مع اقتراب الانتخابات التشريعية ليوم 7 أكتوبر القادم، تنتعش السوق السياسية بالتخمينات والتنبؤات، ويكثر المنجمون وقراء الفناجين وخطوط الكف وضاربو خط الرمل، حول السيناريوهات المحتملة لما بعد استحقاق 7 أكتوبر القادم.. وإذا كانت الكثير من القراءات هي أشبه ببالونات اختبار مصنوعة بدقة احترافية، هدفها شد مقاطع مهمة من النخبة لعجلة السلطة السياسية، أو اكتشاف ردود أفعال مختلف الفاعلين في مجالات عديدة، وبعضها الآخر يشبه عملية خلط الأوراق وحرق بعضها الآخر، إلا أن عددا من هذه السيناريوهات تعاضده بعض مؤشرات الواقع اليوم، ومنها ما يتم تداوله في كواليس الصالونات السياسية وأقواها، توقع أن يخرج الكل راضيا عن الانتخابات التشريعية، بحيث تحصل الأحزاب السياسية الثلاثة الكبرى على نتائج جد متقاربة، أقصد العدالة والتنمية، حزب الاستقلال والأصالة والمعاصرة.. على خلفية لا غالب ولا مغلوب.
من هنا إعادة سيناريو 2002 مع حكومة إدريس جطو بإخراج أذكى هذه المرة، عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية يقودها عزيز أخنوش، أو مريم بن صالح ممثلة الباطرونا، وإذا كانت تجربة الحكومة الائتلافية تمليها أزمة سياسية كبرى تقتضي تآلف كل الأذرع السياسية لمواجهتها، فلا يعدم صناع القرار السياسي حجية لتبرير هذا السيناريو، فهناك ملف الصحراء والمتاهات التي بدأت تدخل قضية الوحدة الترابية، وهناك الأزمة الاقتصادية التي تجعل الوضع الاجتماعي هشا، وفاتورة ضبطه أضحت أكثر كلفة، إذ أن انخفاض أسعار البترول الذي خفف الضغط على ميزانية الدولة لن يدوم طويلا.
منجمو هذا السيناريو يرون أن اللحظة تحتاج إلى تقوية الجبهة الداخلية لمواجهة تحديات كبرى، على رأسها قضية الوحدة الترابية والوضع الاقتصادي، وهنا سيتم التطبيع بين الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية وحزب الاستقلال، وامتصاص تجربة تسيير الإسلاميين للشأن العام خارج العمليات القيصرية كما تمت في مصر، وهذا لن يغضب لا الأمريكيين ولا الفرنسيين الذين لم ينظروا يوما بعين العطف لحكومة بنكيران، وستجني الدولة بالمقابل ثمار ما زرعته عبر مسار طويل بصبر وأناة، يوم أتت بأخنوش وأمينة بن خضرا إلى صفوف الاتحاد الدستوري قبل أن يتم تغيير دفتهما نحو الحركة الشعبية، غير أن خوف صقور حزب العنصر من أن ينجح رجل الأعمال في تهريب الحزب وإبدائهم لمقاومة شرسة ورفض بين، جعل مراكز القرار توجه أشرعة سفينة كل من أخنوش وبنخضرا نحو حزب التجمع الوطني للأحرار.
صحيح أن أخنوش لا يملك نفس موقع ادريس جطو لكنه مقبول من طرف كل الفرقاء السياسيين، ويمكن في هذه اللحظة السياسية أن يلعب ورقة قيادة حكومة تضم مختلف الأطياف الوازنة بشكل سلس. وهناك من يذهب إلى أبعد مدى ويتحدث عن تقديم وجه مفاجئ في الحكومة القادمة، ويتعلق الأمر بمريم بن صالح وتأهيلها لتكون أول رئيسة حكومة في العالم العربي، لتزكية بعد الاستثناء المغربي، ونجاح مخطط مثل هذا معاضد بكونه سوف لن يكون كما في السابق ضد المنهجية الديمقراطية بل يحتكم لمنطقها لكن عبر التوافقات التي تجرى بين الفاعلين السياسيين للحد من مفاجآت صناديق الاقتراع، وهنا سيحقق الحكم بعد أساسي وهو انخراط رجال الأعمال في الحقل السياسي، ليتحملوا جزءا من ضرائب التنمية بدل اقتسام فوائدها فقط، وأيضا لتوظيف خبراتهم في مجال التدبير الاقتصادي.. وهكذا سيتم إرضاء النقابات ببعض المطالب التي لا تحمل الميزانية العمومية تكلفة كبرى لتمديد عمر السلم الاجتماعي، ويخرج الكل راضيا من حصته في الغنيمة..
هذا ما نطق به سهمك، والله أعلم إذ تحضرني واقعة غداة عزم الملك الراحل تعيين عبد الهادي بوطالب وزيرا أول، حيث أخبر “الفقي” كما كان ينادي الحسن الثاني أستاذه، وبلغ النبأ العظيم ادريس البصري الذي لم يكن يُكن أي ود لعبد الهادي بوطالب، فسرب الخبر لجريدة مغربية أسبوعية ولجريدة الشرق الأوسط، وهما الجريدتان التي كانت لبوطالب علاقة بمسؤوليها وصحافييها، ونشر الخبر قبل التعيين الفعلي للوزير الأول، فحمل الوزير القوي ادريس البصري الجريدتين إلى الملك الحسن الثاني رائد الكتمان في السياسة، فألغى تعيين عبد الهادي بوطالب وزيرا أول، وكأني به كان يقول سرا: “إذا صح الخبر رفعنا الواقعة ونفيناها كليا”.
عذراً التعليقات مغلقة