لم يكن أحد يتوقع بأن يأتي اليوم الذي يقوم فيه زعيم إسرائيلي من الصقور ليعلن تدمير أسطورة الهولوكوست التي تقدسها ليس فقط إسرائيل، بل وأيضا المجتمعات والقوانين الغربية.
لقد قامت قيامة أوروبا عندما شكك المفكر الفرنسي الراحل روجيه جارودي في موضوع الهولوكوست بشكل عام، وفي الأعداد التي ذكرتها المصادر الإسرائيلية.
وتعرض البروفيسور الفرنسي أيضا روبير فوريسون للمحاكمة والغرامة المالية، وفق القوانين الفرنسية، عندما شكك في الوثائق والروايات الإسرائيلية المعتمدة حول الهولوكوست وأعداد الضحايا الذين قضوا على أيدي النازية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ألقى بظلال الشك على الأسطورة التي تعتبر من أهم أدوات قيام الدولة الإسرائيلية، وإحدى دعائم التاريخ الحديث للإسرائليين، إذ أدلى أمام مؤتمر الكونغرس الصهيوني يوم الثلاثاء الماضي بتصريحات مهمة أثارت موجة انتقادات واسعة داخل إسرائيل وخارجها، مؤكدا أن النازيين لم تكن لديهم نية في إبادة اليهود بل أرادوا إبعادهم فقط، ولكن مفتي القدس أمين الحسيني هو الذي نصح هتلر بإحراقهم.
هذا التصريح الخطير، الذي يهدم جزءا مهما من الثقافة والتاريخ الإسرائليين، وفق أسطورة الهولوكست، كان يجب أن يعرض صاحبه للمساءلة القضائية، لأنه انتهك الأسطورة التي يعيش عليها مواطنوه من جهة، ووجه اتهامات بدون أي إثباتات إلى شخص آخر من جهة ثانية. ولكن نتنياهو استدرك ليؤكد فورا على أن “المسؤولية عن مقتل اليهود في المحرقة يتحملها أدولف هتلر”.
في الحقيقة، المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، ردت بعد يوم واحد فقط على هذا التصريح الخطير والمهم بأن “من يتحمل مسؤولية المحرقة هم الاشتراكيون القوميون الألمان، وإنه لا مبرر لتغيير النظر إلى هذا الحدث التاريخي”.
وقالت ميركل خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو نفسه: “الألمان يعرفون من هو المسؤول عن ذلك.. نحن مقتنعون أن هذه المعرفة يجب أن تمرر للأجيال القادمة مرارا وتكرارا، كمثال في المدارس، لهذا نحن لا نرى أسبابا تستدعي تغيير نظرتنا عن هذه الصورة التاريخية، وعلى الأخص فيما يتعلق بهذه المسألة….نحن نعترف بمسؤوليتنا عن المحرقة”.
إن نتنياهو بإبعاد التهمة عن هتلر والنازية الألمانية، لا يشكك في الأسطورة فقط، ولا يوجه صدمة لمواطنيه المؤمنين بها، بل يوجه أيضا صفعة قوية للثقافة الأوروبية، ويحاول تجريدها من إحدى أهم الأدوات التي استخدمتها أوروبا، وتستخدمها، وستظل تستخدمها للتخلص من عذاب الضمير بشأن ما حدث ويحدث إلى الآن للفلسطينيين.
المدهش أن رئيس المعارضة الإسرائيلية يتسحاق هيرتسوغ، استنكر هذا التصريح، واعتبره تشويها خطيرا للتاريخ، لأنه يفضي إلى تحجيم أهوال الهولوكوست والدور الشيطاني لأدولف هتلر، ما يقدم خدمة لمنكري المحرقة ويقحمها في النزاع مع الفلسطينيين، حسب تعبيراته.
وفي الحقيقة، فإن نتنياهو لا يستخدم مثل هذه التصريحات التي لاقت استنكارا من جميع الجهات والأطراف للتحريض على الفلسطينيين في ظل الأحداث الجارية في القدس وحولها، بل وأيضا لتأسيس مرجعية تاريخية تؤصل لموجات عنف إسرائيلية ضد الفلسطينيين حتى بدون أي هبات أو انتفاضات ضد الاحتلال الإسرائيلي.
أشرف الصباغ- المغرب 24
عذراً التعليقات مغلقة