بشكل مفاجئ ، حلت الجرافات و معاول الهدم محل مشروع جميل سحقت فيه كل علامات الجمال و حولته في ظرف وجيز ، من فضاء جذاب للسياح و العائلات و محبي الطبيعة و الهدوء ، الى مكــان مقفر و جاف جفاف العقول .
توافُد السكان على الموقع السياحي الشهير لاومركت بتافراوت هذه المرة لم يكن ، لحضور تصوير مشاهد فيلم عالمي ، او فيديو كليب او تظاهرة فنية ، او لجني محاصيل الاشجار ، بل للتأكد مما حدث و يحدث و القاء اخر نظرة على مشروعهم – قبلتهم الاسبوعية المفضلة قبل التوقيع على صك وفاته ، و مشاعر الاسف و القلق تنتاب كل من عاين الحدث عن قرب او سمع عنه .
الكثير من علامات التعجب و الاستفهام تحوم حول هذا الحدث ، و السياح الاجانب الذين الفوا قضاء عطلهم في مثل هذه الاوقات من السنة بين احضان طبيعة اومركت ـ وقفوا مندهشين لما يحدث بين اعينهم ، فعقلياتهم لم تستوعب كيف لمشروع طبيعي بيئي سياحي غير مضر للبيئة و لا بالممتلكات ان يعدم بهذه الشكل .
كثر النقاش و الجدل بين المتتبعين و عامة الناس محليا ، لكن في كل الأحوال ، ثمة شيء مؤكد : ان آلة الهدم تشتغل عندنا في في اومركت و غيره ، و قبله في مجموعات الواتساب و منصات التواصل الاجتماعي ليل نهار .
الافكار الهدامة ، وجدت تربتها الخصبة لتنمو و تعشش بيننا ، اذكت شرارتها الحسابات الضيقة و المصالح الشخصية ، لافراد لا يفكرون بمنطق المصلحة العامة ، رافعين شعارهم الازلي : انا و بعدي الطوفان .
يتلخص المشروع في فضاء استراحة و استجمام اخضر فسيح ، محاط بسياج حديدي ، مزود بمياه الشرب و مجاري مرتبطة بصهريج ماء تسبح فيه اسماك و طيور اوز بمحاداة الصخور الملونة ، و مرافق صحية تسمح للزوار و العائلات بأخذ قسط من الراحة في امن و امان بين الاشجار وسط جو بانورامي ملون ، و هو مشروع غير ربحي مفتوح مجانا للجميع دشنه رجل معروف منذ القدم في كل ربوع بتافراوت بمساهماته الاجتماعية و الخيرية ، و دعمه الدائم و اللامشروط لكل مشاريع التنمية . و وقوفه الدائم مع المجالس المحلية في كل ما يهم المصلحة العامة ، و لا زال خلفه يسير على نفس النهج ، حتى قرر فجأة ازالته و سحب كل المعدات الموضوعة رهن اشارة الزوار .
للامانة ، فقد اضاف هذا المشروع رونقا و جمالية خاصة للموقع ، و لا جدال في كونه استطاع ان يستقطب اعدادا اضافية من السياح و اصبح متنفسا لابديل عنه للأسر تحج اليه الاسر اسبوعيا من كل المناطق المجاورة .
فشهادات السياح المغاربة و الاجانب ، تشيد بالمشروع ، خاصة و انه لم يغير من المعالم الطبيعية للمنطقة ، و لا يتضمن عمارات اسمنتية او فنادق يمكن ان تثير حفيظة ملاك الارض ، او تهدد ملكيتهم لها ، اضافة الى ذلك فان المشروع لم يكن وليد اليوم ، فقد شيد منذ سنوات بدعم معنوي و حضور ميداني لممثلي السكان و شهد تنظيم عدة تظاهرات رياضية و فنية بحضور شخصيات وازنة و وفود رسمية ، لم يكن اثرها ذلك مثيرا لأي لغط.
فماذا حدث اليوم ، حتى طفا النقاش فجأة على سطح الاحداث ليشمل المشروع ، و ملكية الارض ، بل ذهب اكثر من ذلك الى الخوض في الحياة الخاصة و العائلية لمموله حد التجريح ؟
كل المعطيات المتوفرة حاليا للعموم ، لا تتجاوز شريطا مصورا يتحدث فيه احد الاشخاص المنتمين لدوار مجاور ، عن قضايا يمكن ان تكون محل نقاش و تفاهم ، موجها خطابه لأبناء دواره ،لولا انه تحدث بالسوء حول بعض الاشخاص و العائلات.
لكن ، هل يكفي هذا سببا لاتخاذ قرار نهائي لهدم مشروع يستفيد منه الجميع بمن فيه صاحب الفيديو . و هل من الحكمة ايلاء الاهتمام لكل ما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي التي وفرت لأي شخص في العالم امكانية و حرية قول ما يريد و نشر ما يريد وقت ما يريد؟ حقا كان ام مجرد كلام ؟ ما اسهل توقيف عجلة التنمية اذن ؟
ومن جانب اخر ، ألا يعد هذا الفيديو مجرد جزء ظاهر من كرة ثلج عائمة . تخفي تراكمات اخرى لا ندري خباياها ؟
فالواضح ان صاحب الفيديو لم تكن لديه نية نشره للعموم ، و قد وجهه اساسا لنقاش داخلي ، لكنه تسرب الى ايادي اخرى و اخذ في الانتشار كالنار في الهشيم ، مما يطرح سؤالا اخر حول وجود نوايا سيئة من وراء هذا التسريب ؟
اسئلة مشروعة يطرحها العام و الخاص في تافراوت ، و يجمعون على نقاء و صفاء نية ممول المشروع و خلفه ، و بُعده عن الاصطفافات الحزبية الضيقة ، فلا يمكن الا لجاحد نكران خدماته التي اسداها لكل مناطق تافراوت ، و يكاد يكون من القلائل الذين يساهمون من اموالهم الخاصة ، و بمبالغ تقدر بالملايير لمساعدة الأسر المعوزة و حفر ابار المياه و بناء المدارس و دعم النوادي النسوية و الجمعيات و المدارس العتيقة و التظاهرات الفنية و المطاعم المدرسية و الخيريات و دعم الازواج و تنظيم عمليات الافطار الجماعي شهر رمضان ، و شق الطرق ، و انشاء اقامات للسكن الجامعي المجاني لفائدة ابناء و بنات تافراوت باكادير و اخر مشاريعه التطوعية وضع الة في خدمة القوافل السياحية وسط مدينة تافراوت ، حفاظا على البيئة ، و توسيع اعدادية الاطلس …
الا تنطق كل هذه المشاريع و المبادرات لتجيب عن السؤال ماذا قدم الرجل لتمازيرت و ابناءها ؟ اليس من الظلم مجرد التفكير في كونه ينوي السطو على امتار معدودات من الارض باومركت لا تساوي و لو ذرة واحدة من ثروته؟
لن نتردد في تحميل جانب مهم من المسؤولية في ما حدث للمشروع الطبيعي باومركت لمدبري الشأن العام المحلي ، نقصد ممثلي السكان محليا و اقليميا و بالبرلمان ، سواء منهم الذين اختار الصمت ، او الذين فضلوا الظهور بعدما ما حدث ، بمظهر المدافع عن المصلحة العامة و عن المقاولة المواطنة ” كشريك رئيسي لا محيد عنه ” و لهم في ذلك مآرب ، فكل هؤلاء كان بإمكانهم التدخل قبل حدوث ما حدث ، و يملكون جميعا قنوات الاتصال الملائمة بصاحب المشروع بامكانهم استثمارها ، لحل أي مشكل قائم ، تماما كما يتدخلون لديه لطلب شتى انواع الدعم و المساعدة . فأبوابه دائما مفتوحة لابناء بلدته ، لكنها لم تجد اليوم من يلجها ، الا بالنقد الهدام و التجريح و الكلام الساقط . و كل واحد ينتظر سقوط ضحايا ، لتبقى الساكنة هي الضحية الحقيقية لنخبة عمرت طويلا و لا تتصور نفسها خارج الحكم .
اما بعض” الاعلام المحلي” ان صح التعبير ، فلم يكن يتوقع منه اكثر مما يتقن : اطلاق الاحكام ، الهدم ، و صب الزيت على النار، طمعا او بحثا عن بعض نقرات الاعجاب ، و استعراض ” روتينه اليومي ” .
في واقعة اومركت ، غاب صوت العقل و الحكمة و التبصر ، و حضرت الضغائن و الاحقاد و الانانيات ، و بعضا من وسخ السياسة ، و لاشك ان حضور مثل هذه العناصر في أي مشروع او فعل تنموي كهذا فلن يكون مصيره بعيدا عن مصير مشروع اومركت : الهدم و الخراب . فرأفة بمستقبل بلدتكم .
عذراً التعليقات مغلقة