محمد الحنفي :الوفاء للشهداء مصل مضاد للانتهازية…..‎

الوطن الأن24 يناير 2015آخر تحديث :
محمد الحنفي :الوفاء للشهداء مصل مضاد للانتهازية…..‎

إهداء إلى:

 

ــ الشهداء الذين قضوا من أجل التغيير، في إطار حركة 20 فبراير، لإرواء الوطن المغربي بدمائهم الزكية.

 

ــ من أجل التخلص من الممارسة الانتهازية، التي وقفت وراء استفحال أمر الفساد، الذي يعاني منه الشعب المغربي.

 

محمد الحنفي

 

إن الشهداء، عندما يقدمون أرواحهم قربانا لقضايا شعوبهم المصيرية، لا ينتظرون أن يعوضوا عن ذلك؛ لأنهم يكونون قد غادروا الحياة، وإلى الأبد، ولا يهمنا إن كانت الشهادة حرقا، أو اغتيالا، كما لا يهمنا إن كانت القضايا التي استشهدوا من أجلها، تنال اهتمام أبناء الشعب المغربي، أم لا تنال ذلك الاهتمام. إن الذي يهمنا، هو أنهم استشهدوا في سبيل قضايا الشعب، كقضية البطالة، وقضية الحرية، وقضية الكرامة الإنسانية، وقضية الديمقراطية، وقضية حقوق الإنسان، وقضية تحرير التراب الوطني من الاحتلال الأجنبي، وقضية… إلخ. والاستشهاد في سبيل قضايا الشعب، يستلزم التقدير، والاحترام، والوفاء للشهداء.

 

فماذا نعني بالوفاء للشهداء؟

 

وما هي الشروط الموضوعية المستلزمة لهذا الوفاء؟

 

ومن هم الأشخاص المعنيون بالوفاء للشهداء؟

 

وما هي القيم التي يجب التحلي بها؟

 

وماذا نعني بالانتهازية؟

 

وما هي الشروط الموضوعية المنتجة للممارسة الانتهازية؟

 

وما هي الغاية منها؟

 

وما هي القيم التي تسود في المجتمع بسبب الممارسة الانتهازية؟

 

وما هي العلاقة القائمة بين الوفاء للشهداء، وبين الممارسة الانتهازية؟

 

هل هي علاقة تناقض؟

 

هل هي علاقة جدلية؟

 

هل هي علاقة عضوية؟

 

كيف نعتبر الوفاء للشهداء مصلا ضد الانتهازية؟

 

هل يؤدي الوفاء للشهداء إلى التحرر من الممارسة الانتهازية؟

 

ألا نعتبر أن الشهداء يصيرون منطلقا لممارسة الانتهازية في جميع الاتجاهات؟

 

ومن هي الجهات المعنية باستغلال دماء الشهداء لتحقيق أهداف معينة؟

 

ومن هي الجهات المعنية بالوفاء للشهداء، وباعتمادها للوفاء لمحاربة الانتهازية، المترتبة عن استغلال دمائهم؟

 

وما هو المصير الذي ترسمه دماء الشهداء؟

 

وما هي الدروس، والعبر، التي يأخذها الشعب المغربي من دماء الشهداء، ومن الوفاء لهذه الدماء، ومن اعتبار ذلك الوفاء مصلا ضد الممارسة الانتهازية؟

 

إن الوفاء للشهداء، لا يعني في عمق الفكر، والممارسة، إلا السير على خطى أولئك الشهداء، الذين ضحوا بأغلى ما عندهم، قبل استشهادهم، وخلال استشهادهم؛ لأنهم كانوا يحلمون بتغيير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، إلى الأحسن، سعيا إلى أن يصير في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

والسير على خطى الشهداء، الذين استشهدوا من أجل الأفكار، التي يحملونها، يقتضي الالتزام بمنهج العمل، وبالأفكار، وبالبرنامج المرحلي، والاستراتيجي، لتحقيق الأهداف القريبة، والمتوسطة، والبعيدة المدى، لأن الالتزام بمنهج العمل، معناه استحضار الشهداء، ومن خلال المنهج الذي كان يلتزم به، والالتزام بالأفكار العظيمة، التي كانوا يحملونها، معناه استحضار الشهداء، من خلال الالتزام بتلك الأفكار، والالتزام بالبرنامج المرحلي، والاستراتيجي، الذي كانوا يلتزمون بمقتضياته، لا يعني إلا استحضار الشهداء، من خلال الالتزام بمقتضيات البرنامج المرحلي، والإستراتيجي، والعمل على تحقيق الأهداف القريبة، والمتوسطة، والبعيدة، لا يعني إلا استحضار الشهداء، من خلال العمل على تحقيق الأهداف في مستوياتها المختلفة.

 

والوفاء للشهداء، كذلك، لا يعني جمود منهج العمل، وجمود الأفكار، وجمود البرنامج المرحلي، والإستراتيجي؛ لأن كل ذلك مرتبط بواقع متحرك. والواقع المتحرك يفرض تطور، وتطوير المنهج، والأفكار، والبرنامج المرحلي، والإستراتيجي، والأهداف في مستوياتها المختلفة، حتى تصير منسجمة مع الواقع المتحول باستمرار، في مستوياته: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

 

وحتى يساهم ذلك التطور، والتطوير، في تطور، وتطوير الإنسان، الذي هو الهدف الأسمى يجب الالتزام بالمنهج، وبالأفكار، وبالبرنامج المرحلي، والإستراتيجي، في مستوياتها المختلفة، التي كانت حاضرة كلها في فكر، وفي ممارسة الشهداء، قبل استشهادهم.

 

والخونة، وحدهم، هم الذين لا يلتزمون بما ضحى من أجله الشهداء، على مستوى المنهج، وعلى مستوى الأفكار، وعلى مستوى البرامج المرحلية، والإستراتيجية، وعلى مستوى الأهداف القريبة، والمتوسطة، والبعيدة؛ لأن عدم التزامهم، معناه: التنكر لكل ذلك، والشروع في عمل جديد، لا علاقة له بما كان يمارسه الشهداء، وبما ضحوا من أجله.

 

وخيانة الشهداء، والتنكر لما ضحوا من أجله، يعتبر ممارسة منحطة، لا تصدر إلا عن المندسين من العملاء الطبقيين، والانتهازيين الذين يتصيدون الفرص المناسبة، وغير المناسبة، مادامت تقودهم إلى تحقيق الأهداف، التي تمكنهم من تحقيق تطلعاتهم الطبقية، التي تدفعهم إلى خيانة الشهداء، وممارسة العمالة الطبقية، وممارسة الانتهازية.

 

ولذلك، فالوفاء للشهداء، لا يلتزم به إلا الأوفياء، ومن المناضلين الذين يستحضرون الشهداء، وما استشهدوا من أجل تحقيقه، حتى يستمروا في النضال من أجله، حتى يتحقق، أو يستشهدوا هم، بدورهم، في سبيل ذلك.

 

والشروط الموضوعية، المستلزمة لهذا الوفاء، لا بد أن تصير قائمة في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى تساهم في الدفع بالوفاء، إلى التجسيد على أرض الواقع، ويصير الأوفياء من المناضلين، ملتزمين بمناهج الشهداء، وبأفكارهم، وبالبرامج التي يؤدي اتباعها إلى تحقيق الأهداف المرحلية، التي تحدث تراكما في أفق تحقيق الاشتراكية.

 

ومن هذه الشروط الموضوعية، نجد:

 

أولا: أن تصير الأزمة قائمة في الواقع المتخلف، على المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

 

ثانيا: أن يستعصي إيجاد المخرج من الأزمة ،في ظل النظام القائم، بصيرورة الأزمة أزمة بنيوية.

 

ثالثا: أن توجد حركة ينتظم فيها المناضلون الأوفياء، لدماء الشهداء، حتى تقود نضالاتهم على نهج، وأفكار الشهداء، وبرامجهم، لتحقيق الأهداف المرسومة.

 

رابعا: أن لا تسعى الحركة إلى إعادة إنتاج الهياكل الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية القائمة.

 

خامسا: أن تحرص على أن تكون النضالات التي تقودها الحركة، في اتجاه تغيير الواقع القائم، تغييرا جذريا، يتم بواسطته إنتاج واقع جديد، يصير في خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

 

سادسا: أن تعمل على توعية العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بأوضاعهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى يصيروا مهيئين للمساهمة، ومن الباب الواسع، في عملية تغيير أوضاعهم تلك، إلى الأحسن.

 

سابعا: أن تحرص على أن يتحول الوعي بالأوضاع المختلفة، إلى وعي طبقي، لينتقل مستوى نضالهم، إلى مواجهة العدو الطبقي، في أفق القضاء عليه.

 

ثامنا: أن ينخرط العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، انطلاقا من الوعي الطبقي، الذي صاروا يمتلكونه في المنظمات الجماهيرية، المبدئية، والمناضلة: النقابية، والحقوقية، والثقافية، والتربوية، والتنموية، وغير ذلك، من أجل انتزاع المزيد من المكاسب الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

 

تاسعا: الانخراط الواسع للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في مختلف الاحتجاجات، التي تقع في أماكن تواجدهم، حتى يتمرسوا، من خلال تلك الاحتجاجات، على مواجهة العدو الطبقي، في أفق إرغامه على الاستجابة، إلى مطالب الكادحين: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يؤدي إلى ترسيخ وعي العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بدورهم كطبقة اجتماعية واحدة، أو كتحالف طبقي منسجم، يسعى في وحدة متكاملة، إلى فرض التقليص من حدة الاستغلال.

 

عاشرا: انخراط العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في النضال السياسي العام، الذي تقوده الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية والعمالية، التي تعمل على التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، التي تجعل الواقع، بمظاهره المختلفة، في خدمة الكادحين.

 

فإنضاج هذه الشروط، وتفعيلها في الواقع، لا يمكن التعبير عنه، إلا بالوفاء للشهداء، الذين استشهدوا، وهم يناضلون من أجل التحرير، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية.

 

وعدم العمل على إنضاج الشروط الموضوعية، المشار إليها، لا يعني إلا تجسيد خيانة الشهداء على أرض الواقع، من قبل من يتظاهر بالوفاء لهم، ويعمل على تكريس خيانتهم.

 

000000000

 

وفيما يخص الأشخاص المعنيين بالوفاء للشهداء، فإننا نجد أنهم لا يمكن أن يكونوا إلا ممارسين للنضال في الميدان، على نهج الشهداء، وانطلاقا من فكرهم في البرامج التي كانوا يتبعونها، سعيا إلى تحقيق الأهداف القريبة، والمتوسطة، والبعيدة.

 

وهؤلاء الأشخاص المعنيين بالوفاء للشهداء، هم المنتمون إلى نفس الفكر، والمعتمدون لنفس المنهج، والملتزمون بنفس البرنامج، والساعون إلى تحقيق نفس الأهداف، التي كان الشهداء يسعون إلى تحقيقها.

 

وحتى نحدد أكثر، فإن المنتمين إلى، والعاملين في:

 

أولا: الأحزاب الديمقراطية، التي تناضل من أجل تحقيق المجتمع الديمقراطي، الذي تتحقق فيه الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، انطلاقا من دستور ديمقراطي شعبي، يضعه مجلس تأسيسي، تجري انطلاقا منه، انتخابات حرة، ونزيهة، لإيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية، تعمل أغلبية البرلمان فيها، على تكوين حكومة تعمل على الالتزام بالبرنامج، الذي صوتت عليه الجماهير الشعبية الكادحة، في ظل دولة مدنية، ديمقراطية، علمانية، تكون مسؤولة أمام البرلمان، وتحاسب من قبله على ما قامت به، وما لم تقم به، وإذا اقتضى الحال، يلزمها البرلمان بتقديم استقالتها.

 

ثانيا: الأحزاب التقدمية، التي تسعى إلى الارتقاء بالكادحين، وبجميع أفراد المجتمع، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، حتى يتأتى لهم أن يشعروا بإنسانيتهم، التي تقتضيها الطبيعة البشرية، بالإضافة إلى نشر التنوير، ومحاربة كل أشكال التخلف، وتوعية جميع الكادحين، بأوضاعهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وقيادة النضالات السياسية الهادفة إلى تحقيق التحرير، والديمقراطية، والكرامة الإنسانية، والعدالة الاجتماعية.

 

ثالثا: الأحزاب اليسارية، التي تحرص على جعل الكادحين يمتلكون وعيهم الطبقي الحقيقي، الذي يجعلهم يسعون إلى التغيير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، من أجل إقامة دولة تتحقق في ظلها الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية. وهي قيم، تجعل الكادحين يتمتعون بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى تتحقق إنسانيتهم التي يفتقدونها، في ظل قيام الدولة الرأسمالية، أو الرأسمالية التبعية.

 

رابعا: الأحزاب العمالية، التي تسعى، منذ البداية، إلى تحقيق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، عن طريق تحويل الملكية الفردية، إلى ملكية جماعية، وإقامة الدولة الاشتراكية، على أساس دستور ديمقراطي شعبي، يضمن الفصل بين السلط، ويقف وراء وجود مؤسسات الدولة الديمقراطية: المدنية، العلمانية، ووراء التوزيع العادل للثروة المادية والمعنوية، بين جميع أفراد الشعب، الذين تضمن لهم كافة الحقوق، كما تفهمها الاشتراكية العلمية، التي تجعل الأمور كلها، وبطريقة ديمقراطية، بيد الطبقة العاملة، وحلفائها، باعتبارها طليعة المجتمع، وباعتبارها هي الطبقة المنتجة.

 

خامسا: النقابات المبدئية، والمناضلة، والمطهرة من سماسرة العمل النقابي، والعاملة، باستمرار، على توعية العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وتقود نضالاتهم المطلبية، الساعية إلى التقليص من حدة الاستغلال الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والتي تربط ربطا جدليا بين النضال النقابي، والسياسي، وتسعى، باستمرار، إلى جعل القطاعات العمالية، وقطاعات الخدمات، وسائر الكادحين، مستعدين لكافة اشكال النضال المادي، والمعنوي، حتى تحقيق التوزيع العادل للثروة المادية، والمعنوية.

 

سادسا: الجمعيات الحقوقية المبدئية، المطهرة من سماسرة العمل الحقوقي، والمناضلة، الساعية إلى إشاعة الوعي بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، والعمل على فرض احترامها، عن طريق ملاءمة مختلف القوانين المعمول بها، بالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى تصير تلك القوانين، وسيلة للتمتع بتلك الحقوق، وحمايتها، بما فيها حقوق المرأة، الواردة في اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، وحقوق الطفل، الواردة في اتفاقية حقوق الطفل، وكافة الحقوق الخاصة، المضمنة في الاتفاقيات، والإعلانات الدولية، من أجل قيام مجتمع إنساني، تحترم فيه كافة الحقوق الإنسانية.

 

سابعا: الجمعيات الثقافية المبدئية، والمطهرة من سماسرة العمل الثقافي، والمناضلة، والساعية إلى إنتاج القيم الثقافية، البديلة للقيم الثقافية السائدة، من أجل إقامة ثقافة متحررة، تقف وراء إيجاد مجتمع متحرر، من القيم الغيبية، والخرافية، المضللة لأفراد المجتمع، والعاملة على إخضاعهم لقيم الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، وتدفع أفراد المجتمع إلى نبذ قيم التخلف، والانحدار، واكتساب قيم التقدم، والتطور، والارتقاء، لجعل المجتمع متقدما، ومتطورا، ومرتقيا باستمرار، وفي جميع الاتجاهات.

 

ثامنا: الجمعيات التربوية المبدئية، المطهرة من سماسرة العمل التربوي، التي تسعى إلى إعداد النشء، أو إعادة إعداده، على أسس تربوية، نقيضة للأسس التربوية القائمة في المجتمعات، التي يسود فيها الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، حتى تصير التربية الجادة، والمسؤولة، والعلمية، وسيلة من وسائل تغيير الواقع، على المستوى التربوي، ولإعداد الأجيال التي تتحمل المسؤولية، وعن وعي كامل بها، حتى تصير المسؤولية في مختلف القطاعات، وسيلة مثلى، من وسائل التقدم، والتطور، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

 

تاسعا: الجمعيات التنموية المبدئية، والمطهرة من سماسرة العمل التنموي، والمناضلة من أجل إشاعة التنمية الجماعية، النقيضة للتنمية القائمة، على أساس الملكية الفردية لوسائل الإنتاج، ونشر الوعي بأهمية الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج، وللمؤسسات الخدماتية، كأسلوب اشتراكي نوعي، يتخلل المجال التنموي الرأسمالي، في المجتمعات المحكومة بالنظم الرأسمالية، ومن أجل أن تصير التنمية القائمة على أساس الملكية، والعمل المشتركين، هاجسا اجتماعيا، في المجتمعات الرأسمالية، والرأسمالية التابعة، حتى تتبين أهميتها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومن أجل تضييق الخناق على ممارسة الاستغلال الهمجي للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

 

عاشرا: باقي الجمعيات المناضلة، والمطهرة من سماسرة العمل الجمعوي، ومن الانتهازيين، والتي تشتغل على مواضيع محلية، أو إقليمية، أو جهوية، لنشر الوعي بأهمية تلك المواضيع، ودورها في تطوير الواقع المحلي، أو الإقليمي، أو الجهوي، وفي المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والتنموية الجماعية، والحقوقية، من أجل بناء مجتمع متغير باستمرار، وساع إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية.

والمنتمون إلى، والعاملون في الإطارات المختلفة، لا يتأكد وفاؤهم للشهداء، إلا إذا:

 

أولا: وضعوا حدا لممارسة كافة أشكال السمسرة، التي تسيء إلى العمل السياسي، والعمل النقابي، والعمل الحقوقي، والعمل الثقافي، والعمل التنموي؛ لأن السمسرة لا تقود إلا إلى إعادة إنتاج نفس القيم السائدة، ولا تسعى إلا إلى تحقيق التطلعات الطبقية للسماسرة.

 

ثانيا: وضعوا حدا لممارسة الانتهازية في مسلكيتهم الفردية؛ لأن المسلكية، لا تختلف عن السمسرة، في الإساءة إلى العمل السياسي، والعمل النقابي، والعمل الحقوقي… إلخ، ولأنها لا تسعى إلا إلى تحقيق التطلعات الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، للانتهازيين.

 

فالسماسرة، والانتهازيون، لا يمكن أن يكونوا أوفياء للشهداء؛ لأن الوفاء للشهداء، يقتضي التضحية، من أجل تحقيق الأهداف التي استشهدوا من أجلها. ومثل هؤلاء السماسرة، والانتهازيين، لا يمكن أن يصيروا أو فياء للشهداء، لتناقض الوفاء للشهداء، مع مصالحهم الطبقية.

 

والقيم التي يجب أن يتحلى بها الأوفياء للشهداء، المنتمون إلى، والعاملون في الأحزاب السياسية المناضلة، والنقابات المبدئية المناضلة، والجمعيات الحقوقية المناضلة، والجمعيات الثقافية المناضلة، والجمعيات التربوية المناضلة، والجمعيات التنموية المناضلة، هي القيم المجسدة لذلك الوفاء، على مستوى المسلكية، وعلى مستوى العلاقات، وعلى مستوى بناء التنظيمات المختلفة، وعلى مستوى بناء البرامج، وصياغة الأفكار، والعمل على تفعيل البرامج، والأفكار في الواقع، على جميع المستويات، حتى يصير الوفاء للشهداء، قائما على أرض الواقع.

 

000000000

 

والقيم التي يتحلى بها الأوفياء، تتجسد في:

أولا: القطع مع ممارسة الفساد، وعدم التفكير فيه، سواء كان هذا الفساد اقتصاديا، أو اجتماعيا، أو ثقافيا، أو سياسيا؛ لأن الشهداء استشهدوا من أجل القضاء على كل أشكال الفساد.

 

ثانيا: القطع مع الممارسة الانتهازية، التي يمارسها أدعياء النضال النقابي، والحقوقي، والسياسي، والتي لا يستهدفون من وراء ممارستها إلا تحقيق تطلعاتهم الطبقية، مستغلين، في ذلك، النقابات، والجمعيات الحقوقية، والجمعيات، والأحزاب السياسية المناضلة، لممارسة العمالة الطبقية، التي تمكنهم من تحقيق أهدافهم الآنية، والشخصية.

 

ثالثا: الالتزام بالنضال من أجل التحرر من الاستعباد، الذي يستهدف جميع أفراد المجتمع، من قبل الطبقة الحاكمة، وسائر المستغلين (بكسر الغين)، وكل المستفيدين من الاستغلال المادي والمعنوي للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى يبقوا تحت طائلة الاستغلال، الذي يجعلهم محرومين من كافة حقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

 

رابعا: الالتزام بالنضال من أجل تحقيق الديمقراطية، بمضامينها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، ومن أجل محاربة كافة أشكال الاستبداد، المفروضة بقوة الحديد، والنار، وتوعية المواطنين بخطورة الاستبداد على مستقبلهم، وبأهمية النضال الجماهيري من أجل تحقيق الديمقراطية.

 

خامسا: الالتزام بالنضال، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، في أفق تحقيق الاشتراكية، الضامنة للتوزيع العادل للثروة، بين جميع أفراد المجتمع، بصيرورة ملكية وسائل الإنتاج، ملكية جماعية، بعد أن كانت ملكية فردية، وبإقامة الدولة الاشتراكية، التي تحرص على التوزيع الاشتراكي للثروة الوطنية.

 

سادسا: الالتزام بالنضال النقابي الصحيح، الذي يحترم مبادئ الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والوحدوية، والذي يحترم الديمقراطية في التنظيم، ويعمل على أجرأة مبادئ المركزية الديمقراطية، والنقد، والنقد الذاتي، والمحاسبة الفردية، والجماعية، في الممارسة النقابية اليومية، لضمان الحد من الانزلاقات الخطيرة، التي تستهدف العمل النقابي بصفة عامة، والعمل النقابي المبدئي بصفة خاصة، على يد الانتهازيين، والسماسرة، الذين ابتلي بهم العمل النقابي المبدئي.

 

سابعا: الالتزام بالنضال الحقوقي الصحيح، الذي يحترم مبادئ العمل الحقوقي، المتمثلة، كذلك، في الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، والكونية، والشمولية، وضرورة الانطلاق من المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، والعمل على إشاعة حقوق الإنسان في المجتمع، والنضال من أجل ملاءمة القوانين الوطنية، مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، من أجل ضمان تمتيع جميع المواطنين بها، وقطع الطريق أمام استغلال النضال الحقوقي، من أجل تحقيق التطلعات الطبقية، ومن أجل ممارسة العمالة الطبقية.

 

ثامنا: الالتزام بالعمل على بث القيم الثقافية، الهادفة إلى تحقيق القيم الثقافية، الهادفة إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، وجعل منظومة القيم السائدة في المجتمع، قائمة على هذا الأساس، ومحاربة منظومة القيم الثقافية، الهادفة إلى جعل الجماهير تقبل بالاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، من أجل تحصين المجتمع ثقافيا، وسعيا إلى تمكين جميع أفراد المجتمع، من التحلي بالقيم الثقافية النبيلة، والإنسانية.

 

تاسعا: الحرص على بث القيم التربوية البديلة، والنقيضة للقيم التربوية السائدة، من أجل نشأة إنسان جديد، وبديل، ومتحرر، ومتقدم، ومتطور، وساع إلى بناء مجتمع مختلف اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا.

 

وهذه القيم، وغيرها، مما لم نذكر، والتي يفترض أن يتحلى بها المناضلون الأوفياء للشعب المغربي، بالخصوص، هي التي تضمن:

 

أولا: التشبع بقيم الوفاء للشهداء، الذين استشهدوا من أجل تحقيق التغيير الشامل، لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.

 

ثانيا: استحضار تضحيات الشهداء العظيمة، في ممارسة المناضلين الأوفياء، اليومية: الفردية، والجماعية.

 

ثالثا: السعي الحثيث، في اتجاه تحقيق الأهداف القريبة، والمتوسطة، والبعيدة، كتعبير مجسد عن الوفاء للشهداء.

 

رابعا: ترسيخ منهج الشهداء، وأفكارهم، في الممارسة الفردية، والجماعية للمناضلين الأوفياء، وللعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من خلال المنظمات الجماهيرية المبدئية، والأحزاب السياسية المناضلة.

 

وهذا الضمان الذي تقف وراءه القيم، التي يتحلى بها الأوفياء، هو الذي يعطي القيمة الفعلية للوفاء للشهداء، على أرض الواقع، وهو الذي يضمن أن يصير ذلك الوفاء، هو الهاجس الذي يحكم جميع أفراد المجتمع، ويدفعهم في اتجاه تسييد ذلك الوفاء للشهداء، فيما بينهم، حتى يصير دافعا أساسيا لتحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، في أفق تحقيق الاشتراكية.

 

ونعني بالانتهازية، ركوب أي شكل من اشكال النضال، بواسطة أي إطار، من الأطر الجماهيرية، أو الحزبية، من أجل ممارسة الابتزاز على الأفراد، والقطاعات المستهدفة بالنضال، وبخطط عمل الأطر المناضلة، من أجل تحقيق التطلعات الطبقية، للمبتلين بممارسة الانتهازية، وبشكل بشع، ودون حياء من العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

 

ذلك، أن الانتهازية عندما تحضر في ممارسة الأشخاص، الذين يعتبرون أنفسهم مناضلين، تصير وسيلة للحصول على ما يجعل الانتهازي، يحسن أوضاعه الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، في أفق الانتقال من طبقة اجتماعية، متدنية الدخل، إلى طبقة اجتماعية، ذات دخل مرتفع، من أجل أن يتصنف إلى جانب الطبقة الوسطى، أو إلى جانب التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف.

 

والانتهازي، هو مجرد وسيط بين المستهدف بالنضال النقابي، أو الحقوقي، أو الجمعوي، أو الحزبي، وبين الجهات المعنية بممارسة الخروقات في حق المستهدفين، والوسيط في ظل النظام الرأسمالي، أو الرأسمالي التبعي في عصرنا هذا، صار من المستفيدين بشكل كبير، من عملية الوساطة، لإدراكه الجيد، لأهمية الوساطة، التي تستهدف التقليص من استفادة المنتج، ومضاعفة ما يجب أن يحصل عليه، من المستهلك، الذي لا يبحث إلا عن حاجته، وبأي ثمن كان. وعندما يصير الانتهازي النقابي، أو الحقوقي، مجرد وسيط، فإن ما صار يهمه، ليس هو تحقيق مكاسب معينة، لصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، كمستهدفين بالنضال النقابي، أو الحقوقي، أو الجمعوي، أو الحزبي، بل ما يهمه هو تحقيق تطلعاته الطبقية، التي صارت هاجسا يوميا لكل (المناضلين) الانتهازيين، الذين صار العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين لهم معرفة بهم، يتقززون من ممارستهم البشعة، والمنحطة، التي تجمع بين بعدين:

 

أولا: البعد الظاهر، المتمثل في قيادة النضالات الجماهيرية، والسياسية، من أجل تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

 

ثانيا: البعد غير الظاهر، المتمثل في ممارسة الابتزاز على الأفراد، ذوي الملفات الخاصة من العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حتى يصير ذلك الابتزاز وسيلة لتحقيق التطلعات الطبقية ل(المناضل) النقابي، أو الحقوقي، أو السياسي، الذي يمارس الابتزاز، في نفس الوقت، على الإدارة المعنية بممارسة الخرق، في حق ذوي الملفات الخاصة، أو في حق العاملين معها.

 

فالانتهازية، إذن، هي ممارسة يتعود عليها بعض الأفراد، المنتمين إلى النقابات المبدئية، أو الجمعيات المبدئية، أو الأحزاب المناضلة، إلى درجة أنها لا تزول إلا بزوال أولئك الأفراد، لكونها تصير مرضا سرطانيا، ينخر كيانهم، ويجعلهم كالجذوع الخاوية، التي لا قبل لها بما يمكن أن تنتجه تلك الأشجار من ثمار، بقدر ما تستنزف غذاء الأغصان، وتجعلها غير قادرة على إنتاج الثمار.

 

والانتهازيون المصابون بسرطان الانتهازية، الذي يعتبر بمثابة داء الكلب، أو السعار، يتميزون ب:

 

أولا: التعامل مع جميع أفراد المجتمع، مهما كانوا، على أنهم مجال لممارسة الانتهازية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يتأتى للانتهازيين تحقيق تطلعاتهم الطبقية، في مستوياتها المختلفة، وهذا التعامل، ومن هذا المستوى، لا بد أن يصير له انعكاس خطير، على علاقة الجماهير بالتنظيمات النقابية المبدئية، وبالتنظيمات الجمعوية المبدئية، وبالأحزاب السياسية: الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية المناضلة.

 

ثانيا: التعامل مع التنظيمات النقابية المبدئية، ومع التنظيمات الجمعوية المبدئية، ومع الأحزاب السياسية المناضلة، على أنها إطارات صالحة لممارسة كافة أشكال الانتهازية، وبواسطتها، وباسمها، على المنتمين إلى تلك التنظيمات، وعلى المستهدفين بنضالاتها، وعلى الجماهير الشعبية الكادحة، وعلى الإدارة المركزية، والقطاعية، في القطاعين: العام، والخاص.

 

ثالثا: اعتبار الانتهازية ذكاء أرقى من كل أشكال الذكاء المعرفي، والعلمي، والرياضي، لكونه يمكن الانتهازيين، وبالسرعة الفائقة، من التسلق الطبقي، الذي يجعلهم يتصنفون على مستوى امتلاك الثروة، إلى جانب البورجوازيين، والإقطاعيين، الذين نهبوا ثروات الشعوب، وأصبحوا يستبدون بها، مما جعل الشعوب محرومة من الخيرات، التي ينتجها العمال، والفلاحون الفقراء، والمعدمون، وسائر الكادحين.

 

رابعا: الإصرار على الاستمرار في ممارسة الانتهازية، مهما ترتب عن ممارستها من فضائح، في صفوف الجماهير الشعبية، وفي صفوف المستهدفين بالنضالات المطلبية للنقابات، والجمعيات المختلفة، أو المستهدفين بعمل الأحزاب السياسية المناضلة، من أجل التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية.

 

خامسا: التمسك بممارسة الانتهازية، باسم الإطارات الجماهيرية، أو الحزبية المناضلة، بهدف نعت تلك الإطارات بالفساد الإداري، والسياسي، المتفشي في الإدارة، وفي الإطارات الجماهيرية، والحزبية المعروفة بفسادها في المجتمع.

 

سادسا: عدم الحرج من ممارسة الانتهازية، مهما تنوعت الفضائح، التي تلاحق الانتهازيين، وكيفما كانت تلك الفضائح، حتى وإن تمثلت في إخضاع المستهدفات، والمستهدفين بالنضال النقابي، أو الحقوقي، أو الحزبي، لابتزاز الانتهازيين، وخاصة إذا كانوا مسؤولين عن العمل النقابي، أو الحقوقي، أو الحزبي.

 

وهذه المميزات، وغيرها، مما لم نذكر، هي التي تجعلهم، في نفس الوقت، ومن منطلق انتهازي كذلك، يدعون حرصهم على التنظيم، وعلى مبادئه، وعلى الالتزام بتلك المبادئ، وعلى تنفيذ البرامج المقررة، وعلى ضرورة تحقيق أهداف التنظيم. وهم بذلك لا يسعون إلى بناء التنظيم، وترسيخه في الواقع، في تجلياته المختلفة، بقدر ما يسعون إلى التغطية على الممارسة الانتهازية، التي تطبع مسلكيتهم. فكأن الانتهازية داء عضال، لا يتخلصون منه إلا بموتهم.

 

000000000

 

والشروط الموضوعية المنتجة للممارسة الانتهازية، ترجع إلى الطبقة التي ينتمي إليها الانتهازي، وإلى طبيعة التنظيم الذي ينتهز باسمه، وإلى الواقع الذي يتحرك فيه التنظيم، وإلى المستهدفين بذلك التنظيم، مما يجعل قيام تلك الشروط بإنتاج الممارسة الانتهازية، باعتبارها ممارسة بنيوية، لا يمكن التخلص منها إلا بزوال تلك الشروط المنتجة لها.

 

فالطبقة التي ينتمي إليها الانتهازي، هي الطبقة التي يصير المنتمون إليها مرضى بالتطلعات الطبقية، مستغلين في ذلك كل ما يمكن أن يحقق تلك التطلعات، سواء كان مشروعا، أو غير مشروع، كالتهريب، والاتجار في المخدرات، والارتشاء، واستغلال النفوذ، ونهب ثروات الشعب، عن طريق التواجد في مكاتب المؤسسات المنتخبة، واستغلال تفشي الفساد الإداري، والسياسي، بالإضافة إلى الصفقات المشبوهة، وغير ذلك.

 

وقد توجه قطاعات عريضة من المأجورين، لا تنتمي إلى البورجوازية الصغرى، التي تضم بين صفوفها المرضى بالتطلعات الطبقية، ولكنها تحمل فكر هذه الطبقة، الذي يوجه ممارستها، مما جعلها هي، بدورها، تبتلى بمرض التطلعات الطبقية، مما يجعل العاملين في تلك القطاعات، يركبون بدورهم، كل المراكب المشروعة، وغير المشروعة، من أجل تحقيق التطلعات الطبقية، كما هو الشأن بالنسبة للعاملين في مختلف الإدارات العمومية، وفي الجماعات المحلية، وفي القطاعات شبه العمومية، وحتى في إدارات القطاع الخاص، وكما هو الشأن بالنسبة للعاملين في مختلف المستويات التعليمية، الذين يمارسون كافة أشكال الابتزاز على التلاميذ، وفي مختلف الجامعات، حيث يتعرض الطلبة لكافة أشكال الابتزاز المادي، بالإضافة إلى ما تتعرض له الطالبات من ابتزاز جنسي، من قبل مؤطريهم، بالإضافة إلى هضم حقوق العاملات، والعاملين في المؤسسات التعليمية الخاصة، من قبل مشغليهم، حتى يصير ما يقومون به، وسيلة لتراكم المزيد من الثروات بين أيديهم.

 

والشروط الموضوعية، التي تقف وراء انتشار الانتهازية، في صفوف البورجوازية الصغرى، أو من يحمل فكرها، تتمثل في:

 

أولا: النمط التربوي، الذي ينشأ عليه الانتهازي بين الأسرة، والمجتمع، والمدرسة، نظرا لكون النظام التربوي، يهدف إلى تنشئة الإنسان على التحلي بقيم معينة، تجعله يلجأ إلى القيام بممارسة معينة، تنسجم مع تلك القيم، وهو ما يعني، أن النظام التربوي المعتمد في المغرب، وفي غيره من البلاد العربية، هو نظام تربوي، يساهم، بقدر كبير، في تنشئة الأجيال على الممارسة الانتهازية، باعتبارها ممارسة تسعى إلى تخريب قيم التقدم، والتطور، الذي يخدم مصالح المجتمع ككل، لتحل محلها قيم التخلف، التي تقف وراء انتشار الانتهازية على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد، بين جميع أفراد المجتمع، حتى تصير الانتهازية بنيوية.

 

ثانيا: طبيعة البرنامج الدراسي، الذي لا يمكن اعتباره ديمقراطيا، وشعبيا، والذي يهدف إلى إعادة إنتاج نفس العلاقات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تختل فيها الموازين لصالح الطبقة الحاكمة، ولصالح التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، ولصالح سائر المستغلين، والمستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي، ولصالح البورجوازية الصغرى، المريضة بتحقيق التطلعات الطبقية، ولصالح حاملي هذا المرض، من العاملين في مختلف القطاعات العمومية، وشبه العمومية، وفي القطاع الخاص، وفي مختلف النقابات، والجمعيات، مما يجعلهم يركبون كل المراكب، لتحقيق التطلعات الطبقية.

 

ثالثا: انتشار الفساد الإداري، في الإدارات العمومية، وشبه العمومية، وفي إدارات الجماعات المحلية، وفي إدارة القطاع الخاص، ودون رادع من الحكومة، ومن الجهاز القضائي، الذي يعرف بدوره فسادا قضائيا، فاق كل التصورات، مما يجعل منه قضاء غير نزيه، وغير عادل، وهو ما يعطي الفرصة لتفشي كافة الأشكال الانتهازية، في صفوف نخبة الإدارة، وفي صفوف المتعاملين معها، من النخب النقابية، والجمعوية، والحزبي،ة ومن نخب مختلف الفئات الاجتماعية، التي تدعوها طبيعة عملها إلى التعامل مع الإدارة المغربية، التي ينتشر الفساد في دواليبها.

 

رابعا: الفساد السياسي، الذي تشرف على تدبيره وزارة الداخلية، بالخصوص، وفي صفوف أجهزة الدولة المتخلفة، وفي صفوف الأحزاب السياسية، التي تأسست تحت إشراف وزارة الداخلية، أو تحت إشراف الدولة نفسها، والتي صارت تنشر الفساد السياسي في المجتمع برمته، حتى يصير معظم أفراد المجتمع، ممارسين للفساد السياسي، في مختلف المحطات الانتخابية، ومن خلال الأجهزة، التي تجد الأحزاب السياسية الممارسة للفساد نفسها مسؤولة عنها، أو مساهمة في تلك المسؤولية، مما يجعل الفساد السياسي في المجتمع، ومن خلال المؤسسات المنتخبة، مصدرا أساسيا، ومهما، لتفريخ الممارسة الانتهازية في المجتمع، والتي لا تستفيد منها إلا الطبقة الحاكمة، وكل المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي، والساعين إلى تحقيق تطلعاتهم الطبقية.

 

خامسا: الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، الناجم عن التهريب، وانتشار المخدرات، والاتجار فيها، وبطبيعة البرامج التعليمية، ونشوء بورجوازية خليعة، ومتخلفة، وانتشار ظاهرة الإرشاء، والاتشاء، واستغلال النفوذ، والتناقضات القائمة بين التوجهات المحافظة، والتوجهات الحديثة، وتضارب مختلف القيم في المجتمع، وغياب الاهتمام بتربية جادة، ومسؤولة، مما يجعل المجتمع المستهدف بالفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، معرضا للتخريب الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، الأمر الذي يبقي الأبواب مفتوحة أمام تفشي الممارسة الانتهازية.

 

سادسا: الفساد الذي يطال المنظمات الجماهيرية: النقابية، والجمعوية، بما فيها تلك المعروفة بمبدئيتها، مما يجعل المسؤولين عن تنظيماتها، وفي مستوياتها المختلفة، ممارسين للانتهازية بشكل فج، فكأن ممارسة الانتهازية، تدخل في إطار تفعيل البرامج النقابية، أو الجمعوية، مع العلم أنها ليست إلا نتيجة للفساد، الذي انتقل إلى صفوف النقابيين، والجمعويين، الذين يفترض فيهم أنهم يحاربون كل أشكال الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، الشائعة في المجتمع، من منطلق انتمائهم إلى إطارات مناضلة.

 

وهكذا، يتبين أنه من منطلق النمط التربوي، الذي ينشأ عليه الانتهازي، وطبيعة البرنامج الدراسي، وانتشار الفساد الإداري، في الإدارات العمومية، وقيام الفساد السياسي في المجتمع، وتفشي الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، وتسرب الفساد إلى المنظمات الجماهيرية النقابية، والجمعوية، بما فيها المعروفة بمبدئيتها، لا يمكن أن ينتج إلا انتشار الانتهازية في صفوف البورجوازية الصغرى، أو من يحمل فكرها، مما يجعل الوفاء للشهداء، بين أدعياء النضال، غير وارد.

 

والغاية من ممارسة الانتهازية، تختلف من انتهازي، إلى آخر. فالانتهازي العامل في الإدارة، في القطاعين: العام، والخاص، وخاصة إذا كان يتحمل المسؤولية الأولى، يستغل منصبه للمزيد من الارتشاء، لإحداث تراكم هائل من الثروات، التي تمكنه من تحقيق تطلعاته الطبقية، التي تجعله عندما يغادر الإدارة، يتصنف إلى جانب كبار الأثرياء، على مستوى ملكية العقار، وعلى مستوى الاستثمار فيه. وهذه الممارسة التي يعتمدها العاملون في الإدارة، والتي تنقلهم من وضعية، إلى وضعية أخرى، على مستوى تراكم الثروات، والمبالغة في الاستهلاك، هي التي تقف وراء استفحال أمر الفساد الإداري، الذي لا يمكن اعتباره إلا نتيجة لتضخم الذات الانتهازية، لدى العامل في الإدارة المغربية، وفي القطاعين: العام، والخاص.

 

فالانتهازي الحزبي، الذي يستغل مسؤوليته الحزبية، من أجل العمل على التقرب من السلطات المختلفة، وإظهار الولاء المطلق لها، وبصفته الحزبية، من أجل أن تزور لصالحه الانتخابات، حتى يصير مسؤولا جماعيا، أو عضوا في البرلمان، حتى يوظف صفته الحزبية / التمثيلية، لنهب ثروات الجماعات المحلية، والتمتع بمختلف الامتيازات، التي تمكنه من التمتع بإحداث تراكم هائل، من الثروات الناتجة، إما عن ممارسة نهب ثروات الجماعات المحلية، أو عن طريق الحصول على المزيد من الامتيازات، خاصة، وأن ظاهرة الانتهازية، التي يمكن وصفها بالسياسية، لا تنتعش إلا في ظل دستور غير ديمقراطي، وغير شعبي، وفي ظل قيام الدولة المخزنية / الاستبدادية، وفي حضور هاجس الجمع بين السلطة، والثروة، وبسبب الحرمان من التمتع بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، أي في ظل غياب الديمقراطية، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

 

والانتهازي النقابي، الذي يستغل مسؤولياته النقابية، من أجل ممارسة الابتزاز المزدوج، على الإدارة المعنية بالعمل النقابي العام، أو القطاعي، من أجل تلقي رشاوى باهظة، من المشغل، أو من أجل التمتع بالمزيد من الامتيازات، التي تمكنه من إحداث تراكم هائل، على مستوى الثروة، ومن أجل المبالغة في التظاهر بالثراء، وعلى أفراد الشغيلة المعنية بالعمل النقابي، الذين يخضعون بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة، لتكريس الابتزاز في حقهم، إن هم عملوا على تلبية مطالب المسؤولين النقابيين، الذين يقفون، أو يتوسطون من أجل تسوية ملفاتهم الإدارية في القطاع العام، أو في القطاع الخاص. وهو ما يعني الزيادة في مضاعفة ثروات النقابيين، الذي يترتب عنه مضاعفة استهلاكهم، ومن أجل أن يصيروا عن طريق العمل النقابي، من كبار الأثرياء، كما هو واضح، فيما يصير عليه سماسرة العمل النقابي، سواء كانوا يتحركون باسم النقابات اللا مبدئية، أو باسم النقابات المبدئية، الذي لا ينفي وجود نقابيين، ينزهون أنفسهم عن ممارسة السمسرة، وعن الاتصاف بالممارسة الانتهازية.

 

والانتهازي الجمعوي: الحقوقي، أو الثقافي، أو التربوي، يتخذ من العمل الجمعوي، وسيلة لممارسة الابتزاز على الجهات المستهدفة بالعمل الجمعوي، حتى تتصرف الجمعيات الحقوقية، أو الثقافية، أو التربوية، تصرفا يغضبهم، وحتى لا تطرح الجمعيات مطالب تقلقهم. وبما أن المستهدفين بالعمل الجمعوي، غير ثابتين، وغير معنيين بالملفات الفردية، فإن المسؤولين عن الجمعيات، يلجأون إلى طلب التمويلات التي يبتزون جزءا كبيرا منها لصالحهم، مما ينقلهم من مستوى طبقي، إلى مستوى طبقي آخر، يتناقض تناقضا مطلقا مع مستوى دخل الممارس للانتهازية، باسم العمل الجمعوي، كما يظهر ذلك واضحا في ممارسة العاملين للعمل الجمعوي التنموي.

 

والانتهازي الذي يمارس التهريب، يهرب البضائع بثمن بخس، من وإلى المغرب، ليبيعها في السوق المستقبلة للبضائع، بأضعاف قيمتها، مما يجعله يحقق أرباحا طائلة، دون ما انتباه إلى ما يشكله ذلك من خطورة داهمة، على الاقتصاد الوطني، ليصير الانتهازي في ظرف وجيز، من أصحاب الثروات الهائلة، التي توظف في احتكار العقار، الذي تتضاعف قيمته بسبب ذلك.

 

والانتهازي المروج للمخدرات، هو بدوره يصدر، أو يجلب أشكالا من المخدرات، التي يروجها بطرق غير مشروعة، بين أبناء الشعب، الذين يصيرون منخورين بسبب استهلاكهم لها، مقابل ما يتجمع لدى الانتهازي، المروج للمخدرات، من أموال طائلة، وغير مشروعة، يعمل بدوره على توظيفها، في احتكار العقار، مما يجعله يساهم، بدوره، في الرفع من قيمته، حتى تزداد أرباحه التي تصير بدون حدود، وأمام أنظار المسؤولين، الذين يدركون جيدا، خطورة الاتجار في المخدرات، على جميع أفراد المجتمع.

 

والانتهازي الممارس للتجارة، يحرص على احتكار البضائع المطلوبة، حتى ترتفع قيمتها في السوق، حتى تزداد أرباحه، ليزداد احتكارا، ليصير رأسماله مؤهلا للتصنيف إلى جانب التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، مالكا للعقارات الواسعة، التي تصير بدورها محتكرة من قبله، حتى ترتفع أثمانها، ليضمن المزيد من الثراء. فهو تاجر، ويستغل في مجال الزراعة، وتربية الماشية، وغيرها، إن لم يشتغل في التهريب، وفي تجارة المخدرات، وغيرها من الأعمال التي تعتبر غير مشروعة دوليا، نظرا لوقوفها وراء تحقيق الأرباح الطائلة للتجار الانتهازيين، الذين يساهمون، بشكل كبير، في إلحاق المزيد من الأضرار الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

 

فالانتهازية إذن، مرض يشمل الحزبي، والنقابي، والجمعوي، ومهرب البضائع، وتاجر المخدرات، والتاجر، لتنتشر بسببها الكوارث في المجتمع، الذي يعاني أبناؤه كثيرا، بسبب ذلك، لأن ما يهم الانتهازي، هو تحقيق الثروات الهائلة، عن طريق اللجوء إلى الممارسة الانتهازية.

 

000000000

 

وبالنسبة للقيم التي تسود في المجتمع، بسبب تفشي الممارسة الانتهازية، نجد أن هذه القيم، هي إفراز لواقع معين. والواقع الذي تتفشى فيه الممارسة الانتهازية، لا يمكن أن يفرز إلا القيم الانتهازية، التي لا تكون إلا منسجمة مع تلك الممارسة، حتى تعبر عن ما يجب أن يصير عليه المجتمع، على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد.

 

فعلى المستوى الاقتصادي، نجد أن المجتمع يعرف نمو شكل من القيم، التي تجعل الحاملين لها، يحرصون على جمع الثروات، بطرق مشروعة، وغير مشروعة، ملتمسين في سبيل ذلك، كل الحيل التي تجعلهم يمرون إلى الحصول على الثروات، التي ليست لهم، فيسعون إلى الإرشاء، والارتشاء، والاتجار في المخدرات، وفي تهريب البضائع، وفي الاحتكار، وفي كل ما يقود إلى الحصول على المزيد من المال، حتى وإن كان ذلك على حساب كرامته الإنسانية، التي تختفي قيمها، لتحل محلها القيم الانتهازية، المؤدية إلى حصول التراكم الرأسمالي.

 

وعلى المستوى الاجتماعي، نجد أن الحرص على تكديس الثروات، يقف وراء التفكك الأسري، ووراء إهمال تربية الأولاد، واختفاء احترام العلاقات الإنسانية، وتدهور المستوى التعليمي، والصحي، وانعدام التشغيل على أساس امتلاك الكفاءة، والمؤهلات المناسبة، لطبيعة العمل، واحتكار البضائع، والعقار، وارتفاع الأسعار بدون موجب حق، مما يجعل مظاهر التفاوت الطبقي، تزداد حدة، مما يؤدي إلى انتشار الفقر، والبؤس، وكل أشكال الأمية، وهمجية الاستغلال، وغيرها من الكوارث، التي تصير بنيوية في المجتمع الذي تنتشر فيه الانتهازية، بأشكالها المختلفة.

 

وعلى المستوى الثقافي، نجد أن مضامين الثقافة المعتمدة، ومضامين الأدوات الثقافية، والوسائل الثقافية المعتمدة رسميا، وفي معظم الجمعيات الثقافية، ولدى المثقفين الذين تعتمد إنتاجاتهم الثقافية، لا تساهم إلا في إنتاج القيم الثقافية المنتجة للممارسة الانتهازية، الفردية، والجماعية. والإعلام المروج للثقافة، باعتباره وسيلة للتثقيف، هو إعلام انتهازي، ومنتج للممارسة الانتهازية، وساع في نفس الوقت، إلى إنتاج المزيد من الممارسة الانتهازية، على المدى المتوسط، والبعيد. والبرامج التعليمية، المعتمدة في تنشئة الأجيال الصاعدة، لا يمكن أن تنشئ إلا حاملي القيم الانتهازية، إلى درجة أن من لا يمارس الانتهازية في المجتمع، يصير غريبا عن المجتمع.

 

ومعلوم، أن المستوى الثقافي، يصير أكثر خطورة على مستقبل الأجيال، من أي مستوى آخر، ولكن المستويات الأخرى، تفرض شيوع الممارسة الانتهازية في المجتمع، فإن القيم الثقافية، هي قيم ملتصقة بالشخصية الفردية، والجماعية، وتساعد على إعداد الإنسان، لتقبل القيام بالممارسة الانتهازية.

 

وعلى المستوى السياسي، فالممارسة الانتهازية السياسية، هي أم باقي الممارسات الانتهازية؛ لأنها تهدف إلى الوصول في المحطات السياسية، إلى المسؤوليات الأساسية في المجالس الجماعية، التي تمكن المسؤولين الجماعيين، من نهب الثروات الجماعية، واستغلال تلك المسؤوليات، وبطريقة انتهازية فجة، لممارسة الابتزاز على المواطنين المنتمين إلى الجماعة، أو الذين تضطرهم الظروف إلى التعامل مع الجماعة، واستغلال المسؤوليات الحزبية، لممارسة الابتزاز على مسؤولي الإدارة، في مستوياتهم المختلفة، بالإضافة إلى الانتقال من حزب غير مرغوب فيه، من قبل الإدارة، إلى حزب يعتبر حزبا إداريا، أو حزبا للدولة، وبطريقة انتهازية غير مقبولة على المستوى الأخلاقي، في العلاقة مع المواطنين، مما يجعل الانتهازية السياسية غير المقبولة، هي القاعدة، التي يعتمدها مدعو الممارسة السياسية.

 

ولذلك، نجد أن الانتهازية على المستوى السياسي، تفرض التحلي بقيم الانتهازية السياسية، التي تزول معها كل العوائق، التي تجعل الممارسة الانتهازية السياسية، لا تشكل أي حرج، بالنسبة للمتحلي بتلك القيم، في علاقته بالجماهير الشعبية الكادحة بالخصوص، التي يتم تزوير إرادتها، على المستويات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يتأتى للانتهازيين السطو على إرادة الجماهير، واستغلالها، وبطريقة انتهازية، لصالح ممارسة نهب ثروات الشعب، وتكديس المزيد من الثروات، التي تصنف الانتهازي، إلى جانب الطبقات المستغلة، والمستفيدة من الاستغلال المادي، والمعنوي للجماهير الشعبية الكادحة.

 

فالقيم التي تسود في المجتمع، والتي تقود إلى تفشي الممارسة الانتهازية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مما يجعل المجتمع، برمته، فاسدا، ومما يجعل الفساد، في حد ذاته، أكثر ممارسة من قبل العناصر الفاسدة في المجتمع، ودون حرج، يصيب الانتهازيين، أمام الجماهير المعنية، التي تعاني من ويلات الممارسة الانتهازية.

 

والعلاقة القائمة بين الوفاء للشهداء، وبين الممارسة الانتهازية، لا يمكن أن تكون جدلية، ولا يمكن أن تكون كذلك عضوية، لأنها لا يمكن أن تكون إلا علاقة تناقض؛ لأن:

 

أولا الوفاء للشهداء الذين ضحوا بأرواحهم، يقتضي التضحية، والبذل، والعطاء، والالتزام بنهج الشهداء، والسير على خطاهم، والعمل على تطور أفكارهم، والسعي إلى تجسيدها على أرض الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، والانخراط في كل الأشكال النضالية، الهادفة إلى التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، في أفق الاشتراكية.

 

ثانيا: خيانة الشهداء، تقتضي عدم التضحية، وعم البذل، وعدم العطاء، وعدم الالتزام بنهجهم، وعد السير على خطاهم، وتجنب تفعيل أفكارهم في الواقع، وعدم تجسيدها في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وتجنب تفعيل النضال المطلبي، والسياسي، وعدم الانخراط في كل الأشكال النضالية، من أجل المحافظة على الواقع، كما هو، حتى يبقى في خدمة الطبقة الحاكمة، وسائر المستفيدين من الاستغلال المادي، والمعنوي، وكافة الانتهازيين، أنى كان لونهم الجماهيري: النقابي، أو الحقوقي، أو الثقافي، أو السياسي.

 

ولذلك، فالتناقض القائم بين الوفاء للشهداء، وبين الانتهازية، هو تناقض رئيسي، نظرا لكون الانتهازيين، يسعون إلى تحقيق تطلعاتهم الطبقية، على حساب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، ولأنهم لا يمكن أن يكونوا، بممارستهم الانتهازية، إلا في خدمة الطبقة المستغلة: البورجوازية، أو الإقطاعية، أو من يدور في فلكهما.

 

وهذا التناقض القائم بين الوفاء للشهداء، وبين الانتهازية، يتجسد في ممارسة الأوفياء للشهداء، وفي ممارسة الانتهازيين، على المستويات الجماهيرية، والحزبية المختلفة، وفي المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يتأتى التفريق الواضح بينهما.

 

فالأوفياء للشهداء، يتمرسون على استحضار التضحيات العظيمة، التي قدمها الشهداء في حياتهم، حتى استشهادهم، من أجل انتزاع مكاسب معينة: اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية، لصالح الجماهير الشعبية الكادحة، سعيا إلى أن يصير الشعب سيد نفسه، حتى يتمكن من تقرير مصيره.

 

والانتهازيون، لا يستحضرون إلا مصالحهم الخاصة، من أجل أن يتحسسوا انتهاز الفرص، من أجل تحقيق خدمة تلك المصالح، وسعيا إلى جعل العمل الانتهازي، هو القاعدة، في المجال الذي يتحركون فيه، وأملا في أن تصير الانتهازية مشروعة، حتى يصير الانتهازيون محققين لتطلعاتهم الطبقية، التي تشكل هدفا مركزيا للممارسة الانتهازية.

 

ولذلك، نجد أنه لا مجال للالتقاء بين قيمة الوفاء للشهداء، وبين قيمة الانتهازية، لا على مستوى العلاقة الجدلية، ولا على مستوى العلاقة العضوية، اللتين تصيران منتفيتين، لطغيان علاقة التناقض، الذي لا يكون إلا رئيسيا.

 

وانطلاقا من هذه الخلاصة، فإن علاقة التناقض القائمة بين الوفاء للشهداء، وبين الانتهازية، تفرض إيجاد آليات علمية دقيقة، تعتمدها الحركات المناضلة، من أجل تسييد قيم الوفاء للشهداء، ونفي الممارسة الانتهازية، من المسلكية الفردية، والجماعية، من أجل الارتقاء بالمجتمع، إلى مستوى وحدة الطموحات الكبرى، المتمثلة في التحرير، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، في أفق الاشتراكية.

 

ومن هذه الآليات، نجد:

 

أولا: آلية الفضح، التي يجب أن تستهدف الممارسة الانتهازية، ومن ينتجها، وتشريح تلك الممارسة، وبيان خطورة نتائج اعتمادها على مصير الشعب، بصفة عامة، وعلى مصير العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بصفة خاصة، سواء كانت الانتهازية إدارية، أو نقابية، أو جمعوية، نظرا لكون مصادرها متعددة، ومحددة.

 

ثانيا: آلية المساءلة، التي تقتضي إخضاع كل الانتهازيين، أو كل من يثبت في حقه أنه يسعى إلى إنتاج الممارسة الانتهازية، أو أنه مارسها، فعلا، في واقع عيني معين، حتى يتم الحد من إنتاج الممارسة الانتهازية، في أفق استئصالها من الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، ومن الإدارة، ومن النقابات، والجمعيات، والأحزاب السياسية.

 

ثالثا: آلية المحاسبة الفردية، والجماعية، في حالة التحقق من إنتاج الممارسة الانتهازية، في الإدارة، أو في النقابة، أو في الجمعية، أو في الحزب السياسي، واتخاذ الإجراءات الضرورية للحد من إنتاج الممارسة الانتهازية، في حق ممارسي الانتهازية، وفي حق منتجيها.

 

رابعا: ممارسة النقد، والنقد الذاتي، بعد ثبوت القيام بالممارسة الانتهازية، من أجل تأنيب الممارس لها، وتأليب الوسط الذي يعيش فيه ضده، ومن أجل الدفع به إلى تقديم النقد الذاتي، أمام الإطار الذي مورست فيه الانتهازية، وأمام من مورست في حقه الانتهازية، من أجل الإمساك عن إنتاجها، وبصفة نهائية.

 

خامسا: آلية محاكمة الانتهازيين، الذين تثبت في حقهم الممارسة الانتهازية، ويرفضون المحاسبة، والنقد، والنقد الذاتي، عن طريق إحالتهم على القضاء الحر، والنزيه، الذي يقول كلمته فيهم.

 

وهذه الآليات، وغيرها، مما يمكن اعتماده من آليات أخرى، إذا تم تفعيلها، لا بد أن تعمل على الحد من الممارسة الانتهازية، على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد.

 

000000000

ويعتبر الوفاء للشهداء مصلا ضد الانتهازية، نظرا لكونه يؤدي إلى العمل على استئصال كافة أشكال الانتهازية، في مستوياتها المختلفة، وفي كل التنظيمات المناضلة: جماهيريا، وسياسيا، وفي الإدارة، وفي صفوف أفراد الشعب، سعيا إلى:

أولا: بناء مسلكية فردية، وجماعية، نافية لكل أشكال الانتهازية، ومواجهة للمتشبعين بها، ومشكلة للبديل الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، حتى يتطهر النسيج الجماهيري: النقابي، والجمعوي، والنسيج الحزبي، والنسيج الاجتماعي / الشعبي، والإدارة، من الانتهازية التي تنخر كل شيء، والتي لا يستفيد منها إلا الانتهازيون، الذين لا يخدمون إلا مصالح الحكام، وكل المستغلين.

 

ثانيا: بناء منظمات نقابية مبدئية: ديمقراطية، وتقدمية، وجماهيرية، ومستقلة، ووحدوية، تسعى إلى جعل النضال من أجل تحسين الأوضاع المادية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، على يد مناضلين أوفياء، لا تعرف الانتهازية إلى مسلكيتهم سبيلا، لتصير الممارسة النقابية خالية من الانتهازية.

 

ثالثا: بناء منظمات حقوقية، مبدئية: ديمقراطية، وتقدمية، وجماهيرية، ومستقلة، وكونية، وشمولية، تكون مرجعيتها الأساسية: هي المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ول ما له علاقة بتلك المواثيق، يقود نضالاتها مناضلون أوفياء، متحصنين من الممارسة الانتهازية، التي صارت تنخر العمل الحقوقي، حتى تصير المنظمات الحقوقية وفية لمبادئها، ومستحضرة لتضحيات الشهداء، من أجل أن يتمتع جميع الناس، بجميع الحقوق.

 

رابعا: بناء جمعيات تربوية مبدئية: ديمقراطية، وتقدمية، وجماهيرية، ومستقلة، تسعى إلى العمل على إيجاد تربية بديلة، لتنشئة الأجيال الصاعدة على أساسها، حتى تصير تلك الأجيال قادرة على المساهمة في تغيير الواقع، انطلاقا من القيم التربوية، التي تنشأ عليها، والتي لا تكون إلا خالية من الممارسة الانتهازية، التي تسيئ إلى الأجيال الصاعدة، وتخرب مستقبلها الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، كما هو حاصل في واقع الشعب، بسبب التربية المنحرفة، التي تتلقاها الأجيال الصاعدة، انطلاقا من الأسرة، ومرورا بالمجتمع، وبالجمعيات اللا مبدئية، وبالمؤسسات اللا تربوية المختلفة، وانتهاء بالمدرسة التي تعتمد نظاما تربويا / تعليميا، لا ديمقراطيا، ولا شعبيا، لا يمكن أن ينتج إلا المنحرفين، الذين ينقلون انحرافهم إلى الواقع، في تجلياته المختلفة. وهو ما يعني، أن بناء جمعيات تربوية مبدئية، لا بد أن يساهم في إيجاد تربية بديلة، لتنشئة أبناء الشعب على التحصن، ضد كل أشكال الممارسة الانتهازية، التي تسيء إلى كرامة الإنسان.

 

خامسا: بناء جمعيات ثقافية مبدئية: ديمقراطية، وتقدمية، وجماهيرية، ومستقلة، تسعى إلى إيجاد ثقافة بديلة: ديمقراطية، وجماهيرية، وتقدمية، ومستقلة، تهدف إلى جعل القيم الديمقراطية، والتقدمية، ملتصقة بالمسلكية الفردية، والجماعية، لأبناء الشعب كقيم ثقافية متقدمة، ومتطورة، وساعية إلى التغيير، الذي يحرص أبناء الشعب على تحقيقه في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، خاصة، وأن القيم التربوية الثقافية: الديمقراطية، والتقدمية، تعتبر وسيلة أساسية، لاستئصال الممارسة الانتهازية، من المسلكية الفردية، والجماعية، حتى يصير أفراد المجتمع، محصنين ضد الانتهازية، التي تنخر كيانهم.

 

سادسا: بناء أحزاب ديمقراطية، وتقدمية، ويسارية، وعمالية، خالية من كل أشكال التحريف، الذي يقودها إلى خدمة مصالح الطبقة الحاكمة، ومن يدور في فلكها، حتى تصير في خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وساعية إلى تحقيق أهدافها المرحلية، والإستراتيجية، ومناضلة، من أجل جعل الكادحين، وطليعتهم الطبقة العاملة، تلتف حول برامجها النضالية، التي تعمل على تغيير الواقع، وجعله في خدمة مصالحهم، بالتحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.

 

فبناء مسلكية فردية، وجماعية، نافية لكل أشكال الانتهازية، وبناء منظمات نقابية مبدئية، ومنظمات حقوقية مبدئية، وجمعيات تربوية مبدئية، وجمعيات ثقافية مبدئية، وبناء أحزاب ديمقراطية، وتقدمية، ويسارية، وعمالية، وتفعيلها جميعا، انطلاقا من برامج محددة، لا بد أن تساهم، بشكل كبير، في التقليص من حدة انتشار الممارسة الانتهازية، في صفوف النقابيين، وفي صفوف المستهدفين بالعمل النقابي، وفي صفوف الحقوقيين، والمستهدفين بالعمل الحقوقي، وفي صفوف التربويين، والمستهدفين بالعمل التربوي، وفي صفوف المثقفين، والمستهدفين بالعمل الثقافي، وفي صفوف الحزبيين الديمقراطيين، والتقدميين، واليساريين، والعماليين، والمستهدفين بالعمل الحزبي الديمقراطي، والتقدمي، واليساري، والعمالي، حتى يصير أفراد الشعب جميعا، محصنين ضد الانتهازية.

 

وتحصن أفراد المجتمع ضد الانتهازية، لا بد أن يؤدي إلى انتفاء الكثير من الأمراض الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، لينتفي، بسبب ذلك، الفساد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، الذي يقف عرقلة في سبيل التقدم، والتطور الذي ينشده البشر باستمرار، باعتباره مساعدا على تغيير شروط استمرار الوجود الإنساني على وجه الأرض، وفي صفوف الشعب.

 

ولذلك، نعتبر أن الوفاء للشهداء، يقف وراء استئصال الانتهازية من الواقع. والأوفياء للشهداء، وحدهم، يقومون بعملية استئصالها، لتأكيد استمرار الشهداء على أرض الواقع.

 

وكما يعتبر الوفاء للشهداء مصلا ضد الانتهازية، فإنه يؤدي إلى التحرر من الممارسة الانتهازية، الذي يعتبر هدفا مركزيا، في حد ذاته، نظرا للتناقض الصارخ بينهما.

 

وحتى نتملك التحرر من الممارسة الانتهازية، لتحقيق الوفاء للشهداء، الذين ضحوا بأرواحهم، في سبيل تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، لا بد من:

 

أولا: القطع مع مختلف التنظيمات، المعروفة بانتهازيتها، وعدم الارتباط بها جماهيريا، وسياسيا، حتى لا يصير الارتباط بها، معبرا لمرور الانتهازية إلى المسلكية الفردية، والجماعية، داخل التنظيمات، وفي صفوف الجماهير الشعبية الكادحة، وحفاظا على سلامة المجال، وسلامة العلاقات من الممارسة الانتهازية، التي تؤدي إلى خراب المجال، وخراب العلاقات الاجتماعية، والإنسانية.

 

ثانيا: القطع مع العناصر الممارسة للانتهازية، في التنظيمات المختلفة، والعمل على فضحها داخل التنظيم، وخارجه، حتى يعي بخطورتها المنتمون إلى التنظيم، ويعملون على إبعادهم، حتى يتأتى للتنظيم استعادة عافيته، من مرض الممارسة الانتهازية، الذي يبتلي به بعض أفراده.

 

ثالثا: الحرص على تحصين الشخصية الفردية، والجماعية، للمناضل الجماهيري، والحزبي، ولجميع المنتمين إلى التنظيم الجماهيري، أو الحزبي المناضل، ضد تسرب الممارسة الانتهازية، الفردية، والجماعية، حتى يتأتى العمل على جعل المجال المستهدف بالتنظيم الجماهيري، أو الحزبي، خاليا من الانتهازية الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بعد قيادة الحملات ضد الانتهازية، في صفوف العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، انطلاقا من استحضار التضحيات التي قدمها الشهداء، من أجل مجتمع خال من الممارسة الانتهازية، وتعبيرا عن الوفاء لهم.

 

رابعا: الانخراط في النضالات، الهادفة إلى محاربة الفساد: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، والإداري، والناتج، بالدرجة الأولى، عن الممارسة الانتهازية، نظرا للدور الذي يلعبه الفساد في تخريب الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، مما يؤدي إلى خراب المسلكية الفردية، والجماعية، ليتحول المجتمع، برمته، إلى مفرخة للفساد، الناتج عن مفارخ الممارسة الانتهازية.

 

ولذلك، نجد أن الانخراط في محاربة الفساد، في مستوياته المختلفة، يكتسي أهمية خاصة؛ لأنه يقود إلى استئصال الفساد، والانتهازية، في نفس الوقت، من الواقع، في تجلياته المختلفة.

 

خامسا: الانخراط في النضالات، الهادفة إلى محاربة الاستبداد، الذي يعتبر إطارا لإنتاج الفساد: الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، باعتباره الوسيلة المثلى، لخدمة مصالح الطبقة الحاكمة، وسائر الممارسين للاستغلال المادي، والمعنوي للمجتمع، ولتعميق استغلال العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين: اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، وتكديس المزيد من الثروات، على حساب المزيد من إفقار الجماهير الشعبية الكادحة.

 

فالاستبداد، يعتبر كارثة، تصاب بها البشرية، ومحاربته، تعتبر ضرورة سياسية، وتاريخية، وإنسانية، من أجل وضع حد له، حتى تتحرر الجماهير الشعبية الكادحة منه.

 

سادسا: الانخراط في النضالات، الهادفة إلى وضع حد للاستغلال، في مظاهره: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من أجل التقليص من حدته، وفي أفق القضاء عليه، بتحقيق تحويل الملكية الفردية، إلى ملكية جماعية، من أجل صيرورة فائض القيمة، في خدمة مجموع الجماهير الشعبية الكادحة، عن طريق أجرأة التوزيع العادل للثروة الوطنية، بين جميع أفراد المجتمع.

 

سابعا: الانخراط في النضالات الهادفة إلى محاربة الاستعباد، الذي صار سمة أساسية، في العلاقات الاجتماعية، وبين الطبقات الممارسة للاستغلال، والتي يمارس عليها الاستغلال، وبين الحكام، والمحكومين، وبين العاملين في الإدارة، والمواطنين، وبين المدرسين، والتلاميذ، وبين الآباء، والأبناء، وبين التجار، والمستهلكين، من منطلق صيرورة الاستعباد، داء عضالا، يصاب به كل ذي نفوذ، حتى وإن كان ذلك النفوذ بسيطا. والقضاء على الاستعباد، يؤدي إلى التحرر منه، والسعي إلى إحلال الحرية محل الاستعباد، على جميع المستويات.

 

ثامنا: الانخراط في النضالات الهادفة إلى تحرير الإنسان، عن طريق تمتيعه بكافة حقوقه: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي تستحضر إنسانية الإنسان، على جميع المستويات؛ لأنه بدون التمتع بالحقوق المختلفة، يبقى البشر مستعبدا، ولأن التمتع بها، يدفع في اتجاه التحرر من العبودية، التي صارت مرض العصر، لتناقضها مع ما وصل إليه الإنسان من تطور اقتصادي، واجتماعي، وثقافي، ومدني، وسياسي.

 

تاسعا: الانخراط في النضال الديمقراطي، الهادف إلى جعل الشعب مصدرا للسلطات المختلفة، عن طريق تمكينه من اختيار المؤسسات التمثيلية الحقيقية، في إطار انتخابات حرة، ونزيهة، لا وجود للفساد السياسي فيها، وتحت إشراف هيأة مستقلة، انطلاقا من إقرار دستور ديمقراطي / شعبي، يضعه مجلس تأسيسي، ويعرضه على الاستفتاء الشعبي، بعد إخضاعه للمناقشة الجماهيرية الواسعة، وبعد الاسترشاد في إعادة صياغته، بكافة المقترحات، حتى يصير الشعب فعلا سيد نفسه، ومقررا لمصيره، بتحقيق الديمقراطية، بمضامينها: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

 

عاشرا: الانخراط في النضال، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، المتمثلة في التوزيع العادل للثروة، بتمتيع جميع أفراد الشعب، بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، عن طريق ملاءمة القوانين الوطنية، مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومع كل الاتفاقيات الدولية المتعلقة بتلك الحقوق، حتى يصير الالتزام بتطبيق القوانين الوطنية، وسيلة لتمكين أفراد الشعب، من التمتع بكل حقوقهم المختلفة، حتى يشعروا بإنسانيتهم، التي تعتبر ضرورة، في تحقيق العدالة الاجتماعية.

 

وبذلك، يتبين أن القطع مع التنظيمات المعروفة بانتهازيتها، والقطع مع العناصر الممارسة للانتهازية، والحرص على تحصين الشخصية الفردية، والجماعية للمناضل الجماهيري، أو الحزبي، وللمنتمين إلى نفس التنظيم الجماهيري، أو الحزبي، والانخراط في النضالات الهادفة، إلى محاربة الفساد، في مظاهره المختلفة، وفي النضالات الهادفة إلى محاربة الاستبداد القائم، والاستبداد البديل، وفي النضالات الهادفة إلى وضع حد للاستغلال، وفي النضالات الهادفة إلى محاربة الاستعباد، وفي النضالات الهادفة إلى تحرير الإنسان، وفي النضال الديمقراطي، الهادف إلى جعل الشعب مصدرا للسلطات المختلفة، وفي النضال من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، لا يمكن أن يصدر كل ذلك، إلا من الأوفياء للشهداء، الذين ضحوا بأرواحهم، من أجل كل ذلك. والأوفياء، هم، وحدهم، الذين يدركون أهمية تضحيات الشهداء، مما يجعلهم يستمرون على نهجهم، وفاء، وتضحية، ونضالا، واستعدادا للاستشهاد، من أجل تحقيق الأهداف الإنسانية النبيلة.

 

000000000

 

والشهداء، قد يصيرون منطلقا لممارسة الانتهازية، في جميع الاتجاهات، نظرا لكون مستغلي دماء الشهداء، يجعلون الجماهير الشعبية تعتقد: أن ما يمارسه الانتهازيون على أرض الواقع، هو ما ضحى من أجله الشهداء، كما حصل مع استغلال الشهيد المهدي بنبركة، على المستوى الحزبي، والجماهيري، والوطني، والدولي، وكما حصل مع استغلال الشهيد عمر بنجلون، والشهيد محمد كرينة، وكما يحصل مع كافة الشهداء، الذين استشهدوا من أجل العمل على تحقيق ما يومنون به، وعلى جميع المستويات.

 

فالشهداء، عندما يستشهدون، لا يستشهدون من أجل الحزب الذي ينتمون إليه، أو الجماعة التي يعتبرون أنفسهم من بين أعضائها، أو الجمعية التي كانوا يعملون في إطارها، بل من أجل الشعب، الذي سعوا إلى رفع الحيف عنه، وإخراجه من حالة القهر، والظلم، والطغيان، التي يعيشها في ظل سيادة الاستعباد، والاستبداد، والاستغلال، عن طريق التحرير، والبناء الديمقراطي، وتحقيق العدالة الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية.

 

وما دام الشهداء، شهداء الشعب، فإن استغلالهم لا يمكن أن يكون إلا خيانة لأفكارهم، التي استشهدوا من أجلها. والخيانة لا يمكن أن تعبر أبدا عن الوفاء، الذي لا يعني إلا الالتزام بمنهج الشهداء، والنضال على أساس ذلك المنهج، من أجل تحقيق أفكارهم على أرض الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

 

واستغلال الشهداء من منطلق انتهازي، لا يخدم، في نهاية المطاف، إلا مصالح الانتهازيين، العاملين على تحقيق التطلعات الطبقية، من أجل صيرورتهم إلى جانب ناهبي ثروات الشعب، وتهريبها إلى الأبناك الخارجية، من أجل تعميق فقر أبناء الشعب، الذين يحرمون من خيرات وطنهم.

 

والمستغلون لدماء الشهداء، ممن يدعون النضال من أجل تحقيق أفكارهم، يعملون على:

 

أولا: توظيف النقابات، التي كان ينتمي إليها الشهداء، أو أحدهم، من أجل القيام بالسمسرة مع الجهات، التي تشرف على قطاع معين، لتحقيق المزيد من المكاسب، على حساب العمال: قطاعيا، ومركزيا، وعلى حساب باقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين تزداد أوضاعهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية ترديا، في الوقت الذي يزداد فيه الانتهازيون النقابيون استفادة. وهو ما يعني: تنكرهم للشهداء، وعدم استحضار تضحياتهم المادية، والمعنوية، والتي بلغت حد الاستشهاد، من أجل تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

 

ثانيا: توظيف الجمعيات، التي عمل الشهداء على بنائها، من أجل عقد صفقات معينة، مع جهات مشبوهة، من أجل تمويل المشاريع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والحقوقية، والتربوية، من أجل أن يصير ذلك التمويل في خدمتهم، عن طريق التحايل الذي يمارسونه، حتى يصب في حساباتهم الخاصة، بطريقة، أو بأخرى، لتصير الجمعيات، وما يقوم به مناضلو الجمعيات، في خدمتهم. وهو ما يعني: أن نضال الجمعيات، التي أسسها الشهداء، من أجل تحقيق أهداف معينة لصالح الشعب، يبقى غير وارد.

 

ثالثا: توظيف الأحزاب السياسية، التي عمل الشهداء على تأسيسها، أو كانوا ينتمون إليها، من أجل الوصول إلى مراكز القرار، واستغلال تلك المراكز، من أجل ممارسة كافة أشكال الانتهازية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، بهدف تحقيق التطلعات الطبقية، من خلال نهب الثروات العمومية، التي هي ملك للشعب، والتموقع اجتماعيا إلى جانب الطبقات المستغلة، والمستفيدة من الاستغلال المادي، والمعنوي، للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، لينخرط الانتهازيون المستغلون لأحزاب الشهداء، في عملية إنتاج نفس الواقع، الذي لا يخدم إلا مصالح الطبقة الحاكمة، وسائر المستغلين، الذين لا يهتمون إلا بنهب ثروات الشعب، وبأبشع صور النهب المادي، والمعنوي، ليصير الانتهازيون، بذلك، عملاء، وخونة، لأفكار، ومبادئ، ومنهج، وأهداف الشهداء، ولينفصلوا، وبصفة نهائية، عن الشعب، وعن كادحيه، وطليعتهم الطبقة العاملة، بتصنيفهم إلى جانب الطبقات الممارسة للاستغلال، والمستفيدة منه.

 

ذلك أن وسائل استغلال الشهداء كثيرة، ومتعددة، إلا أننا اكتفينا هنا، بذكر استغلالهم في الممارسة النقابية، والجمعوية، وفي الأحزاب السياسية، نظرا لدور المجال النقابي، والجمعوي، والحزبي، في جعل الشهداء مجالا للاستغلال، وفي العلاقة مع الجماهير المعنية، ومع الإدارة المعنية، من أجل ممارسة كافة أشكال الابتزاز على الجماهير الشعبية، وعلى الإدارة في نفس الوقت، وباسم الشهداء، مع التنكر المطلق لما استشهدوا من أجله.

 

إلا أن الممارسة الانتهازية، في استغلال دماء الشهداء، لا تنفي وجود المناضلين الأوفياء في المجال النقابي، وفي المجال الجمعوي، وفي المجال الحزبي. والذين يتصدون، وبكافة الوسائل، للانتهازية النقابية، والجمعوية، والحزبية، من أجل فرض استحضار ما ضحى من أجله الشهداء.

 

والجهات المعنية باستغلال دماء الشهداء، لتحقيق أهداف معينة، نجد أنها تتنوع بتنوع مجال الاستغلال، مما يجعل انتهازيتها، تختلف باختلاف المجال الذي يتحرك فيه الانتهازي. وهو ما يجعل، كذلك، استفادته تختلف من مجال، إلى آخر.

 

وهذه الجهات، لا تخرج عن كونها قيادات نقابية، أو جمعوية، أو حزبية، محلية، أو إقليمية، أو جهوية، أو وطنية.

 

فالقيادات النقابية، التي تعرف جيدا، من أين توكل الكتف، تستغل الحركة النقابية، بملفاتها الكبرى: القطاعية، والمركزية، والمتوسطة، والصغرى: الفردية، والجماعية، من أجل تكريس أبشع صور الانتهازية، على حساب المعنيين بالعمل النقابي: القطاعي، والمركزي، عن طريق ممارسة الابتزاز على الإدارة، في القطاعين: العام، والخاص، وعلى العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، سعيا على تحقيق الهدف من الممارسة الانتهازية، المتمثل، بالخصوص، في تحقيق التطلعات الطبقية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وعلى  مختلف مستويات التنظيم النقابي. وهو ما يجعل كل مسؤول نقابي انتهازي، حتى يثبت العكس، وكل عامل أو أجير مستهدف بالممارسة الانتهازية، حتى يثبت العكس.

 

والممارسة الانتهازية التي خربت العمل النقابي، وجعلت من الإطارات النقابية، إطارات فاسدة، على مدى تاريخ استقلال المغرب، رغم الجهود التي بذلها المناضلون الأوفياء للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من أجل أن يصير العمل النقابي، خاليا من الممارسة الانتهازية.

 

والغاية من إفساد الممارسة النقابية، عن طريق إفساد الإطارات النقابية، هي المحافظة على المجال المناسب، لتحقيق التطلعات الطبقية، التي تمكن الانتهازيين، من مراكمة المزيد من الثروات، بطرق غير مشروعة، مما يمكنهم من التصنيف إلى جانب أثرياء التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف.

 

والقيادات الجمعوية اللا مبدئية، التي تنخر كيان العمل الجمعوي، عن طريق إفساد الجمعيات، تعمل على استغلال العمل الجمعوي، لصالح تحقيق أهدافها الخاصة، عن طريق استغلال العلاقة مع الإدارة، ومع المستهدفين، ومع الجهات الممولة للأنشطة الجمعوية المختلفة، والتي لا يكون تمويلها للمشاريع الجمعوية، إلا مشروطا بتقديم خدمات معينة لتلك الجهات، التي تحرص على النفاذ إلى المجتمع، عن طريق تمويلها للمشاريع الجمعوية.

 

فالقيادات الجمعوية اللا مبدئية، تمارس بدورها الابتزاز على:

 

أولا: الإدارة المعنية بعمل جمعية معينة، والتي تتجنب الدخول معها، في صراع معين، مما يضطرها، بسبب فسادها، إلى القبول بالابتزاز الممارس عليها، من قبل قيادة جمعوية معينة، من أجل تجنب فضح الفساد المستشري فيها، والذي لا يزيد مع تكريس الانتهازية الجمعوية إلا استفحالا.

 

ثانيا: المستهدفين بالعمل الجمعوي العام، أو المختص، والذين يسعون إلى الاستفادة منه اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، مما يجعلهم يقبلون بانتهازية القيادة الجمعوية الممارسة عليهم، من أجل التقليص من استفادتهم لصالح القيادة الجمعوية، وعلى حساب المستهدفين.

 

ثالثا: الجهات الممولة لمختلف المشاريع الجمعوية، والتي تمارس، بدورها، الانتهازية، عن طريق استغلال القيادات الجمعوية، لتحقيق أهدافها، مما يجعلها تنصاع إلى ابتزاز القيادات الجمعوية، التي تحرص على تحقيق أهدافها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، من أجل تحقيق تطلعاتها الطبقية.

 

وهذا الابتزاز الثلاثي، الذي تمارسه القيادات الجمعوية اللا مبدئية، وبعض العناصر الفاسدة من قيادات الجمعيات المبدئية، هو الذي يقف وراء إفساد الجمعيات، وإفساد الممارسة الجمعوية، مهما كان لونها، وحرمان الجماهير المستهدفة بالعمل الجمعوي، من الاستفادة منه، وتكريس اضطهاد الجماهير من قبل الانتهازيين، وبواسطة الجمعيات.

 

وما رأيناه في القيادات النقابية اللا مبدئية، وفي العناصر الفاسدة من القيادات النقابية المبدئية، وفي القيادات الجمعوية اللا مبدئية، وفي العناصر الفاسدة من القيادات الجمعوية المبدئية، يظهر بشكل متضخم، في القيادات الحزبية اللا مبدئية، وفي العناصر الفاسدة من القيادات الحزبية المبدئية: الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، نظرا لكون العمل الحزبي يتخذ طابعا شموليا، ويقود إلى الوصول إلى مراكز القرار في مؤسسات الدولة، وخاصة مؤسسة البرلمان، ومؤسسة الحكومة، وفي الجماعات المحلية، والإقليمية، والجهوية. وعن طريقه يمكن استثمار العمل في الجمعيات، وفي النقابات، وبواسطته يمكن تضخم الممارسة الانتهازية بشكل كبير، مما يجعل الانتهازيين الحزبيين، يمارسون النهب في السر، وفي العلن، وبكل الوسائل، من أجل الانتقال إلى صفوف البورجوازيين، والإقطاعيين الكبار، على مستوى الثروات، التي يكدسونها، والتي لا تستثمر إلا في العقار؛ لأن الانتهازيين الممارسين للنهب، لا يهتمون أبدا بالتنمية الصناعية، التي، بدونها، لا يمكن أن تسود إلا التنمية المعاقة.

 

فالانتهازية الحزبية، التي تزداد تضخما، بفعل تضخم تطلعاتها الطبقية، تبالغ في استغلال دماء شهداء الشعب المغربي، أو أي شعب آخر، من خلال:

 

أولا: اعتماد ممارسة العمالة الطبقية، للطبقة الحاكمة، وللتحالف البورجوازي الإقطاعي المخزني المتخلف، وللإدارة المخزنية، التي تتمكن من إرضاء جميع المنتمين إلى الأحزاب الانتهازية، وتفسح المجال أمامهم من أجل الوصول على مراكز القرار، في الجماعات المحلية، والإقليمية، والجهوية، وإلى البرلمان، ومن خلاله، إلى الحكومة، حتى تتفانى هذه الأحزاب، في خدمة مصالح الطبقة الحاكمة، ومصالح التحالف البورجوازي الإقطاعي المخزني المتخلف، حتى تصير تلك الخدمة الانتهازية، مبررا لتحقيق التطلعات الطبقية، بطريقة، أو بأخرى، من أجل صيرورة الانتهازيين المنتمين إلى الأحزاب اللا مبدئية، والعناصر الانتهازية من الأحزاب المبدئية، جزءا لا يتجزأ من التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف.

 

ثانيا: استغلال الموارد الجماعية، بعد الوصول إلى مراكز القرار الجماعي، لممارسة النهب الممنهج، من أجل الرفع من الثروات المتجمعة لدى المسؤولين الجماعيين، المنتمين إلى الأحزاب اللا مبدئية، ولدى المسؤولين الجماعيين، المنتمين إلى الأحزاب المبدئية، مما يجعل الجماعات المحلية مستمرة في المعاناة من الخصاص، على مستوى تجهيزات البنيات التحتية، وعلى مستوى الخدمات، وعلى مستوى ضياع مصالح المواطنين، المعنيين بالعمل الجماعي، ليستمر الوضع على ما هو عليه، إلى حين، نظرا للنهب الممنهج للموارد الجماعية: المحلية، أو الإقليمية، أو الجهوية.

 

ثالثا: استغلال العضوية في البرلمان المخزني، من أجل الحصول على المزيد من الامتيازات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، مما يسرع، وبشكل صاروخي، بانتقال المنتمين إلى الأحزاب اللا مبدئية، أو الأحزاب المبدئية، بطريقة انتهازية، إلى مصاف التحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف، لينفصل هؤلاء الانتهازيون، وبصفة نهائية، عن الشعب المغربي، ويتنكروا لشهدائه، خيانة لهم، وسعيا إلى إلغاء أفكارهم، ودوس المبادئ التي بنوا عليها تلك الأفكار، حتى لا يتم إحياؤها، والتأثر بها، والتفاعل معها، واعتمادها أساسا للفعل في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

 

رابعا: استغلال التواجد في الحكومة، من أجل تمرير المخططات التي تخدم مصالح الانتهازيين على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد، وتوظيف الإمكانيات المتاحة، لفرض خدمة مصالح الطبقة الحاكمة، والتحالف الطبقي البورجوازي الإقطاعي المخزني المتخلف، والتخطيط لنهب ثروات الشعب المغربي، والعمل على إزالة كل السمات التي تذكرنا بالشهداء، الذين قضوا من اجل تحرير الشعب المغربي، اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، وتحقيق الديمقراطية، بمضامينها المختلفة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، بأبعادها المختلفة.

 

فالانتهازية الحزبية، إذن، تسعى إلى التنكر المستمر للشهداء، بممارسة العمالة الطبقية، واستغلال الموارد الجماعية، واستغلال العضوية في البرلمان، من أجل التمتع بالمزيد من الامتيازات، التي لا حدود لها، في أفق تحقيق التطلعات الطبقية، واستغلال التواجد في الحكومة، من أجل تمرير المخططات، التي تخدم مصالح انتهازيي الأحزاب السياسية، لتكريس الخيانة العظمى، لشهداء الشعب المغربي، الذين قدموا دماءهم من أجل انعتاق هذا الشعب، ومن أجل فرض احترام كرامته.

 

وهكذا، يتبين أن الجهات المعنية باستغلال دماء الشهداء، لا تخرج عن كونها نقابية، أو جمعوية، أو حزبية؛ لأن هذه الجهات، هي التي تدرك أهمية ما تناله بممارستها للخيانة، مما يجعلها تغرق فيما تكدسه من ثروات، وتسعى إلى المحافظة على الوضع القائم، المناسب لتكريس الخيانة، بمضامينها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى لا يحصل أي تغيير، بالتمسك بالسير على منهج الشهداء، خدمة للانتهازية، ولمن يستجيب لتحقيق تطلعات الانتهازيين.

 

000000000

 

وبالنسبة للجهات المعنية بالوفاء لدماء الشهداء، واعتماد هذا الوفاء لمحاربة الانتهازية المترتبة عن استغلال دمائهم، فإن هذه الجهات التي تستحضر في الفكر، وفي الممارسة، دماء الشهداء، وتعمل على الالتزام بأفكارهم في العمل النقابي، والعمل الجمعوي، والعمل الحزبي، وتعمل على نبذ كل الممارسات التي تهدف إلى النيل من الحرية، والكرامة الإنسانية، وتحرص على أن تحقق الأهداف التي تحسن الأوضاع المادية، والمعنوية للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وتسعى إلى تغيير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، حتى يصير في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، من خلال ملاءمة القوانين الوطنية، مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حتى تصير تلك القوانين الوطنية، وسيلة لتمتيع جميع الناس، بجميع الحقوق، والعمل على إيجاد دستور ديمقراطي شعبي، تنبثق عنه انتخابات حرة، ونزيهة، تحت إشراف هيأة مستقلة، لإيجاد مؤسسات تمثيلية حقيقية: محلية، وإقليمية، وجهوية، ووطنية، تصير في خدمة مصالح الشعب المغربي، وتنفرز عن برلمانها حكومة ديمقراطية، من الأغلبية البرلمانية، تكون مسؤولة أمام البرلمان، وتحاسب من قبله، وتصير في خدمة مصالح الشعب المغربي، وفي إطار قيام ضمانات تكرس الفصل التام بين السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية.

 

وهذه الجهات المعنية بالوفاء لدماء الشهداء\ن تتمثل في:

 

أولا: النقابات المبدئية\\\ن التي يفترض فيها محاربة الممارسة الانتهازية\\\\ن في صفوف قيادييها\ن وفي صفوف العاملين فيها، حتى لا تتحول إلى وكر لتفريخ الممارسة الانتهازية، كما هو حاصل الآن في صفوف بعض النقابات، التي يفترض فيها كونها مبدئية، وفي العناصر المناضلة، والمستميتة في النضال، إلى جانب العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، والمنتمية إلى النقابات اللا مبدئية. فالمبدئية شرط في ممارسة المناضل النقابي، والذي يحمل، بالخصوص، صفة التمثيلية المحلية، أو الإقليمية، أو الجهوية، أو الوطنية، التي تعتبر وسيلة مثلى لممارسة الانتهازية، في أبشع صورها، من أجل ممارسة الابتزاز على الإدارة، وعلى المعنيين بالعمل النقابي، وعلى الأجهزة النقابية، كما تعتبر وسيلة لتجسيد الإخلاص إلى العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

 

والعمل النقابي المبدئي، الذي يجسد الوفاء للشهداء، ينتظر منه:

 

1) الالتزام بأفكار الشهداء، الموجهة لمسلكية المناضلين النقابيين: الفردية، والجماعية، محليا، وإقليميا، وجهويا، ووطنيا، سعيا إلى جعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يعون أهمية الالتزام بأفكار الشهداء، وأهمية النضال من أجل تجسيد تلك الأفكار على أرض الواقع.

 

2) اعتماد منهج الشهداء، في الممارسة الفردية، والجماعية، وبواسطة الإطارات النقابية: القطاعية، والمركزية، من أجل رفع وعي العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بأوضاعهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، مما يدفعهم إلى الانخراط، عن وعي، في النضال النقابي المطلبي، في ارتباطه بالنضال السياسي.

 

3) تحويل النقابة، إلى مدرسة لتكوين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، في المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، وفي تقنيات، التواصل، وتقنيات التعامل مع مختلف الملفات القطاعية، والمركزية، وفي تدبير الشأن النقابي، وفي المبادئ النقابية الصحيحة، وفي تاريخ العمل النقابي، وفي التفريق بين العمل النقابي المبدئي، والعمل النقابي اللا مبدئي، وفي الممارسة الانتهازية، ومظاهرها، وفي مسلكية الانتهازيين، وما تجره الانتهازية على العمل النقابي من ويلات، على جميع المستويات، وفي الطرق التي يجب اتباعها، لاستئصال الممارسة الانتهازية، من العمل النقابي، وفاء للشهداء، والتزاما بمنهجهم، وتجسيدا لأفكارهم.

 

4) تفعيل الملفات المطلبية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، وتعبئة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، حول تلك الملفات، وخوض النضال المطلبي، من أجل فرض الاستجابة إليها، مهما كانت الممارسات القمعية، التي تمارس ضد المناضلين النقابيين المبدئيين الأوفياء، سعيا إلى تأكيد: أن النضال النقابي المبدئي، هو النضال الذي يستطيع قيادة النضالات المطلبية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، التي تجعل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، يمتلكون وعيهم الطبقي، الذي يعتبر شرطا للوعي بالذات، وبدورها، في خوض أشكال الصراع، في أفق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية.

 

وانطلاقا من رأينا، فإن العمل النقابي المبدئي، المعبر عن الوفاء للشهداء، متجسد بالالتزام بأفكار الشهداء، وفي اعتماد منهج الشهداء ، في الممارسة الفردية، والجماعية، وفي تحويل النقابة إلى مدرسة لتكوين العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، وتفعيل الملفات المطلبية، والنضال من أجل الاستجابة إلى المطالب. وإلا، فإن العمل النقابي سوف يصير عملا نقابيا لا مبدئيا، لا وجود فيه لشيء اسمه الوفاء للشهداء.

 

ثانيا: الجمعيات المبدئية: الحقوقية، أو الثقافية، أو التربوية، أو التنموية، التي تحرص على الالتزام بالمبادئ، وبالبرامج التي تسطرها، وبالهداف التي تسعى إلى تحقيقها، وتقطع مع الممارسة الانتهازية، أنى كان مصدرها، وتحارب الانتهازيين في صفوفها، وتلتزم بمواقفها، مهما كانت الإغراءات التي تقدم لها، من أجل أن تتخلى عن تفعيل برامجها الحقوقية، والثقافية، والتنموية، التي تعمل على بث الوعي الحقوقي، والثقافي، والتنموي، الذي يجعل الجماهير الشعبية المستهدفة، تمتلك وعيها الحقوقي، أو الثقافي، أو التربوي، مما يجعلها وفية، بممارستها المترتبة عن وعيها، إلى دماء الشهداء.

 

ووفاء الجمعيات المبدئية، أو العناصر المبدئية في الجمعيات اللا مبدئية، يقتضي من المنتمين إلى العمل الجمعوي المبدئي، أن يحرصوا على:

 

1) احترام مبادئ العمل الجمعوي، المتمثلة في الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، بالإضافة إلى الكونية، والشمولية، بالنسبة للعمل الحقوقي، من منطلق أن المبادئ المشار إليها، تعمل باحترامها، على تحصين الإطار الجمعوي من جهة، وعلى تحصين المناضلين الأوفياء لدماء الشهداء، ضد كل المسلكيات، التي تسيء إلى العمل الجمعوي، وإلى العاملين في مختلف الجمعيات، والتي تقود إلى تحريف الممارسة الجمعوية، وإلى خيانة دماء الشهداء، بالسقوط في المستنقع الانتهازي.

 

2) الحرص على التكوين، في إطار الجمعيات الحقوقية، والثقافية، والتربوية والتنموية، باعتبارها مدارس للتكوين المستمر، والمتطور، والمتفاعل مع الواقع، في تحولاته الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، حتى يستطيع العاملون في مختلف الجمعيات، استيعاب روح مبادئ العمل الجمعوي، ودور تلك المبادئ، في تحصين المناضل الجمعوي، واستيعاب البرامج بمضامينها المختلفة، وكيفية تفعيل تلك البرامج، واستيعاب الأهداف في مستوياتها المختلفة، والغاية من تلك الأهداف، وما يترتب عن تحقيقها، من تحولات في الواقع العيني، وكيف تطور الجمعيات أهدافها الآنية، والمستقبلية.

 

3) الحرص على جعل الواقع الجمعوي، وسيلة لتحسين الأوضاع المادية، والمعنوية، للفئات المستهدفة: اقتصاديا، واجتماعيا، وحقوقيا، وثقافيا، وسياسيا، من منطلق أن الغاية من العمل الجمعوي، هي العمل على خدمة مصالح الجماهير الشعبية الكادحة، عن طريق تحقيق الأهداف الجمعوية، باعتبارها أهدافا جماهيرية، ذات بعد اقتصادي، أو اجتماعي، أو ثقافي، أو سياسي، يمكنها من الارتقاء بالوضعيات الجماهيرية، إلى مستوى أحسن.

 

4) التمرس على الربط الجدلي، بين النضال الجمعوي، في مستوياته المختلفة، وبين النضال السياسي، حتى يتأتى الانتقال بوعي المستهدفين إلى مستوى أرقى، مما يجعلهم يحرصون، بالاستمرار على التعاطي، جدلا، مع الواقع، والتفاعل معه، والفعل فيه، والعمل على تغييره، من منطلق أن العمل الجمعوي، في مظهر من مظاهره، هو في نهاية المطاف، مظهر سياسي، يسعى إلى انتزاع مكاسب معينة، لصالح الجماهير الشعبية.

 

فالحرص على احترام مبادئ العمل الجمعوي، وعلى التكوين، في إطار الجمعيات الحقوقية، والثقافية، والتربوية، والتنموية، باعتبارها مدارس للتكوين المستمر، وعلى جعل الواقع الجمعوي وسيلة لتحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للفئات المستهدفة، وعلى التمرس على الربط الجدلي، بين النضال الجمعوي، والنضال السياسي، هو الذي يعطي للعمل الجمعوي، أهمية لا يستهان بها، على المستوى العام، وعلى المستوى الخاص، مما يجعلها إطارات مناسبة، لتجسيد الوفاء للشهداء، الذين قدموا أرواحهم، من أجل سيادة عمل جمعوي مبدئي، مناهض لكافة أشكال الممارسة الانتهازية.

 

ثالثا: الأحزاب السياسية المبدئية، والمناضلة، والوفية بأيديولوجيتها، وبتنظيماتها، وبمواقفها السياسية، للشهداء، الذين استشهدوا من أجل تغيير الأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، انطلاقا من التحليل الملموس، للواقع الملموس، من أجل امتلاك نظرية علمية عن الواقع، يمكن اعتمادها لوضع برنامج يقود إلى التغيير الشامل للواقع، في أفق نفي الاستعباد، بتحقيق الحرية، ونفي الاستبداد، بتحقيق الديمقراطية، ونفي الاستغلال، بتحقيق العدالة الاجتماعية، في أفق تحقيق الاشتراكية.

 

والأحزاب السياسية المبدئية، والمناضلة، لا بد أن تبرهن عن وفائها للشهداء ب:

 

1) الوضوح الأيديولوجي، باعتباره محددا أساسيا للهوية الحزبية:

 

وهل هو حزب للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين؟

 

أم أنه حزب للبورجوازية الصغرى؟

 

أو حزب للبورجوازية؟

 

أو حزب للإقطاع؟

 

أو حزب لمؤدلجي الدين الإسلامي؟

 

أو حزب للتحالف البورجوازي الإقطاعي المتخلف؟

 

ذلك، أن عدم الوضوح الأيديولوجي، يخفي هوية الحزب، وإخفاء هوية الحزب، لا يعني إلا تضليل العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، كما ذهب إلى ذلك الشهيد عمر بنجلون، في تقديمه للتقرير الأيديولوجي، في المؤتمر الاستثنائي للحركة الاتحادية، الذي انعقد بتاريخ 25 يناير 1975.

 

2) التعبير التنظيمي عن الانتماء الأيديولوجي، حتى يصير التنظيم منسجما مع الأيديولوجية، التي يقتنع بها مناضلو الحزب المبدئي، والمناضل، والوفي للشهداء؛ لأنه بدون ذلك الانسجام، يحصل التناقض بين الأيديولوجية، والتنظيم، ليصير التنظيم في واد، والأيديولوجية في واد آخر، لتتحول الأيديولوجية إلى مجرد شعار للاستهلاك، يلوكه المنتمون إلى التنظيم، في الوقت الذي يعتمدون فيه شيئا آخر، لا علاقة له بأيديولوجية الحزب.

 

ولذلك فالتعبير التنظيمي عن الانتماء الأيديولوجي، يعتبر مسالة أساسية، بالنسبة للتنظيم الحزبي الوفي لدماء الشهداء.

 

3) قيام الانسجام التام، بين المواقف السياسية، الصادرة عن التنظيم الحزبي، وبين الانتماء الأيديولوجي؛ لأنه بدون ذلك الانسجام، تكون المواقف السياسية للحزب، متناقضة مع الانتماء الأيديولوجي، ومع العمل على تغيير الواقع المعبر عن الوفاء للشهداء. وهو ما يجعل الانسجام بين المواقف السياسية للتنظيم الحزبي، وبين الأيديولوجية، يعتبر مسألة أساسية في وجود الحزب، على أساس الاقتناع بأيديولوجية معينة، وخاصة إذا كانت هذه الأيديولوجية علمية، كما هو الشأن بالنسبة للأيديولوجية المترتبة عن الاقتناع بالاشتراكية العلمية، التي يفترض اقتناع الحزب بها، توظف قوانينها العلمية، في التعامل مع الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وصولا إلى بناء نظرية علمية عنه، وسعيا إلى اعتماد تلك النظرية، في إعداد برنامج للتغيير، يستهدف المجالات الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية.

 

ولذلك، فوفاء الأحزاب السياسية، لدماء الشهداء، لا يتم إلا بالوضوح الأيديولوجي، وبالتعبير التنظيمي، عن الانتماء الأيديولوجي، وبقيام الانسجام التام، بين المواقف السياسية الصادرة عن التنظيم الحزبي، وبين الأيديولوجية العلمية، مما يضمن العمل على تغيير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، انطلاقا من البرنامج السياسي، الهادف إلى تغيير الواقع، على المدى القريب، والمتوسط، والبعيد، تجسيدا لطموحات الشهداء.

 

والمصير الذي ترسمه دماء الشهداء، هو المصير الذي يجب أن يلتزم الأوفياء للشهداء، في الإطارات النقابية، والجمعوية، والحزبية به، تجسيدا للوفاء، وتكريسا للتضحية، وسعيا إلى تغيير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، حتى يصير الواقع في خدمة مصالح العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين.

 

000000000

وانطلاقا من هذا التصور، الذي بسطناه في الفقرات السابقة، فإن المصير الذي ترسمه دماء الشهداء، هو مصير التضحية المستمرة، التي لا تتوقف أبدا، والتي قد ترقى إلى مستوى الشهادة، من أجل التغيير المنشود، والأفضل، مما يعود على الجماهير الشعبية الكادحة، بتحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، باعتماد تفعيل:

 

1) مبادئ العمل النقابي، المتمثلة في الديمقراطية، والتقدمية، والجماهيرية، والاستقلالية، وباعتماد مبادئ المركزية الديمقراطية، والنقد، والنقد الذاتي، والمحاسبة الفردية، والجماعية، من أجل جعل النقابة، أنى كانت هذه النقابة، مجالا لتربية العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، على الحرص على تفعيل المبادئ، في الإطارات النقابية المختلفة، ومن أجل أن يصير تفعيل المبادئ، وسيلة لجعل النقابات مناضلة، من أجل تحقيق مكاسب معينة، لصالح الجماهير، وبالجماهير.

2) مبادئ العمل الحقوقي، التي لا تختلف عن مبادئ العمل النقابي، إلا بكونها تشمل أيضا: مبدأي الكونية، والشمولية، ومن أجل أن يصير تفعيل المبادئ، كذلك، وسيلة لجعل الإطارات الحقوقية، إطارات مناضلة، من أجل تمتيع جميع أفراد الشعب، بحقوقهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، والمدنية، وعن طريق ملاءمة القوانين الوطنية، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، من أجل أن يصير التمتع بحقوق الإنسان، إجراء قانونيا، بعد الإقرار الدستوري، للمصادقة على الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان  العامة، والخاصة.

 

3) مبادئ العمل الثقافي، الهادف إلى تسييد أنماط من القيم البديلة، التي تقتضي تمتيع المجتمع بها، حتى يعمل على التخلي عن القيم البالية، والمتخلفة، والتي تحول دون تقدم الشعب، وتطوره اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، ومدنيا، وسياسيا، وفكريا، ومعرفيا، وعلميا، وتنظيميا؛ لأن التخلف، لا ينتج إلا التخلف، والقيم الثقافية البديلة، هي قيم ديمقراطية، تقدمية، جماهيرية، منفتحة على العصر، وتسعى إلى تغيير الواقع، تغييرا يتناسب مع طبيعتها، من أجل الارتقاء بالشعب اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، وبدون تفعيل مبادئ العمل الثقافي، تبقى القيم الثقافية المتخلفة، جدارا صلدا، يحول دون النفاذ، في اتجاه التقدم، والتطور.

 

4) تفعيل مبادئ العمل التربوي الهادف، إلى تقديم تصور بديل، للعمل التربوي، الذي يجب أن يسود بين أبناء الشعب، الذين يشرعون في مقاومة التصور التربوي المتخلف، والقائم، والهادف إلى إعادة إنتاج نفس الأنماط التربوية المتخلفة، التي لا تعد لنا إلا من يمارس نهب ثروات الشعب المغربي، وبكافة الوسائل غير المشروعة، أو التي اعتبرت مشروعة، كرخص النقل، ورخص استغلال مقالع الرمال، والأحجار، ورخص الصيد في أعالي البحار.

 

ولذلك فالتصور التربوي، البديل للتصور المعمول به، صار ضروريا، من أجل تحرير المجتمع من التربية المتخلفة.

 

5) تفعيل مبادئ العمل الحزبي: الديمقراطي، والتقدمي، واليساري، والعمالي المناضل، حتى يصير ذلك التفعيل وسيلة لتربية بنات، وأبناء الشعب المغربي، على النضال السياسي النظيف، والهادف إلى تغيير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، في أفق إقامة واقع بديل، تتحقق في إطاره الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، في أفق تحقيق الاشتراكية.

 

6) النضال بواسطة الإطارات الجماهيرية، والحزبية: المبدئية، والمناضلة، من أجل:

 

ا ـ تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية لعموم الجماهير الشعبية الكادحة، المعانية من الحرمان الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، حتى تصير الجماهير المذكورة، منسجمة مع الواقع، ومندمجة فيه، ومتفاعلة معه، وفاعلة فيه، من منطلق وعيها بذاتها.

 

ب ـ تغيير الواقع، من أجل أن يصير في خدمة العمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، الذين يصيرون ممتلكين للقدرة على تقرير مصيرهم الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وعلى أساس قيام دستور ديمقراطي شعبي.

 

ج ـ تمتيع جميع الناس بجميع الحقوق، عن طريق ملاءمة القوانين الوطنية، مع الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية، المتعلقة بحقوق الإنسان، لضمان أجرأة تلك الحقوق عن طريقها.

 

والحرص على تفعيل مبادئ العمل النقابي، ومبادئ العمل الحقوقي، ومبادئ العمل الثقافي، ومبادئ العمل التربوي، والنضال بواسطة الإطارات الجماهيرية، والحزبية المبدئية، والمناضلة، من أجل تحسين الأوضاع المادية، والمعنوية للجماهير الشعبية الكادحة، ومن أجل تغيير الواقع، حتى يصير في خدمتها، ومن أجل تمتيع جميع أفراد الشعب، بكافة الحقوق، هو المسار الذي ترسمه دماء الشهداء، وعلى المدى القريب، والمتوسط، والبعيد؛ لأن تضحيات الشهداء، إذا لم تكن متبوعة بكل ذلك، تصير بدون معنى. ولذلك فالحرص المذكور ،هو التعبير السليم عن الوفاء لدماء الشهداء.

 

وبالنسبة للدروس، والعبر، التي يأخذها الشعب من دماء الشهداء، ومن الوفاء لها، ومن اعتبار ذلك الوفاء مصلا ضد الممارسة الانتهازية، فإننا، يمكن أن نفصل بين مستويات هذه الدروس إلى:

 

أولا: الدروس المأخوذة من دماء الشهداء.

 

ثانيا: الدروس المأخوذة من الوفاء لهذه الدماء.

 

ثالثا: الدروس المأخوذة من اعتبار الوفاء لدماء الشهداء، مصلا ضد الممارسة الانتهازية.

 

فالدروس المأخوذة من دماء الشهداء، باعتبارهم شهداء الشعب، أي شعب، كثيرة، ومتعددة، ولا يمكن حصرها في عدد معين من الدروس. ونظرا لكوننا ملزمين بالتحديد، فإننا سنقتصر هنا على ذكر أهمها:

 

1) الاستعداد للتضحية المادية، والمعنوية، من أجل تحقيق ما نناضل من أجله، مما يصير تحقيقه في مصلحة كادحي الشعب، مهما كان هذا الشعب، الذي يحرص على أن يتمتع بحقه في الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، إلى جانب تمتعه بكافة حقوقه، كما هي في المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

 

2) الاستعداد للتضحية بالروح، في مواجهة القمع الذي يمارسه الحكام المستبدون، على كادحي الشعوب؛ لأنه بدون ذلك الاستعداد، لا يمكن قيادة النضالات الجماهيرية، الهادفة إلى وضع حدج لممارسة الاستبداد الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

 

3) العمل المستمر على توعية الجماهير الشعبية الكادحة، بأوضاعها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، حتى تصير تلك التوعية، وسيلة لجعل الجماهير الشعبية، تستعد للنضال من أجل تحقيق التغيير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، بما يخدم المصالح المختلفة لمجموع الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة.

 

4) العمل المستمر على تنظيم الجماهير اقتصاديا، واجتماعيا، وثقافيا، وسياسيا، وتوعيتها بأهمية التنظيم، ودوره في قيادة النضالات الجماهيرية، من أجل تحقيق الأهداف القريبة، والمتوسطة، والبعيدة، انطلاقا من برنامج محدد، خاص بكل تنظيم، أو في إطار تحالفات معينة، أو في إطار جبهة وطنية للنضال من أجل الديمقراطية.

 

5) الحرص على مبدئية التنظيمات المختلفة، وتفعيل تلك المبدئية، واحترام مبادئها، وتفعيل تلك المبادئ، والنضال من أجل تحقيق الأهداف المسطرة: القريبة، والمتوسطة، والبعيدة، لرفع وتيرة مستوى النضال الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي.

 

6) اعتبار أي شكل من أشكال النضال الجماهيري، أو الحزبي، جزءا لا يتجزأ من الصراع الطبقي، في مستوياته الأيديولوجية، والتنظيمية، والسياسية، وفي مستواه الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، وفي اعتباره صراعا ديمقراطيا، أو تناحريا، عندما يتعلق الأمر بالحسم مع مرحلة معينة، والانتقال على مرحلة أخرى.

 

ذلك، أن الدروس المأخوذة من دماء الشهداء، تقتضي التضحية المادية، والمعنوية، والاستعداد للتضحية بالروح، في سبيل تحقيق الأهداف الكبرى، والعمل المستمر على توعية الجماهير الشعبية الكادحة، وعلى تنظيمها، والحرص على مبدئية التنظيمات المختلفة، واعتبار كل أشكال النضال الجماهيري، والعمالي، جزءا لا يتجزأ من الصراع الطبقي، في مستوياته المختلفة، وهو ما يجعل الأوفياء من المناضلين، يستحضرون باستمرار، دماء الشهداء.

 

وفي ما يخص الدروس المأخوذة من الوفاء لدماء الشهداء، فإننا نجد أن الأوفياء من المناضلين:

 

1) يجعلون الوفاء للشهداء، حاضرا في فكرهم، وفي ممارستهم اليومية، وكأن الشهداء حاضرين معهم، سواء تعلق الأمر بالممارسة الأيديولوجية، أو التنظيمية، أو الجماهيرية، وسواء كانت تلك الممارسة نقابية، أو حقوقية، أو ثقافية، أو تربوية، أو سياسية.

 

2) يحرصون على الالتزام بتنفيذ القرارات المتخذة، في الإطارات المقررة: الجماهيرية، والحزبية، من أجل تفعيل الساحة النضالية، حتى تتحقق الأهداف التي سطرها الشهداء بدمائهم.

 

3) يحرصون على البناء المبدئي لمختلف التنظيمات، درءا لكل أشكال الانحراف، التي قد تصيب التنظيمات الجماهيرية، أو الحزبية، مما يجعلها لا تقوى على تحقيق الأهداف التي سطرها الشهداء.

 

4) يعملون على وضع البرامج المرحلية، التي تصب في اتجاه تحقيق الأهداف الإستراتيجية، تعبيرا عن الوفاء لدماء الشهداء، وحرصا على جعل العمل على تنفيذ تلك البرامج، وسيلة ناجعة لتفعيل جميع القطاعات الاجتماعية، في أفق العمل الجماعي، على تحقيق الأهداف القريبة، والمتوسطة، والبعيدة.

 

5) يحرصون على بناء التحالفات، على أساس برنامج مشترك، من أجل العمل المشترك، على تحقيق الأهداف المشتركة فيما بين الأحزاب، التي تعمل على تحقيق نفس الأهداف، انطلاقا من برنامج الحد الأدنى، الذي يجمع فيما بينها، أو في إطار بناء جبهة وطنية عريضة، للنضال من أجل الديمقراطية، على أساس برنامج حد أدنى مشترك، فيما بين الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، والنقابات، والجمعيات الحقوقية، والثقافية المبدئية، والمناضلة، من أجل خدمة مصالح الجماهير الشعبية الكادحة.

 

6) يعملون على تجسيد الأفكار، التي ضحى من أجلها الشهداء، على أرض الواقع، وخاصة، إذا كانت تلك الأفكار لها علاقة بالقيم المؤدية إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية؛ لأن الأفكار التي ضحى من أجلها الشهداء، من أمثال الشهيد المهدي بنبركة، والشهيد عمر بنجلون، والشهيد محمد كرينة، والشهيد فرج فودة، والشهيد حسين مروة، والشهيد مهدي عامل، والشهيدة لولا إلياس عبود، والشهيدة سناء محيديلي، وغيرهم كثير، هي أفكار نالت من السمو، ما يجعلها أفكارا تستحق الشهادة، وتستحق من الأوفياء العمل المستمر، من أجل تحقيقها.

 

ولذلك، نجد أن الأوفياء للشهداء، يجعلون الوفاء لهم حاضرا في فكرهم، وفي ممارستهم، ويلتزمون بتنفيذ القرارات النضالية، ويحرصون على البناء المبدئي لمختلف التنظيمات، ويعملون على وضع البرامج المرحلية، الهادفة إلى تحقيق الأهداف الإستراتيجية، وعلى بناء التحالفات، على أساس برنامج مشترك، وعلى تجسيد الأفكار التي ضحى من أجلها الشهداء. فهؤلاء الأوفياء، هم الذين سوف يلعبون دورا رائدا في النقابات، وفي الأحزاب، وفي الجمعيات الحقوقية، والثقافية، في أفق إنضاج الشروط الضرورية، لتحقيق الأهداف الكبرى، التي سطرها الشهداء بدمائهم.

 

وبالنسبة للدروس المأخوذة من اعتبار الوفاء للشهداء، مصل ضد الممارسة الانتهازية، فإن الأوفياء للشهداء، يدركون جيدا، خطورة الممارسة الانتهازية، على مستقبل الشعب، وعلى مستقبل الأجيال الصاعدة، وعلى مستقبل المنظمات الجماهيرية، والحزبية، وعلى وضعية المسلكية الفردية، والجماعية، في واقع المجتمع، الذي تتفشى فيه الانتهازية. ولذلك، فإن الدروس المستفادة من اعتبار الوفاء للشهداء، مصل ضد الممارسة الانتهازية، يجعل الأوفياء:

 

1) يمتنعون عن إنتاج الممارسة الانتهازية، في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، حتى لا يقفوا وراء تفشي الممارسة الانتهازية في المجتمع، ومن أجل إشاعة الامتناع عن إنتاج الممارسة الانتهازية، حتى يتطهر المجتمع منها، وتصير العلاقات في مستوياتها المختلفة، خالية منها، من أجل الأخذ مباشرة بعوامل التطور الطبيعية، الناجمة عن إنضاج الشروط الذاتية، والموضوعية لذلك التطور.

 

2) يقاومون كافة أشكال الممارسات الانتهازية، في الواقع النقابي بصفة عامة، والواقع النقابي المبدئي بصفة خاصة، سعيا إلى جعل الممارسة النقابية العامة، والخاصة، خالية من الممارسة الانتهازية، التي تسيء إلى العمل النقابي، ومن أجل جعل العمل النقابي، مجالا لإشاعة الوعي العلمي للعمال، وباقي الأجراء، وسائر الكادحين، بالأوضاع الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، من أجل أن يصير ذلك الوعي، وسيلة لازدياد ارتباطهم بالعمل النقابي المبدئي، ومناهضة كافة أشكال الانتهازية، المنتجة للعمل النقابي اللا مبدئي.

 

3) يقاومون كافة أشكال الممارسات الانتهازية، التي يعرفها العمل الحقوقي المبدئي، من أجل أن يصير العمل الحقوقي خاليا من كافة أشكال الممارسات الانتهازية، ومهما كان مصدرها، لدورها في إفساد العمل الحقوقي، الذي لا تتضرر من إفساده إلا الجماهير الشعبية الكادحة، المحرومة من حقوقها الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والمدنية، والسياسية، ومقاومة كافة أشكال الممارسات الانتهازية، التي تؤدي إلى قيام عمل حقوقي سليم، ومبدئي، وهادف إلى تمتيع جميع أفراد الشعب، بكافة الحقوق، كما هي في الإعلانات، والمواثيق، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وكما يجب أن تصير في القوانين المعمول بها وطنيا.

 

4) يقاومون كافة أشكال الممارسات الانتهازية، في العمل الثقافي المبدئي، الهادف إلى إشاعة القيم الثقافية المتقدمة، والمتطورة، في الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، بالإضافة إلى إشاعة القيم الديمقراطية، والإنسانية، الهادفة إلى تمكين الإنسان، أي إنسان في المجتمع، من المساهمة في تقرير المصير الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والمدني، والسياسي، وتمكينه من التمتع بكافة حقوقه، وفي إطار دولة الحق، والقانون، التي يسعى إلى الوصول إليها، ومن أجل جعل الواقع الثقافي خاليا من الانتهازية، التي تفسد المجال الثقافي.

 

5) التصدي، وبالحزم اللازم، لكل أشكال الانتهازية في العمل التربوي، الذي له علاقة مباشرة بالتنشئة التربوية / الاجتماعية، سواء تعلق الأمر بالعمل التربوي الأسري، أو في إطار المؤسسات التربوية، أو في إطار الجمعيات التربوية بالخصوص، نظرا لدور التربية، في تنشئة الأجيال الصاعدة، ولدور الانتهازية في إفساد تربية الأجيال، سعيا إلى إنتاج ممارسة تربوية متقدمة، ومتطورة، لا علاقة لها بكافة اشكال الانتهازية، ومن أجل إيجاد أجيال نوعية، تعمل على إيجاد مجتمع خال من كافة أشكال الانتهازية: الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والسياسية، مجتمع مؤهل لخوض غمار التطور، على جميع المستويات.

 

6) التصدي للممارسة الانتهازية، في إطار الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، التي يفترض فيها خلوها من الانتهازية، بل وسعيها إلى استئصال الممارسة الانتهازية من التنظيمات الجماهيرية، كالنقابات، والجمعيات الحقوقية، والثقافية، والتربوية، والتنموية، وغيرها من المنظمات ذات الطابع الوطني، أو الجهوي، أو الإقليم،ي أو المحلي. فالأحزاب المشار إليها، التي يفترض فيها أن تصير منيعة ضد كل اشكال الانتهازية، هي وحدها التي تناضل من أجل مجتمع، يتمتع أفراده بالحرية، والديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية، والمساواة، ومن أجل قيام دولة ديمقراطية / تقدمية / علمانية، تهدف إلى بناء مجتمع متقدم، ومتطور، تحكمه دولة المؤسسات، التي لا وجود فيها لشيء اسمه الانتهازية.

 

ولذلك، فالأوفياء للشهداء، الذين يعتبرون وفاءهم للشهداء، مصلا ضد الانتهازية، تتجسد دروس وفائهم للشهداء، في امتناعهم عن إنتاج الممارسة الانتهازية، مهما كان لونها، وفي مقاومتهم للممارسة الانتهازية، في العمل النقابي، وفي العمل الحقوقي، وفي العمل الثقافي، وفي التصدي لكل أشكال الانتهازية، في العمل التربوي، وفي الإطارات الحزبية المناضلة. وهو ما يؤدي، بالضرورة، إلى اعتبار الوفاء للشهداء، مصلا ضد الانتهازية، ووسيلة للعمل على تغيير الواقع الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والسياسي، بما يخدم العمل على إيجاد مجال خال من الانتهازية، ومؤسسات تعمل على مناهضة كافة أشكال الانتهازية، سواء تعلق المر بمؤسسات الدولة، أو بالجماعات المحلية، أو بالقطاع الخاص.

 

وهكذا نكون في تناولنا لموضوع (الوفاء للشهداء مصل مضاد للانتهازية)، قد عملنا على توضيح مفهوم الوفاء للشهداء، والوقوف على الشروط الموضوعية المستلزمة لهذا الوفاء، وكما عملنا على تحديد الأشخاص المعنيين بالوفاء للشهداء، وعلى تحديد القيم التي يجب أن يتحلى بها الأوفياء للشهداء، وانتقلنا بعد ذلك إلى توضيح مفهوم الانتهازية، ووقفنا على الشروط الموضوعية المنتجة للممارسة الانتهازية، ووضحنا الغاية من الممارسة الانتهازية، المتفشية بشكل كبير، في المنظمات الجماهيرية، وفي النقابات، وفي الأحزاب السياسية، وفي المجتمع، وعملنا على الوقوف على القيم، التي تسود في المجتمع، بسبب الممارسة الانتهازية، ووقفنا على العلاقة القائمة بين الوفاء للشهداء، وبين الممارسة الانتهازية:

 

وهل هي علاقة تناقض؟

 

وهل هي علاقة جدلية؟

 

وهل هي علاقة عضوية؟

 

ووقفنا على الكيفية التي نعتبر بها الوفاء للشهداء، مصلا ضد الانتهازية، وكون الوفاء للشهداء، يؤدي إلى التحرر من الممارسة الانتهازية، واعتبار الشهداء يصيرون منطلقا لممارسة الانتهازية، في جميع الاتجاهات، ووقفنا، كذلك، على الجهات المعنية باستغلال دماء الشهداء، لتحقيق أهداف معينة، وعلى الجهات المعنية بالوفاء لدماء الشهداء، واعتماد هذا الوفاء لمحاربة الانتهازية، المترتبة عن استغلال دمائهم، وعالجنا المصير الذي ترسمه دماء الشهداء، ووقفنا على الدروس، والعبر التي يأخذها الشعب من دماء الشهداء، ومن الوفاء لهذه الدماء، ومن اعتبار ذلك الوفاء مصلا ضد الممارسة الانتهازية.

 

فالوفاء للشهداء، الذين ضحوا بأرواحهم على طريق التحرير، والديمقراطية، والاشتراكية، هو المقياس الذي نعتمده للتمييز بين المناضلين الأوفياء للشهداء، والمناضلين الأدعياء، الذين أفسدوا مفاهيم النضال المختلفة، وعملوا على تكريس البؤس، والشقاء، والقهر، في حق الجماهير الشعبية الكادحة، وطليعتها الطبقة العاملة. وهو ما يجعل الوفاء للشهداء، وكما جاء في العنوان، مصلا مضادا للانتهازية، بأشكالها المختلفة.

 

فهل تعمل النقابات المبدئية على تطهير صفوفها من الانتهازيين، الذين يسيئون إلى مبدئيتها؟

 

وهل تعمل الجمعيات المبدئية على رفع شعار لا للانتهازية، في تنظيماتها المختلفة؟

 

وهل تعمل الأحزاب الديمقراطية، والتقدمية، واليسارية، والعمالية، على محاربة الانتهازية في تنظيماتها القيادية، والقاعدية؟

 

فشيوع الانتهازية المنظمة، لا تتضرر منه إلا الجماهير، والقضاء عليها، لا تستفيد منه إلا الجماهير، وعلينا جميعا، كنقابات، وكجمعيات، وكأحزاب مناضلة، أن نسعى إلى مجتمع خال من كل أشكال الانتهازية، مهما كان لونها، أو جنسها، أو معتقدها، أو مستواها، من أجل إنسان بكافة الحقوق، وفي إطار مجتمع حر، وديمقراطي، وعادل، وضامن لسيادة الكرامة الإنسانية.

 

ابن جرير في 20 / 03 / 2012

 

محمد الحنفي

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)
    الاخبار العاجلة