لاشك في أن ما جرى بمصر يوم 30 يوليو 2013 هو انقلاب عسكري بكل ما تحمله الكلمة من معنى. قاده المشير عبد الفتاح السيسي بعدما وضع فيه الرئيس المنتخب محمد مرسي الثقة على رأس المؤسسة العسكرية مما جعله يمسك بالمفاتيح التي كان يتوخاها للسيطرة على مفاصل الدولة والعبث بها بعد ذلك كما يشاء. تم خلال هذا الانقلاب الإطاحة بالحكومة التي انتخبها غالبية الشعب المصري وتم تنصيب أخرى جيء بها على ظهور الدبابات بعد حمام الدم الذي عرف رابعة العدوية والنهضة ساحتين له. ليصبح بعد ذلك من كان يفترض أن يكون في الحدود يدافع عن الشعب؛ جلادا له. ويصبح من اختاره الشعب، عبر صناديق الاقتراع في أول تجربة ديمقراطية حقيقية في تاريخ البلاد؛ مسجونا من قبل النيابة العامة متابعا بعدة تهم من بينها التخابر مع حركة حماس التي تتبنى المقاومة كحل أوحد في مواجهة العدو الصهيوني ويكفيها في ذلك شرفا.
ولفرض نفسه على أرض الواقع وللسيطرة على تلابيب الحكم وتثبيت أركان نظامه الاستبدادي لجأ السيسي إلى تسييس مؤسسات الدولة على رأسها القضاء الذي تحول إلى مؤسسة مسخ بعد الأحكام بالإعدام التي هزت الرأي العام العالمي. وقامت أيضا بإصدار أحكام قضائية فردية وجماعية غاية في القسوة والظلم لا علاقة لها بالقضاء البتة. وأحكام أخرى غريبة كحيازة كاميرا مثلا أو مسطرة عليها علامة… كل هذه الأحكام أساءت لمؤسسة القضاء وللنظام الذي يعتمد عليها. لكن كل هذا الذكاء والانفراد بالسلطة بشكل غير شرعي كان يحتاج لمتواطئين ولشراء ذمم ممن كان مفترضا ألا تباع ذممهم، ويحتاج أيضا إلى تظليل إعلامي كبير عبر حملات إعلامية حامية الوطيس، ورشا كبيرة وكثيرة. أي أن هذا النظام كان وما يزال يحتاج إلى الأموال السائلة بالملايير. فالإعلام يحتاج إلى الملايين ليخدع الناس. ورجال القضاء شهيتهم مفتوحة إلى المال لإصدار أبشع الأحكام دون ذرة إحساس بالمسؤولية القانونية أو الأخلاقية أو المهنية. والأفواه الثرثارة تحتاج لمن يلقمها الملايين لأجل شراء صمتها، وحتى الأفواه الصامتة تحتاج الملايين لكي لا تثير الزوابع غير المرغوب فيها. وحملات في الخارج تحتاج الملايين لوضع الكثير من الماكياج على وجه النظام من أجل إخفاء عيوبه الكثيرة وتزيين صورته في الأوساط الدبلوماسية الغربية على الخصوص. ناهيك عن الحاجات الملحة للدولة المصرية مقابل اقتصاد تعرض للإنهاك والنهب من طرف الأطراف النافذة. كل هذا الإنفاق السخي من طرف النظام الجديد القديم جعله يحتاج بقوة للأطراف الخارجية التي تمتلك مخزونا كبيرا من السيولة النقدية. من هنا بالضبط وجدت دول الخليج؛ على رأسها السعودية والإمارات والكويت التي تكن العداء للإسلام السياسي عموما، بابا واسعا للتدخل في شؤون المصريين الداخلية.
لكن النظام المستحدث على أنقاض العملية الديمقراطية التي كان من المؤكد أنها ستفضي إلى انتقال ديمقراطي سلس وسلمي مؤكد أن تخشاه دول الخليج لبعدها الكبير عن الديمقراطية، تحول إلى طاحونة للأموال. فلا الملايير الكويتية ظهرت عليه ولا الملايير الإماراتية انتشلته من بالوعة التقهقر بسبب الاستهتار بقيمة الحياة الإنسانية ولا الملايير السعودية أكسبته الشرعية الفاقد لها بسبب انقلابه عن شرعية صناديق الاقتراع. الأمر الذي جعله يولي وجهه شطر الجزائر التي تعرف بعض السيولة نظرا لارتفاع أسعار المحروقات في الأسواق العالمية السنة التي انصرمت. لكن يجب تسديد خدمات للجزائر من طرف نظام السيسي وأذنابه من أجل إرضاءها. من بين هذه الخدمات مناصبة العداء للمغرب وللمغاربة. يظهر ذلك من خلال الحملات الإعلامية التي شنها الإعلام المصري ضد المغرب والخرجات الإعلامية التي وظفت شخصيات مشهورة فنيا ودينيا كالتصريح الذي أدلى به ممثل مصري مشهور لقناة مصرية يدعي فيه أن غالبية المغاربة يهود. وفي ذلك كثير من التضليل. أو ما صدر عن مذيعة في إحدى القنوات الفضائية حين اعتبرت أن الاقتصاد المغربي يعتمد على الدعارة ومذيع آخر نعث المغاربة بممارسة الدجل والشعوذة واعتباره البلد الأول في العالم من حيث أعداد المصابين بداء السيدا الفتاك. وفي ذلك كثير من الكذب والإجحاف في حق المغاربة حكومة وشعبا. كل ذلك كان يحدث والمغرب لم يكن يصدر أي تصرف مفاجئ غير ردود أفعال بروتوكولية مثل طلب التفسير من السفارة أو الاعتذار مثلا.
لكن حدث اليوم تطور مفاجئ وخطير على ذات المستوى. أي في التعاطي مع الشأن المصري على مستوى وسائل الأعلام العمومية المغربية التي تتحدث بلسان حال وزارة الخارجية. إذ لم تتوان القناة الأولى في نشرتها الإخبارية، مساء الخميس، في وصف نظام الحكم المصري الحالي بالانقلاب العسكري واصفة السيسي بالمشير الذي قاد الانقلاب ومحمد مرسي بالرئيس المنتخب الذي أطيح به.
لابد أننا أمام تحول لافت للموقف المغربي من العملية السياسية المصرية برمتها. إذ أن الملك محمد السادس كان من أوائل المهنئين للسيسي بعد أن أعلن نفسه رئيسا لمصر. لكن مؤشر العلاقات المغربية المصرية دار عن مكانه بما قيمته 180 درجة. فعاد الموقف المغربي مما يحدث في مصر إلى المكان الذي نظنه صحيحا.
لا يمكن أن يدير دفة الموقف المغربي 180 درجة إلا مس بقضيته الترابية الوطنية أو أمر يخص أموره السيادية أو رؤية مستقبلية جامحة. لذلك نعتقد أن سبب هذه الاستدارة اللافتة للموقف المغربي تجاه الانقلابيين في مصر لا يخرج عن ثلاثة تفسيرات محتملة:
الأولى؛ إمكانية مساعدة الانقلابيين في مصر للانفصاليين في جنوب المغرب إرضاء للجزائر طمعا في السيولة التي تتيحها المحروقات. وهناك أيضا من يتحدث عن استعداد نظام الانقلاب للاعتراف بالجمهورية الوهمية. وإن حدث هذا الأمر فستكون عواقبه وخيمة على النظام الانقلابي ككل. إذ أننا نتوقع أن تقف دول الخليج إلى جانب المغرب لكنها لن تتخل عن مصر كليا. إلا أن مصر اليوم بدون دور إقليمي وتحولت من فاعل إلى مفعول به. لذلك ستدعن للضغوط الخليجية إن هي ضغطت عليها وهو أمر مؤكد سنلمسه من خلال الإعلام المصري على الفور. وفي النهاية سيدير الانقلابيون الظهر للجزائر لأن أثمان المحروقات في السوق العالمية في تراجع مستمر وهذا من شأنه أن يقلص السيولة لدى الجزائر .
الأمر الثاني وهو إمكانية تورط المخابرات المصرية في التسريبات الإستخباراتية الخطيرة التي هزت الداخلية المغربية والتي همت بالخصوص شؤون القضية الترابية المغربية.
أما الأمر الثالث وهو الأقل أهمية في اعتقادنا وهو يتعلق بالتأثير الأردوغاني على مواقف الملك محمد السادس الذي يقضي هذه الأيام عطلة سنوية رائعة رفقة العائلة الملكية بالديار التركية. ومعلوم أن تركيا الرسمية لا تتحدث عن نظام الحكم في مصر إلا باعتباره انقلابا عسكريا عن الشرعية الانتخابية.
إن قرارا من هذا الحجم لا يمكن أن يمر بشكل عابر بل سيكون له تبعات خطيرة ليس فقط على العلاقات الثنائية وحسب. وإنما على أصعدة مختلفة بالسلب وبالإيجاب. على مستوى العلاقات الخليجية المغربية والخليجية المصرية. وأيضا على الانقلاب نفسه كما على القضية الترابية المغربية التي تعتبر القضية الأولى على الصعيد الوطني. ونترك الأمر للأيام لتكشف لنا التطورات التي سيأخذها هذا الملف.
(*)كاتب مغربي
عذراً التعليقات مغلقة