أبرز المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، في تقرير حول المخطط الأخضر والجيل الأخضر، أن الدعم المالي لتشجيع السقي الموضعي عرف اختلالات تقنية كبيرة واستنزافاً لصناديق الدعم، مما جعل الإعانات بلا فعالية حقيقية على أرض الواقع. كما أن المخطط الأخضر ضغط بشكل كبير على الموارد المائية، خاصة الجوفية، مع ضعف في ترشيد الاستعمال في الزراعات المائية. ناهيك عن إهمال الاستدامة البيئية.
وتوقف التقرير على أن المخطط الأخضر أهمل الأمن الغذائي من خلال التركيز على زراعات موجهة للتصدير (مثل الأفوكادو والبطيخ الأحمر)، مع إهمال الأمن الغذائي والزراعات، فضلا عن التركيز على الفلاحة التصديرية حيث استفادت الركيزة الأولى (الفلاحة العصرية) بشكل أكبر من الدعم، مما أدى إلى تهميش نسبي للركيزة الثانية (الفلاحة التضامنية)، وهو ما أدى إلى اتساع الفوارق بين الفلاحين الكبار الموجهين للتصدير والفلاحين الصغار، وتفاقمت الهشاشة في المناطق البورية التي تعتمد على الأمطار.
وبخصوص مخطط الجيل الأخضر (2020-2030)، فقد رصد التقرير نتائجه الأولية والمتسمة باستمرار تحديات المخطط السابق، فإلى جانب بطء التنفيذ، لا تزال الفوارق مستمرة، حيث الفلاحون الكبار هم المستفيد الأكبر من الدعم والفرص، مما يعمق الفجوة مع الفلاحين الصغار.
كما أن الجيل الأخضر، يكرس الإكراه المائي، حيث يبقى التحدي المائي هو الأبرز، ما يهدد استدامة الاستراتيجية برمتها، إلى جانب التبعية الغذائية، حيث تكرس الأرقام غياب هذه السيادة.
وتوقف التقرير على أن أرقام الأمن الغذائي، تظهر أن المغرب يعتمد بشكل كبير على الاستيراد لتلبية حاجياته الأساسية من الحبوب، حيث يتجاوز حجم الواردات في بعض السنوات حجم الإنتاج المحلي، مما يجعله عرضة لتقلبات الأسواق العالمية ويهدد أمنه الغذائي.
وبخصوص الإجهاد المائي الذي برز مع المخطط الأخضر وتكرس مع الجيل الأخضر، فقد أكد التقرير أنه يمثل التحدي الوجودي الذي يواجه السياسات الفلاحية. وقد أدى التوسع في الزراعات الموجهة للتصدير وذات الاستهلاك المائي المرتفع إلى تفاقم هذا الإجهاد.
وحسب التقرير فإن التوسع في المساحات المسقية، خاصة في إطار مخطط المغرب الأخضر، أدى إلى استنزاف مفرط للفرشات الباطنية في مناطق مثل سوس – ماسة، وزاكورة، والحوز وقد تفاقم هذا الاستنزاف بسبب التوسع في زراعات موجهة للتصدير وتتطلب كميات كبيرة من المياه. وهو ما يزيد من خدته التغير المناخي بتوالي سنوات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة.
واعتبر التقرير أن التناقض الأبرز في السياسة الفلاحية المغربية يكمن في تصدير كميات هائلة من المياه الافتراضية عبر المنتجات الفلاحية، في وقت يعاني فيه البلد من شح ماني غير مسبوق، في ظل التوسع في الزراعات المستهلكة للماء منذ 2008.
وفي هذا الصدد، رصد التقرير أن الأفوكادو يستهلك حوالي 8000 متر مكعب من الماء للهكتار الواحد سنوياً، وتصل بصمته المائية الافتراضية إلى حوالي 1000 لتر لإنتاج كيلو غرام واحد، كما أن البطيخ الأحمر (الدلاح) يستهلك ما بين 3800 و 4300 متر مكعب للهكتار سنوياً، وتتركز زراعته في مناطق تعاني إجهادا مائيا كزاكورة.
أما فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية والمجالية والحكامة، فقد انتقد المعهد تركز الاستثمارات الفلاحية في مناطق محددة ذات إمكانيات مالية وبنية تحتية متطورة، مما أدى إلى تهميش مناطق قروية هشة تعتمد على الزراعة البورية.
ونبه ذات المصدر إلى النتائج الوخيمة لاستنزاف الفرشة المائية، فالساكنة القروية تعاني من ندرة مياه الشرب، وتعميق الفقر، مما أدى إلى هجرة قسرية نحو المدن، كما يؤثر ذلك على قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها.
ولمواجهة التحديات البنيوية وضمان استدامة القطاع الفلاحي، دعا التقرير إلى تبني مقاربة جديدة ترتكز على مبدأ السيادة المائية قبل السيادة الغذائية، والتركيز على الأمن الغذائي الداخلي أولا، عبر إعادة توجيه الدعم والتحفيزات نحو الزراعات التي تضمن الأمن الغذائي الوطني (الحبوب القطاني) وتقليل الاعتماد على الاستيراد. فضلا عن إصلاح الحكامة المالية، بربط الدعم الفلاحي بترشيد الماء، ومنع أو تقييد الزراعات المفرطة في استهلاك للمياه. وتشجيع الزراعات الذكية.



















Sorry Comments are closed