في أوائل سنة 2007 أعلنت الشركة العامة العقارية (C.G.E)، الذراع العقارية التابعة لصندوق الإيداع والتدبير، عزمها إنجاز مشروع سياحي ضخم بمنطقة “السواني” ضواحي مدينة الحسيمة، وهو المشروع الذي أشرف الملك محمد السادس شخصيا على إعطاء انطلاقة أشغال إنجازه إبان زيارته للحسيمة شهر يوليوز 2008 بتكلفة إجمالية فاقت مليار و500 مليون درهم (150 مليار سنتيم)، والذي تم إدراجه ضمن “رؤية الحسيمة 2015″، كمخطط للتنمية السياحية بإقليم الحسيمة.
وبعد شروع الشركة المذكورة في أشغال الحفر وتوطئة أرضية المشروع، وأمام عدم احترام هذه الأخيرة الموروث الأركيولوجي لمدينة “المزمة” التاريخية المتواجدة داخل المحيط المخصص للمشروع، أعلنت مجموعة من الفعاليات المدنية بالمنطقة عن تأسيس إطار مدني مشترك سمي أن ذاك “لجنة الهيئات المدنية المتابعة لملف مدينة المزمة التاريخية”، لتنبثق عنه ما سميت “اللجنة المتابعة لمشروع السواني” متكونة من مجموعة كبيرة من الفعاليات الناشطة بالحسيمة وخارجها وكذا بأوربا بعد عدم اكتراث الشركة بمطالب لجنة الهيئات المدنية المتابعة لملف مدينة المزمة التاريخية.
ورغم الأشكال الاحتجاجية التي خاضتها أصوات النخب الثقافية والجمعوية والحقوقية المنادية باحترام الشركة للموروث الأركيولوجي والقيمة التراثية والثقافية لمدينة “المزمة” التاريخية التي شرعت الشركة العامة العقارية في تدميرها وطمس معالمها الأثرية في خرق سافر للقوانين المؤطرة لهذا المجال، إذ عمدت اللجنة إلى إنجاز العديد من التقارير وإصدار العديد من البيانات في الموضوع، توخيا منها لتعبئة الرأي العام المحلي والوطني، وفضح الخروقات التي تشوب هذا المشروع. إلا أن الشركة المذكورة لم تكترث للأمر، وشرعت في تسويق منتوجها، وكذلك شق الطرقات داخل الموقع الأثري السالف الذكر، بل امتدت إلى تدمير الملك الغابوي المحيط بالمنطقة المخصصة للمشروع في تحد سافر لكل القوانين ومطالب الهيئات المدينة بالإقليم.
كما أن الدراسة التي قدمتها الشركة للسلطات المختصة حول التأثيرات التي من الممكن أن يحدثها المشروع على الوسط الإيكولوجي قوبلت بالرفض، لكونها تتنافى مع الخصوصيات البيئية للمنطقة، وكذلك خرقها لمجموعة من الاتفاقيات الموقعة من طرف المغرب، ولعل من بين أهم الملاحظات التي أثيرت حول هذه النقطة بالذات، هي تلك المرتبطة بانتهاك بروتوكول برشلونة الموقع سنة 1975 والمعدل سنة 1996، حول حماية الساحل المتوسطي المتمخض عن مشروع الإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية للبحر الأبيض المتوسط القاضي بالابتعاد عن ساحل البحر بـ100 متر على الأقل عند البناء، حيث أن الشركة شيدت مشروعها على مقربة عشرة أمتار من ساحل البحر متجاهلة كل القوانين التي تجرم ذلك، هذا ناهيك على أن المشروع سيستنزف الفرشة المائية للمنطقة، لأن المشاريع الكبرى من هذا الحجم تتطلب كميات كبيرة من المياه، خاصة وأن المشروع يتضمن وجود الكثير من المسابح، الشيء الذي سينجم عنه القضاء على ما تبقى من أراضي الفلاحين بالمنطقة، بالإضافة إلى إقدام الشركة على قطع جزء كبير من الغابة التي كانت تعتبر بمثابة الرئة التي يتنفس بها سكان المنطقة، إضافة إلى أنها كانت تشكل حاجزا طبيعيا يحمي الأراضي الفلاحية المتاخمة لساحل البحر من التصحر.
أما الأرض المقام عليها هذا المشروع فتعود ملكيتها لساكنة أجدير التي أعارتها في بداية الأربعينات من القرن الماضي للسلطات الإسبانية، لمدة تناهز الأربعين سنة، بهدف تشجير المكان وبالتالي صد زحف الرمال التي كانت تهدد أراضي الفلاحين الزراعية، وبعد حصول المغرب على الاستقلال، وبالضبط سنة 1961، طالب سكان أجديرفي شكاية رسمية وضعوها لدى السلطات العمومية باسترجاع ملكهم الجماعي المشاع، ولم تجد شكايتهم تلك آذانا صاغية لدى المسؤولين، ومن ثمة فوتت الأرض إلى شركة نادي البحر الأبيض المتوسط لأجل بناء مركب سياحي عليها.
وفي ظروف غامضة شابتها الكثير من الشبهات، قامت إدارة المياه والغابات بالاستيلاء على الأرض، وبقي الأمر على هذا الوضع حتى حدود سنة 2008، عندما أعطى الملك محمد السادس انطلاقة بناء مشروع السواني، حيث تناسلت الكثير من الأسئلة والاستفسارات حول الكيفية التي تم بها تفويت الأرض من المياه والغابات إلى الشركة العامة العقارية التابعة لصندوق الإيداع والتدبير الذي تمتلكه الدولة، إلا أنها لم تجد لها صدى لدى الشركة العامة العقارية، التي أكدت أن عملية اقتنائها للأرض قد مرت في ظروف قانونية، وأن هذه التبريرات أبعد ما تكون من المنطق !!!
غير أن الطامة الكبرى التي نزلت كالصاعقة على كل المتتبعين والمهتمين بالشأن المحلي بالحسيمة ونواحيها، حين تم اكتشاف أن مشروع السواني الذي كلف العشرات من الملايير، والذي روج له على أنه سياحي يروم تحقيق إقلاع اقتصادي بالإقليم ؛ وبالتالي السعي نحو خلق منطقة سياحية بامتياز، لتحريك دواليب التنمية الاقتصادية المعطلة أصلا بالمنطقة ، قد تم تحويله إلى مشروع عقاري بامتياز، وهو ما إعترف به وزير السياحة لحسن حداد بنفسه مؤخرا تحت قبة البرلمان ؛ إذ بعد شروع الشركة العامة العقارية في تسويق منتوجها، اتضح أنه متضمن لعدد كبير من الفيلات، وهو ما يبرر بشكل قطعي أن الشركة تتوخى من وراء مشروعها هذا، تسمين أرباحها المالية، ضاربة عرض الحائط كل المناشدات التي تحمل في ثناياها، الدعوة إلى تشييد مشروع سياحي يتلاءم مع “رؤية الحسيمة 2015″ التي رصد لها غلاف مالي يفوق ثمانية ملايير درهم، ويهدف إلى جعل الحسيمة منارة سياحية للسياح المغاربة والأجانب ؛ بل الأنكى من ذلك، فإن المشروع لا يحترم مبدأ السياحة المستدامة الذي تتبناه المنظمة العالمية للسياحة، والذي ينص على أن تؤدي السياحة المستدامة إلى إدارة جميع الموارد، بطريقة تتيح تلبية الحاجات الاقتصادية والاجتماعية والجمالية مع الحفاظ في الوقت ذاته على سلامة الثقافة والعمليات الإيكولوجية، والتنوع البيولوجي، والنظم العملية للحياة، غير أن هذه الملاحظات لم تجد لها أي صدى لدى مسؤولي الشركة العامة العقارية، الذين أكدوا غير ما مرة أنهم بصدد بناء مشروع سياحي حقيقي، سيعمل على إيجاد حلول ناجعة لمعضلة البطالة المستشرية بالإقليم، وكذا تنشيط الحياة الاقتصادية عبر رواج سياحي، ليتأكد الهدف الحقيقي الذي كانت تسعى إليه الشركة، وهو خلق مشروع عقاري صرف على أراضي الخواص، متضمن لخروقات تعميرية وبيئية سافرة، لعل أهمها البناء فوق الملك العام البحري والتدمير الممنهج الذي طال المعالم التراثية والتاريخية للمنطقة، وكذا الملك الغابوي، المتنفس الطبيعي الوحيد لمنطقة أجدير/السواني، وعدم احترام التصميم القانوني للمشروع الذي كان يتضمن 60 في المائة من المساحات الخضراء، ليتم تقليص هذه المساحة من طرف الشركة إلى أقل من 20 في المائة، فيما تم استغلال الباقي في البناء.
وأمام الخروقات الجسيمة التي ارتكبتها الشركة المعنية بإنجاز هذا المشروع، كان لابد لها من شراء صمت المسؤولين المعنيين بالإقليم، بدءا من العمالة ومرورا بالمندوبيات المعنية (السياحة، المياه والغابات، الثقافة…) وليس انتهاء بالمجلس الجماعي المنتخب، كما نجد في مقدمة المستفيدين من الفيلات الفخمة بهذا المشروع، مجموعة من أعيان وإقطاعيي الإقليم، قاسمه المشترك انتماؤهم إلى هيئة سياسية واحدة (حزب الأصالة والمعاصرة)، منهم من استفاد منها بطريقة مباشرة وباسمه الشخصي، ومنهم من استفاد بطريقة غير مباشرة أو بأسماء زوجاتهم وأقاربهم، وعلى رأس هؤلاء قياديين بارزين بالحزب المذكور على الصعيد الوطني، مثل إلياس العماري وحكيم بنشماس وعزيز بنعزوز وغيرهم، كما نجد في قائمة هؤلاء أيضا، رئيس المجلس الإقليمي للحسيمة، المنتسب لنفس الحزب إلى جانب الأمين الإقليمي للحزب ذاته بالحسيمة، عمر الزراد، المتورط في تفويت قطعة أرضية شاسعة وسط مدينة تارجيست بعشرة دراهم للمتر المربع، وهي الفضيحة التي تطرق لها موقع “الشمال ميديا” بالتفصيل مؤخرا، إضافة إلى مجموعة من أباطرة المخدرات على الصعيد الدولي المعروفين بإقليم الحسيمة جلهم ينتمون لحزب “الجرار”، مثلما نجد من أبرز المستفيدين كذلك، أسماء ذاع صيتها بالإقليم، مثل: النحاس والحتاش والمستشار البرلماني أحتيت وغيرهم، هذا الأخير يعتبر أخ أحد أكبر تجار المخدرات على الصعيد الدولي وتربطه علاقات بمافيات ليبية وإسرائيلية، كان قد تم إلقاء القبض عليه قبل حوالي سنتين وبحوزته كمية هامة من مخدر الكوكايين إلى جانب مبلغ 15 مليار سنتيم.
لتبقى في الأخير علامات استفهام عريضة تطرح وتدق ناقوس الخطر حول المآل الذي تؤول إليه هكذا مشاريع ضخمة تستنزف الملايير من الميزانية والتي تتحول من مشاريع تروم خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للوطن إلى مشاريع خاصة يستفيد منها ثلة من السياسويين الفاسدين وأصحاب “الشكارة” بتواطؤ مكشوف من طرف من أسندت لهم مهام تسيير شؤون البلاد والعباد مقابل حصولهم على حقهم من “الكعكة” طبعا ليظل حلم المواطن المغربي في حقه المشروع في التنمية المستدامة معلقا إلى أجل غير مسمى…
عذراً التعليقات مغلقة