بعد أن مرت مئة اليوم الأولى من زمن الحكومة التي يرأسها سعد الدين العثماني، و التي عينها الملك محمد السادس، في الخامس من أبريل الماضي، بعد مخاض كثير وفترة انتقالية وانتظارية صعبة على الديمقراطية المغربية وعلى حزب العدالة والتنمية المتصدر لنتائج الانتخابات التشريعية, سأركز تقيمي لهذه الفترة كمدافع حقوقي على وضعية حقوق الإنسان والحكم السديد ومحاربة الفساد خلال هذه الفترة والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعطي الصورة الحقيقية لعمل ومردودية الحكومة, لكنها يمكن أن تعطي مؤشرات أولية وأن تكون بمتابة وقفة تأمل لتصحيح المسار وتجاوز العثرات الأولية.
I. أحداث الريف: الخطيئة الكبرى للحكومة
رغم أن أحداث منطقة الريف، وما واكبها من تعاطٍ حكومي هو إرث من الحكومة السابقة إلا أن أبرز ما ميز المئة يوم الأولى من عمر حكومة العثماني، هو تنامي وتصاعد الاحتجاجات بشكل كبير في الريف، دون أن تستطيع الحكومة وضع تصور واضح المعالم والمخرجات من أجل تجاوز الأزمة, حيث اعتبرت تصريحات أحزاب الأغلبية بمثابة الوقود الذي أجج الأوضاع بالمنطقة وببعض مناطق المغرب ، حيث اتهمت نشطاء الريف بالتخطيط للانفصال و”خيانة الوطن” الاتهامات التي كانت بمثابة الشرارة التي أججت الأوضاع وأدخلت المنطقة في مواجهات أدت إلى الوضعية المعقدة الأن بتواجد أزيد من مئتي ناشط خلف القضبان واستمرار الاحتجاجات مقابل الاعتقالات وما ترتب عنها من ادعاءات التعذيب خصوصا أمام تربص العديد من الجهات الدولية المعادية للمغرب من أجل تلطيخ صورة المغرب الحقوقية على الصعيد الدولي.
II. الحقوق المدنية والسياسية : التراجع الواضح
حرية تكوين الجمعيات والأحزاب:
نشير إلى استمرار الحكومة خلال هذه الفترة عبر وزارة الداخلية إلى محاولة تحويل مبدأ التصريح بتكوين الجمعيات إلى نظام “الترخيص” فيما يخص الاعتراف بالوجود القانوني للجمعيات وتستمر في حرمان العديد من الجمعيات من وصولات الإيداع القانونية مع فرض العديد من الإجراءات التعسفية على كل الجمعيات مقابل تسليمها وصل الإيداع القانوني.
الاعتقال والمحاكمة والتضييق بسبب الرأي
نسجل في هذا الإطار استمرار الاعتقال بسبب الرأي المخالف للسلطات بالمغرب والاحتجاج السلمي حيث ارتفع عدد المعتقلين خلال المائة يوم من عمر الحكومة بشكل مخيف ومقلق لنشطاء الريف.
كما نؤكد استمرار الحكومة في التغاضي عن بعض الملفات الحقوقية الشائكة مثل تشميع منازل أعضاء جماعة العدل والاحسان على أساس أنهم استخدموها لاحتضان اجتماعات “غير مرخص لها”. ويتأكد أن الإغلاق الطويل للبيوت مرتبط بـ”جريمة” عقد اجتماعات سلمية “غير مرخص بها”، الأمر الذي يجعل منه عقابا ليس فقط غير متناسب ولكن أيضا مخالفا للحق في حرية التجمع السلمي المعترف به دوليا والذي تكفله المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وبموجب المادة 29 من الدستور المغربي لعام 2011” .
التعذيب بالمغرب
رغم أننا نسجل بارتياح مصادقة الحكومة السابقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة
نؤكد أنه كان على الحكومة أن تجعل من أوليواتها خلال 100 يوم الأولى إخراج الإلية الوطنية للوقاية من التعذيب إلى حيز الوجود مع التأكيد على أن استقلالية الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب عن جميع المؤسسات -بما فيها مؤسسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان والبرلمان- هي أهم عنصر يضمن لها الفعالية والنجاعة وهذا إجراء كان على الحكومة القيام به والبدء في فتح نقاش مع المهتمين خلال هذه الفترة.
كما نشير إلى التدهور الخطير في أوضاع السجناء عموما وخصوصا المضايقات والتعسفات التي يعاني منها المعتقلون في إطار قضايا ذات طابع الرأي المخالف للسلطات والتي أدت إلى عدد من الإضرابات عن الطعام(سجن سلا-سجن القنيطرة-سجن مكناس-الخ).
التظاهر السلمي
رغم أن الدستور المغربي كان واضحا في مسألة الاحتجاج حيث نص الفصل 29 على أن «حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات. نؤكد ان القيود التي فرضت خلال المائة يوم الأولى من عمر هذه الحكومة على التجمعات العمومية تتجاوز الأسباب المحددة بشكل ضيق جداً والمنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية, فبموجب المادة 13 من قانون التجمعات العمومية للعام 1958، يجب على منظمي المظاهرة الحصول على تصريح مسبق من السلطات التي يجوز لها أن تمنعهم من القيام بالمظاهرة، إذا “ارتأت أن من شأن المظاهرة المزمع القيام بها الإخلال بالأمن العام” ويمكن حظر التجمعات المسلحة أو غير المسلحة في الطرق العمومية “التي يمكن أن تخل بالأمن العام” وتفريقها وفقاً للمادتين 17 و19 من القانون نفسه, ولا يرد في القانون المغربي أي تعريف لما يشكل إخلالاً بالأمن العام، تاركاً تفسيره في أيدي السلطات, وخلال هذه المئة يوم فسلطة التصرف أصبحت جد واسعة هذه لمنع المظاهرات السياسية أو تفريقها بشكل عنيف.
III. الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية: الغضبة الملكية
رغم بعض الإجراءات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة خلال هذه المائة يوم كتخفيض أسعار بعض الأدوية الباهظة والتجاوب النسبي مع ساكنة المناطق المهمشة كبني ملال وخنيفرة والعمل على ترسيم الأمازيغية من خلال أمر الحكومة لعدد من المعاهد بتدريس هذه اللغة تدريجيا كما تم إقرار قانون إحداث مجلس الهوية المغربية واللغات، علاوة على قانون يهتم برعاية حقوق المرضى النفسيين والعقليين.
إلا ان الغضبة الملكية في حق الحكومة خلال المجلس الوزاري الأول حيث خرج الناطق الرسمي باسم القصر الملكي ليعلن استياء الملك من عدم تنفيذ مشاريع برنامج «الحسيمة منارة المتوسط»، وإصداره قرارا يقضي بحرمان الوزراء المعنيين بالمشروع من العطلة الصيفية الشئ الذي يؤكد على استمرار البطئ في تنفيذ العديد من المشاريع والذي ينعكس سلبا على العديد من الحقوق الاقتصادية والإجتماعية وبالأخص :
التعليم العمومي:
نسجل عدم اتخاذ الحكومة أي إجراء لتقريب الفجوة الكبيرة بين مستوى التعليم العام والمستوى الخاص بشكل خطير الشئ الذي يمس في العمق حق أطفال الفقراء في تعليم عمومي مجاني وجيد مع استمرار تكريس الفوارق الاجتماعية في التعليم العمومي عبر تلقين مواد التكوين في الاعدادي والثانوي باللغة العربية بينما يفرض على الطلبة الحاصلين على الباكلوريا متابعة تعليمهم الجامعي باللغة الفرنسية وهو ما لا يتمكن منه غالبية الطلبة الذين سبق وتابعوا تعليمهم في التعليم العمومي.
الحق في الصحة:
نسجل خلال هذه الفترة من عمر الحكومة استمرار التدهور في تسيير القطاع الصحي عموما ( نقص الاطر الطبية ، ضعف التجهيزات ، قصور في الطب المتخصص ، النقص الحاد في الأدوية للفقراء، غياب رؤية واضحة لمستقبل الصحة ، سوء تدبير الموارد البشرية( مع إطلاق العنان للقطاع الخاص للإتجار في امراض المواطنين.
كما نسجل استمرار عدة وفيات بالمستشفيات العمومية والخصوصية نتيجة الإهمال’ لم يتابع أو يتعرض المسؤولون عنها لأي عقاب سواء قانوني آو إداري, حالة وفاة السيدة امال أبو القاسم بمدينة الجديدة تم الحكم على الدكتور المتسبب بستة سنوات سجنا نافذا والإيقاف من ممارسة المهنة لكن دون أن ينفد أي من الحكمين حيث لازال المحكوم يمارس مهامه.
الحق في السكن والارض:
نسجل استمرار حرمان العديد من العائلات الساكنة بدور الصفيح من الشواهد الإدارية التي تخول الحصول على البطاقة الوطنية وبالعديد من الحقوق المرتبطة بها (دوار اولاد مبارك الحنشة اولاد موسى عين السبع بالقنيطرة نمودجا).
نسجل استمرار نزع الملكية، من أجل ” المنفعة العامة “، واتخاذه كذريعة لحرمان المواطنين من عقاراتهم، ومصادر عيشهم، ليتم تفويتها للخواص والمنعشين العقاريين فيما بعد, ناهيك عن التفويتات للأراضي الموجودة داخل الوعاء الحضري، وفي أماكن ذات قيمة باهظة بأثمنة رمزية، وغياب الشفافية وتشجيع المضاربة العقارية واقتصاد الريع والفساد في تسيير كراء الأراضي السلالية (اكبر وعاء عقاري بالمغرب) التي تسير وفق الظهير 1919 الذي أصبح متجاوزا مع استثناءه للنساء من الاستفادة رغم دورية وزير الداخلية في الموضوع.
هذا بالإضافة إلى استمرار غياب منهجية واضحة وعلمية وفق معايير منظمة العمل الدولية بخصوص الحوار الاجتماعي مع النقابات والحركات الاجتماعية.
ونتمنى حقيقة أن تستطيع الحكومة التغلب على هذه العوائق وأن تعتبر ما يكتب من انتقادات يدخل في النقد البناء وفق مقولة رحم الله من أهدى إلي عيوبي.
ادريس السدراوي
رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الانسان
عذراً التعليقات مغلقة