أعلنت يومه الأ ثنين 30مارس 2015 مجموعة من الأطر الصحراوية والتي تشتغل في إطار منتدى شباب المستقبل للتنمية والديمقراطية منذ مدة عن ميلاد حكومة الشباب
الموازية للشؤون الصحراوية،هذا المشروع الذي يأتي كتلبية لهواجس النخب
والشباب الصحراوي من أجل التموقع في الحياة السياسية بشكل إيجابي والقطع
مع السياسة التي كانت معروفة وأعطت نموذجا فاشلا في خلق جمعيات ومنتديات
وهيئات استرزاقية أصبحت تسيئ إلى سمعة نخب المنطقة،وفي هذا السياق كان من
الضروري أن تعي هاته النخب بالدور المنوط بها وتفكر في إيجاد الحلول عن
طريق إحداث إطار نموذجي له حمولة رمزية كبيرة ، وهو بالفعل ما تجسد في
التأسيس لحكومة الشباب الموازية للشؤون الصحراوية والتي تعبر عن طموح
أغلب فئات الشباب في الجهات الجنوبية الثلاث وستحمل همومها وتعبر عن
تطلعاتها وتساهم في إيصال مشاكلها والبحث عن الحلول الناجعة وبطرق مشروعة
لتحقيق تلك الأهداف. ولتوضيح الصورة أكثر لمن يمكن أن يثير له هذا
المشروع بعض الفضول،فإن حكومة الشباب الموازية للشؤون الصحراوية لن تكون
هيأة تابعة لجهة حزبية معينة ،أو خاضعة لوصاية شخص معين،ولكن هيأة
مستقلة في اشتغالها تمارس اختصاصاتها في ظل ثوابت المملكة .ولها نظرتها
في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ذات الإرتباط
الوثيق بمنطقة الصحراء.ولعل ما يحدث من تمزيق للشعوب العربية بمباركة
الغرب يقوي من حظوظ تواجد هاته الحكومة ،لأنها تنبذ الطائفية والقبلية
،والتعصب سواء لفكر معين أو جهة معينة ،والحكومة بنخبها قادرة على إدارة
الإختلاف وقادرة على تأطير الشباب الصحراوي الفاعل في سبيل القضايا
الإستراتيجية والشعور الوطني الذي يرسي دعائم الوحدة وينبذ الشتات ،لكن
طبعا بما يكفل لشباب الأقاليم الجنوبية المكانة اللا ئقة وتمكين النخب
الصحراوية من الإسهام في تدبير الشأن العام وهو ما يتماشى مع التوجهات
الملكية في هذا الشأن ولا سيما بعد الخطاب الأخير ل 06 نونبر 2015.
أولا :متغيرات الساحة السياسية الوطنية:
؟شكل الخطاب الملكي ل 09 مارس 2011 حدثا سياسيا كبيرا في الساحة السياسية ومنعطفا تاريخيا في مجال الديمقراطية وانخراطا جريئا في مسلسل الإصلاح السياسي والمؤسساتي في المغرب حيث رسم الملك من خلال خطابه خارطة طريق جديدة لطريقة الاشتغال السياسي للنظام السياسي بالمغرب .
الخطاب كان دعوة للإصلاح والدخول في مرحلة جديدة أكثر حداثة وديمقراطية تماشيا مع هذا الخطاب التاريخي، كشفت الأحزاب السياسية والنقابات والفعاليات الجمعوية والشبابية عن مذكراتها المرفوعة إلى اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور، من خلال تقديم مقترحاتها حول الإصلاحات الدستورية والسياسية التي جاء بها الدستور الجديد
وبالفعل أفرزت لنا كل هاته المبادرات التي جاءت كرد فعل على الحراك الذي عرفه الشارع المغربي تماشيا مع الربيع العربي الذي أطاح برؤوس أنظمة و هدد أخرى دستورا جديدا تم عرضه على الاستفتاء يوم فاتح يوليوز من سنة 2011.
إذن ماهي أهم المستجدات التي جاء بها هذا الدستور؟
من خلال الترسانة القانونية يتضح أن الدستور خصص مجموعة من الفصول من أجل إحداث هيئات للتشاور.
لكن التساؤل الذي يطرح نفسه بقوة :هو هل تمتلك الحكومة أجندة سياسية محددة لأجرأة الدستور ؟
من خلال الإسراع بإصدار القانون التنظيمي للمجلس الاستشاري للشباب و العمل الجمعوي نموذجا.
ولنجاح هذا الورش الإصلاحي لابد من الالتزام بمجموعة من النقط التي تبقى مهمة من أجل التنزيل السليم..
من الضروري تفعيل الفصل 13 من الدستور الذي ينص على مايلي :” تعمل السلطات العمومية على إحداث هيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها“.
ضرورة تفعيل مقتضيات الفصل 33 الذي ينص على مايلي : ” على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق مايلي “:
- لتوسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد،
- مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكييف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني
- تيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات.
- يحدث مجلس للشباب والعمل الجمعوي من أجل تحقيق هذه الأهداف.
من الضروري تفعيل مقتضيات الفصل 170 الذي نص على مايلي :” يعتبر المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي المحدث بموجب الفصل 33 من هذا الدستور هيئة استشارية في ميدان حماية الشباب والنهوض بتطوير الحياة الجمعوية، وهو مكلف بدراسة وتتبع المسائل التي تهم هذه الميادين وتقديم اقتراحات حول موضوع اقتصادي و اجتماعي وثقافي، يهم مباشرة النهوض بأوضاع الشباب والعمل الجمعوي وتنمية طاقاتهم الإبداعية وتحفيزهم على الانخراط في الحياة الوطنية بروح المواطنة المسؤولة .
ومن اجل التنزيل السليم لمقتضيات الدستور الجديد ووصولا إلى إحداث مجلس استشاري للشباب و العمل الجمعوي لابد من اتخاذ مجموعة من التدابير لتحقيق الاهداف المرجوة من هذا المجلس ومنها على سبيل المثال :
التشبث بضرورة تسريع إصدار القانون المنظم للمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي عبر اعتماد حوار وطني جدي ومسؤول مبني على منهجية تشاركية ضمانا للتنزيل الديمقراطي والسليم لمقتضيات الوثيقة الدستورية.
ضرورة خلق التوازن الحقيقي لتمثيل الشباب كإمكان بشري وبين العمل الجمعوي كدينامية مجتمعية بمختلف مشاربها وحساسياتها وروافدها على أساس اعتماد المقاربة التشاركية والتعامل بروح المسؤولية غداة إعداد مشروع القانون التنظيمي مرورا بباقي المحطات وانتهاء بانتداب أعضاء المجلس.
خلق بنيات مصاحبة للمجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي على المستوى المحلي والجهوي كهيئات للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد سياسات عمومية أفقية ومندمجة وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها.
ضرورة توفير الضمانات الكفيلة بجعل الآراء والمقترحات الاستشارية للمجلس لها وزنها الاعتباري والدستوري مع إلزام السلطات العمومية والمحلية بتبيان الأسباب الكامنة وراء عدم الأخذ بأحد الآراء الاستشارية.
ضرورة ضمان استقلالية القرار والتمويل، و التداول الديمقراطي والتناوب في تحمل المسؤولية داخل المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي.
انطلاق مسلسل للترافع والحوار العمومي الشبابي المدني من أجل مؤسسة وطنية للشباب والعمل الجمعوي تستجيب لتطلعات مختلف القوى الحية للمجتمع المغربي.
ثانيا: نخب الصحراء والرغبة في التغيير:
تماشيا مع هذا السياق الوطني تعرف منطقة الصحراء حركة فكرية غير مسبوقة عمادها
النخب الجديدة والذي لم يعد ممكنا أن تقبل بالعيش في الهامش لذلك بزغ مشروع حكومة الشباب الموازية للشؤون الصحراوية لسد الفراغ الحاصل علىمستوى التمثيلية .
لأن المتأمل اليوم لواقع عمر أكثر من40 سنة ولا زال يراوح مكانه، مخلفا وراءه إرثا ثقيلا في نفوس المجتمع الصحراوي ككل ، كنتيجة حتمية لعمر الصراع، فقد شهدت منطقة الصحراء تجاذبات كثيرة عكست بشكل جلي إنتظارات الساكنة بالصحراء و الذي وصل إلى مرحلة اليأس والإتسام بإنسداد الأفق دون أن يشهد حلحلة للوضع الذي ظل رهين التفكير الأحادي و التقليدي لتدبير هموم السكان بالصحراء
إن الظروف الإجتماعية و الإقتصادية ألقت بظلالها على هذا الصراع بالاضافة إلى فشل المقاربات التدبيراتية ولعل نتيجتها هو مخيم “أكديم إيزيك” الذي كشف الواقع .ونظرا لإستمرار نفس المقاربة الأمنية في التعامل مع كل مطلب يرفع من جهات الصحراء .دون أن ننسى الورقة التأطيرية الصادرة عن المجلس الاقتصادي و الإجتماعي و البيئي و التي أقرت بفشل مجالات التنمية في الصحراء زد على ذلك فشل أو افشال تجربة المجلس الإستشاري للشؤون الصحراوية و العجز الكبير الذي أبان عنه ،كلها ظروف ساهمت في تكريس واقع مر كان أخر نتائجه دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى رفع توصية لمجلس الأمن من أجل توسيع صلاحيات المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في أبريل من سنة 2013 .واليوم وعلى بعد أيام من صدور قرار مجلس الأمن الجديد في أبريل 2015 ولو بصيغته القديمة و جب التفكير بشكل جدي في معالجة ملفات الصحراء بمنهجية جديدة أساسها المقاربة التشاركية و إشراك ساكنة المنطقة في أي تدبير بدل الركون الى الوراء و الوقوف وراء نصر ديبلوماسي سرعان ما سينجلي.
وفي إطار الحراك الذي ساهم في بلورته الشباب على المستوى الإقليمي والوطني و الدولي ،كان لابد أن يلقي بظلاله على المشهد الجيو سياسي بالصحراء وبالتالي بروز شريحة من مثقفين و نخب حاملة لهم التغيير ،اكتشفت بالملموس عجز النخب التقليدية وثقافة الأعيان عن تأطير المشهد العام بالصحراء وقصور الرؤيا في مختلف المقاربات التدبيراتية للملف بمختلف جوانبه السياسية،الإقتصادية والإجتماعية
إن إيماننا المطلق بثبات الوضع الهش من داخل الصحراء و التلاعب المستمر بهموم المواطنين وضعف التمثيلية, و أزمة القيادة التي تشهدها منطقة الصحراء ، أصبح يفرض ضرورة التموقع داخل المشهد السياسي ومن طرف طليعة المجتمع الصحراوي و التصدي لجميع المحاولات الإقصائية و التقليدانية التي أبانت عن فشلها الذريع ،بل و الأنكى من ذلك عمقت من معاناة العائلات من داخل المداشر الصحراوية
وعلى إعتبار أن المقاربة التشاركية ضرورة ملحة للنهوض بتطلعات الساكنة بالصحراء كرد فعل طبيعي على جميع المقاربات العمودية ،تأتي هذه المبادرة الهادفة إلى ضمان ممارسة ديمقراطية و تدعيم المشروع الحداثي المؤطر ضمن إقليم الصحراء و ساكنته وإعطاء نفس جديد للمجتمع المدني و السياسي .
ثالثا: نخب الصحراء تؤمن بالتغيير وتبادر من أجل الوطن. .
إن تدبير ملفات الصحراء ظل رهينا لمقاربات أمنية صرفة ،جعل كافة الأطراف الفاعلة في النزاع تتعامل بمنطق إنعدام الثقة في الأخر.بالإضافة إلى حصر التمثيلية للصحراويين في عائلا ت معينة إن لم نقل في أشخاص محددين بذواتهم ظلوا مقتصرين في كل مقاربة تدبيراتية على نعرات غالبا ما تكون ضيقة.هذا الواقع المرير جعل النخب الصحراوية المثقفة تحس بالغبن و تجد نفسها خارجة عن مختلف سياقات التدبير.
و بالتالي أضحت المرحلة و الرهان يتطلب المبادرة لذلك تأتي هذه المبادرة والمتمثلة في تأسيس حكومة الشباب الموازية للشؤون الصحراوية والنابعة عن بعض الفعاليات الغيورة من شباب الصحراء و بانتماءات سياسية مختلفة ،و منحدرة من أقاليم صحراوية و إنتماءات قبلية متعددة يوحدها شيء واحد هو حمل هموم الشباب الصحراوي و ستطلق على نفسها تسمية “حكومة الشباب الموازية للشؤون الصحراوية”
إن هذا الفاعل الجديد و إن يمكن أن يثير بعض الريب لجهات معينة ،تبقى مبادرة هادفة لا تخلو من دلالة رمزية بالأساس وتنبثق من نوايا حسنة و تتكون من نخب صحراوية مستقلة في التفكير و التوجه
و أنشطة و توجهات هذا الفاعل الجديد تخدم مصلحة المجتمع الصحراوي و تقدم تصور متقدم للمسؤولين عن تدبير الملف من أجل مقاربة جديدة تجعل تحقيق تطلعات المجتمع الصحراوي على رأس أهدافها.
ثانيا :تدبير المرحلة وسؤال النخب .
لن نيأس في طرح مسألة تجديد النخب في منطقة الصحراء ،و التي قيل عنها الكثير. و ذلك من خلال فسح المجال أمام أجيال جديدة مسلحة بالوسائل المعرفية و التقنية الضرورية ،و التي ستمكنها من خدمة مناطقها من موقع المسؤولية الملقى على عاتقها ومن منطلق إلمامها و معرفتها بخصوصيات مجتمعها
وفي هذا الإطار لامناص من تعزيز التوجه الديمقراطي و تكريس مبدأ تكافؤ الفرص في شتى المجالات و تجسيد المفهوم الحقيقي لحماية الحقوق و الواجبات حتى يتسنى للجميع النهوض بالواجب و أداء المسؤولية الملقاة على عاتقه
وليس السبيل إلى ذلك . سوى بالقطع مع الممارسات غير المقبولة . والركون إلى الإعتماد على الطاقات البشرية المؤهلة وفق معيار الكفاءة و الأهلية ،التي تشكل و حدها السبيل إلى تبؤ المهام و المسؤوليات والتي يجب أن تكون تكليفا لا تشريفا .
ومن هذا المنطلق يجدر التاكيد على أن بلورة أي سياسة عمومية تعنى بالصحراء و إختيار تمثيلية ساكنة الصحراء و كيفما كان نوعها ومصدرها .لا يجب أن يكون على حساب النخب و الأطر المثقفة والتي لها عمق و تجدر و ارتباط مع مختلف الشرائح و لعل في طليعتها الشباب . وبذلك فإن انخراط أبناء الصحراء وبالخصوص الشباب منهم في جميع المبادرات و المشاريع و التي تستهدف إخراج المنطقة من النفق المسدود .سيتم الترحيب به و معالجته وفق ما تقتضيه المصلحة العامة للشباب الصحراوي ،هاته الفئة التي عانت طويلا من العزلة و التهميش و التعامل معها من منطلق اللاثقة, و لسنا في حاجة الى التذكير الى أساليب التهميش ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يعانيه الطلبةالصحراويين في الجامعات, و لا يوجد سبيل أو مبرر يبقي الصحراء محرومة من نواة جامعية , إضافة الى أبعاد أطر المنطقة من الاشتغال في الصحراء و الدليل ما تعرض له متصرفوا وزارة الداخلية من ابعاد , لكي تتضح الصورة بشكل مفضوح في تعيينات أطر وزارة المالية التابعين لمديرية الخزينة العامة للمملكة في شهر دجنبر 2012 ولا زالت معاناتهم مستمرة الى حدود اليوم.
ولا مجال للتذكير على أن النخب الصحراوية الجديدة و المشكلة” لحكومة الشباب الموازية للشؤون الصحراوية ” والمنتمية لمختلف مناطق الصحراء و من جميع قبائلها و مكوناتها لقادرة على المبادرة و الإقناع و مؤهلة لأن تحمل مشعل التغيير ،إيمانا منها بحركية التاريخ و بأهمية مسايرة متطلبات العصر الحديث و تحولاته العميقة و المتسارعة
إن أي مشاركة متميزة “لحكومة الشباب الموازية للشؤون الصحراوية” ضمن النسيج الصحراوي العام ،و المساهمة في صناعة القرار السياسي بشأن قضية الصحراء يمر عبر الإعتراف بقدرات هاته النخب و إشراكها و رد الإعتبار لها . و الإقرار بفشل بعض التراكمات و السياسات التي لطالما ساهمت في تشتيت الجهود و الوقوف ضد أي بروز هادف لنخب حية من داخل النسق السياسي الصحراوي بكل تناقضاته.
من انجاز :ذ بوجمعة بيناهو
باحث في العلوم الساسية
الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع
المدني في حكومة الشباب الموازية للشؤون
الصحراوية.
عذراً التعليقات مغلقة