كشفت مصادر اعلامية ، أن ميديا بارت (فرنسا) ودير شبيغل (ألمانيا) حصلت على وثائق فنية سرية تم تحليلها بالتعاون مع مختبر الأمن الرقمي التابع لمنظمة العفو الدولية، وهي صادرة عن المجموعة الأوروبية إنتيليكسا وشريكتها الفرنسية نيكسا المقربة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
هذه البرمجيات والأدوات قوية الى درجة أنها “تتعارض بعمق مع حقوق الإنسان”، وفقًا لاستنتاج منظمة العفو الدولية في تقرير سيُنشر في الأيام المقبلة.
يكشف تحقيق “ملفات بريديتور” أن قائمة منتجات نيكسا وإنتيليكسا خضعت لتحسينات كبيرة ومعقّدة على مر السنين، سواء لمراقبة الاتصالات “على نطاق البلد” أو تثبيت برامج التجسس في أي هاتف محمول، و”ما يثير الإعجاب هو أنهم طوروا جميع الحلول الممكنة للتقليل من فاعلية جميع التدابير الوقائية والدفاعية الموجودة”، حسب كافيه سالاماتيان، أستاذ علوم الحاسوب في جامعة Savoie Mont Blanc .
بريداتور يحوّل الهواتف إلى جواسيس
بريداتور هو المنتج الأكثر شهرة لشركة إنتيليكسا، وهو برمجية قادرة على إصابة الهواتف النقالة، صمّمتها شركة Cytrox (فرع لإنتيليكسا، مقره شمال مقدونيا)، وباعتها المجموعة الفرنسية نيكسا تحت اسم Arrow.
تكشف وثائق سرية تعود الى عام 2022، أن إنتيليكسا غيّرت اسمها إلى Nova. وتشير المنتجات المباعة تحت هذه الأسماء الثلاثة “إلى المجموعة الواسعة نفسها من برمجيات التجسس المتشابهة”، وفقًا لتحليل أجرته منظمة العفو الدولية استنادًا إلى الوثائق التي حصلت عليها EIC.
يعمل بريداتور بصورة مشابهة لتلك التي يعمل بها منافسه بيغاسوس (تصنيع شركة NSO الإسرائيلية)، إذ يستغل الثغرات الأمنية (أخطاء في كود الكمبيوتر) الموجودة في “أنظمة التشغيل” التي تجعل الهواتف تعمل وهي: iOS من Apple، و Android من Google، والتي تشغل تقريباً جميع العلامات التجارية الأخرى.
وحسب التحقيق، فإن شركة NEXA الفرنسية التي تربطها صلة بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باعت أجهزة تنصت متطورة لديكتاتوريات من بينها مصر، وذلك تحت أعين (وأحياناً بتسهيل) أجهزة رسمية خلافاً للقوانين ومعايير التصدير الأوروبية.
وزارات وإدارات رسمية عرقلت توسّع التحقيق في حق الشركة التي اتُّهم أحد مديريها في يونيو عام 2021 بـ”التواطؤ على التعذيب” بسبب دعاوى رفعتها منظمات فرنسية حقوقية على خلفية عقد بيع أجهزة تنصت لنظام القذافي في العام 2007 ونظام عبد الفتاح السيسي في مصر في العام 2014.
لا صوت يعلو على صوت المال في عالم السياسة والتجسس والاستخبارات، حتى وإن عنى ذلك تقويض الديمقراطية في عقر دارها، وارتكاب جرائم بحق المطالبين بها حول العالم.
هذا ما تكشفه Predator Files – ملفات بريداتور، وهي وثائق سرية بالمئات حصل عليها موقع ميديابارت Media Part الفرنسي وصحيفة دير شبيغل Der Spiegel الألمانية، وعمل عشرات الصحافيين على تحليلها على مدى أشهر بالتعاون مع تحالف الصحافيين الاستقصائيين European Investigative Collaborations EIC في أوروبا، وشركاء آخرين من بينهم موقع “درج” بمساعدة تقنية من مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية.
التحقيقات المستندة إلى هذه الوثائق والتي سننشرها خلال الأيام المقبلة، تكشف الأساليب الملتوية التي لجأت إليها شركات أوروبية لتجاوز معايير التصدير الأوروبية والعقوبات المفروضة على ديكتاتوريات، بهدف إبرام العقود المربحة بأي ثمن، حتى بعد التأكد من الانتهاكات التي كانت تحصل على مستوى حقوق الإنسان، والتي وصلت في بعض الحالات إلى القتل، كما حصل في قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
تكشف الوثائق عن بيع نيسكا NEXA (شركة فرنسية تملك صلات مباشرة مع الأليزيه ويواجه مديروها منذ العام 2021 تهمة “التآمر على التعذيب”) تقنيات تجسس على الإنترنت لعدد من الأنظمة، من بينها قوات الجنرال خليفة حفتر المتهم بجرائم حرب، في تجاوز للعقوبات الأوروبيّة التي تمنع بيع الأسلحة الأوروبية إلى ليبيا.
أبرز ما تكشفه وثائق Predator Files يتعلق بالصلة بين شركتي نيكسا NEXA وإنتيليكسا Intellexa، والأخيرة شركة أوروبية على علاقة بضباط مخابرات إسرائيليين سابقين اشتهرت بسبب منتجها “الخارق” بريداتور الذي بيع لثلاث ديكتاتوريات على الأقل، هي مصر وفيتنام ومدغشقر.
يعتبر بريداتور المنافس الأول لتطبيق بيغاسوس Pegasus الذي كُشف عنه منذ سنتين ضمن مشروع أدارته مؤسسة Forbidden Stories الفرنسية، وشارك فيه “درج”.
مثل منافسه الإسرائيلي الصنع، يستطيع بريداتور حصاد أية معلومات موجودة على هواتف ذكية عبر تحويل المايكروفون والكاميرا إلى أجهزة تنصت من دون إعطاء أي إنذار. آخر ضحايا بريداتور، أحمد طنطاوي، المرشح المحتمل للرئاسة في مصر، والذي كشف موقع Citizen Lab الكندي عن تعرض هاتفه للاختراق بين مايو و سبتمبر 2023. هاتف عضو البرلمان والمرشح الرئاسي السابق أيمن نور تعرض أيضاً للاختراق في العام 2021 بحسب تقرير للموقع نفسه.
ذاع صيت التطبيق أيضاً إثر فضيحة Predator Gate في اليونان، حيث كُشف عن استخدام التقنية للتجسس على 75 شخصاً، من بينهم معارضون وصحافيون.
الوثائق تكشف وللمرة الأولى عن العلاقة بين شركة إنتيليكسا (مجموعة مقرها في أوروبا يقودها ضباط مخابرات إسرائيليون سابقون) وشركة نيكسا. كما تكشف تحقيقات Predator Files عن الأساليب التي اتبعتها إدارة نيكسا على مدى أكثر من عشر سنوات لإخفاء علاقتها بشركة فرنسية أخرى اسمها Amesys، واجهت هي الأخرى تهمة “”التآمر على التعذيب” على خلفية بيع أجهزة تنصت استخدمها الديكتاتور معمر القذافي للتنصت على معارضيه وملاحقتهم.
هذه الملفات كلها بدأ التمهيد لها في أوج الربيع العربي، قبل أن تتحول الثورات المطالبة بالحرية إلى حروب أهلية وديكتاتوريات جديدة لا تقل عنفاً وإجراماً عن سابقاتها. بعد أكثر من عشر سنوات، تأتي وثائق Predator Files لتكشف عن الدور الذي لعبته شركات أوروبية ساهمت في تعويم أنظمة متهالكة قبل إعادة إنتاجها بشكل ديكتاتوريات رقمية.
عذراً التعليقات مغلقة