بقلم : محمد مواد
…………………………………………………الانطلاقة ستكون من إقليم تارودانت ، ومنها سيطوف بنا الفيروس التاجي بخريطة المملكة حيث تحطم أرقام الفتك القياسية بما فوق الألف ضحية طيلة شهر غشت المشؤوم .
فرغم إحتراز و حذر ساكنة الإقليم ، مترسة الخطوط الدفاعية إلى جانب رفع اللجنة الإقليمية لليقظة والتنسيق لدرجة التأهب و الإستنفار…
فلازال الوباء الفتاك يواصل هجماته الغادرة عبر منافذ مختلفة ، و في مواقع متكاثرة على تراب الإقليم .
و هي الحصيلة ، التي تسجل من يوم لآخر هنا و هناك ، مثل ما حدث مؤخرا في إطار متابعة مخالطي الحالة المؤكدة المسجلة بإحدى التعاونيات الفلاحية المختصة في إنتاج و تسويق منتوجات الحليب و ومشتقاته الكائن مقرها الاجتماعي بتراب جماعة أيت إعزا بإقليم تارودانت ، أولاد تايمة، أولاد عيسى ، سبت الكردان لكلالشة ، تارودانت المدينة … و القائمة ربما قد تطول …
إن واقع حال التطور السلبي التصاعدي لمنحنى بيانات الوضعية الوبائية للإقليم ، تنذر بشؤم ولوجه إلى المجهول كالمغرب و كدول العالم تأكيدا ، وهي ربما الكارثة الحتمية ، التي تخفيها طريقة تدبيرها من طرف الحكومة ، أو الحكومات داخل الحكومة … إلى حد أن المواطن ( تلف و شد الأرض ) .
طبعا المسؤولية جماعية ، تبتدئ في الأول و الأخير بيقظة و إحتراز المواطن والمواطنة ، الإنضباط الصارم للقوانين الطارئة ، مرورا بمهمة السلطات العمومية المختلفة أولا ، بقيامها بواجبها الوظيفي الأمني الذي لا يحتاج إلى ” جوقات ” المطبلين و المزمرين و ثانيا إنجازها بحزم و صرامة لوظائفها الإلزامية في الحفاظ على الأمن و السلامة المنضوية ضمن مهامها العادية ليس إلا … و هو ما تقوم به بالفعل في الميدان .
ثم إنضباط الإدارات العمومية ، الخصوصية ، محلات مختلف الخدمات ، الترفيه …. والمقاولات منها ، حتى تلك ، الملتوية على قانون الشركات أو المقاولات و المحمية من واجبات بعض الضرائب تحت يافطة قوانين التعاونيات ومنها ( تعاونية كوباك ) .
و الأمر لا يمكن أن يستقيم إطلاقا ، إلا بإنخراطهم في الحرب و ليس المعركة ، بحس وطني و بسلة من المصاريف المالية المرتبطة بتفعيل كافة التدابير الوقائية و الإجراءات الإجتماعية الضامنة لحماية المستخدمين ، المرتففين قبل إنتقال العدوى إلى المخالطين و ما يليهم من ضحايا محتملين …
لقد رفعت الدولة المغربية الحظر الصحي بالمملكة ، وهو إجراء أصبح سريانه واقعا مؤلما كما يعيشه اليوم إقليم تارودانت ، و أبقت على حالة الطوارىء مع تنطيق متغير للأقاليم و الجهات وفق مقياس تصنيف غير مفهوم المعايير على الأقل بالنسبة للمواطن العادي .
لكن ، لا يمكن للدولة التي إجتهدت ، والتي وضعت حامل مفاتيح القرارات بيد وزارة الداخلية ، و لدى أشخاص محددين بلجنة اليقظة الإقتصادية …. أن تنكر أنها ربما تسرعت إما خوفا على الشعب أو إندحار الإقتصاد …
أو إذعانا … أوبضغط من لوبي مال و أعمال و مافيا محروقات ، لازالت تسعى بكل إستغراب ( بعض خراطيمه ) إلى لي دراع وزارة التربية الوطنية من أجل إنتزاع قرار إستباقي ، تحاصر به قانونيا ، الآباء و الأولياء ضمانا للمال ، يفرض الدراسة الحضورية بالتعليم ، حتى قبل أن ينكشف توقع مخرجات الدخول المدرسي و بالأحرى مآل الوطن الذي أصبح على مرمى جحيم المصير المجهول .
وهو المسعى الذي نجحت فيه ، بمقتضى تخريجة صياغة بلاغ وزارة التربية الوطنية الأخير المؤرخ بيوم 22 غشت 2020 و الذي يحمل في طياته المسؤولية المدنية و الجنائية للأولياء بتوقيعهم على إلتزام الدراسة الحضورية أو البعدية لأبنائهم ، و كأن الدولة لم تعد مسؤولة عن شعبها .
ونفس الهدف سبق و أن نجح فيه ، لوبي الأعمال و الفلاحة بحكومة أخنوش وليس العثماني ، بعدم رفع تقارير واقعية و إستشرافية لخطر ما يمكن أن ينتج عن الإحتفال بعيد الأضحى في مثل هذه الظروف … لكن قطاع تربية المواشي و الفلاحة عموما إنتعش ، و قطاع المحروقات إسترد عافيتة إثر أمواج التنقلات قصد إلتحاق الأسرة و العائلات ببعضها للتمتع بالعيد… و ربما تكون وراء ذلك دوافع الإغتنام … أو قد تكون فقط ، ألية من آليات الدعاية الانتخابية قبل الأوان مثل ما يقع عند المقامرة بالوطن أو في لعبة الروليت الروسية ، في إطار الصراع المستعر على رآسة الحكومة المقبلة ، و من يدري ؟
و على كل حال ، فوزارة الداخلية ، بحيادها و ضميرها الوطني غير المشكوك فيه ، إجتهدت إلى جانب هؤلاء ، عبر ولاتها و عمالها ، و يمكن أن يكون ذلك من باب فلسفة ،( الأجر و الأجران ).
لكن ، بعد أن كانت المملكة المغربية رائدة و يضرب بها المثل عالميا في مواجهة الجائحة …
الواقع المثبت التسجيل اليوم ، أن الإصابات المؤكدة بالفيروس ، بعد رفع الحظر الصحي ، قد توالى تحطيمها لقياسات غير متوقعة و جد مقلقة ، و هو ما نبهت إليه منظمة الصحة العالمية بإنذار المملكة المغربية من إقترابها من خط التصنيف ضمن صدارة الدول الموبوءة .
و حتى هذه الأرقام المخجلة ، لم تمنع هؤلاء اللوبيات المعروفين بالأسماء الذاتية و المعنوية من التهافت لإنتزاع كل المراسيم و الزوارب الإحتيالية على قانون المالية المعدل ، بالشكل الذي ضمن لها لاحقا ، إسترجاع كل ما تبرعت به للصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا عبر الإعفاءات الضريبة و الجمركية و كل المداخيل التي ستحترم منها آجلا أم عاجلا الخزينة العامة للدولة .
بل الأدهى من ذلك ، أن الأبناك المعروفة بإفتقارها الدائم للقيم الوطنية ، إستغلت هي الأخرى ظروف الجائحة للإستمرار في مص دماء الزبناء .
و أن ( شركة إتصالات المغرب ) المخملية و الشبه عمومية أو الخاصة ، الله أعلم ، لم تتبرع و لو بسنتيم واحد من صندوقها الصافي ، بل لجأت إلى تربية (البرجوازية المتعفنة المغربية ) بتحويل حوالي ثلاثة ملايير دراهم ؛ و التي هي مبلغ الغرامة المالية المحكومة نهائيا ضدها ، من طرف الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، و الملزم تسديها لخزينة الدولة ، عوض تسديدها لخزينة الدولة ، تم إشهار التبرع بقيمتها و كأنها ( تقلز للشعب من تحت الجلابة ) و تتشبث في عز الأزمة بثقافة ( بزيتو نقليه ) .
في حين تبرع المنتخبون ، الوزراء ، ذوي الظهائر الشريفة ، المبلصون بمقتضى كعكة المناصب العليا و التعيينات الريعية … بالأنصاف و الرواتب االشهرية وغيرها من أشكال الريع المترتب عن المهام الإنتدابية فقط ، و ليست الوظيفية .
و الحصيلة أن الأجراء و مستخدموا الوظيفية العمومية ، هم من تبرعوا بالفعل في موارد الصندوق المحدث بقرار ملكي سام ، بدليل الإقتطاع من المنبع .
لتبقى العملية الحسابية لما يقاربر سقف 33,7 مليار درهم المودعة بالصندوق إلى حدود شهر غشت الجاري ، ليست كلها تبرعات ، بل مجرد سلفات أو ودائع أو قروض ملتوية ، سيتم إستردادها آجلا أم عاجلا من الخزينة العامة.
لذلك ، فهل على مثل هؤلاء الحلفاء ، ستعول الدولة لتحدي الأزمات الطارئة ، مواجهة الكوارث المباغثة ؟ و بالأحرى محاربة دمار الجائحة الكونية الجارية ، التي تسارع الفتك بمواطنات و مواطنين ، سماهم صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله بأبنائه و فلذات كبده في خطاب العرش الأخير.
وهل في إطار هذه المنظومة الإقتصادية المهترئة ، الموغلة في الإنتهازية و الهياكل المنخورة قيميا و الصالونات المدنية الموبوءة ؟ يمكن للأجهزة التي يسميها البعض ، عميقة أو موازية أو … و ربما هي التي سماها بنكيران رئيس الحكومة السابق ب ( التماسيح و العفاريت ) ، أن تتربى النخب الوطنية و تنتقى الكفاءات و الإطارات (غير المتحزبة ) المؤهلة ، لتسيير الشؤون العامة و التبليص في المناصب الحكومية و تدبير دواليب الدولة و أن توضع بين أيديها أمانة مستقبل البلاد و العباد.
وقس على ذلك ، بكل الولايات و العمالات و منها إقليم تارودانت الذي زرع به العامل السابق بموازاة (دوباج حزب الأصالة و المعاصرة ) ، مساحات مفروشة لما يسمى بالمؤلفة قلوبهم ، المختبئة ( بالإرادة ) وراء عدم إخضاعها للقانونين رقمي 13/ 88 و 13/89 .
و عبدت ( بضم العين ) بالإقليم كذلك ، مسارات لتفريخ نموذج جديد من الأعيان ، الإعلام ، النخب المحلية المنتفعة بالصفقات العمومية و أمر طلبيات الشراء ، مغتنمي الأوراش التنوية و مفرخي جمعيات نهب مختلف الميزانيات و خزينة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية و الراكبين على أمواج التعارف و التقرب من السلطات المختلفة … منهم مثلا ، على سبيل المثال منتخبا جاء متقاعدا ، ب ( أقراب ) يشاع أنه فائض بالأموال و بخزائن قارون … (طالبا في الأول ظيف الله لدى كل الأحزاب … ) قبل أن يحط الرحال بأحد الأحزاب المنقرضة ، ليصبح فيما بعد ، من أعيان الدرجة الأولى … و من بين المجتهدين في توظيب و إخراج هكذا أنشطة ، و مختلف السيناريوهات الدعائية بالمال العام ،و قبل الأوان للإنتخابات المقبلة .
و مما لا شك فيه أن مثل هؤلاء ، وطنيا ،فهم لا يقلون خطورة عن فيروس كورونا المستجد ، حيث أن إنغراسهم وتجذرهم في المجتمع ، سيؤدي لا محالة إلى تحنيط روح المبادرة في الأجيال المقبلة ، تفريغها من المبادي ، قيم الموطنة و الإنسانية و تجفيفها من الأخلاق النبيلة و بالتالي إندحار البلاد و إنحدارالوطن إلى الهاوية .
في حين أن الدول العظمى ستتدافع من أجل إكتشاف الدواء الناجع لذلك الفيروس الفتاك ، و ستتنافس بشراسة كذلك ، من أجل إبتكار و إنتاج اللقاحات الضرورية لمحاربته و القضاء عليه .
و إنشاء الله ستلي روسيا ، التي أعلنت مؤخرا إكتشاف لقاح ( سبوتنيك 5 ) دولا و شركات أخرى ، ستتوصل إلى توفير الأدوية العلاجية و اللقاحات المضادة للفيروس ، رغم درجة الفتك بالبشر المسجلة اليوم بين الحين والآخر ، و رغم وثيرة إنتشار الجائحة المرعبة وسط سكان المعمور .
و بما أن العالم أصبح قرية صغيرة .
فحتما ما تعاني منه كل دول العالم والمغرب هو نفس ما يعاني منه إقليم تارودانت.
و الأكيد أن وسائط التواصل الإجتماعي بقدر ما تتسابق لنشر أخبار الإقليم ، بقدر ما تندس و تكبرفوبيا كورونا في النفوس .
و طبعا مع تزايد تسجيل الإصابات المؤكدة وما يحيط بذلك من هلع ، عند نشرالوسائط للصور، وعمليات تطويق العدوى المنتقلة للمخالطات و المخالطين و تابعات عزل بعض الأماكن الموبوءة .
فمن الطبيعي م ، أن يرخي الرعب بظلاله على الساكنة و يستنفر القوات الصحية و العمومية ، و هي نقطة الإلتقاء التي ينبغي التعاون فيها بين الجميع و بمسؤولية الجميع كذلك .
حيث تقوم السلطات الترابية و الأمنية بواجبها في التطبيق الصارم لقانون الطوارئ ، و القانون الأخير المتعلق بالكمامات ، و يلتزم المواطن و المواطنة بالإنضباط ، اليقظة و التنفيذ الواعي لكل الإجراءات الحمائية.
الإدارات العمومية ، الخاصة ،محلات الخدمات و المقاولات … التي ينبغي عليها أن تثبت مواطنتها و وطنيتها بلعب كل أدوارها ، آخرها تحفيز مستخدميها و تحويل مرافقها إلى فضاءات سليمة و آمنة للمرتفقات و المرتفقين …
عند ذلك سيتمكن الجميع من الحد من إنتشار الفيروس التاجي ، و تطويق خطره ثم القضاء عليه ، حتى تصير حربه الجارية اليوم ، إنشاء الله ؛
مجرد ذكرى مرعبة ماضوية ، بالكاد سترويها الأجيال القادمة من باب حكايات التاريخ المشؤومة …
وشأنها سيضحى مماثلا ، للأوبئة و الجوائح ، سواء المنحدرة من السلالات الجينومية : للفيروسات ، الطفيليات أو الباكتيريا، الفاتكة بالبشر في الأزمنة السالفة ، كالطاعون ، الجدري ، التيفوس ، الكوليرا و الجذام ، الملاريا …..
و ما من سبيل لذلك إلا باليقظة الذاتية و أساسا بالإنضباض للقواعد الطبية و العلمية التي تنصح بها المنظمة العالمية للصحة و وزارة الصحة ، إحترام توجيهات السلطات العمومية ، و أيضا الإيمان القوي بقوله تعالى في سورة المائدة : ” … و تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان… ”
و بقوله صلعم : ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ، الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ”
……………………….بقلم : محمد مواد…………..
عذراً التعليقات مغلقة