إنه فنان متمرد ثائر على الوعود “المعسولة” وعلى واقع بلده المغرب. قادته أغانيه وجرأته الكبيرة إلى غياهب السجون المغربية. اختار فن الراب ليعبر عن همومه وما يلوج بداخله… إنه معاذ بلغوات المعروف بـ”الحاقد” – حالم بالديمقراطية الحقيقية بعيداً عما يسمى في المغرب بـ”المخزن” والفساد.
من حي عكاشة الشعبي في مدينة الدار البيضاء، وبالضبط سنة 2004، دخل معاذ عالم فن الراب. وبجرأة كبيرة قل نظيرها، انتقد في أغانيه النظام المغربي والعائلة المالكة. اعتقل “الحاقد” في التاسع والعشرين من آذار/ مارس 2012 واتهم “بإهانة موظف بسبب عمله (شرطي) وتحقير الإدارة العامة للأمن الوطني في المغرب، وذلك استناداً إلى أغنيته الشهيرة بعنوان “كلاب الدولة”.
“لا شيء تغير”
ببسمة خفيفة تظهر على محياه وبنبرة واثقة، يتحدث معاذ عن ألبومه الجديد “والو”، التي تعني باللهجة المغربية (لا شيء تغير)، والذي كان من المفترض عرضه خلال مؤتمر صحفي يوم الثالث عشر من فبراير/ شباط المنصرم في مكتبة الكرامة بالدار البيضاء. غير أن الرياح جاءت بما لا تشتهي السفن، ليجد مغني الراب المغربي نفسه أمام قرار منع المؤتمر قبل عقده.
ويقول “الحاقد”، في حديث مع DWعربية، وعلامات الامتعاض بادية على وجهه: “منع تقديم ألبومي الجديد دليل على أننا فعلاً ‘والو’. ما زالوا يخافون من الفن الحر”. ويتضمن الألبوم 14 أغنية، يقول معاذ بصددها: “أغاني الألبوم من كلماتي والتسجيل كان بمساعدة صديق اسمه ‘موبيديك'”.
“راب محابسي”
هذا وتلقى أغاني الراب انتشاراً واسعاً بين أوساط اليافعين والشباب في المغرب، الذين استطاعوا بفضل أغانيهم إيصال رسائل سياسية قوية من خلال النضال بأسلوبهم الخاص، حتى و إن كلف ذلك السجن كما وقع لـ”الحاقد”.
ويضيف مغني الراب الشاب: “أنا أمارس نوعاً من الراب نسميه راب ‘محابسي’. من حقي أن أتساءل وأسأل لم القمع في المظاهرات وتكميم الأفواه؟ لم جميع السلطات في يد شخص واحد؟”. ويصف معاذ بلغوات أسلوبه وأغانيه بأنها للجميع ومنبثقة عن الشارع وستبقى مفتوحة للكل.
وبخصوص الفترة التي قضاها في السجن، يتابع بلغوات بالقول: “في هذا المكان عاينت معنى الظلم عن قرب. لاحظت الأوضاع المزرية للسجناء والتعذيب الممارس. كل هذه الأمور جعلتني أخصص أغنية خاصة بهذا المكان عنونتها ‘الحبس'”.
“الحاقد” في عيون الشباب
وحول ظاهرة “الحاقد”، يقول الصحفي الشاب عماد استيتو لـDW عربية: “أعتقد أن ‘الحاقد’ فنان يتطور مع مرور الوقت. ظل ثابتاً على نفس خطه النقدي اللاذع لسياسات النظام الذي كان عليه قبل دخوله السجن”.
وعن قرار منع المؤتمر الصحفي الخاص بتقديم ألبوم “والو”، يضيف استيتو: “للأسف لا تزال العقلية الأمنية السائدة هي ذاته التي كانت سائدة قبل الحراك الذي عرفته المنطقة. الدولة لا تزال عاجزة عن استيعاب الرأي الآخر المخالف وتصادر الحق في الرأي وحرية التعبير وتسيء إلى صورتها خارجياً”.
أما نور الدين نجاري، وهو طالب هندسة، فيصف “الحاقد” بالمغني “الثوري” الذي برز في ظروف استثنائية، ألا وهي احتجاجات حركة 20 فبراير، ويقول: “ألبوماته تتميز بجرأة كبيرة جداً، غير أنني أعتقد أنه إن سار على نفس النقد المباشر، من الصعب عليه الاستمرار”، لأنه بذلك سيظل في صدام مستمر مع ما يسمى في المغرب بالمخزن، وهو تعبير يضم النخبة الحاكمة المحيطة بملك المغرب، حسب نجاري.
أما مرام، البالغة من العمر 25 عاماً، فترى أن الفن الذي يقدمه “الحاقد” عبارة “عن تعبيرات موسيقية ترصد ثقافة الهامش”. لكن المهندس الشاب أيوب ابراهيمي له رأي آخر، إذ يقول: “كشاب لا يعجبني راب ‘الحاقد’، لأنه شيئاً ما ينهج خطاباً عدمياً وتشاؤمياً، الأمر الذي يبعد عنه الشباب والحساسيات السياسية أكثر مما يجذبها إليه”.
وفي معرض رده على سؤال حول المزج بين السياسة والفن، أردف ابراهيمي قائلاً: “عموماً إنه أمر مشروع و ظاهرة صحية، فالفنان، أي فنان كان و ليس فقط ‘الحاقد’ له الحق في أن يقرر نوعية الرسالة التي يريد تمريرها عبر إبداعه وفنه”.
الراب بين النضال والواقع
من جانبه، يقول هشام عبقاري، مؤسس فدرالية “الأندرغراوند” المغربي والباحث في الثقافة الحضرية، إن الأنشطة التي تحمل طابعاً ثقافياً يصعب تحديد بداياتها بشكل قاطع، خصوصاً في ظل غياب دراسات أكاديمية تقوم بالتأريخ لهذا النوع من الموسيقى، إذ ترجع بداية الراب في المغرب إلى تسعينيات القرن الماضي.
فقد بدأ فن “الراب” منتمياً لثقافة “الأندرغراوند”، أي التي لا يستفيد إبداعها من القنوات الرسمية للتوزيع، مثل الإذاعات والتلفزيون والقاعات العمومية. ويضيف عبقاري أن الإبداع الفني لا حدود له ولا ينبغي أن نرسم له حدوداً، وبما أن الراب نابع من ثقافة الشارع، وحتى يكون مغني الراب صريحاً في خطابه، فإنه يستعمل لغة الشارع، التي هي مصطلحات مرتبطة أساسا بالجذور التاريخية لفن الراب.
ويعتبر الباحث أن “حتى بعض الأغاني التراثية المغربية تتضمن إيحاءات جنسية “، وبالتالي فإن القول بأن فن “الراب” هو “انحطاط أخلاقي و مخطط إمبريالي هي خطابات لا أساس لها من الصحة”.
ورداً على سؤال حول احتواء بعض مغني الراب في المغرب، أردف عبقاري قائلاً: “الإشكال موجود على مستوى مغني الراب أنفسهم، فلا وجود لنضال من دون تضحية، وحينما يدخل مغني الراب لهذا النسق، عليه أن يحترم قواعده، وذلك بتجنب الحديث عن بعض الأشياء، ولا يمكن أن تتشبث بشروطك وأن تريد أموال الدولة وامتيازاتها من إشهار ومهرجانات”، وهذا تناقض صارخ.
أما فيما يتعلق بـ”الحاقد”، يقول مؤسس فدرالية “الأندرغراوند” المغربية: “تعرفنا على معاذ من خلال انتمائه لحركة 20 فبراير ومن خلال الحديث عن دخول فنان للسجن”. ويرى عبقاري أن الإقبال على هذا الفنان مرده لتعاطف سياسي معه أكثر مما هو فني، لأن “الحاقد” يحتاج أكثر لتطوير نفسه فنياً، حسب قوله.
من جهته، يرى الموسيقار بلعيد العكاف أن” فن الراب هو ظاهرة عالمية لا تستثني المغرب، إلا أنها سحابة عابرة لأنه لن يعمر طويلاً”. وبخصوص علاقة الفن بالنضال، يقول العكاف: “يجب على من يريد احترافه أن يكون قد مرّ من قبل بمشوار النضال ومر بفترة كانت فيها حرية التعبير منعدمة. كما يجب عليه أن يكون قد ذاق مرارة القمع وما إلى ذلك لكي يستطيع أن يغامر بالأغنية الملتزمة في بلدان العالم الثالث”.
عذراً التعليقات مغلقة