يقولون لنا في الصحف إن رئيس الحكومة أصيب بحالة شبيهة بالانهيار العصبي بسبب كل الفضائح التي انفجرت دفعة واحدة داخل دواوين وزرائه مثل حبات «البوب كورن».
«ها اللي عاد صغار وبغا يعاود القراية ويتزوج، وها اللي داير البناء العشوائي فالديوان ديالو وحال دوش وبيت النعاس»، وكأن المشكل في المغرب اليوم هو الحالة النفسية لرئيس الحكومة وليس الحالة النفسية لدافعي الضرائب الذين يمولون من جيوبهم هذا العبث والتصابي الحكومي.
ولذلك فليس رئيس الحكومة هو «اللي طالع ليه الدم»، بل «راه الشعب اللي طالع ليه الدم منكم، نتوما ورئيس الحكومة ديالكم».
لذلك فليس كافيا أن يجمع رئيس الحكومة وزراء حزبه ويطلب منهم من اليوم فصاعدا، كما لو كانوا أبناء قاصرين يحتاجون إلى وصاية، التشاور معه في كل كبيرة وصغيرة يقومون بها، سواء تعلق الأمر بأمور حكومية أو شخصية، لأن الشعب الذي من ضرائبه يتوصل هؤلاء الوزراء برواتبهم لا ينتظر مواعظ ونصائح بل ينتظر قرارات صارمة تقيل الوزراء «المقصرين» داخل دواوينهم وتعوضهم بآخرين لديهم على الأقل هيئة وزراء.
أما المضحك المبكي في لقاء رئيس الحكومة بوزراء حزبه، فهو الاجتماع الذي أعقبه، والذي نظمه عبد الله بوانو مع الفريق النيابي لحزب العدالة والتنمية، من أجل حثهم على تفادي السقوط في أي مشكل قد يستغله الخصوم السياسيون للإجهاز على الحزب.
والواقع أن رئيس الحكومة ورئيس الفريق النيابي للحزب الحاكم يعملان بقاعدة «الناصح المغفل» عندما يسديان النصح للآخرين بينما هم في أمس الحاجة إلى النصح.
عندما طالب عبد الإله بنكيران بوصفه أمينا عاما لحزب العدالة والتنمية، مناضلي الحزب ووزراءه ومستشاريه الجماعيين بأن يضمنوا له نظافة أيديهم لكي يضمن لهم البقاء في الحكم للعشرين سنة المقبلة، فإنه نسي أن ينصح نفسه أولا بضمان نظافة يده، فسمح لنفسه بالبقاء لثلاث سنوات على رأس شركتين استفادت إحداهما من دعم عمومي بينما استفادت الثانية من صفقات عمومية لوزارات يرأسها وزراء في حزبه.
ولم يسارع رئيس الحكومة إلى إزالة اسمه من ملكية هاتين الشركتين إلا بعدما نشرنا الخبر معززا بالوثائق. وهكذا أعاد بنكيران النظر في وضعيته القانونية على رأس الشركتين دون أن يعيد الأموال العمومية التي تسلمتها شركتاه إلى صناديق الدولة.
أما السيد عبد الله بوانو، رئيس الفريق النيابي للعدالة والتنمية في البرلمان، فقد كان الأجدر به وهو يوصي زملاءه في الفريق النيابي بتفادي السقوط في أي مشكل قد يستغله الخصوم السياسيون للإجهاز على الحزب، أن يتفادى هو نفسه السقوط في هذه المشاكل.
وقد ركز الجميع على قضية زواج الحبيب الشوباني من الوزيرة سمية بنخلدون، فيما تم التغاضي عن الأهم، وهو كيفية صرف الحبيب لميزانية مليار و700 مليون على الحوار الوطني حول المجتمع المدني، «أسيدي إلى ما كفاتكش وزيرة خود جوج، المهم حنا شرح لينا غير فين مشات مليار و700 مليون».
ولو كان السي بوانو منشغلا حقيقة بالحرص على الابتعاد عن المشاكل التي قد يستغلها الخصوم للإجهاز على الحزب، لكان نصح أخاه القيادي إدريس بوانو، مالك شركة «lina événement»، ورقم سجلها التجاري 60639 بالمحكمة التجارية بالرباط، بالابتعاد عن صفقة من أجل طبع المطويات الخاصة بالحوار الوطني حول المجتمع المدني، وهي الصفقة التي فاز بها بوانو وبلغت قيمتها 34 مليونا و732 ألف سنتيم.
ويبدو أننا اليوم فهمنا لماذا يردد الشوباني في كل مرة جملة «كل ينفق مما عنده»، فبعد مراجعتنا للائحة المستفيدين من «خبزة» الحوار الوطني حول المجتمع المدني، اكتشفنا أنه أنفق ما عنده من ميزانية وفرها له بنكيران من مالية رئاسة الحكومة، على شركات المقربين في عائلته الحزبية.
وفي لائحة الشركات التي استفادت من سندات الطلب بدون منافسة في وزارة الحبيب الشوباني، نجد شركة «وصلة للإعلاميات»، وهي مملوكة لعصام العمراني قريب القيادي بالحزب سليمان العمراني، والتي حصلت على صفقة بمبلغ يقارب 20 مليون سنتيم، وهي شركة مقرها بحي كريمة بمدينة سلا، تحمل رقم السجل التجاري 15281 بالمحكمة الابتدائية سلا.
ثم هناك شركة «إبداع للإنتاج السمعي البصري»، وهي في ملكية الطاهر العبدلاوي، العضو بحركة التوحيد والإصلاح، وفازت بصفقة التصوير والتوثيق، التي بلغت قيمتها المالية 347724.00 (34 مليونا و772 ألف سنتيم)، وهي الشركة نفسها التي أنجزت 6 وصلات إشهارية لحزب العدالة والتنمية خلال حملته الانتخابية سنة 2011، وأنجزت أشرطة وتقوم بأعمال التصوير لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب وحركة التوحيد والإصلاح، ومنظمة التجديد الطلابي، ومنتدى الزهراء للمرأة المغربية الذي كانت ترأسه بثينة قروري، زوجة حامي الدين منسق حوار الشوباني الوطني، وهي كلها أذرع موالية لحزب العدالة والتنمية وحركته الدعوية، كما فازت بصفقة سابقة من مجلس مقاطعة أكدال الذي يترأسه رضا بنخلدون، البرلماني وعضو الأمانة العامة للحزب.
ثم هناك شركة «ciel media» وهي في ملكية ابن أخت عبد السلام بلاجي، نائب عمدة الرباط، شريك لمحمد العلوي الإسماعيلي الذي يعمل مستشارا بديوان الشوباني، وهي التي تكلفت بطبع جزء من وثائق ولافتات الحوار الوطني حول المجتمع المدني، وكذلك كتاب حصيلة عمل الوزارة، وكل من يدخل صفحة شركته بالفيسبوك سيعثر على صورة للوزير الشوباني يقدم وثائق الحوار إلى الملك محمد السادس، وهذه الشركة مسجلة بالسجل التجاري رقم 89285 بالمحكمة التجارية بالرباط .
ثم هناك «شركة لينا للطباعة»، وهي في ملكية صديق الشوباني وعضو الحزب الحاج الأسمر، والتي حصلت على عشرات الملايين من السنتيمات عن جل ما تطبعه الوزارة بخصوص الحوار الوطني.
ثم هناك شركة «ماهر الملاخ»، التي تكلفت بتصوير الأنشطة الأولى في الحوار وإنتاج الوصلة الإشهارية الأولى له، وهي مملوكة لماهر الملاخ، عضو قسم الإعلام بالحزب سابقا وزوجته كانت مكلفة بالدراسات بديوان الشوباني، بحوالي 20 مليون سنتيم.
لذلك فالمطلوب اليوم من الصحافة والمعارضة وكل من لديه واجب مراقبة المتصرفين في المال العام، ورئيس الحكومة على رأسهم بوصفه الآمر بالصرف والمسؤول عن التسيير في الدولة كما ينص على ذلك الدستور، هو مطالبة الوزير الشوباني بالكف عن تمييع النقاش العمومي وجر الرأي العام إلى غرفة نومه، وامتلاك الجرأة السياسية لنشر لائحة مدققة لطريقة صرفه لمبلغ مليار و700 مليون على حواره الوطني حول المجتمع المدني.
فيبدو أن «خبزة» الحوار الوطني تم تقسيمها بطريقة مشبوهة، عملا بمبدأ الشوباني «كل ينفق مما عنده».
مشكلة بعض وزراء الحزب الحاكم أنهم أظهروا خلال ثلاث سنوات من تحملهم للمسؤولية أنهم لا يصلحون لمنصب رجل دولة.
وهذا طبيعي، فالمغاربة الذين استأنسوا بمثل هذه الأشكال يقولون في أمثالهم: «اللـِّي عَمْرُو مَا شَافْ الـْـخـِـيرْ كَيْتْنَزَّهْ فْقُبْ دْيَالْ الْـحَـمَّامْ».
عذراً التعليقات مغلقة