الشرع الذي يجب إتباعه, مع العلم أن هذا اللباس هو مجرد وسيلة للستر و نحن بالمغرب تتستر نساؤنا الطاهرات بالجلباب المغربي التقليدي, فلم الإلحاح على لباس المشارقة, فهل هذا هو الإسلام؟
تجدهم يلحون على جعل الإنسان المشرقي مثالا للكمال, و أن المجتمع المشرقي هو القدوة و أن غيره على ضلالة, و هم بذلك إنما يسوقون لنشر حضارتهم باسم الإسلام و إقبار ما سواهامن الحضارات الراقية, فعندما يلحون على إمام مسجد بجبال الأطلس أن يخطب باللغة العربية قسرا علما أن جل الساكنة على غير لسان العرب, حينها ندرك خطة التعريب باسم الإسلام, فهل هذا هو الإسلام؟
تجدهم يجتهدون في إغلاق الحانات و المراقص ببلدانهم و يربون أبناءهم على حبها و حب الفساد حتى إذا بلغ أحدهم أشده يشد الرحال إلى بلاد الغرب من أجل الفساد و صرف أموال طائلة على العاهرات و المثليين و بعدها قد تجده يزاحمك في الطواف على الكعبة المشرفة, و في الوقت ذاته يخطط لحجة أخرى إلى بلاد الغرب بعد أداء مناسك الحج أو العمرة بالديار المقدسة, فهل هذا هو الإسلام؟
تجدهم يعتمدون على الغرب في كل شيء و يعيشون ملوكا و أغنياء و لا يكلفون أنفسهم مشقة خدمة أنفسهم و لا خدمة شعبهم و لا إنشاء مشاريع تحسبا لأي طوارئ مستقبلية, يعتمدون على البترول كأداة للعيش و صناعة الأموال و لا يلقون بالا للدراسات المستقبلية التي تتنبأ لهم بالأسوء حين تجف آبارهم من النفط ليعودوا إلى سالف عهدهم لإنشاد القصائد و إدمان الخمور و فقدان الأحبة ممن لم يعرفوهم ساعة الرخاء, فهل هذا هو الجد الذي أمر به الإسلام؟
تجدهم مستعدون للتضحية بأقرب المقربين إليهم من أجل الحفاظ على مناصبهم و كراسيهم و لا تهمهم مصالح شعوبهم بقدر ما تهمهم مصالحهم الشخصية, فهم ينكرون إخوانهم من أجل إسرائيل و يلقون بالمودة إلى الظالمين و ينشغلون بتكفير بعضهم البعض و إصدار فتاوى أخجل من إدراجها برقعة المقال, فهل هذا هو الإسلام؟
تجدهم يخطبون على قنوات دينية و يتبجحون بشعارات رقراقة و هم أبعد ما يكونون منها, فهم لا يجيدون سوى مدح السلاطين الظالمين السالكين لسبلهم و ذم مخالفيهم و لو كانوا من الأطهار و الأبرار, فهل هذا هو الإسلام؟
كيف تستنتجون نهجكم من الإسلام و تجعلون منه بعبعا يخيف كل من سولت له نفسه اعتناقه أو التقرب منه, بل كيف جعلتم صورة المتدين على شكل إنسان دائم الجد, عبوس المحيا, لا يجد إليه الفرح سبيلا, أين أنتم من خير الخلق الذي يطلع على الناس بابتسامة لا تفارق محياه, و بهزله مع الصحابة و تسابقه مع زوجه عائشة, و شربه من موضع شرب زوجه من الإناء, هل أنتم أفضل منه أم لكم في نهجكم غاية مقصودة؟
كيف تضيقون على الناس دائرة المباح, بأقوال رجال ذهبوا مع التاريخ و ذهب عصرهم, و لازالت فتاواهم يؤخذ بها حتى و إن تغير العصر و اختل ميزان شروطها, فهل هذا هو الإجتهاد؟
أين أنتم يا مجتهدين, أم أنكم تركتم الفتن تطغى على حياة الناس حتى يتجانس الحق بالباطل فتجعلوا للدين وجهين لتعملوا بالوجه الذي يخدم مصالحكم و مصالح سلاطينكم.
نحن اليوم لسنا بحاجة لفقيه يجتر كلام فقهاء عصورهم ليجعل منه صالحا لنا, و لسنا بحاجة لفقيه لا يفقه في قراءة الواقع إلا الإسم, كما أننا في غنى عمّن يفتينا بما أفتى به الأولون فإذا ظهرت مستجدات لم تكن بالماضي و لم يتكلم عنها السلف تجده يدرجها في خانة المشتبهات كي لا يعصر الدماغ و يقرأ الواقع و يخرج بنتيجة إيجابية.
أيها المجترّون إن ظللتم على هذا الحال فإن برنامجا بسيطا قد يحلّ محلكم, و لن نكون بحاجة إليكم, سنبرمج فيه كل ما قيل سابقا و سنبرمج إظهار نتيجة ’’من المتشابهات’’ في كل مستجد و نستمر في إجترار الماضي و إهمال الحاضر و نسيان المستقبل, و هكذا نكون استجمعنا عناصر التخلف الأبدي, و نستمر في سماع: ما ظلم من تشبه بأسلافه.
عذراً التعليقات مغلقة