يبدو أن حكومة بنكيران لم تستوعب بعد مضامين الدستور الجديد الذي أقره استفتاء فاتح يوليوز2011 ، أو لنقل على الأرجح إنها تتردد في الاعتراف بأن مضامينه أكبر بكثير من حجمها السياسي وأدائها المؤسساتي.فبعد واقعة العفو الملكي التي أخرست حكومة بكاملها وفضل من خلالها الحزب الحاكم مهاجمة المحيط الملكي، ها هو الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ثورة الملك والشعب يخرسها من جديد ، وتفضل مرة أخرى،ضد ما أبداه الرأي العام من تجاوب كبير مع الخطاب ، تحريك بعض ألسن الحزب الحاكم للتهجم على الخطاب الملكي تماما كما صرح به أحد قياديى البيجيدي الذي قال إن ما ” يزكي أكثر وجوب الرد على انتقادات الملك وأفعاله هو كارثة العفو الملكي على الاسباني دانييل مغتصب الأطفال”.
وحقيقة، لا أدري ماهو وجه العلاقة بين قضية العفو الملكي ، ومضمون الخطاب الأخير الذي خصصه الملك لنقد منظومة التربية والتكوين ؟. وإذا كان أمر الرد قد نفهمه بإعمال القياس في الواقعتين، فان صاحب هذه الدعوة الكريمة يدعونا للتظاهر الشعبي ، ولاستنكار مضمون الخطاب،والدعوة- ربما- لسحبه والتراجع عنه. أما القول بأن وجوب الرد على الخطاب الملكي “له ما يبرره بالنظر لكارثة العفو” فيه استغفال للرأي العام واستبلاد لذكاء المغاربة ، فإذا كان الرد واجبا فليكن على- و ضد حكومتكم التي لم تحسن قراءة الفصل 92 من الدستور الذي أوكل للحكومة إقرار السياسات العمومية والسياسات القطاعية. فما هي سياستكم في التعليم يا ترى؟،ألم تبشروا المغاربة في برنامجكم الحكومي بما أسميتموه” حكامة قطاع التربية”؟، فأين نحن من حكامتكم اللهم ما اقتطعتموه من أجور المضربين من الشغيلة التعليمية،في الوقت الذي كنتم تتحمسون فيه أيام المعارضة إلى خوض كل الإضرابات بقطاع التعليم؟.
ثم كيف يعترف أحد قيادييكم في تصريح له بأنكم لم تقدموا أي مشروع تعليمي جديد، وفي نفس الوقت يعلن وزيركم في الحكومة توقيف العمل بالمشروع الإصلاحي السابق الذي أقره المخطط ألاستعجالي بمباركة من رئيس الحكومة نفسه.ولا يهمنا في هذا الصدد ، إن كانت حصيلته ايجابية أم لا،لكن كان من اللازم على الحكومة أن تجري تقييما موضوعيا لكل المجالات التي استهدفها المشروع ،وأن تستعرض الحصيلة أمام الشعب ،وأمام كل المعنيين والمتدخلين عوض أن تعلن الحكومة الحالية حربا مفتوحة ضد الجميع وتعلن فشل المخطط ألاستعجالي دون تفحص وتقييم.ولعل هذا ما قاله بالضبط الخطاب الملكي بتنصيصه على أنه “لم يتم العمل،مع كامل الأسف،على تعزيز المكتسبات التي تم تحقيقها في تفعيل هذا المخطط بل تم التراجع ، دون إشراك أو تشاور مع الفاعلين المعنيين، عن مكونات أساسية منه تهم على الخصوص تجديد المناهج التربوية وبرامج التعليم الأولي ، وثانويات التميز…”.
والحقيقة ، أنه لو كانت الحكومة تحترم نفسها، فعوض أن تهاجم بعض الأصوات من الحزب الأغلبي الخطاب الملكي وتدعو إلى مواجهته ، كان حريا بوزيرها في التعليم أن يقدم استقالته فورا ودون تردد نظرا لأن الملك ، وهو رئيس الدولة(الفصل 42 من الدستور) أقر في خطاب رسمي أمام الأمة بفشل منظومة التربية والتكوين في المرحلة الراهنة.
أما القول ” إن الحكومة الحالية لا تتحمل مسؤولية الفشل الذر يع للمخطط ألاستعجالي” فهو قول ديماغوجي لأن الحكومة الحالية يحلو لها أن تتغنى في مناسبات عديدة ببعض الانجازات المتحققة في بعض مجالات التربية والتكوين ، وفي نفس الوقت تهاجم الميثاق الوطني وبرامج الإصلاح ،تماما كذاك الذي قال –وهو من الحزب الحاكم دائما- بأن التعليم يدخل في وزارات السيادة وهو أمر ملكي يخص القصر.وليكن الأمر كذلك، لماذا يطيب إذن لرئيس الحكومة أن يصرح في مناسبات متعددة أنه يحكم مع الملك وأن هذا الخيار محسوم في أمره بل وشرف أيضا، فيما يتكفل بعض القياديين من حزبه التشكيك العلني في نوايا الخطاب الملكي باعتباره خطابا ضد الحكومة أو خطابا يخدم جهات معينة…
والحال، عوض أن يتسلح الحزب الذي يقود الحكومة بالشجاعة الكافية للاعتراف بأخطائه ، وقصور نظره، وانسداد أفاق اشتغاله ،وضعف عمله،يسلك مع الأسف إستراتيجية تروم المس بالمؤسسات والرهان على الشارع، ولاتهمه في خطاب الملك قضايا ضعف التحصيل اللغوي عند أبنائنا ، ولا تخلف المنهاج التربوي ، ولا انسداد أفاق التكوين والتشغيل، ولا ضرورة تكوين الأجيال على قيم المبادرة الخلاقة ، وقواعد التعايش مع الآخرين ،وتنمية قيم الحرية والمساواة ،والتنوع ،والاختلاف وهي القضايا التي سبق أن طرحها الخطاب الملكي بنفس المناسبة السنة الماضية ،ولم تتحرك حكومة بنكيران إلا في اتجاهات تستجيب لرهانات اخوانية دون استجابتها مع الأسف للرهانات الوطنية الكبرى.
وعوض أن يشكل التجاوب الشعبي مع الخطاب عنصر تعبئة وطنية شاملة ينبغي استثمارها لخلق شروط الإصلاح الجذري لقطاع وطني معطوب،تتهافت أصوات البيجيدي مرة أخرى لانتقاد مضامين الخطاب الملكي دون تقديم البدائل الواقعية والملموسة لإصلاح التعليم على الرغم من تواجدهم على رأس الحكومة.
عذراً التعليقات مغلقة