من المعلوم دأب زاوية آل ناصر بتمكَروت ومنذ تأسيسها على يد أبي حفص عمرو بن أحمد الأنصاري في رمضان سنة 983هـ/ 1575 م ، ومرورا بجل الفترات التي شهدت فيها زاوية تمكَروت مجموعة من التطورات الكبيرة، وعلى رأسها ذلك التغيير الذي طرأ على تسميتها، فبعدما تسلم الولي الصالح سيدي امحمد بن ناصر الدرعي الأغلاني زمام أمور الزاوية عقب منية الشيخ الصالح سيدي أحمد بن إبراهيم الأنصاري سنة 1052هـ/ 1642م، وسمت باسمه وصارت تكنى بالزاوية الناصرية، ومنذ هذه الفترة تعاقب أبناء ناصر على مشيخة الزاوية الناصرية بتمكَروت، وطار صيتها في شتى ربوع المملكة، فكان أن أدى هذا إلى تأسيس مجموعة من الفروع التي جعلت من الطريقة الناصرية منهاجا لها.
إن هذا التوسع والانتشار الذي عرفته الطريقة الناصرية كان له أن أدى إلى كثرة المريدين والمتبنين لها؛ مريدون دأبوا على زيارة الزاوية الأم والتبرك بشيوخها والأخذ من مدرستها العلمية التي كانت ذائعة الصيت منافسة لأشهر المنابر العلمية المغربية آنذاك، ليتجلى هنا دور الزاوية العلمي والديني إضافة إلى الدور الثقافي والاجتماعي المتمثل في إيواء الطلبة والمريدين وتوفير الظروف الملائمة لسكنى الزوار التي قد تقصر وقد تطول حسب مراد الوافدين وغاياتهم المتنوعة، وكان من أشهر العلوم التي كانت تدرس في مدرسة الزاوية الناصرية بتمكَروت الفلك والمنطق والفقه والقراءات والحديث واللغة … إلى غير ذلك من العلوم التي تفردت الزاوية ببعضها وشاركت مثيلاتها من المدارس في أخرى.
وحتى ندخل في صلب الموضوع فإن من أهم الأمور التي دأبت عليها الزاوية ومنذ القدم؛ قراءة صحيح الإمام البخاري رضوان الله عليه وشرح أحاديثه، إذ انطلاقا من ليلة القدر يتم الشروع في قراءته في جنبات مسجد الخلوة بحضور المريدين والمحبين للطريقة الناصرية، ليتم اختتامه في العاشر من شهر محرم الحرام من كل سنة في إطار احتفالية كبرى تشهدها المنطقة، ونظرا لكثرة المريدين والأتباع المخلصين للطريقة الناصرية في مختلف أصقاع المملكة فإن الزاوية تشهد في هذه الفترة وفود المآت أو الآلاف في أحيان كثيرة، مريدون تتنوع لكناتهم وسحناتهم وثقافاتهم وانتماءاتهم الجغرافية إذ منهم الدرعي والسوسي والمراكشي والريفي والفيلالي… يجمعهم انتماؤهم للطريقة الناصرية وحبهم لشيوخها ونقبائها ومدرستها العلمية التي قد كان لها الدور الكبير في تنشئة أئمة وعلماء وفقهاء كثر.
هذه الاحتفالية الدينية في الأساس والتي تحمل اسم موسم ” سيدي البخاري” أو ” موسم سيدي أحمد بناصر” لم تعد تقتصر في أهدافها على ما هو ديني فحسب، إذ أن كثرة المريدين والحاضرين فيها قد جعل الكثير من الناس يقومون باستثمار هذه المناسبة لترويج بضائعهم والاسترزاق منها أو تبديلها ببضائع وسلع أخرى ليست موجودة لديهم، ليكتسب الموسم طابعا اقتصاديا إضافة إلى طابعه الديني والاجتماعي، إذ فيه تتمازج الثقافات المختلفة وتتوطد أواصر العلاقات الاجتماعية والاقتصادية بين المريدين من المحليين والوافدين، إضافة إلى كونه مناسبة لنشر الوعي الديني والأخلاقي الذي قد نصت عليه الأحاديث النبوية الواردة في صحيح البخاري أو في غيره من كتب الفقه الشهيرة.
أما حاليا فإن الطابع الاقتصادي هو الغالب على أمر موسم سيدي أحمد بناصر، هذا الطابع الذي يعكس بجلاء كبير ذلك التغير الذي عرفته الاهتمامات البشرية في عصرنا الحالي، إذ في الماضي كان الطابع الغالب هو الطابع الديني، أما حاليا فإن أغلب الحاضرين في الموسم يسعون قبل كل شيء إلى تأمين قوتهم وبيع كل ما لديهم من تمور وبضائع متنوعة لن يجدوا لهم مناسبة أخرى أفضل من هذه لبيعها وكذا لشراء ما يلزمهم من معدات ومواعين وسلع أخرى.
وختاما فلا يسعنا إلا أن نقول أن شمس الزاوية الناصرية منذ أن أشرقت في يومها الأول لاتعرف يوما أهم ولا أعظم من هذا اليوم الذي له مكانة عالية في ديننا الحنيف إذ فيه نجي نبي الله إبراهيم من نيران النمرود، وفيه انتصر سيدنا موسى على سحرة فرعون وانقلبوا بعد كفرهم مؤمنين، كما أنه يوم أحب نبينا الكريم محمد عليه أزكى الصلاة والتسليم صيامه وحببه لنا، أما محليا فإضافة إلى ما سلف فإن هذا اليوم هو يوم تتواصل فيه الأرحام وتتلاقح فيه الثقافات وتتحقق فيه المنافع والغايات، يوم ألفت الزاوية أن ترحب فيه بزوارها وأحبابها وأن تحتضنهم وتلامس تسبيحاتهم وتهليلاتهم.
عذراً التعليقات مغلقة